●أجرى الحوار: يحيى الشيحي تقديم: السيد امبارك اشنيور واحد من الشباب المغربي الطموح، هاجر إلى أوروبا قصد الدراسة والتكوين.. وهناك استطاع، بجديته ومثابرته، أن يتحدى العوائق والصعاب، وأن يندمج في المجتمع الفرنسي، ويحقق النجاح ... وتمكن، من خلال نشاطه الجمعوي والتجاري، أن يقدم لبلاده، ولشباب وطنه، في فرنسا، خاصة في شمالها خدمات جليلة ... غير أن نجاحه هذا أثار عليه نقمة بعض الرسميين المغاربة هناك، الذين اجتهدوا في إقصائه ومحاربته، وعلى رأسهم القنصل المغربي في ليل،.. مما دفعه إلى العودة إلى أرض الوطن حيث سيباشر عملية إعادة اندماجه وسط أسرته ومجتمعه، ويبدأ في نشاطه الجمعوي كرئيس مؤسس لجمعية "أحب ميديترانيا السعيدية، وممارسة مهامه كرجل أعمال... في هذا الحوار الذي ننشرته أسبوعية النهضة الصادرة من مدينة وجدة في المغرب، يستعيد السيد امبارك اشنيور تجربته في الغربة ... وظروف عودته إلى وجدة، ويتحدث عن مشاريعه واستثماراته في وجدة والسعيدية، وعن واقع الاستثمار في الجهة الشرقية، ورؤيته إلى مستقبلها. ● متى غادرت المغرب للاستقرار في فرنسا، ولماذا؟ *السيد اشنيور: رحلت من المغرب نحو فرنسا سنة 1988، وكنت حينها طالبا جامعيا، مسجلا في شعبة البيولوجيا، كما أني كنت بطلا في رياضة الجودو، معروفا على المستوى الجهوي والوطني، حيث كنت لاعبا دوليا، وضمن الفريق الوطني للجودو... ذهابي إلى فرنسا يندرج في إطار رغبتي في متابعة دراستي هناك، خصوصا وأن الأجواء في جامعة وجدة لم تكن مساعدة بتاتا على التحصيل، أضف إلى ذلك أن حلم الهجرة نحو الخارج راودني كأي شاب مغربي... المهم أني اخترت شمال فرنسا للاستقرار والدراسة، واتخذت مدينة ليل، بالضبط، مسكنا لي. في العام الأول سجلت في كلية "Ville neuve d'asiq"، شعبة العلوم البيولوجية، وفي السنة الثانية اجتزت مباراة ولوج مدرسة التجارة والتأمين (DKV)، فرع فرنسا، لأن الشركة ألمانية، وفي سنة 1993 تخرجت من المدرسة، لأصبح نائب مدير شركة التأمين (DKV)، وبعد ذلك مديرا لها... ● نعلم أن كل الوافدين الجدد على أوروبا يعانون من مشاكل السكن ولقمة العيش، والاندماج، ما هي المشاكل التي واجهتك وأنت في بداية مشوارك في فرنسا، وهل عانيت من مسألة الاندماج في المجتمع الفرنسي؟ * في الحقيقة لم أعان من مثل هذه المشاكل، فالإمكانيات المادية كانت متوفرة، وكذلك السكنى (لقد كنت مدربا في رياضة الجودو)، وقد ساعدتني زياراتي وتنقلاتي السابقة، في فرنسا، وعلاقاتي، في إطار رياضة الجودو، على الاندماج بسرعة في المجتمع الفرنسي، وإن كنت شعرت خلال السنة الأولى بنوع من عدم المساواة مع الفرنسيين، لكن مواظبتي وجديتي، وكفاءتي، فضلا عن صدقي، جعلتني أندمج وأحظى بثقة رجال الأعمال الفرنسيين، مما جعل الشركة التي كنت أديرها تتوج كأول شركة حاصلة على أكبر عدد من الأرقام القياسية، وبأحسن رتبة شهرية من حيث رقم المعاملات، وأحسن أجرة شهرية... وبفعل جديتنا أصبحت