أصبح مألوفا سماع وجود كفاءات من الأطر العليا المغربية بالخارج في تخصصات مختلفة، لاسيما في دول مثل فرنسا، كنداوبلجيكا، وحتى أمريكا حيث يتقلد المغاربة هناك أعلى المناصب السياسية ويديرون مشاريع وشركات ذات صيت عالمي، لكن على غير المعتاد أن نسمع عن علماء وباحثين في تخصصات علمية مختلفة في مراكز البحث ذات شهرة عالمية في الغرب وأمريكا. "" إلا أنه من الغريب أن يسطع نجم أحد هؤلاء في الغرب أو في أمريكا أو هما معا دون التفاتة واهتمام بلده الأصلي به وبنتائج بحثه وبشهرته العالمية في مجال تخصصه أو اكتشافاته. فأين دور الإعلام؟ وأين دور السفارات والقنصليات؟ وأين دور وزارة الخارجية؟ وأين دور وزارة التربية الوطنية والتعليم العالي وتكوين الأطر والبحث العلمي..؟ سطع نجم البروفيسور الدكتور علال بوتاجنكوت العالم المغربي الأصل والبلجيكي مؤخرا ، بعد اكتشافه إلى جانب ثلاثة علماء أمريكيين ب ”مركز لانكون للدراسات الطبية” التابع ل ”جامعة نيويورك” الشهيرة، أول لقاح لداء ألزهايمر Alzheimer وعمل لوحده على تطويره باكتشاف لقاح جديد لهذا الداء الخطير الفتاك. هذا الحدث العلمي العالمي المتميز تناولته المجلات العلمية المتخصصة ووسائل الإعلام الأمريكية والأوروبية في غياب أي دور لوسائل الإعلام المغربية و العربية ووزارة الصحة العمومية بالمغرب. لولا أبناء الفقراء لضاع العلم ولد البروفسور علال بوتاجنكوت بآيت واحي ناحية الخميسات في 1965 ،ثم تابع دراسته الابتدائية والثانوية بالخميسات والجامعية بالرباط ، وكان هدفه حينها متابعة دراسته بالخارج لنيل الدكتوراه في العلوم الطبية، الشيء الذي تعذر حينها بسبب ظروفه العائلة المحدودة جدا. وبإلحاحه المستميت وتضحياته الكبيرة استطاع الحصول على مساعدة للحصول على منحة لإكمال الدراسة بالخارج في بلجيكا. كان علال بوتاجنكوت أول مغربي بمدينة ”سانت نيكلاس” البلجيكية يحصل على دكتوراه الدولة بكلية الطب ببروكسيل. وقد أجرى بحثه حينذاك بالكلية ومستشفى ”إيرازم” حول مرض "الزهايمر" (Alzheimer) بالإضافة إلى البحث المرافق حول مرض ”باركينسون” (Parkinson)المعروف. وقد أنهى حينها البحثين معا بنجاح كبير وفي نفس اليوم. وبعد أسبوع من هذا النجاح، جاءته دعوة عمل من مركز ”لانكون للدراسات الطبية” مصلحة طب الأمراض العقلية والعصبية بنيويورك، حيث خاض هذه المغامرة تاركا وراءه زوجته وابنته ببلجيكا، إذ يقوم بزيارتهما مرة كل ثلاثة أشهر ، ثم عُين أستاذا مساعدا بكلية الطب بنيويورك. وكان هذا التعيين حدثا هاما باعتبار المدة الزمنية القصيرة التي تم فيها تعيينه بهذا المستشفى الجامعي بمركز لينكون للدراسات الطبية، خصوصا أنه يتمتع بسمعة و شهرة عالمية. وأمام هذا الإنجاز العظيم لا يسعنا سوى إعادة النظر في مقولة تخلينا عنها بالمرة وهي القائلة: " لولا أبناء الفقراء لضاع العلم ". كيف قضى عالم مغربي على مرض الزهايمر الفتاك يقول البروفسور علال بوتاجنكوت عن مرض الزهايمر الفتاك Alzheimer أنه مرض ”انحلالي-عصبي” يتميز بنوعين من التمزق على مستوى الصفائح الهرمية، و انحلالات” ليف-عصبية” . وتبدأ أعراض هذا المرض في شكل اضطرابات على مستوى الذاكرة التي تتناقص مع مرور الزمن. ويصاب المرضى على إثرها باضطرابات في النطق والإدراك وكذا السلوكات الحركية. لقد انصبت أبحاث البروفسور علال بوتاجنكوت بالأساس