قصة حوار مع "هشام منداري" "" تلقيتُ ليلة يوم أحد، في منتصف شهر يوليوز سنة 2003 مُكالمة هاتفية من أحد الصحافيين المغاربة، يُقيم في العاصمة الفرنسية باريس، استفسرني عما إذا كُنتُ مُهتما بإجراء حوار مع "هشام منداري".. أجبتُه بأنه لا مانع من لدي، من حيث المبدأ، شريطة أن يُجيب على كل الأسئلة، التي سأطرحها عليه.. فقال الزميل المعني: إنه معي، يُمكنك أن تُبلغه شرطك مباشرة.. وكان أن دار بيننا حديث طويل نسبيا. كان "هشام منداري" شخصية مُثيرة للجدل، ومبعثا لكثير من الغموض، خلال السنوات الأخيرة من وفاة الحسن الثاني، وبداية حكم محمد السادس.. فالرجل كان مُقيما حينها في فرنسا، بعدما تم ترحيله من الولاياتالمتحدةالأمريكية، وذاع عبر وسائل الإعلام العالمية، أنه يحوز وثائق غاية في السرية، كفيلة بقلب الأمور رأسا على عقب في المغرب، زكاها تعرضه لمحاولات اغتيال في العاصمة الفرنسية باريس، واشتغل على فكرة تأسيس حزب سياسي في المنفى، تحت اسم "المجلس الوطني للمغاربة الأحرار" وحدد لندن مكانا لإقامة مؤتمره التأسيسي، كما كان يجر وراءه تُهما كثيرة، من العيار الثقيل، منها سرقة أموال وشيكات، ووثائق غاية في السرية، من الخزانة الخاصة للحسن الثاني، وتزوير ملايين الدولارات من العملة البحرينية.. إلخ إلخ، بما كان يجعل فكرة إجراء الحوار، مع رجل "استثنائي" محفوفة بالكثير من المحاذير والتحفظات. قُلتُ لهشام منداري عبر الهاتف: لا مانع من إجراء حوار معك، على أساس نشره في أسبوعية "الصحيفة" بعد الاتفاق مع مُدير نشرها، شريطة أن تُجيب على كل الأسئلة التي سأطرحها عليك.. قبِل الرجل بسرعة أدهشتني بعض الشيء.. ثم انتقلنا للحديث في أمور عديدة، استفسرته مثلا عن "لغز" نسب نفسه لصلب الحسن الثاني، باعتباره ابنا "سريا" له.. فأجاب بشبه استنكار: "واش ما فراسكش هاذ القضية؟" .. لم أجبه، فاسترسل شارحا: "أنا ابن الحسن الثاني، وأمي هي فريدة الشرقاوي".. سألته: "ما سر الخلاف بينك وبين محمد السادس، ومجموعة المُحيطين به؟ أجاب بسرعة: "إيم سيس مايصلاحش، أما الهمة فليس سوى (برهوش) لقد كان يستعطفني من قبل، لأحصل له على بادج من الدرجة الأولى، للدخول إلى أماكن مُحرمة على أمثاله في القصر، هل تدري لماذا؟ كان يُريد أن يظهر ببادج من الدرجة الأولى "باش يفوح قُدام الدريات".. لم يكن هذا سوى غيض من فيض، ما دار بيننا، ليلة ذاك الأحد صيف سنة 2003. في يوم الإثنين الموالي، اقترحتُ اجتماعا لإدارة تحرير أسبوعية "الصحيفة" وطرحتُ فكرة إجراء الحوار مع "هشام المنداري" وِفق الصيغة التي اشترطتُها على المعني، فحصل الاتفاق بالإيجاب.. في تمام الساعة الثامنة مساء، من نفس اليوم، طلبتُ هشام منداري عبر الهاتف، من خلال الرقم الذي كان قد زودني به، وأخبرته بإمكانية إجراء الحوار.. استغرقت الأسئلة