أول شركة تأمين في شمال فرنسا، وهو ما جلب لي الاحترام والتقدير من طرف العديد من رؤساء شركات التأمين، الذين حاولوا أن يضمونني إليهم. كما أني وضعت استراتيجية للوصول إلىإلى نسج علاقات مع كبار أثرياء فرنسا، قصد استقطابهم للاستثمار في المغرب، خاصة في جهته الشرقية ، وهو ما جعلني أنضم إلى مجموعة ال"13" (Groupe 13)، وهي المجموعة التي تتولى الترخيص أو رفض طلبات المستثمرين الجدد. ● ما ذا استطعت أن تقدم إلى المغرب، وأنت في فرنسا؟ * لقد وهبت حياتي وشبابي للمغرب، وأصارحك بأنه لم يكن يمر يوم في حياتي هناك دون ذكر المغرب، والتحدث عن المغرب، وسبل المساهمة في تنميته والنهوض به. وهكذا عملنا على خلق جمعية، ذات مستوى عال، تهدف إلى تجميع والتعريف بالأطر والكفاءات المغربية العالية، الموجودة في فرنسا، خاصة في شمالها، وجاءت هذه المبادرة بعد تنسيق وتفكير رفقة صديق، ينحدر من مدينة فاس، ويدعى جعفر الصقلي، وهو من أكبر المدراء المعروفين على الصعيد العالمي، في مجال الأوتوماتيك، والذي حصل لي شرف تأسيس جمعية "الأطر العليا للمغاربة (Synergie) رفقته، وقد أخذت شهرة على المستوى الفرنسي، كما أننا قدمنا، رفقة السفيرين أبو أيوب، ومولاي عباس القادري، هذا الذي كان يعزني ويقدرني كثيرا، وهو يشغل الآن مهمة سفير المغرب في بودابست، هدية إلى جلالة الملك والعائلة المالكة، خلال أول زيارة رسمية له إلى باريس، بعد توليه كرسي العرش... وفي سنة 1999 سهرنا على تنظيم وإنجاح سنة "زمن المغرب في فرنسا"، والتي أعتبر أنها كانت سنة ناجحة، بكل المقاييس، من حيث العطاء، والأنشطة والعروض المقدمة، وقد توج الحفل الختامي لسنة "زمن المغرب في فرنس" بحضور جلالة الملك الراحل الحسن الثاني، في أخر زيارة له إلى فرنسا، قبل وفاته، حيث صادفت ذكرى 14 يوليوز،العيد الوطني الفرنسي، وقد سبق استعراض الحرس الجمهوري الفرنسي بالمناسبة، استعراض لتشكيلة الحرس الملكي، نال إعجاب وتقدير المتابعين، وكنت خلاله ألاحظ جلالة الملك الراحل وهو يقف بكل فخر واعتزاز يشاهد اللوحات الاستعراضية التي قدمتها تشكيلة الحرس الملكي، هذا الاستعراض كان باهر وأثر في النفوس، لدرجة أنه أسال دموع العديد من الحاضرين، وضمنهم مسؤولون فرنسيون، ولازلت أتذكر أن بعض الوزراء الفرنسيين أكدوا للصحافة أن "استعراض الحرس الملكي أفضل من استعراض الحرس الجمهوري" (La troupe de la garde royale est mieux que la troupedu garde republicain) وهو ما كان له تأثير وصدى كبير، خصوصا في الشمال الفرنسي حيث لمسنا وجود تقدير واحترام للمغرب وتاريخه وثقافته وتقاليده الأصيلة، من ذلك أن المدرب وحيد (Wahid) ومدرب فريق ليل، الذي صعد بصحبته إلى القسم الأول من البطولة الفرنسية، ومدرب الرجاء سابقا، (الذي كان من سفراء جمعية "أصدقاء المغرب في فرنسا"، والذي كان يقدرني ، وكان مستعدا للتعاون مع فريق المولودية الوجدية)، كان متأثرا بثقافة وتقاليد المغرب، ومعجبا