تصادف الذكرى ال 34 لانطلاق المسيرة الخضراء هذا العام تطورات ملفتة للانتباه، على مستوى قضية الصحراء، فبعد انطلاق أربع جولات للمفاوضات بين المغرب وجبهة بوليساريو، تحت إشراف الأممالمتحدة.أخرج المغرب ورقة تصفية التجمع السكاني في مخيمات تندوف ولحمادة، ضدا على ورقة تصفية الاستعمار التي ترفعها الجزائر، ودعا مندوب المغرب في الأممالمتحدة، محمد لوليشكي، إلى إعادة المواطنين الأفارقة، الذين استوطنتهم الجبهة في المخيمات، إلى بلدانهم الأصلية، والسماح لباقي الصحراويين بالعودة إلى عائلاتهم. تزامن الموقف المغربي مع تزايد دعوات المنتظم الدولي إلى العودة إلى طاولة المفاوضات بين المغرب وجبهة البوليساريو، على أساس القرارين الصادرين عن مجلس الأمن، اللذين يعتبران المبادرة المغربية بإقامة حكم ذتي أرضية للتفاوض. وكان مجلس الأمن أصدرقرارا أول بتاريخ 30 أبريل 2004 يحمل رقم 1754 ينص على دعم المبادرة المغربية بإقامة حكم ذاتي في الصحراء، ينهي الأزمة المفتعلة التي دامت أزيد من ثلاثة عقود. ثم قرارا ثانيا في عام 2007، تحت رقم 1783 يدعو إلى تطبيق القرار السالف الذكر واستئناف المفاوضات بين طرفي النزاع. وهو القرار الذي صوت عليه أعضاء مجلس الأمن بإجماع بعد أن عارضته جنوب إفريقيا وعادت لتصوت عليه. وهو القرار الذي اعتبره المغرب أمرا يعزز المسار التفاوضي، الذي يهدف إلى إيجاد حل سياسي متفاوض في شأنه لملف الصحراء الذي عمر طويلا. ويلاحظ المراقبون أن ملف قضية الصحراء قد يكون دخل فعلا مرحلة حاسمة، فمنذ اعتلاء جلالة الملك محمد السادس العرش قبل عشر سنوات، بدأ مسار جديد لطي ملف الصحراء المغربية وجرى الانتقال من الإدارة الأمنية والدبلوماسية الرسمية للملف إلى إدارة منفتحة على خيارات عدة تجمع بين الدبلوماسية الموازية والاستشارة الشعبية المحلية وإشراك الفعاليات السياسية والجمعوية في بلورة الآراء والقرارات، وتوج جلالته جهوده لتسوية الملف بمقترح الحكم الذاتي الذي استقبله المنتظم الدولي بإصدار سلسلة من القرارات المؤيدة، التي أقبرت كل القرارات السابقة، وأخرجت القضية من حلقة مفرغة، واضعة جبهة البوليساريو وراعيتها الجزائر أمام الأمر الواقع. وشهدت قضية الصحراء المغربية تطورا لافتا للانتباه خلال العقد الأخير، وهو تطور أثار انتباه السياسيين والإعلاميين، بسبب دعوة جلالة الملك محمد السادس إلى إجراء حوار موسع بين الأحزاب السياسية المغربية حول إمكانية إجراء نظام جهوي متطور في الأقاليم الجنوبية يضمن الوحدة الوطنية ويضع حدا لأزمة الصحراء، التي افتعلتها الجزائر، منذ منتصف السبعينيات من القرن الماضي وجاء في خطاب جلالة الملك في 6 نونبر 2005، بمناسبة الذكرى الثلاثين لانطلاق المسيرة الخضراء أن "الدعوة موجهة لكل الهيآت والفعاليات الوطنية، للنهوض بدورها في تعبئة الرأي العام، والتأطير الميداني للمواطنين، وتوسيع انخراطهم، تجسيداً للإجماع الوطني حوله، وكسب المزيد من الدعم الدولي له ندعوها للمزيد من اليقظة والتعبئة، لفك الحصار عن مواطنينا المحتجزين بمخيمات تندوف، فمستقبلهم في ظل مغرب ديمقراطي وموحد، يوفر لهم كل شروط المواطنة الكاملة، والعيش الحر الكريم". وجاءت هذه التعليمات لتبسط على أرض الواقع مخططا، لإخراج ملف الصحراء من دوامة المزايدات، ودعا جلالة الملك في هذا السياق شيوخ القبائل ومنتخبي المنطقة للمشاركة في نقاش موسع حول نظام جهوي متطور. خلف الطرح الذي قدمه جلالته، موجة من الردود الإيجابية في الداخل والخارج. وبدأت هيئات سياسية وطنية في التحرك باتجاه تعميق الحوار والتشاور مع سكان الأقاليم الجنوبية. وفي هذا السياق زارت الأحزاب السياسية المدن الصحراوية، بهدف استنهاض حس الصحراويين وتفعيل مسؤوليتهم في إقرار الحل النهائي لمشكل الصحراء، كما نشطت منظمات المجتمع المدني في الصحراء وباقي مدن المملكة، في التعريف بقضية الصحراء وواصلت لقاءاتها