حوار خاص: جديد الباحث المغربي الدكتور علال بوتجنكوت ( في مجال اكتشاف وتطوير لقاح " ألزهايمر " Alzheimer بأمريكا ) محمدية بريس / لقد سبق أن نشر ونقل في عدد من المواقع عبر لانترنيت، مقال حول موضوع اكتشاف وتطوير لقاح " ألزهايمر" من طرف الباحث الدكتور علال بوتجنكوت تحت عنوان: (عالم مغربي مكتشف ومطور لقاح داء " ألزهايمر" Alzheimer يغرد في أمريكا). إلا أن الباحث الدكتور علال بوتجنكوت، نظرا لصدقه ونزاهته في مسيرته العلمية، وكذلك تواضعه في علاقته العامة، اتصل بي منذ أكثر من 3 شهور، مقدما لي بعض التوضيحات في ما يخص بعض المعلومات الواردة في المقال الأول المذكور أعلاه. وهذا الاتصال كان سببا في التفكير في إجراء هذا الحوار. ونظرا لتتبع خطوات هذا الباحث الشاب، في مجال اشتغاله العلمي المتواصل، نرى من الواجب أن ننقل للمغاربة وللعرب والمسلمين مستجدات هذا الباحث الفذ، الذي لم ينل من إعلام بلده ووطنه وأمته أي اهتمام يذكر، سواء على المستوى الرسمي أو الغير الرسمي، وذلك عن طريق حوار متميز معه، من خلال الاتصال الإلكتروني، عبر الشبكة العنكبوتية، وهو في أمريكا في أشهر جامعة بنيويورك في العلوم الطبية والبحث الطبي، بالمستشفى الجامعي بمركز لينكون للدراسات الطبية، ذو سمعة وشهرة عالميتين. فمراكز الأبحاث في أوربا والولاياتالمتحدةالأمريكية، تحتضن الكثير من الدكاترة والباحثين المتميزين من العرب والمسلمين، والذين يشغلون مناصب عليا في هذه البلدان الغربية وأمريكا، إذ يساهم جميعهم في تنمية هذه البلدان، دون اعتبار يذكر من طرف بلدانهم الأصلية. لذا، نجد الأطر المغربية المقيمة بالخارج من أساتذة وباحثين ورجال الأعمال والسياسة، من خلال مجهوداتهم وتضحياتهم، يمثلون بجدارة واستحقاق السفراء الحقيقيين للمغرب. لكن لم تمنح لهم أية التفاتة تذكر من بلدهم الأصلي، نتيجة ضعف، إن لم نقل انعدام التواصل مع الدولة الأصلية. إلى جانب عمله وأبحاثه، يتشرف الآن الباحث المغربي الدكتور علال بوتجنكوت، بتمثيل زملائه وإخوانه الدكاترة المغاربة، في مجال الصحة والعلوم الطبية المقيمين بالولاياتالمتحدةالأمريكية. ويعد الدكتور علال بوتجنكوت، بكل ثقة وإصرار، باستمراره في أبحاثه الطبية من أجل خدمة الإنسانية. وهو الآن برفقة زملائه بصدد تطوير لقاحات أخرى، والتي سترى النور في القريب. فلمعرفة مساره العلمي والجديد في مجال أبحاثه، وكذا مواقفه من عدد من القضايا، أجرينا معه الحوار المفتوح المتميز التالي: في البداية، ما هو وقع المقال المنشور عنك في موقع " هيسبريس " وغيره من المواقع الأخرى في نفسك وفي حياتك العلمية؟ باسم الله الرحمن الرحيم أولا وقبل كل شيء، أشكر الأخ الأستاذ بنعيسى احسينات على مجهوداته الشخصية الفريدة، في بلورة مقال حولي وحول مساهمتي في المنجزات العلمية في مجال علوم الطب، المنشور والمنقول في عدد كبير من المواقع، وعلى رأسها موقع " هيسبريس ". لكن بداية، أفضل العنوان التالي: باحث مغربي مساهم في اكتشاف وتطوير لقاح داء " ألزهايمر" Alzheimer...