بنمط عيش المغاربة، لدرجة أنه أثث فيلته على الطراز المغربي .... ولعل النجاح الباهر الذي حققته سنة "زمن المغرب في فرنسا"، هو ما دفع إخواننا الجزائريين إلى تنظيم سنة "زمن الجزائر في فرنسا" عام 2000، أي في السنة الموالية. تأثير سنة "زمن المغرب في فرنسا" استمر طويلا، ولا أدل على ذلك، زلة لسان أحد أصدقائي من الوزراء الفرنسيين حينذاك، وهو يتحدث في افتتاح سنة الجزائر في فرنسا، إذ عوض أن يقول "زمن الجزائر"، قال "زمن المغرب"، وهو ما أثار ضحك الحاضرين، وبعد انتهائه من إلقاء كلمته، التفت إلي: وقال:"أ هذا ما فعلت لي السيد اشنيور؟".. وبعدها قلت لماذا لا نضمن استمرارية "زمن المغرب في فرنسا"، ومن هنا جاءت فكرة خلق جمعية "أصدقاء المغرب في فرنسا"التي كنت أنا رئيسها المؤسس، وهي جمعية تجمع كبار التجار، الذين يتعاطفون مع المغرب، وكان هدفها التعريف بالثقافة والتقاليد المغربية العريقة، وخلق توأمات بين المدن الفرنسية ونظيراتها المغربية... كما أذكرك بأنه، خلال هذه الفترة، كانت لدي علاقات مع الطلبة القادمين من المغرب إلى فرنسا، خاصة الذين اختاروا التسجيل في إحدى كليات ليل، إذ كنت أقدم لهم العون والدعم والمساعدة، وأذكر أني استطعت أن أفرض نقل إجراءات تسجيل الطلبة المغاربة، ومسألة أماكن استقرارهم من داخل الولاية، إلى داخل الجامعة التي يدرسون فيها، كما عملت على تيسير مأموريتهم في الإقامة والاستقرار. لقد كان لدي حضور وازن في وسائل الإعلام الفرنسية، وكانت لدي علاقات وطيدة مع بعض القنوات والمحطات الإذاعية الفرنسية، مما جعلهم يصطحبونني وإياهم، في زياراتهم إلى بعض المدن المغربية، مراكش، أكادير، الجديدة... لقد كنا، في جمعية "أصدقاء المغرب في فرنسا" نجتمع، عند كل مناسبة، ونتداول في كل ما يتعلق بالمغرب، وعلى جميع المستويات... وهذا دفع بعض الفرنسيين إلى الاستثمار في المغرب، خاصة في أكادير، مراكش، والصويرة... وقد دعاني الأمير فيليب، أمير بلجيكا إلى غرفة التجارة الفرنسية – البلجيكية، أين طلب مني أن أسهر على تسيير فرع شركة (Europeine security الأوروبية، لم يكن لها فرع في فرنسا. كما التقيت السيدة سها عرفات، أرملة الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات ، عندما حضرت إلى ليل في إطار مؤتمر للنساء. ●لقد كنت من الداعين إلى توأمة وجدة مع ليل الفرنسية، فهلا حدثتنا عن ظروف هذه التوأمة، ولماذا لم تأت الثمار المرجوة منها؟ * في سنة 2002 كتبت رسالة إلى السيدة مارتين أوبريMartine Aubry، اقترحت عليها فيها توأمة مدينة ليل مع إحدى المدن المغربية. ● ولماذا لم تقترح مدينة وجدة، وأنت أحد الغيورين عليها؟ * كانت مدينة ليل ستصبح في سنة 2004 عاصمة أوروبا للثقافة ، وخشيت أن لا تؤخذ وجهة نظري بعين الاعتبار، خاصة وان وجدة، في تلك الفترة، كانت لا تزال مدينة مهمشة. وفي عام 2003 كان هناك معرض للصناع التقلديين المغاربة، في ساحة الجنرال دوغول، وهي من أكبر ساحات مدينة ليل، وهناك التقيت بالسيدة مارتين أوبري، عمدة ليل، وكان حينها الوزير المغربي محمد الحليمي حاضرا، وفي خيمة من الطراز المغربي، نصبتها في ساحة المعرض، سألت السيدة مارتين عن مآل اقتراحي الوارد في المراسلة التي وجهتها لها سنة 2002، في موضوع توأمة ليل مع إحدى المدن المغربية، مؤكدا لها استعدادي لمناقشة الأمر وإياها لشرح تصوري، وأحسم وإياها في اختيار المدينة المغربية المؤهلة لهذه التوأمة، غير أنها فاجأتني بقولها: "بما أنكم أنتم الثلاثة: أنت وعبد اللطيف بنعزي، والأستاذ محمد بشاري، (لم أكن أعرفه من قبل)، من مدينة وجدة، لماذا لا تكون التوأمة مع وجدة ؟"، أجبتها هذا شرف لي وشرف لزملائي، ولمدينتي، وأنا أسعد إنسان على وجه الأرض، لأن وجدة مدينتي، فأعدت سؤالها إن كان الأمر صحيحا أم أنه مزحة فقط، فقالت لي بأنها مثل والدها "جاك دو لور"، لا تتراجع عن كلامها ووعودها، فأشرت لها مازحا أن الذي يوجد بجانبي صحفي يشتغل في أكبر الجرائد في شمال فرنسا، وأنه سينشر بالحرف كل ما قلته لي ، فلم تعترض. وهكذا نشر الخبر على أعمدة الصحافة وانتشر بين الوجديين في شمال فرنسا... ولقد أخبرت عبد اللطيف بنعزي بما جرى حينما التقيته خلال ندوة صحفية، في دار السبتي، في وجدة، فيما التقيت الأستاذ بشاري، في رحاب القصر الملكي، في تطوان، وخلال مأدبة الغذاء التي كان قد أقامها على شرفنا صاحب السمو الملكي الأمير مولاي رشيد، والوزير الأول حينذاك إدريس جطو، أخبرته بما توصلت إليه رفقة عمدة مدينة ليل، غير أنه أجابني مستغربا كيف أن Martine Aubryعمدة ليل، التي ستصبح في سنة 2004 عاصمة الثقافة في أوروبا، تقبل توأمة ليل مع وجدة "المعججة" ؟! . لكن ما أن اقتنع السيد بشاري بالحقيقة، حتى بدا في محاولات ترمي إلى إبعادي عن التوأمة والتحضير لها، والتي عملنا على مدى سنتين من أجل إخراجها إلى حيز الوجود، حيث لم يحترم اقتراحاتي، وجرى تهميشي، لقد كان مقترحي هو أن نعقد توأمة قطاعية حيث تجري توأمة قطاع التعليم مع التعليم، وتوأمة السياحة مع السياحة، والرياضة مع الرياضة، وخاصة الباطرونا مع الباطرونا.... أما السيد عبد اللطيف بنعزي، الذي أكن له كل التقدير والاحترام، فقد ساهم في دعم التحضير للتوأمة، بعيدا عن الأضواء، وقد جاء إلى ليل رفقة زوجته، وأفادنا بتجربته وخبرته.. لقد كانت لدي استراتيجية ونظرة ثاقبة، لم يتم فهمها واستيعابها، فرجال الأعمال في تلك الفترة كانوا يميلون إلى اليمين، بينما كانت عمدة ليل اشتراكية، ولم يكن رجال الأعمال الفرنسيون يكنون لها المودة، إذ كانوا يلقبونها بمدام "35 ساعة" (35h)، في إشارة منهم إلى إصرارها على إقرار مدة 35 ساعة عمل في الأسبوع، لفائدة العمال، وهو ما لم يرق للباطرونا الفرنسيين، ولذلك قلت للسيد بشاري أن يشتغل إلى جانب عمدة ليل، وأتولى أنا التنسيق مع رجال الأعمال، بحكم ترأسي لجمعية "أصدقاء المغرب في فرنسا"، التي كانت تضم عددا كبيرا من رجال الأعمال، وكان غرضي هو جلبهم إلى الاستثمار، في وجدة...