تم مساء أمس الخميس بالعاصمة الفرنسية باريس تقديم كتاب "المغرب: اختبار الوقائع والمنجزات" للخبير الاقتصادي الفرنسي هنري لويس فيديي بحضور المؤلف وثلة من الجامعيين والشخصيات المغربية والفرنسية من مختلف القطاعات. وتميز تقديم هذا الكتاب، الذي جرى خلال عشاء مناقشة، بأحد المراكز الراقية بالعاصمة الفرنسية، بمناسبة صدور هذا المؤلف الجديد عن دار النشر الباريسية "إسكا"، بالخصوص بحضور السيد المصطفى الساهل سفير المغرب بفرنسا والسيد عبدالكريم بنعتيق الوزير السابق وعضو مركز الدراسات الأكاديمية والاستراتيجية بباريس، فضلا عن عدد من عمداء الجامعات والمدارس العليا بالعاصمة الفرنسية. وفي بداية تقديمه للكتاب، أشار السيد فيديي، وهو أستاذ مبرز بمجموعة المدرسة العليا للتجارة الشهيرة، إلى المجهودات التي بذلها المغرب في مجال التنمية، وإلى ما أنجزه من إصلاحات خلال العشرية الماضية، وهي المجهودات التي أهلت الاقتصاد المغربي ليسجل انتعاشة ملمومسة بعد الأزمة المالية العالمية. وأوضح أن الاقتصاد المغربي، بفضل احترامه للثوابت الماكرواقتصادية، يعد من "الاقتصاديات النادرة التي لم تتأثر بحدة من انعكاسات الأزمة المالية والاقتصادية العالمية". واستعرض بلغة الأرقام والمؤشرات كيف استطاع المغرب أن يحافظ على نسبة مهمة من النمو، وأن يحقق خلال سنتي 2007 و2008 فائضا في الميزانية للمرة الأولى منذ سنة 1955، وأن يقلص بنسبة النصف من معدل البطالة، وأن يتحكم في نسبة التضخم "وهو أمر نادر جدا" في هذه الظرفية الموسومة بالأزمة. وأفاد الكاتب بأن المغرب تمكن، خلال العشر سنوات الماضية، من الانتقال من "فرضية النمو إلى حقيقة التنمية" بفضل نسبة نمو غدت تتخلص شيئا فشيئا من طابعها الدوري، لكونها ماعادت ترتبط كليا بالتحولات المناخية وتقلبات أحوال الطقس، لاسيما بالنظر إلى ما حققته في هذا السياق سياسة الري من نجاحات. وأبرز أيضا ما يشهده المغرب حاليا على مستوى البنيات التحتية من منجزات تهم الطرق السيارة والسكك الحديدية والموانئ والمطارات، لاسيما بجهة طنجة تطوان، مشيرا بالأساس إلى المركب المينائي طنجة المتوسط، ومشروع خط القطار السريع الذي سيربط بين طنجة والدار البيضاء. كما تطرق إلى ما يسجله القطاع السياحي من دينامية تنموية بفضل مخططات العمل التي أعدها المغرب في هذا المجال، لاسيما "المخطط الأزرق" و"مخطط مدائن" و"بلادي" التي تهدف كلها إلى الرفع من الطاقة الإيوائية للسياح وتحسين الخدمات وتنويع المنتوج، سواء في المحطات السياحية الشاطئية المندمجة، أو على مستوى تأهيل السياحة الثقافية، أو إعادة تموقع الوجهات الداخلية. ووعد الباحث الفرنسي هنري لويس فيديي، في ختام هذا العرض، بالعودة مجددا بكتاب آخر سيخصصه بالأساس لدينامية التنمية التي تعرفها حاليا الجهة الشرقية للمملكة. بعد ذلك، تناول الكلمة السيد محمد برادة الرئيس المدير العام لشركة العربية الإفريقية للتوزيع والنشر والصحافة "سابريس"، ليذكر الحضور بأن السيد فيديي هو أيضا مؤلف كتاب "إرادة أقوى من الرمال" الصادر عن دار النشر الفرنسية "إسكا" في سنة 2008، والذي لامس فيه بطريقة "ممتازة وملموسة وواقعية للغاية" مفهوم التنمية المستدامة، مثلما جرى تطبيقها في الصحراء المغربية. وأبرز أن الكاتب عاد في مؤلفه الجديد ليقدم أجوبة ملموسة لعدد من القضايا التي أثارها في كتابه السابق حول الصحراء، لاسيما ما يرتبط منها بالكيفية التي مكنت من إنجاز تنمية مستدامة وسريعة بالأقاليم الجنوبية، وموقع الجهات الأخرى للمملكة من هذه الدينامية التنموية التي يشهدها المغرب. واعتبر السيد برادة أن عنوان الكتاب الجديد "المغرب: امتحان الوقائع والمنجزات" له أكثر من دلالة على اعتبار أنه يمثل "دليلا آخر إن استدعى الأمر تقديم أي برهان"، على النمو الاقتصادي الذي تعرفه المملكة. وخلص إلى أنه "إذا صح أن وظيفة أي كتاب هي أن يغذينا وينورنا، فإن مؤلف هنري لويس فيديي، بصرف النظر عن التغذية والتنوير، يستطيع أن يؤثر فينا". وبعد تقديم الكتاب، تناول مختلف المتدخلين بالمطارحة والنقاش الأوجه المتعددة لدينامية التنمية والتطورات التي توجد قيد الإنجاز بالمملكة، مشيرين بالأساس إلى تطور الاستثمارات الخارجية، وتنمية الطاقات المتجددة، وما يمتلكه المغرب من مؤهلات في هذا المضمار، وإلى تخزين واستغلال الموارد المائية. كما أثار المتدخلون أيضا قضايا أخرى تهم المجهودات المبذولة في مجال التكوين وموقع المرأة والشباب في دينامية التنمية الجارية، فضلا عن إعادة هيكلة الحقل الديني لمواجهة التطرف والخطر الإرهابي. يذكر أن هنري لويس فيديي، الحاصل على دكتوراه الدولة في العلوم الاقتصادية وحائز على ديبلوم الدراسات العليا في القانون، سبق له أن اشتغل لمدة طويلة كأستاذ زائر بجامعة فارسوفيا وبأكاديمية التجارة الخارجية بموسكو، ومازال يدرس بالمدرسة العليا للتجارة بباريس وبجامعتي بلغراد وبودابيست. وبالإضافة إلى مؤلفاته العديدة ومقالاته المتعددة التي نشرت في فرنسا أو في الخارج، يشتغل السيد فيديي، الحائز على الكثير من الأوسمة السامية، منها وسام جوقة الشرف الفرنسي بدرجة فارس، كمستشار لدى عدد من الشركات والهيئات الدولية مثل مجلس الاتحاد الأوروبي.