، بدل عنوان المقال المذكور أعلاه في سؤالكم، المنشور سابقا في موقع هيسبريس ومواقع أخرى. كما أنني أوضح ما جاء عرضا في هذا المقال وغيره، لكوني صاحب الاكتشاف الأول، إلا أن الصواب هو أن هذا الاكتشاف، هو في البداية، ثمرة مجهود أربعة من الباحثين منهم أنا، وهم: أسوني أيودجي، علال بوتجنكوت، دافد واترمان، و إنار سكرسن . أعود إلى سؤالكم وأقول: أنا جد متأثر، في الحقيقة، من التعليقات واستفسارات وانتقادات أخواتي المغربيات وإخواني المغاربة. فإني لا أجد العبارات المناسبة للتعبير عن فرحي وسروري وأنا أقرأ هذه التعليقات، التي هي بدون استثناء جد رائعة، وأنا فخور كل الفخر بانتقاداتهم التي هي لي بمثابة تاج على رأسي، يجعلني اشعر بمسئولية أكثر من ذي قبل. فيكفيني شرفا واعترافا ، بهذه التعليقات والانتقادات البناءة، الصادرة من عقول وقلوب واعية صادقة. وكيف تعاملت مع الرسائل التي انهمرت عليك من كل أنحاء العالم، وخاصة من المغرب؟" كيف كانت ردود فعل القراء؟ لقد توصلت بمئات الرسائل الإليكترونية من المغرب على الخصوص وغيره من البلدان الأخرى. في الواقع، لم أتمكن من الإجابة على كل هذا العدد الهائل من الرسائل، نظرا لمسئولياتي الكبيرة وثقل انشغالاتي الدائمة. فمعذرة لكل من لم أتمكن من إجابته أو إجابتها. وأقول شكرا جزيلا لكل من ساهم أو ساهمت بتعليق أو استفسار أو انتقاد، قصد تشجيعي وتصحيح مساري العلمي، من أجل الدفع بي إلى الأمام. هذا يرفع من قيمة الفقراء الذين يخطون بخطوات ثابتة نحو الأمام، متحديين كل الصعاب والمحن. أقول بالمناسبة لأبناء الفقراء في بلدي، أن يجتهدوا ويجدوا، فما ضاع علم وراءه طالب، وكما يقال: لولا أبناء الفقراء لضاع العلم. هل تم الاتصال بك من طرف جهات مغربية، أو عربية سواء كانت رسمية أو غير رسمية؟ لم يتصل بي أحد، سواء من المسئولين في المغرب أو غيرهم. لكن أنا جد فخور بسكان مدينة الخميسات، الذين شرفوني لمرتين بها. هنا أسجل عرفاني وامتناني، لسكان مدينتي الغالية الذين أغمروني بحبهم وبدعمهم، وبتشجيعهم المنقطع النضير، دون أن أنسى طبعا، عرفاني وامتناني الكبيرين، لأبوي وأسرتي الذين منحوني الحياة بعد الله، وضحوا من أجلي بالغالي والنفيس، وكذا للإنسان الذي كان له الفضل الكبير في تبوء مكانتي هذه، ألا وهو الوزير السابق السيد الفاضل الدكتور محمد حدو الشيكر. هذا وأنا من جهتي، سوف لا أدخر جهدا إن شاء الله، في المساهمة الفعالة من أجل جعل مدينة الخميسات تتبوأ المكانة المشرفة بين مدن المغرب، خصوصا في المجال الصحي الذي تفتقر إليه بشكل كبير. أعتقد أنني بدأت مع إخواني من خلال إنشاء مركز جديد، يحمل اسم " مركز التضامن الصحي والتنموي" الذي دشناه في شهر أبريل الماضي 2008، والذي شرفوني إخواني برئاسته الشرفية. لكن تبقى خطوات أخرى تنتظرنا في الدفع بهذا المركز إلى الأمام. ألم تتصل بك قناة الأطلس canal atlas و"بلادي نيت bladi net"، الخاصة بتتبع جالياتنا في الخارج من خلال نجاحاتهم المهنية والعلمية والسياسية؟ ألم تتصل بك قناة عربية ما أو قناة أجنبية؟ أعتقد أن le canal dAtlas et Beladi netاللذان هما المسئولان إعلاميا ورسميا، على متابعة نجاح المغاربة المهاجرين، الذين نطلق عليهم اليوم مغاربة العالم Marocains du monde، وذلك في جميع المجالات، إلا أنه لا تهتم بالأطر المغربية في الخارج، إلا من رحم ربك كما يقولون. لكن لا بد من الاعتراف والتنويه، بمجهودات صاحب الجلالة، ملكنا الشاب محمد السادس في كل المجالات، التي يعترف بها الجميع داخليا وخارجيا. فمجهوداته الجبارة هذه، هي التي تغطي على نواقص الحكومة، وتعمل على وضع قطار الديمقراطية والتنمية عل سكة سليمة وقوية، رغم العوائق الذاتية والموضوعية. كما أنا جد فخور بأخواتي وإخواني الذين يكدون ويجتهدون في صمت ومعاناة في الخارج، وفي مجالات وتخصصات مختلفة. فكلهم أطر وفعاليات، تستحق التنويه والتقدير