خاصة وأني كنت لاعبا للغولف، وربطتني علاقات متينة مع أكبر الباطرونا في فرنسا والعالم. إقصائي أضر بالتوأمة، لقد أراد البعض أن تكون التوأمة بهرجة فقط، بينما ناديت أنا بتوأمة عميقة... لقد تساءل الكثير من رجال الأعمال الفرنسيين، الذين كانوا يعرفونني لماذا أبعدوك عن التوأمة، وأنت الذي عملت من أجلها على مدى سنتين؟ مؤكدين لي أنهم لن يتعاملوا مع المنظمين الجدد لأنهم لا يعرفونهم... لقد قدمت للمغرب الكثير والكثير، وصرفت عشرات الآلاف من الأورو لفائدة فرق وفنانين وممثلين مغاربة، طلبة، مرضى ومعطلين.. عندما كانوا يزورون ليل/ مما أكسبني ود وتقدير جنرالات وولاة الجهة، الذين كانوا يحترمون مواقفي و"لوبياتي"... كما أني شاركت في كل التظاهرات الداعمة للوحدة الترابية للمغرب، بل أني ساهمت في تمويل اكتراء حافلات لنقل المتظاهرين أمام السفارة الجزائرية في لاهاي، في هولندة، دفاعا عن الصحراء المغربية، وكذلك في باريس.. وعلى ذكر باريس ، فقد كنت ذات مرة بصد اقتناء جرائد مغربية، ولما أردت تأديتها لصاحب الكشك، أمره أحدهم، كان خلفي بعدم أخذه الواجب مني لأنه سيسدده مكاني، نظرت خلفي ، فإذا به السيد إدريس البصري، وزير الداخلية المغربي، وقد عرف أني مغربي من خلاله عينه البوليسية، التي تابعت ما انتقيته من مجلات وجرائد مغربية، سألني من أي مدينة مغربية أنت؟، قلت له من وجدة، ودخاني مطعم "لافوكيت" La Fauquets – Paris، أين عرفني على زوجته، وسلمني رقم هاتفه النقال، وهاتف منزله في سطات، وأكد لي أنه سيعرفني على نجله هشام، وأثناء حديثنا قال لي، والحسرة بادية عليه، وكأنه متأسف على أيامه الغابرات: أنت الآن أحسن مني، لأنك لازلت قادرا على خدمة وطنك، وأدركت حينها كم هي جسيمة معاناة من تعود على السلطة، بعد أن يضطر، مكرها، إلى مغادرتها!. ● لماذا لقبك الفرنسيون ب"السيد مغرب "Monsieur Maroc"؟ * لأنني اشتهرت بحبي للمغرب، ودفاعي عن كل ما يتعلق بالمغرب، بل أني وظفت كل إمكانياتي ومعارفي في خدمة المغرب، وكانت لدي هناك مطاعم تحمل أسماء المغرب، ثم أني وأنا في فرنسا كنت حريصا على ارتداء الزي المغربي : خلال جميع المناسبات الوطنية والدينية. نشاطي الناجح، وتأثيري في الأوساط الفرنسية الفاعلة في المجتمع الفرنسي جعلني محط اهتمام وسائل الإعلام الفرنسية، التي كانت تلقبني ب"السيد مغرب"، كما قلت سابقا، ودفع القنصل المغربي في ليل إلى أن يسألني، كل مرة، عن سر اهتمام وسائل الإعلام الفرنسية بي، في حين لا تعيره اهتماما، كنت أعلل ذلك بأقدميتي في المدينة، ونشاطي في المنطقة، وأنه لازال حديث العهد في ليل، ثم إن وسائل الإعلام الأوروبية، وخاصة الفرنسية،ونظرا لاستقلاليتها تفضل التعامل مع الشخصيات غير الرسمية، وفعاليات المجتمع المدني... وحاولت إقناع القنصل بأن الأمر عاد، كما حاولت ربط علاقة تعاون وصداقة معه لمصلحة المغرب، والسفير مولاي