والأجوبة، ساعة ونصف كاملة، رد خلالها على كل أسئلتي، حيث كشف لأول مرة عن كواليس أكثر من قضية، منها الاتهامات المُوجهة إليه بالسرقة والنصب، وعلاقته بالمخابرات الأمريكية، وطلاقه من زوجته "حياة الفيلالي" وفكرة تأسيس الحزب... ووو.. غيرها. اشتغلتُ على تفريغ نص الحوار ليلة ذاك الإثنين، حتى ساعة متأخرة، على أساس أن يكون موضوع غلاف العدد الموالي من أسبوعية "الصحيفة".. وتطلبت عملية "البوكلاج" الاستغراق في العمل، حتى منتصف يوم الثلاثاء المُوالي، حيث تم "تنقيح" نص الحوار وِفق صيغة "مقبولة" من إدارة هيئة التحرير، لأغادر مقر الجريدة، وبينما كُنتُ أنتظر في محطة القطار للذهاب للرباط، رن هاتفي النقال، وكان على الطرف الآخر رئيس التحرير "عبد العزيز كوكاس" قال لي: عُد إلى مقر الجريدة، فهناك مُستجد مُهم".. كان هناك جو صمت ثقيل.. قبل أن يقول لي "كوكاس" لقد قرر مُدير النشر بوبكر الجامعي، عدم نشر نص الحوار.. كان التعليل، كما تكفل بنقله إلي حينها "سعاة" بين إدارة الصحيفة وهيئة تحرير هذه الأخيرة، أن "قضية هشام منداري" مثار العديد من الالتباسات، ونشر حوار مع "بطلها" كفيل بمنح السلطة ذريعة للإجهاز على "الصحيفة".. فكان أن اتخذتُ قرار مُغادرة الجريدة المذكورة. وحدث بعد ذلك بنحو سنة، أن قُتِل "هشام منداري" في الجنوب الإسباني، وبالتحديد بأحد أحياء مدينة "مالقا" ليلة 3 – 4 غشت سنة 2004، حيث استقرت رصاصة "مدروسة" في رأسه. وقامت إدارة تحرير "الصحيفة" بالمناسبة، بنشر جزء "مُنقح" من نص الحوار، الذي كُنتُ أجريته مع القتيل، غُفلا من توقيعي، ودون طلب الإذن مني، ولو من باب "الاستشارة".. ليظل النص الكامل للحوار حبيس شريط التسجيل في أدراج أرشيفي. واليوم، وبعد مرور زهاء خمس سنوات، على مقتل "هشام منداري" ما زالت شخصيته وسيرته الغامضتين، مثار جدل سياسي وإعلامي واستخباراتي، ومن آخر حيثات هذا الجدل، صدور كتاب خلال الأشهر القليلة الماضية، بالعاصمة الفرنسية باريس، لمُؤلفه "باتريك بابتونديي" وهو عميل استخبارات سابق، عن بعض حيثيات، مقتل "هشام منداري" تحت عنوان "اذهبوا.. إنني أحميكم". بمناسبة مرور خمس سنوات على ليلة 3- 4 - غشت 2004 التي شهدت مقتل "هشام منداري" أضع لأول مرة النص الكامل للحوار الذي أجريته مع هذا الأخير. تحدثت لي من قبل، في مكالمة هاتفية بيننا، عما أسميته بوجود نوع من خيبة الأمل، في المغرب، بعد نحو أربع سنوات من تولي محمد السادس الحكم، ماذا كنت تقصد بذلك؟ كنتُ أقصد خيبة الأمل، من مما أُطلق عليه من طرف السلطات المغربية، ب "ملك الفقراء".. أي تلك الحملة الدعائية التي تم القيام بها في الخارج، وأخفت حقيقة المغرب، وما يقع فيه فعلا، في حين أن الناس تغيروا في المغرب، فالشباب الذين يظهرون حاليا، سواء في الجيش أو المثقفين، ممن يقرأون أشياء اخرى مختلفة عن بلادهم يعرفون أن الحقيقة غير ذلك.. ماذا تقصد بالتحديد بعبارة "حقيقة المغرب"؟ أقصد بذلك أنه يتم للأسف جعل المغاربة يعيشون في الوهم، إنني أُصور ما يقع في المغرب، بسفينة تغرق، في حين أن قائدها يقول للركب: لا تقلقوا.. باعتبارك كنت مقربا من الحسن الثاني، هل لديك معطيات مُحددة عما تعتبره وضعا سيئا في المغرب، مثل أرقام ووقائع مضبوطة؟ قبل هذا يجب أن أقول لك، أنني كُنتُ ملحقا بإدارة الأمن الخاص للملك (يقصد جهاز أمن للحسن الثاني الذي كان يرأسه محمد المديوري) وفي نفس الوقت مُضطلعا بعدة مهام سرية، لم يكن الحسن الثاني يُريد أن يعلم بها الآخرون، أما فيما يخص الوضع بالغرب، فإنه مبهم وجسيم، فالثروة في البلاد، ليست مُوزعة بشكل سليم، وهذا أمر معروف، لكن هذا لا يمنع من القول أن الحياة، كما تتم في القصر وخارجه، تقدم صورة متناقضة بشكل كبير، حيث يتصرف أشخاص من القصر، في ملايين الدولارات، فأقل شخص قيمة في القصر الملكي، يملك على الأقل، أربعة أو خمسة منازل، ويُرسل أبناءه للدراسة في أوروبا، غير أنه بمجرد ما تبرح صور القصر ببضع خطوات، تجد أناسا لا يملكون ما يأكلونه، ومَن لديه سبعة أبناء بالغين لا يجدون فرص شغل، إن هذا واقع يعلمه الجميع، الحقيقة في المغرب، هي أن كل مؤسسات البلاد توجد في خدمة رجل واحد. تعرضت لمُحاولتي اغتيال مُتتابعتين، في العاصمة الفرنسية، وأقدمت بعدها على خُطوة تأسيس حزب، هل هذا من قبيل التحدي من طرفك للسلطات المغربية؟ اسمع، سأقول لك شيئا، في سنة 1997 قررتُ أنه لا يُناسبني البقاء، في الوسط الذي كُنتُ فيه، ثم إن قضية تزوير الدينار البحريني التي استُعملت ضدي لغايات معينة.. (يصمت قليلا).. أنا لن أقول لك، بأنني رجل لم يرتكب أخطاء (يضحك).. لقد نعتوني بالنصاب.. ومع ذلك يُمكننني أن أقول لك أنه في المغرب، أو بالأحرى في القصر الملكي ثمة 99.99 بالمائة من كبار الموظفين، هم عبارة عن نصابين، فكيف يُلصقون هذه الصفة بي؟ ( يضحك) الأمر الثاني.. هو أن هذا العمل (يقصد قضية تزوير العملة البحرينية) كان مُدبرا منذ مدة طويلة، حتى حينما كُنتُ مُعتقلا، بالولاياتالمتحدةالأمريكية، لقد كانت لي اتصالاتي، وكذلك حينما كُنتُ حرا طليقا، لقد تم الهمس بوجود هذا العمل، ربما من طرف جهاز المخابرات الأمريكية، هل فهمتني؟ كان هذا منذ البداية، ويجب أن تعلم، أنه ليس أنا الذي صنع أمرا من هذا القبيل، يجب أن نفرق مسألة ماضي الشخصي المُضطرب، مهما كان يتضمن.. (يرد على مكالمة هاتفه بلغة غير مفهومة).. لذا فإنه غير صحيح القول، أن هشام منداري أحدث حزبا ليمنح لنفسه صورة إيجابية، لقد كان يكفيني الاتصال، بإحدى كبريات شركات الدعاية المتخصصة في أمريكا، لأحصل على هذه الغاية، إن مسألة تأسيس الحزب غير مُرتبطة بماضي الشخصي. اعترفت لي أيضا خلال مكالمة أمس، أنك استفدت جيدا من وجودك في مكان مهم ضمن محيط الحسن الثاني، ما هي طبيعة هذه الإستفادة، هل كانت ذات مالية أو غيرها، وإلى أي حد كانت؟ بطبيعة الحال تكون الاستفادة مالية.. يكفي أن تُعطي "الكَلْمة" لتحصل مُقابلها على خمسة ملايير.. خمسة ملايير درهم؟ لا خمسة ملايير سنتيم، فمثلا تكفي نصف كلمة لأحد الوزراء، خلال السلام على الملك، أو إلى احد مسؤولي الشركات الأجنبية أو غيره من أصحاب المصلحة، لتساوي الملايير.. الأمر يتعلق برشاوي؟ لقد كانت رشاوي.. (يستدرك) لكن انتظر، إنها رشوة لكنها أيضا عمولة لقاء تدخل معين، أنا لم أكن في منصب وزير الداخلية، بل كُنتُ أتحدث مع المصالح المُعنية لقضاء حاجة صاحبها، وإذا لم تُقض يكون هناك كلام آخر.. بمعنى توظيف كلمة لها وزنها في أوساط الأعمال؟ نعم إنها الكَلْمَة التي لها قيمتها. هل يُمكن ان تقول لنا كم جمعت من المال لقاء توظيف تدخلاتك؟ هل فقط ضمن هذا النوع من المعاملات أم في مجالات أخرى؟ أقصد الكلمة التي كنت توظفها في مجال الأعمال؟ الفكرة هي أنه حينما تكون هناك شركة أجنبية، تُريد الاستثمار في قطاع مُعين، فإنها بدلا من أن تمنح رشاوي من المقدم صعودا حتى إلى الوزير، فإنها تلجأ إلي مُقابل عمولة مُعينة.. وما جمعته في هذا الصدد يُقدر بما بين 40 و50 مليار سنتيم. وماذا عما ذكرتَه لي أيضا، من أنك اضطلعت يوما، بنقل مبلغ مالي من أمير البحرين، إلى أطراف خارجية، بما قيمته 380 مليون دولار، لقاء عُمولة بنشبة 10 بالمائة من المبلغ؟ نعم، إنها قضية العملة البحرينية، "أوباش نشرح أونملح معاك" أقول لك بأنني أزِن الآن ما مقداره 260 مليون دولار، وأرجو ألا تنشر هذا على لساني، بل خذها كمعلومة فقط، غير أن هذه الأموال مُجمدة.. هل صحيح بهذا الصدد أن لك 40 مليون دولار مُجمدة في بنك ألماني؟ (يصمت لوهلة) في الحقيقة يتعلق الأمر بمبلغ قدره 63 مليون أورو.. لماذا تم تجميدها ومنعك من التصرف فيها؟ يجب أن تعلم، أن المغاربة لجأوا إلى تزوير توقيعي، حتى لا أستفيذ من أموالي المودعة في ألمانيا، وبما أنهم يعرفون كشف الحساب فقد وضعوا الشيك المزور في بنك المغرب لفائدة القصر مثلا، وبما أن بنك المغرب، لديه اتصال بكل الأبناك المركزية في العالم، وبالتالي حينما يكون الشيك، موضوعا في بنك المغرب، فإنه بدلا من صرفه في ظرف ثمانية وأربعين ساعة، يُصبح مطلوبا عشرة أيام، وقد استعملوا هذه التقنية، بغاية إفراغ أموال من حسابي في البنك المركزي الألماني، وحينما أخطرتُ البنك المذكور بأن توقيعي قد تم تزويره، عمدت إدارة البنك إلى تجميد حسابي فيه، إلى حين حل قضية التزوير مع القضاء، لقد كنتُ أنا الذي قدمتُ شكوى للبنك، بفحوى أن مبالغ مالية سُرقت من حسابي، فماذا فعل المغاربة، وأقصد هنا مصلحة علابوش وبنبراهيم، في ذلك الوقت (يقصد مُديرية مراقبة التراب الوطني "دي إيس تي") لقد حاولوا إفراغ حساباتي البنكية، وبسبب ذلك، حدثت أمور أخرى من هذا القبيل. هل تقصد مسألة حسابات أخرى نائمة، في أكثر من مكان عبر العالم، بملايين الدولارات، ما علاقتك بالأمر ؟ لا، إن الأمر يتعلق بحسابات نائمة تعود للحسن الثاني. هل ما زالت موجودة؟ نعم، وقد تحولت أوتوماتيكيا إلى مِلكية محمد السادس، ولقد كان هذا هو السبب في عدم صرف عبد الفتاح فرج (يقصد الكاتب الخاص للحسن الثاني الذي يُعتبر بمثابة الصندوق الأسود للمعلومات المرتبطة بثروة الحسن الثاني – توفي سنة 2005 بألمانيا-) من العمل، حيث كان مطلوبا أن يقوم عبد الكريم بناني بإنجاز مهام تمرير الحسابات، وغيرها من الأمور المرتبطة بالثروة الملكية، إلى محمد السادس، وهي عبارة عن حسابات نائمة في أكثر من مكان عبر العالم، منها لندنوالولاياتالمتحدةالأمريكية.. بكم تُقدر ثروة الحسن الثاني عبر حساباته البنكية في الخارج؟ نحو 43 مليار وقِيم أخرى.. في أية أبناك؟ أبناك في فرنساوألمانياوالولاياتالمتحدةالأمريكية، وغيرها.. تكلمتَ مرة عن تحويل طبع العملة، من لندن إلى المغرب، وعن تمرير زهاء مليار سنتيم، بطريقة سرية، خارج حسابات سك النقود، بِم يتعلق الأمر؟ يتعلق الأمر بنحو مليار سنتيم، يتم تحويلها في ظرف زمني، يتراوح بين أسبوع وعشرة أيام، بشكل سري، خارج المُراقبة، حيث يذهب ثلاثة أشخاص من الكتابة الخاصة، إلى دار السكة لينقلوها، في شاحنات بيضاء، ذلك أن المبالغ التي يتم طبعها في دار السكة، تكون متفرقة إلى أكداس، في كل واحدة ما قدره 20 مليون سنتيم، يتم تغليفها بالبلاستيك، وتوضع عليها إشارة (إيتيكيت) تتضمن مُعطيات المُراقبة، التي يضعها المراقب.. ذكرت أن الحزب الذي أسسسته، سيكون من بين المهام التي سيقوم بها، ممارسة ضغط مالي على النظام المغربي، ماذا تقصد بذلك؟ هل تقصد الضغط بصفة عامة؟ تحدثت من قبل عن توفرك على مُعطيات مالية، لإنجاز تقارير بالأرقام للضغط واستخدامها كدلائل لدى المؤسسات المالية الدولية، ما هي تفاصيل هذه المعطيات التي لديك؟ بطبيعة الحال، فالأمر يتعلق بتقارير سنرفعها للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي، للضغط على المغرب "هاذ شي لي تايخدم مع المغاربة".. للدلالة على الثروات التي يبذرها بضعة أشخاص في النظام، في حين يتم طلب قروض جديدة، من الأبناك الدولية وجدولة القديمة، لذا فإن السبيل الوحيد للضغط على النظام، هو إنجاز تقارير مالية في أرض الميدان ، من طرف أُناس لهم المصداقية، وإظهار حقائق الواقع، وهنا يجب أن أقول شيئا مهما، فهناك مَن سيقول عند نشر هذا الاستجواب أنني "باغي نخرج على البلاد".. والتسبب في عدم حصول المغرب، على القروض من المؤسسات المالية الدولية، وما إلى ذلك، إن الغرض مما سنقوم به، في هذا المجال، هو فتح أعين المسؤولين بالمؤسسات المالية الدولية على حقائق الأمور المالية في البلاد.. ما هي مصادرك حول هذه المعطيات الاقتصادية والمالية، هل هي متوفرة على المستوى المغربي أم الدولي؟ إنها موجودة على المستوى الوطني.. هل تحصل عليها عبر رجال أعمال مغاربة لك بهم علاقة؟ بطبيعة الحال، كما هناك السجلات التجارية، والمعطيات البنكية، وكشوف الحسابات.. أي كل المعطيات الميدانية، إن الناس تعبوا من هذا الوضع.. إن الأمور تتدهور، يوما بعد آخر، لتسوء أكثر فأكثر، والمسؤولون يكذبون على الناس "شحال قدهوم يكذبوا؟". اعتبرتَ في حديثي معك عبر الهاتف، أن حكومة التناوب كانت مجرد أكذوبة، وأن المحيط الملكي هو الذي يُسير كل شيء؟ إن مسألة رفض حزبي الاستقلال والاتحاد لصفقة التناوب سنة 1993 ليست سوى خرافة، ذلك أن فكرة حكومة التناوب، كانت في الحقيقة نتيجة للضغط الخارجي، الذي دفع الحسن الثاني، إلى تغيير سياسته بعض الشيء، حيث بدأ في أواخر سني حياته، يهتم بشكل كبير، بتقارير مؤسسات ولجن البحث الدولية، في قطاعات متعددة، سيما تلك التي كان يقوم بها الكونغريس الأمريكي، وباقي ويجب القول أن الضغط الأمريكي كان قويا، للذهاب نحو تجربة حكومة التناوب ربيع سنة 1998، وهناك مسألة مهمة بهذا الصدد، فالحسن الثاني، كان يمنح أهمية كبيرة، أيضا لتقارير أجهزة الاستخبارات القوية، سيما الأمريكية، وكان يعتبرها قناة موازية أساسية، في العمل الديبلوماسي، وهو ما استعملته الأجهزة المذكورة، من أجل زرع الخوف لدى الحسن الثاني، حول ضرورة تغيير المشهد السياسي بالمغرب، والنقاش الذي كان دائرا حينها في القصر، سار في اتجاه طمأنة الحسن الثاني، بأن قادة قِوى المُعارضة آنذاك، لم تكن رغبتهم في تسلم مقاليد تسيير شؤون الحكم فِعليا، بل فقط الحصول على مقاعد حُكومية لا أقل ولا أكثر، وأؤكد لك أنه لا أحد داخل القصر، كان يثق أن حكومة التناوب ستتسلم دفة الأمور، وأن هذه مسألة لن تتحقق أبدا.. ويجب أن يكون المرء نزيها، ليعترف أنه كان وراء العملية برمتها ، رجل يتوفر على طاقة هائلة على العمل هو إدريس البصري.. وماذا كان دور الحسن الثاني؟ ج: بطبيعة الحال كان هو صاحب الفكرة الأساسي، فهو أيضا كان رجلا كبيرا حقا، لا يُمكن لأي كان أن يصل إلى مستواه، وهذا أمر لا يجب أن ننساه، وقد ذكرتُ لك إدريس البصري، لأنه رجل ميدان، اشتغل بشكل استثنائي، والمغرب لا يتوفر حاليا، على نظير له، في مستوى قُدراته الهائلة على العمل. وقد أدى دور الرجل الثاني في الدولة، الذي لا محيد عنه، الذي يتكفل بكل شيء، خير قيام. ماذا عن الخصومات، التي حدثت في القصر، بشأنك، حيث تم اتهِامك بالنصب والسرقة، والفرار إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية، ما الذي حصل بالضبط؟ لم تكن هناك خصومات حقيقية، كل ما في الأمر أنه كانت هناك معلومة خاطئة عني تم نقلها للملك.. بأية معلومة يتعلق الأمر؟ إنها مُرتبطة بسحب أموال من ودائعه البنكية في الخارج، وأن قسطا وافرا من تلك الأموال، ذهبت إلى ضباط عسكريين مغاربة، هربوا إلى إسبانيا، ومنها إلى بريطانيا، وقد كان هناك من استغل جانب البارانويا في شخصية الحسن الثاني، ليقول له: "انظر ها هو هشام الذي وثقت به وقربته منك استغل ذلك وسرق أموالك".. هل صحيح أنك سرقت تلك الأموال؟ نعم.. وقد كان ذلك من أجل قضية عادلة. بأية قضية عادلة يتعلق الأمر؟ (بعد تردد) القضية العادلة مرتبطة بمعاينة الناس مقموعين، ومن أجل تغيير الوضع.. يَنظر إلي البعض باعتباري خائنا، غير أن هذا لا يمنع من أن لدى كل شخص ضميره الذي يحثه على التصرف. كم كان مقدار المبلغ الذي هرَّبته من أرصدة الحسن الثاني؟ "شي كدا وسبعين مليار".. بالدرهم أم السنتيم؟ سنتيم. أصدرت بلاغا، باسم الحزب الذي أسسته، وكشفت عدد أرقام أعضائه في أكثر من بلد أوروبي، ولوحظ أن عدد الموجودين في إسبانيا أكبر من غيرها، لماذا؟ ذلك لأن أعضاء الحزب في إسبانيا، هم أكثر شجاعة، كما أنهم لا يدخلون إلى المغرب، حيث لا يجمعهم بالمغرب، سوى الدماء التي تجري في عروقهم، ويرون بشكل جيد، المسار المنحرف، الذي يمشي فيه المغرب، كما لدينا أشخاص في الحزب، موجودين في المغرب. هناك مَن قال أن في المغرب 200 ضابط جيش محسوب على حزبك، هل هذا صحيح؟ إنهم أزيد من مائتي ضابط. هل ما زالوا في الخدمة بالجيش؟ نعم إنهم ما زالوا يمارسون عملهم، في مختلف فرق الجيش، أذكر منها الدرك والمظليين، وغيرها. ألا تخاف من تسربات تجسس على حزبك؟ لقد حصل ذلك فعلا، عبر بعض الأشخاص، لكن هذا لا يمنعنا من أن نظل في الحزب منفتحين على الجميع. ألا تخاف من مخاطر التجسس على ما تقوم به عبر حزبك؟ إن كوكبة الأشخاص الذين يتخذون القرارات، محصورون جيدا، وهم غير قابلين لمثل هذه التسربات. هذا يعني أنكم تشتغلون بطريقة أولايغارشية، أليس كذلك؟ إنني أتحدث هنا عن ضرورات السرية، التي يجب أن تُحيط بما سنقوم به، وذلك حتى لا يتم تعريض مهماتنا للإجهاظ، وعندما سنعقد مؤتمرنا، لن يكون هناك مجال لعرقلة عملنا، ما الذي سيعرقلون؟ هل جريدة الحزب التي ستبدأ في الكلام؟ وعلى كل حال، فإنه لا يُمكن ضبط كل جوانب التسرب، بنسبة مائة بالمائة، ثم ماذا سيفعل الشخص المُسرب داخل الحزب؟ لن يتجاوز ذلك كتابة تقارير عن أنشطة الحزب وإرسالها للقصر، فليكن، إننا لا نشتغل في سرية مُطلقة، سأحكي لك شيئا يحدث لنا الآن، هناك صحافيون مُزيفون، يطلبونني في الهاتف، وبما أنني أستعمل خدمات مؤسسة للأمن الخاص معروفة عالميا، فإنه سرعان ما يتبين، من خلال فحص الأرقام، أن المُتصلين يطلبونني من أرقام معينة مثل: 7731538 أو غيرها، فنكتشف أن الأمر يتعلق بأرقام لجهاز "دي إيس تي" (يضحك). نُشِر خبر أفاد أنك التقيت كلا من إدريس البصري وحسني بنسليمان، اللذين عرضا عليك صفقة مُعينة للعودة إلى المغرب، هل هذا صحيح؟ الشخصان اللذان عرضا علي فكرة العودة للمغرب، كانا هما بناني والسنوسي.. مَن هما بالتحديد؟ (يجيب باقتضاب على مُكالمة هاتفية بلغة أحنبية غير مفهومة).. يتعلق الأمر بأحمد السنوسي، ممثل المغرب الدائم سابقا في الأممالمتحدة، وعبد الكريم بناني، وهذا الأخير، كان يُمثل مُباشرة شخص الملك، تحدثا في البداية مع محامي الشخصي، في تلك المرحلة واسمه "فيشر" ثم بعد ذلك، وبسبب احتياطات أمنية، كُنتُ أتابع الحديث الذي دار بين الثلاثة، من خلال غرفة مُلحقة (سويت) الإقامة الرئاسية بالفندق، وسألني المحامي ما إذا كنتُ مستعدا لاستقبالهما شخصيا أم لا، التقيتُ فعلا ببناني، الذي كان مُحملا برسالة شخصية من الملك (يقصد الحسن الثاني).. وكان مطلوبا منه، أن يحمل إليه تقريرا عن اللقاء، بناني قال لي حينها: "ماتدير لينا لا صداع لا بلبلة، أوغادي نرجعو ليك فلوسك، أوالحسابات البنكية ديالك فالخارج ماغاديش تبقى مُجمدة".. بعد ذلك أرسلوا لي أمي.. هذا ما حصل. هل صحيح أن بناني والسنوسي اقترحا عليك مبلغ 200 مليون دولار لشراء صمتك؟ لا، كان الأمر يتعلق باستحقاقاتي المالية، التي تعهدا بإرسالها إلي، حيث لم يكن معقولا أن تكون تزن 70 أو 80 مليون دولار ثم تجد نفسك غير قادر على التصرف في أموالك، لذا فقد كان مطلوبا استعادة حق التصرف في أموالي، وهذا كان وعدهم مقابل هذا الطلب "ما ديرش لينا لا صداع لا والو فالصحافة والملك ليس في حاجة لمثل هذه الأمور".. لقد كان هذا هو أساس الاتفاق، غير أنه بمجرد عودتهما عمل ولي العهد (يقصد محمد السادس) على عرقلة الاتفاق بطريقته، سيما أن البصري، الذي كان يُشرف على المفاوضات معي، خاف من ولي العهد، أما عبد الكريم بناني، الذي يُعتبر الرجل الثاني، في الكتابة الخاصة للحسن الثاني، وينجز كل المهام، بالرغم من أنه لم يكن معروفا، فكان له أمل في تسوية الخلافات العالقة معي.. ماذا حدث بعد ذلك؟ السنوسي وبناني كذبا على الملك، حين قالا له أنه تم حل القضية، وهو ما لم يكن صحيحا، وعندما نشرت رسالتي (يقصد رسالة التهديد التي نشرها في شكل إعلان بجريدة الواشنطن بوسط الأمريكية) وحينها غضب الحسن الثاني "أو ضار فيهوم كلهوم ووقع الصداع". غضب الحسن الثاني على مَن بالتحديد؟ غضب على البصري وبناني والسنوسي. وماذا حدث بعد ذلك؟ الذي حدث بعد ذلك، أن الحسن الثاني كلف محمد المديوري بتهدئة الأمور. وهل اتصل بك المديوري لهذا الغرض؟ حاول بعض رجاله الالتقاء بي، غير أنني لأسباب أمنية رفضتُ ذلك، بل لقد تخليتُ عن خدمات محامي الشخصي "فيشر" الذي اتصلوا به لهذا الغرض، واستبدلته بمحام آخر. هل كانت هناك محاولات أخرى للاتصال بك من طرف القصر؟