والتشجيع. فنحن جميعا بعون الله وبحمده، بإمكانياتنا الذاتية المتواضعة، وبمجهداتنا الخلاقة المتواصلة، استطعنا أن نبرهن وبكل فعالية ونجاح، عن قدراتنا وكفاءتنا خارج بلدنا الأصلي، والتي مكنتنا من تحقيق مكانة عالية عن جدارة واستحقاق. أما في ما يتعلق بالقنوات العربية وغيرها، فكما تعلم أنني لا أرضى أن تستغلني قناة أجنبية على حساب سمعة بلدي، ولو كانت عربية، التي تحاول في غالب الأحيان، أن تظهر فقط مساوئ بلادي لا غير. أعتقد أنه من الأحسن ومن الصواب بمكان، أن لا أجري أي حوار أو أي لقاء مع هذا النوع من القنوات... هل من الممكن أن تتحدث لنا باختصار، كيف بدأت تشتغل على مرض ألزهايمر؟ وما هي منجزاتك الشخصية في بلجيكا؟ وكذلك داخل المجموعة الأمريكية، وخاصة في البحث في تطوير لقاح ألزهايمر؟ وبإيجاز تحدث لنا عن مصدر الدعم لإتمام هذا البحث؟ أود أن أبدأ من البداية، حتى أضع القارئ في صورة شمولية وواضحة. وكذلك توضيح بعض الأشياء التي نشرت من قبل. باختصار شديد، مرض "ألزهايمر" (Alzheimer) هو مرض ”انحلالي-عصبي” الذي يتميز بنوعين من التمزق على مستوى الصفائح الهرمية الشيخوخية، وانحلالات” ليف-عصبية”. وتبدأ أعراض هذا المرض في شكل اضطرابات على مستوى الذاكرة، التي تتناقص مع مرور الزمن .وقد يصاب المرضى على إثرها باضطرابات في النطق والإدراك، وكذا السلوكات الحركية . فالمريض يعاني بهذا الداء، من توسع على مستوى البطن الجانبي، وثقب في الشقوق الإيحائية، مع انخفاض في وزن الدماغ، وذالك طبعا مرتبط بالتقدم في السن. لقد بدأت في الأول، بالاشتغال على داء ألزهايمر منذ سنة 2000. فمنذ أن كنت أدرس ببلجيكا، بكلية الطب التابعة للمستشفى الجامعي " إرازم " ببروكسيل، حيث حصلت على دبلوم دراسات المعمقة في علوم الصحة، ثم دكتورة الدولة بها ، كان هدفي مرتكزا في البداية على الفهم الجيد لميكانيزمات، وكذا الجانب الجيني الوراثي لمرض ألزهايمر. ومن أجل التأكد من عملي هذا، طورت وأنتجت نموذجين حيوانيين الحاملين لجينات المرض (transgénique). هذان النموذجان، تم استعمالهما من طرف شركة صيدلانية بباريس التي كانت مشتركة معنا في هذا البحث. لقد قدمت أحد هذه النماذج، في مؤتمر أورون مستريشت (Euron, Mastricht) بهولندا في 2001. وبعد ذلك، قدمت النموذج الثاني مصحوبا بعمل آخر حول مرض ألزهايمر، والذي يتمثل في وضع خريطة توزيع بروتين" طو " (tau) في مختلف نواحي مخ مرضى ألزهايمر بعد موتهم، والتي تم مقارنتها مع الحالات العادية. هذين العملين، قدما في المؤتمر العالمي لمرض ألزهايمر بالسويد في 2002. فمنذ ولوجي المستشفى الجامعي بنيويورك، كنت أشتغل مع زملائي في شعبة الطب النفسي وعلم الأعصاب ، حول العلاج المناعي (l'immunothérapie) لمرض ألزهايمر. ولقد حققنا نتائج جد مرضية في ظرف سنتين التي قضيتها بنيويورك، حيث حاولنا حل المشكل الذي نتج عن اللقاح الأول لألزهايمر، الذي يستهدف ”الأميلويد بيتا”، والذي توقف بسبب تأثيراته الجانبية المتمثلة في ”المينانجيت الرأسي” الملاحَظ عند 6 % من المصابين. أما في ما يتعلق باكتشافنا، فإن فريقنا طور لقاحا جديدا، والمتمثل في ”بيبتيد متفرع عن الأميلويد بيتا 42، الذي هو الأميلويد بيتا 30، والذي يستهدف ”الأميلويد بيتا الخارج خلوي”، وذلك باختزال معدل الأميلويد بيتا بنسبة 37 % على مستوى مخ الحيوانات التي لقحت، بدون تأثيرات جانبية. هذا العمل، قدمته في المؤتمر العالمي لمرض ألزهايمر المنعقد بمدريد عام 