عباس القادري شاهد على ذلك، إذ بذل جهدا لمد جسر المودة والتعاون بيني وبين القنصل، لكنه لم يفلح في ذلك، وأشير، هنا، إلى أن مولاي عباس كان يعرفني جيدا ويقدرني ويقدر قدراتي وطاقاتي، ومدى حبي لوطني. وذات يوم أخبرت القنصل عن طريق المراسلة بأن وفدا من رجال الأعمال الفرنسيين سيتوجه إلى المغرب، فطالب بلائحة الوفد، ولما وجد اسمي كرئيس للوفد قام بشطبه، وقال لي بالحرف الواحد من تكون أنت حتى ترأس الوفد؟ فأجبته متهكما أنا مساعد الكاميرامان، الذي يجمع خيوط الكاميرا... المبادرات التي كنت أسعى من ورائها إلى خدمة وطني، لم تجد الترحيب من قبل المسؤولين المغاربة في الخارج، فعملوا على عرقلة إقامة توأمة حقيقية ومجدية مع مدينة ليل، كما أساءوا إلى محاولة استقطاب مستثمرين إلى المغرب، وخاصة إلى الجهة الشرقية، وقد لاحظ كثيرون ممن لبوا الدعوة إلى لقاء وزير المقاولات الصغرى والمتوسطة والصغيرة، وكنت أنا كذلك من المدعوين، حيث حضرت مرتديا الجلباب والطربوش، أي بالزي المغربي التقليدي، وكان السيد القنصل المغربي حاضرا رفقة زوجته، تلك النظرة الحاقدة التي كانت عينا القنصل المغربي في ليل تلاحقني بها، وقد قال لي حينها قنصل الجزائر في ليل: " يجب أن يفتخر بك وطنك، لأنك أنت من بين المسؤولين العرب القلائل، الذي مثلت بلدك أحسن تمثيل". ● ما هي الأسباب والدوافع الحقيقية التي دفعتك إلى العودة إلى المغرب، بعد عشرين عاما من الاستقرار في فرنسا؟ * هناك أسباب عديدة كانت وراء عودتي إلى المغرب بعد استقرار في فرنسا دام زهاء عشرين عاما، وتأتي على رأسها المضايقات والمعاكسات التي تلقيتها من طرف علي الأزرق، القنصل المغربي في ليل، الذي أصر على معاداتي، دون وجه حق، رغم انفتاحي عليه، ومحاولاتي المتكررة لنسج علاقات ودية وطيبة معه، وقد ربطتني علاقات احترام وتعاون مع من سبقوه... ومن أمثلة ذلك، فضلا عما ذكرناه سابقا، أننا نظمنا أمسية في إطار جمعية "أصدقاء المغرب في فرنسا"، تحت شعار: "المغرب يتحرك" (Le Maroc en mouvement)، حضرتها القناة الأولى والثانية المغربيتان، والإذاعة الوطنية، وقبل انطلاق الأمسية لاحظنا السيد علي الأزرق يكثف من اتصالاته، داعيا العديد من الشخصيات الفرنسية والمغربية إلى مقاطعة هذه الأمسية، غير أن جميع محاولاته باءت بالفشل الذريع، حيث عرفت الأمسية نجاحا فائقا، وحضرها، على سبيل الذكر، 14 سيناتورا، وممثلون، وفنانون، وجمعيات من المجتمع المدني، وفعاليات حزبية وسياسية فرنسية متعددة المشارب والتوجهات الإديولوجية... وهو ما زاد من حنق وغيض وحقد القنصل المغربي، في ليل، علي، مما أحبطني، وجعلني أفكر في العودة النهائية إلى المغرب، وقد فعلتها...وقد سبق لي أن قلت له: ذات مرة، بأني قد أترك له فرنسا، إن أصر على مضايقتي ومعاكستي...عملت، في مراكش، مستشارا - Consultant لفرنسا، نظرا للعلاقة المتميزة والوطيدة التي ربطتني، ولازالت تربطني بالفرنسيين، وبعدها عدت إلى وجدة.