على فهم ميكانيزمات المسالك المرضية والعلاجية للمسببين الرئيسيين لداء الزهايمر وهما: - الصفائح الهرمية أوالشيخوخية، والتي هي عبارة عن رواسب خارج الخلايا ل”الأميلويد بيتا” المكون من بوليببتيد ذي 39 إلى 43 حمضا أمينيا، حيث يعتبر الأميلويد بيتا 42 أخطرها. - وأيضا الانحلالات الليف-عصبية.. ويعاني المريض بهذا الداء من توسع على مستوى البطين الجانبي وثقب في الشقوق الإحائية مع انخفاض في وزن الدماغ. وقبل اكتشاف اللقاح، لم يكن هناك دواء يقضي على مرض ألزهايمر، لحد الآن حسب البروفيسور بوتاجنكوت. هناك فقط خمسة (5) أدوية تهدف إلى تأخير (تبطيء) تطور المرض، لكن في مرحلته الأولى فقط. لكن المشكل الحقيقي هو عدم وجود تشخيص وقائي للمرض؛ خصوصا وأن غالبية المرضى يأتون إلى الطبيب في مرحلة متأخرة، مما يجعل تلك الأدوية غير مجدية. بدأ اكتشاف البروفيسور بوتاجنكوت الأول عندما حلّل التعبير الجيني لما يسمى ب”طو” وكذا بروتين ”طو” المتواجد بعدة مناطق بالمخ في الحالة الموجبة والسلبية للمرض. ثم قام بتحديد نموذجين جينيين لمرض ألزهايمر، حيث تقوم إحدى المراكز العلمية الصيدلية بباريس باستعمالهما في أبحاثها. وقد قدم هاته الأعمال في المؤتمر العالمي لمرض ألزهايمر بالسويد عام 2002 . وبعد فترة السنتين التي قضيتها بنيويورك، حاول مع رفاقه حل المشكل الذي نتج عن اللقاح الأول لألزهايمر الذي يستهدف ”الأميلويد بيتا”، والذي توقف بسبب تأثيراته الجانبية المتمثلة في ”المينانجيت الرأسي” الملاحَظ عند 6% من المصابين.أما اكتشافه، فقد طور فريقه لقاحا جديدا والمتمثل في ”بيبتيد متفرع عن الأميلويد بيتا ,”42 والذي يستهدف ”الأميلويد بيتا الخارج خلوي”، وذلك باختزال معدل الأميلويد بيتا بنسبة 46% على مستوى المخ و بدون تأثيرات جانبية.وكنت قد قدم هذا العمل في المؤتمر الدولي لمرض ألزهايمر المنعقد بمدريد عام2006. وخلال المؤتمر العالمي الأخير لمرض "ألزهايمر" المنعقد بشيكاغو 2008 قام البروفيسور علال بوتاجنكوت بتقديم لقاح ضد هذا المرض، وهو اللقاح الأول في العالم الذي تم تطويره ضد المتلازمة المرضية ”طو” المسببة لداء الزهايمر، من قبل فريق العلاج المناعاتي الذي ينتمي إليه. لم يساعده أحد في هذا الاكتشاف ”للنموذج الجيني المزدوج”، بل كانت فكرته الشخصية، حتى إن مسئول المصلحة التي يعمل بها لم يتقبل المساهمة معه في هذا البحث. وقد نشر هذا البحث الأول بجريدة ”نوروسيانس” الأمريكية في 15 غشت 2007. وحتى يصبح هذا اللقاح صالحا لعلاج داء ألزهايمر بصفة حقيقية، وجب أولا إجراء عدة تجارب أخرى على نماذج جينية أخرى، حيث يمكن الحصول على نفس النتائج. المشكل هنا هو عدم وجود نموذج جيني مثالي للمرض ”طو” المسبب لألزهايمر .Alzheimer ولحل هذا الإشكال، قام بتحمل كامل المسؤولية في تطوير هذا النموذج الجيني المثالي، فطور بنجاح نموذجا جينيا مزدوجا جديدا مثاليا للمرض المتلازم ”طو”، هذا النموذج المزدوج يعبر عن جينيتين للإنسان؛ المتدخلتين في داء ألزهايمر وهما : ”طو ” و "بيرينيلين." وفي النهاية استطاع أن يبرهن بطريقة مقنعة بأن النموذج الجديد يعمل بشكل فعال ومثالي في المرض الملازم ”طو” لداء ألزهايمرAlzheimer، كما أن اللقاح الجديد ضد الانحلال ”الليف-عصبي” يعمل بطريقة مدهشة على مستوى النموذج الجيني المثالي الجديد الذي اكتشفه. وتم تقديم