2006 . وبعد ذلك، قدمنا في المؤتمر العالمي بشيكاكو 2008 أول لقاح في العالم، الذي طورناه ضد باطلوجية "الطو" (la pathologie Tau)، والذي نشر في جريدة علم الأعصاب في 2007 . لكن النموذج الذي استعملناه، لم يكن مثاليا لهذا الداء. وحتى يصبح هذا اللقاح صالحا لعلاج داء ألزهايمر بصفة حقيقية، وجب أولا، إجراء عدة تجارب أخرى على نماذج حيوانية تحمل باطولوجية "طو" (tau) المشابهة للباطولوجيا التي نجدها عند الإنسان. المشكل هنا هو عدم وجود نموذج حيواني، يحمل الجين المثالي للمرض الذي هو”طو” (Tau)، والذي يعتبر أحد الجينات المسببة لألزهايمر ( .(Alzheimer ولحل هذا الإشكال، قمت بتحمل كامل المسؤولية في تطوير هذا النموذج الحيواني المثالي، فطورت بنجاح، نموذجا حيوانيا يحمل جينيين مزدوجين اللذين نجدهما عند مرضى ألزهايمر ألا وهما "طو" و"بريسلنين". وهكذا جربت على هذا النموذج الجديد اللقاح الذي طورناه ضد "الطو، والذي أعطى نتائج مبهرة مقارنة مع ما حصلنا عليه في النموذج الأول الغير المثالي. وهذا النموذج الجديد أقرب بكثير بالنسبة لمرضى الزهايمر، خاصة، عند توزيع باطولوجية "طو" في المخ. فهذا النموذج الحيواني الجديد واللقاح الذي أجريته عليه باستعمال لقاحنا الجديد ضد الطو، قدمته في المؤتمر العالمي بشيكاكو بصحبة رئيس قسم تخصصي البروفسور سكرسن في 2008. لم يكن مرض ألزهايمر متصفا بباطولوجية (pathologie) واحدة بل اثنتان: الصفائح الهرمية الشيخوخية (plaques séniles) و"الطو" (Tau). والآن سأعطيكم بعض المنجزات التي حققناها في تطوير لقاحات لمرض ألزهايمر مع فريقنا بنيويورك: ففي ما يتعلق بالضرر الباقي المتمثل في الصفائح الهرمية الشيخوخية، توصلنا أخيرا إلى تطوير لقاحه هو الآخر، الذي جربناه على نموذج حيواني المطور للصفائح. هذا اللقاح، ركب بشكل رائع من خلال استعمال لتكنولوجيا عالية، والمستعمل عن طريق الفم (oral vaccine). وقد قدمت النتائج التمهيدية لهذا اللقاح في المؤتمر العالمي لعلم الأعصاب بساندياكو (San diego) 2007 بأمريكا. وبعد سنتين، بينت التحليلات أن هذا اللقاح اختزل نسبة 75% من صفائح مخ الحيوانات، الحاملين للجينات المريضة المعالجة (transgéniques)، وكذا بدون نزيف دقيق كآثار جانبي. هذا العمل المتواضع الذي أتشرف في البداية ك (premier auteur) له، رفقة زميلي فرناندو الذي ساعدني كثيرا، المنشور في المجلة العالمية لمرض ألزهايمر. هذا اللقاح، يعد رائدا، ومن الممكن أن يكون مناسبا لمرضى الزهايمر في المستقبل. لكن، قبل الوصول إلى هذه المرحلة، يجب دائما التحقق من باقي الآثار الجانبية. الشيء الذي سيحتاج إلى سنين عديدة قبل المرور إلى المرحلة السريرية I و II و III. والآن، نقوم بتجريبه على بعض القردة بطريقة أخرى، للتحقق أكثر من النتائج، وكذلك تحليل المضاعفات الجانبية التي قد تنتج عنه. المهم في كل هذا، هو أنه توصل فريقنا إلى التقليل من الباطولوجية (la pathologie) لأول مرة، عن طريق الفم بنجاح للجانب الثاني (deuxième lésion) للمرض. وهذا العمل تم إنجازه من طرف مجموعة من كبار الخبراء وعددهم 9 دكاترة، لكن معظم العمل وتجربته قمت به أنا وزميلي فيرنا ندو بإشراف مجموعة من الأساتذة الأجلاء، منهم على الخصوص، المشرف على الأبحاث د. سكرسن بالمشاركة مع د. بلاص و د. وسنفسكي. وهذا العام (2009)، وكما هو الشأن بالنسبة لباقي السنين، شاركت كذلك في مؤتمر دولي لداء ألزهايمر المقام، بين 11 و 16 يوليوز 2009، في فيينا بالنمسا، إذ قدمت فيه أعمال جديدة. أما في ما يخص الدعم المادي، فالحمد لله، هناك منظمات وجمعيات حكومية وغير حكومية في أمريكا، تقوم بدعم الأبحاث العلمية والطبية بشكل ممتاز. وهكذا حصلت مجموعتنا على دعم مهم جدا، بحيث حصلت أنا شخصيا على دعم مادي لسنة 2008/2009. ثم في الشهر الماضي غشت 2009، حصلت على دعم جديد للسنوات المقبلة، الشيء الذي سيمكنني من متابعة أبحاثي. وأنا هنا جد فخور بهذا، وبدعم الأمريكيين الذي يشجع الأطر والباحثين، للمساهمة بشكل إيجابي في تنمية المجتمع، وعلى الخصوص إيجاد حلول لمعضلة الصحة العمومية. وما هي مشاريعك في هذا المجال في المستقبل القريب؟ أنا الآن، برفقة زملائي الأمريكيين، بصدد تطوير لقاحات أخرى، التي سترى النور مستقبلا. هنا لا أستطيع أن أعطي الكثير من التفاصيل حول هذا الموضوع، لأسباب تنافسية بين العلماء والباحثين على الصعيد العالمي. تحدث لنا عن نشاطك الموازي لأبحاثك. إلى جانب أبحاثي، استطعت أن أؤسس مجلسا أعلى لأطباء ودكاترة البيولوجيا المغاربة بأمريكا، مع زميل لي الدكتور عبد المجيد قاسم الذي أشكره كثيرا. فعندما ناقشت معه المسألة، كان مهتما للغاية. وهكذا كانت الانطلاقة بحمد الله وقوته. كما يمكنني أن أؤكد لك، أنه ليس من السهل هنا جمع الأطر في البداية، وتكوين لجنة تحضيرية. لكن يرجع الفضل هنا إلى مجهودات كل الأطر المؤمنة بالمبدأ، استطعنا أن نكون مكتب التسيير وفقا لانتخابات شفافة ونزيهة، حيث انتخبت على إثرها رئيسا للمجلس، الذي أصبح يشتغل فعليا منذ فاتح يناير 2009 . وهكذا، بدأنا في توسيع المجلس أولا، على صعيد الولاياتالمتحدةالأمريكية، ثم أوروبا، وهذه الأيام بدأنا نناقش خطوات التعاون والانضمام إلى المجلس مع أطر مغاربة بكندا. كما أحيطك علما عن اتصال مهم أسرني كثيرا، وهو أنني قمت أنا وزملائي في المجلس، بالاتصال بالوزير المكلف بالجالية المغربية بالخارج السيد محمد عامر، من أجل إمكانية التعاون المثمر مع بلدنا الحبيب المغرب. وذلك عن طريق مستشارته الأخت سنصار خديجة التي يرجع لها الفضل مشكورة في هذا الاتصال. في الحقيقة الجواب كان إيجابيا جدا، حيث مكننا السيد الوزير، من الاتصال مباشرة مع المركز الوطني للبحث والتكنولوجيا في المغرب (CNRST). حاليا، نحن بصدد الاشتغال على مسطرة التعاون بين مجلسنا الفتي، والمركز المغربي المذكور أعلاه. فلقد توصلنا أخيرا برسالة إليكترونية من المركز، يعلن فيه عن استعداده للتعاون معنا. ونحن قريبا، نهيئ برنامجا لهذا التعاون. إن الشيء الذي لا أنساه أبدا، هو الاستقبال الحار الذي خصته لي ساكنة وأطر مدينة الخميسات إثر نشاطين اللذين هما عبارة عن محاضرتين لشرح مرض ألزهايمر الذي لا يعرفون عنه شيئا. الأولى بتاريخ 31 أكتوبر 2008، الذي انبثقت عنه فكرة إنشاء " مركز التضامن الصحي والتنموي "، والذي تم الإعلان عنه، وتدشين أول عمل له في النشاط الثاني، الذي قدمت فيه محاضرة حول مرض "ألزهايمر" ومرض "باركنسون"، وذلك بتاريخ 15 أبرسل 2009. ولتفعيل هذا المركز الذي شرفوني مؤسسيه برئاسته الشرفية، لا زلنا ننتظر دائما رد عامل إقليمالخميسات عن الملف الذي قدم إليه من طرف الرئيس المحلي للمركز السيد إدريس قداري. وبالمناسبة، أشكر السيد الباشا الذي حضر هذا الميلاد الجديد نيابة عن السيد العامل، كما أشكر السيد مندوب الصحة العمومية ورئيس هيئة الأطباء بالإقليم، وكذا الكاتب العام للأطباء، والكاتب العام لأطباء الأسنان، الذي أبرم معه المركز أول شراكة، وكذا شخصيات أخرى من صيادلة و أطباء والمواطنين، الذين حضروا جميعهم ميلاد هذا المركز، دون أن أنسى أن أشكر جزيل الشكر، المنظمين الأساسيين لهذه التظاهرة وهما: السيد إدريس قداري والسيد هبيل علي أحمو. كيف ترى مستقبلا، البحث العلمي بصفة عامة، وفي ميدان الصحة في المغرب بصفة خاصة؟ وهل يمكن لكم المساهمة في تفعيله؟ لم نختر الهجرة، بل الهجرة هي التي اختارتنا بعنف وقسوة في غالب الأحيان. لم نطلب في يوم من الأيام شيئا من دولتنا، بل هي التي همشتنا وأقصتنا ورمتنا في سلة النسيان. والحمد لله، حققنا المعجزات يعترف بها الأجنبي بكل تقدير واحترام. فنحن فخورون بما حققناه. إلا أننا نعلم علم اليقين أن نجاحنا يؤرق ويقلق البعض في حكومتنا، لأنهم يخشون ويتذمرون من كفاءاتنا المنتشرة في العالم. فهم يريدون عملتنا الصعبة لا عقولنا وأبحاثنا التي يمكن أن تساهم في تقدم بلدنا. فإذا كانت دولتنا تريد تطوير نظامها التعليمي وخصوصا نظام البحث العلمي في بلادنا، فلها كفاءات مهمة في الداخل، كما لها كفاءات في الخارج، فما عليها إلا دعوة هذه الكفاءات للمساهمة بشكل فعال في تشييد وبناء البحث العلمي، الذي يعيش أزمة وتخلفا كبيرين بشهادة الجميع، نتيجة القيود المفروضة عليه. فإذا ما كانت الشروط مواتية، وتم تفعيل تعليمات صاحب الجلالة في مجال إصلاح منظومة التربية والتعليم بما في ذلك البحث العلمي، فإننا لا نرى مانعا يحيدنا عن التدخل والمساهمة في تنمية بلادنا، لأننا السفراء الحقيقيون لبلادنا في المهجر، رغم ما نعانيه ونقاسه هناك. فلماذا لا تفعل الدولة مع أطرنا من علماء وباحثين في المهجر، ما تفعله مع المحترفين مثلا في كرة القدم، في أوروبا وغيرها، إذ تختار منهم عناصر جيدة، تكون منهم فريقا وطنيا إلى جانب بعض اللاعبين الممتازين المحليين؟ ألم يستطع فريق أطرنا وباحثينا في الخارج حمل القميص الوطني، والدفاع عنه في مجال البحث العلمي وغيره، إذا ما توفرت الظروف وتهيأت الشروط لذلك؟ ما نلاحظه مع الأسف، هو أنه كلما أنجز بطل مغربي في إحدى الرياضات (ألعاب القوى على سبيل المثال) رقما قياسيا، طبل وهلل المغاربة بجميع فئاتهم ومسئوليهم. لكن المغاربة في الحقيقة، لا يعرفون شيئا عن المغاربة في الخارج، الذين يحققون أرقاما قياسية في مجال العلم والطب وغيره على المستوى العالمي، والذين تقدم أعمالهم في مؤتمرات عالمية أمام آلاف من الخبراء والعلماء العالميين، ولا أحد يتحدث عن ذلك، سواء بشكل رسمي أو غير رسمي. ففي كل بلدان العالم، هناك جوائز تخصص كل سنة من طرف رؤساء الدول وملوكها أو من طرف الحكومات وجمعيات المجتمع المدني، تمنح للخبراء والعلماء والأدباء الذين أضافوا شيئا جديدا ومهما لبلدهم. لكن في بلادنا مع الأسف، نعطي بغير حساب للمغنيين والمغنيات الأجانب والأجنبيات، بمناسبة وبغير مناسبة، بدل تنمية وتطوير نظامنا التعليمي، بما في ذلك البحث العلمي، الذي هو قاطرة التنمية الشاملة المستدامة، وكذلك تنمية قطاع الصحة الذي يبقى المشكل الكبير والعويص في بلادنا. هل هناك اقتراحات عملية تراها ذات جدوى وضرورة ملحة في هذا المجال؟ إن الشيء الذي يقلقني ويقلق جل الأطر المغربية في الخارج هو: إلى متى ستتحلى حكوماتنا بالشجاعة الكافية والإرادة اللازمة، لبناء مراكز كبرى للبحث العلمي في مختلف التخصصات، ودعوة الأطر المشتغلة في الخارج، للمشاركة والمساهمة فيها ولو موسميا، شريطة تجنب العلاقات الزبونية والمحسوبية في اختيار هؤلاء، وفي اختيار من سيترأس هذه المراكز. أما فيما يتعلق بالبحث العلمي في الميدان العلمي والصحي، نجد أنه إلى يومنا هذا، فالمغرب لم يعط بعد أهمية للموضوع بالشكل الكافي، لأن هناك نقص في الوسائل، كما يتم التذرع بذلك في كل المناسبات. وكما تعلم ويعلم كل المغاربة، أنه تنفق الملايين على المهرجانات هنا وهناك، من أجل الغناء والرقص، في حين لدينا خزان كبير من الأطر ذوي الشهادات العليا في تخصصات مختلفة، إما في الخارج، أو في الداخل في الأماكن الغير المناسبة، وإما في الشارع، الواقفون أمام البرلمان وقفات احتجاجية طلبا للعمل، يتعرضون للضرب والتنكيل. في الحقيقة أجد شخصيا، أن هذا في منتهى عدم احترام الكائن الإنساني، وعدم الاكتراث به. وهذا مضر لسمعة بلادنا الجميلة تحت قيادة ملك شاب طموح. ألا يفكر أطباء وعلماء المغرب والعرب والمسلمين المقيمين بأمريكا المساهمة في تطوير البحث العلمي في المغرب والوطن العربي والعالم الإسلامي؟ في الواقع، لي رغبة كبيرة، إلى جانب زملائي بالمجلس، في اقتراح أفكار في تطوير البحث العلمي في المغرب، لكن نعلم مسبقا أنها ستكون صيحة في فراغ. لذا، لا يمكن أن تكون اقتراحاتنا ذات جدوى، إلا إذا كنا داخل إطار مسئول. وهذا ما نحاول فعله من خلال مجلسنا الأعلى الذي تحدثت عنه سابقا. فليس هناك في الواقع، باحث مغربي أو عربي أو مسلم في المهجر يرفض المساهمة، إذا ما فتحت لهم دولتهم الأصلية ذراعيها، وطلبت منهم المساهمة في تنمية وتطوير البحث العلمي ونظام التعليم. المشكل هو أن الطبقة الحاكمة لا ترغب في مساهمة أطرنا في الخارج، لأنه ليس هناك إنسان مناسب في المكان المناسب. لكن إذا ما تغيرت الأحوال، ونتمنى ذلك في عهد ملكنا الشاب محمد السادس، الذي أبان على استعداد كبير للتغيير، فنحن على استعداد كامل للمساهمة في تنمية بلادنا في كل المجالات، مهما كلفنا ذالك من جهد وتضحيات، لأننا نحب بلدنا وملكنا حبا كبيرا، ولا نريد لهما إلا الخير والتقدم والرفاهية... ما هي الرسالة التي تريد أن توجهها إلى أبناء المغرب في الخارج؟ وإلى المسئولين في المغرب وفي الوطن العربي والعالم الإسلامي؟ في الحقيقة، جل المغاربة عباقرة؛ والدليل على ذلك، ما عليك إلا زيارة قصيرة في مراكز البحث العلمي بأوروبا وبأمريكا، ستفاجأ بعدد كبير من الكفاءات العالية في مختلف الاختصاصات. المشكل هو أن صحافتنا وحكومتنا لا تتابع نشاط هؤلاء بالخارج، باستثناء بعض البرامج المحتشمة تبث عن طريق التلفاز، تخصص من حين لآخر لبعض المحضوضين من هؤلاء، يعلم الله ما وراء هذا البث من أسرار. لكن مسئولينا يجهلون وجودنا منذ زمن طويل، إلا من رحم ربك. ومن المعروف في المغرب، أن أبناء الأغنياء وأبناء المسئولين الكبار، يرسلون إلى الخارج لتهيئ شهادات، في الغالب تكون بسيطة، بمنحة أو منحتين، على حساب المال العام ودافعي الضرائب. وعندما يعودون يجدون وظائف ممتازة في انتظارهم. فأين مكانة أبناء الفقراء الذين يحطمون أرقاما قياسية، في المجال العلمي والمعرفي، في الداخل والخارج؟؟ فكما تعلم، نحن محكومون بالمكوث في بلاد الغربة والعيش فيها. فحكومتنا هي التي دفعتنا إلى ذلك، لأنها لم تقم بأية محاولة استقطاب أو إدماج أو طلب مساهمة أو تعاون، من أطرنا وباحثينا في الخارج، المستعدين للانخراط في تنمية بلدهم وتقدمه. فكل حكومة جديدة، بدون استثناء، تعين في المناصب العليا والحساسة أبناءها وأقاربها لا غير. فهذا هو الشيء الذي لا يسمح للمغرب أن يتقدم. لأنه ليس هناك وضوح وشفافية. وليس هناك التفكير في الإنسان المناسب في المكان المناسب. إن رسالتي الموجهة إلى المغاربة عبر العالم هي: إن مغربنا الحبيب في حاجة ماسة إلينا اليوم قبل الغد. لا بد أن نأخذ المبادرة وندق الأبواب على حكومتنا، نشعرهم بوجودنا وباستعدادنا الكامل للمساهمة في بناء هذا الوطن إلى جانب ملكنا الشاب، كل من موقعه الفردي أو الجماعي أو الجمعوي، كما فعلت مع رفاقي في المجلس مع وزير الجالية المغربية بالخارج والمركز الوطني للبحث والتكنولوجيا في المغرب (CNRST). لا يمكن أن نتشاءم ونبقى مكتوفي الأيد ننتظر. علينا أن لا نفقد الأمل، ونضحي بالغني والنفيس من أجل وطننا، لأننا مغاربة أحرار، ولأن عائلتنا وإخواننا هناك، ولأن واجبنا الوطني والديني يقتضي ذلك. وكل ما أتمناه هو أن تتاح الفرص لشبابنا لمتابعة دراستهم في أحسن الظروف وأنسب الشروط، والحصول على شهادات مهمة بكل تفاؤل وأمل، من أجل المساهمة في بناء هذا البلد الغالي الجميل. أما بالنسبة للبلدان العربية والإسلامية، فرسالتي بسيطة جدا، هو أن يفتحوا الباب لأطرهم في الخارج حتى يساهموا في بناء وتقدم دولهم الأصلية. بالمناسبة، أنوه بالعربية السعودية والإمارات العربية و قطر، ببناء مركبات البحث الطبي والعلمي، وهم الآن بصدد تعيين الخبراء بهذه المركبات، من أبنائهم الموجودين بالخارج. وهذا رائع جدا، وأهنئ هذه الدول على هذا الإنجاز العظيم. أتمنى أن تحذو حذوهم الدول العربية الأخرى، ومنهم المغرب طبعا، والدول الإسلامية، فلا شيء ينقصهم إلا الإرادة الحق والنية الحسنة، وليس ذلك على الله بعزيز... هل من كلمة أخيرة؟ في النهاية، أشكر الأخ الأستاذ بنعيسى احسينات جزيل الشكر، على إتاحتي هذه الفرصة الناذرة، التي مكنتني من اللقاء بالقراء والمهتمين بمجال العلم والمعرفة مرة أخرى، كما أنني أأكد مرة أخرى، أن هذين اللقاحين نجحا، إلى حد الآن، على النموذج الحيواني فقط. لكن لا زالت أمامنا عدة سنوات للتأكد عبر التحليلات من الآثار الجانبية. وإذا ما نجحت هذه التحليلات، سوف ننتقل إلى المرحلة السريرية I و II و III.. أتمنى من العلي القدير أن يوفقنا لما فيه الخير للإنسانية جمعاء، إنه سميع عليم.. والسلام عليكم./. خاتمة: في ختام هذا الحوار الشيق والمفيد، لا يسعني إلا أن أنوه بالباحث الدكتور علال بوتجنكوت، وأشكره على سعة صدره ورحابة فكره، وتواضعه الكبير وصراحته الفائقة، وكذا صبره على تحمل عناء الإجابة على أسئلة هذا الحوار، رغم انشغالاته الكبيرة والتزاماته الكثيرة. في الحقيقة، يعتبر العالم البروفسور علال بوتجنكوت، الذي أعرفه منذ صغره، كونه تجاوز إعاقة الفقر والحاجة بالكفاح والصمود والتحدي بشكل مستميت، لتبوء المكانة التي وصل إليها، فهو مثال الصدق والتواضع والاستقامة والتفاني في العمل وحب الوطن والغيرة عليه. بهذا، يعتبر النموذج المثالي الواجب الاحتذاء به بكل فخر واعتزاز، من طرف شبابنا في المغرب وخارج المغرب. هناك أطر ممتازة في المغرب وخارجه، في مختلف المجالات والتخصصات، تحتاج فقط إلى الاهتمام والعناية وإزالة غبار النسيان عليها، لتساهم في تنمية وبناء وتقدم هذا الوطن الذي نحبه جميعا. نتمنى للعالم البروفسور علال بوتجنكوت النجاح والتوفيق في عمله، والمزيد من الاجتهاد والصمود والتحدي، في سبيل الحق والخير وخدمة الإنسانية، والله لا يضيع أجر من أحسن عملا، وهو السميع العليم./. ------------------------ من إنجاز: ذ. بنعيسى احسينات