الاكتشافين في المؤتمر الدولي لمرض ألزهايمر Alzheimer بشيكاغو المنعقد ما بين 26 و 32 يوليوز 2008 حيث لقي نجاحا مبهرا. هذا اللقاح الذي اكتشفه برفقة فريق البحث بنيويورك وتم تطويره لوحده كما أسلف ذكره، لا يتم اعتماده في العلاجات السريرية ، حسب البروفيسور بوتاجنكوت، إلا بعد أن يخضع أولا لعدة تجارب وتحليلات للتأكد من خلوه من أية تأثيرات جانبية، وفي حالة ما إذا نجحت هذه التحليلات في السنوات المقبلة؛ فسيتم اعتماده في التحليلات والعلاجات السريرية. ترحيب أمريكي وتجاهل مغربي تعاملت وسائل الإعلام الأمريكية والأوروبية مع الحدث بشكل كبير، حيث قامت جميع الجرائد الطبية والعلمية الأمريكية بنشر خبر هذا اللقاح الجديد، كما تمت تغطيته على شاشات التلفاز الأمريكية. إذ أنه بالولايات المتحدةالأمريكية توجد العديد من الأقسام بالمستشفيات الجامعية وكليات الطب، التي تعمل على نشر كل الاكتشافات والاختراعات الحديثة لوسائل الإعلام الأمريكية والأوروبية. إلا أن الصحافة المغربية والعربية لم تعر للموضوع أي اهتمام يذكر لتغطية هذا الاكتشاف، باستثناء حوار أجرته معه جريدة " التجديد " وآخر لجريدة " الجسر الجديد " المحلية بالخميسات مسقط رأسه، رغم كونه راسل بعض الجرائد المغربية قصد إخبارهم بالجديد منذ أكتوبر 2007 ، لكن دائما من دون جواب. هذا بالإضافة إلى الغياب كامل للصحافة المغربية والعربية في كل المؤتمرات العالمية منها الأوروبية والأمريكية التي حضرها باحثنا البروفيسور علال بوتاجنكوت. والمفاجأة الكبرى هي كون الصحافة البلجيكية المرئية والمسموعة والمكتوبة أذاعت الحدث ، حيث أبانت عن افتخارها الكبير به، لأنه يحمل الجنسية البلجيكية. بينما غاب دور الدولة المغربية بسفاراتها وقنصلياتها ووزارتها الخارجية ووزارة الصحة ووزارة التربية الوطنية وبحثها العلمي . هذا وقد عمل”التجمع المغربي الأمريكي” من خلال مؤتمره الثالث بضواحي ”دنفر” بكولورادو الأمريكية مؤخرا، على تكريم البروفسور بوتاجنكوت الذي أخبر به في 19 غشت 2008 ، لكن لم يحضر هذا التتويج لكونه كان منشغلا حينها بأوروبا. ولقد أنتج التجمع المغربي الأمريكي فيلما بالمناسبة، تم عرضه في المؤتمر. وتحتضن مراكز الأبحاث في أوربا والولايات المتحدةالأمريكيةالكثير من الدكاترة والباحثين المتميزين من العرب والمسلمين، والذين يشغلون مناصب عليا في هذه البلدان الغربية وأمريكا، حيث يسهم جميعهم في تنمية هاته البلدان.دون اعتبار يذكر من طرف بلدانهم الأصلية. لذا نجد الأطر المغربية المقيمة بالخارج من أساتذة وباحثين ورجال الأعمال والسياسة، من خلال مجهودهم وتضحياتهم، يمثلون بجدارة واستحقاق السفراء الحقيقيين للمغرب، لكن لا تمنح لهم أية التفاتة تذكر من بلدهم الأصلي، نتيجة ضعف إن لم نقل انعدام التواصل مع الدولة الأصلية. ويتشرف البروفيسور بوتاجنكوت بتمثيل زملائه وإخوانه الدكاترة المغاربة في مجال الصحة المقيمين بالولايات المتحدة، ويعد العلم المغربي ،بكل ثقة وإصرار، باستمراره في أبحاثه الطبية من أجل خدمة الإنسانية، وهو الآن بصدد تطوير لقاحات أخرى والتي سترى النور قريبا. كما أنه سينشئ مصحة خاصة به مستقبلا. وقد أخذ على عاتقه المساهمة الفعالة في النهوض بالصحة والتنمية بمدينته الخمبسات ونواحيها، عبر جمعية " مركز التضامن الصحي والتنموي " التي هو رئيسها الشرفي.