بنظيراتها في القارات الخمس، من أجل كشف اللبس، الذي مس القضية ورفع الستار عن أضاليل البوليساريو وراعيتها الجزائر. وتعرضت صورة البوليساريو، التي ظلت عالقة بأذهان العديد من السياسيين الأميركيين والأوروبيين، كون "الشعب الصحراوي" المرابط في المخيمات، يطالب بحقه في إقامة دولته، إلى اهتزاز حقيقي وأصبح المتتبعون لقضية الصحراء يدركون أن الأمر لا يتعلق بمسألة لاجئين في مخيمات، وإنما بأشخاص رجالا ونساء وأطفالا وكهولا ممنوعين من التنقل ولا يتوفرون على أي مستندات تثبت هويتهم، وهم على هذا الوضع لأزيد من 30 سنة. وتأكد للمنتظم الدولي أنهم يمثلون بالنسبة لجبهة البوليساريو مجرد "أصل تجاري" لا غير ودون احتجازهم طيلة هذه المدة لم يكن من الممكن للجبهة أن تستمر. سيناريوهات على قارعة الطريق مرت قضية الصحراء المغربية بسلسلة من السيناريوهات، التي اشتركت فيها الأممالمتحدة والأطراف المعنية في المنطقة، بدءا بالاستفتاء ومرورا بالحل السياسي أو ما عرف بالحل الثالث ثم خيار التقسيم، الذي تقدمت به الجزائر والذي استهدفت من خلاله تقسيم أراضي الصحراء بين المغرب والجزائر. وهو خيار كشف النوايا الحقيقية للجزائر وموقفها المستميت ضد الوحدة الترابية المغربية منذ أزيد من ثلاثين عاما. وأمام انسداد الأفق في وجه هذه الخيارات قرر المبعوث الأممي، جيمس بيكر، التقدم بمقترح يقضي بضم الخيارين الأساسيين في مشروع التسوية، وهما خيار الاستفتاء وخيار الحكم الذاتي المصغر. وقرر بيكر في مقترحه أن يخلص أطراف النزاع إلى اتفاق يفرض بالقوة بواسطة قرار يصدر عن مجلس الأمن يلزم الأطراف المعنية بقبول المشروع والامتثال له. مضمون المشروع هو أن يتمتع سكان الصحراء باستقلال ذاتي تتحدد معالمه في عودة ما يعتبرهم مقترح بيكر لاجئين صحراويين بينما يعتبرهم المغرب محتجزين في مخيمات البوليساريو، ويطالب بتدخل أممي لاستعادتهم وفك الحصار عنهم. ثم انتخاب مجالس نيابية صحراوية تحت إشراف الأممالمتحدة. وتأسيس سلطة محلية منتخبة توكل إليها مهمة إدارة الإقليم. وتمكين هذه السلطة من صلاحيات مالية وإدارية تطال كافة القطاعات الحيوية الاجتماعية والسياسية والاقتصادية. ثم يحتفظ المغرب بسيادته المتمثلة في الرموز المعنوية للدولة. وتستمر فترة الحكم الذاتي من أربع إلى خمس سنوات، بعدها يجرى استفتاء يشمل كافة القاطنين في الإقليم والذين يبلغون السن القانوني. وفي الأخير يجيب المرشحون للاستفتاء على أحد الأسئلة التالية: الانفصال أو الانضمام إلى المغرب أو البقاء في إطار الحكم الذاتي. لكن بيكر فشل في تمرير هذا القرار الذي رفضه المغرب، وفي يونيو 2004 أعلنت الأممالمتحدة أن المبعوث الأممي، جيمس بيكر، استقال من منصبه كمبعوث شخصي للأمين العام الأممي إلى الصحراء. حكم ذاتي في الصحراء وليس للصحراء بدأ في المغرب التفكير في إيجاد حل سلمي لمشكل الصحراء، منذ استرجاع الأجزاء الجنوبية التي كانت ترزح تحت الاستعمار الإسباني عام 1975 بفضل مسيرة سلمية. وحسب التوجه الدبلوماسي للمملكة لم يكن الارتكاز على خيار الاستفتاء، الذي دعا المغرب إليه، منذ عام 1982 إلا من أجل تأكيد رغبته في طي صفحة هذا المشكل بطرق سلمية.لكن من دون أن يفقد ولو شبرا واحدا من أراضيه المسترجعة. ولهذا اعتبر المغرب الاستفتاء تأكيديا لا غير، لكن الاصطدام المستمر حجر عثرة لهذا المخطط أو ذاك، جعل جلالة الملك محمد السادس يقرر مشروعا لا رجعة فيه، يأخذ بعين الاعتبار كافة المعطيات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ومدى تداخلها على الأصعدة الوطنية والإقليمية وكذا الدولية. وخلص بذلك إلى مشروع الحكم الذاتي، الذي دعا إلى إجراء المشاورات بشأنه بين الحكومة والأحزاب السياسية، تمهيدا لطرحه كصيغة لتثبيت حل سياسي تطبيقاً لما سبق أن أعلن عنه جلالته في خطاب بمناسبة ذكرى المسيرة الخضراء في 6 نونبر 2005، وأكد جلالته على ضرورة إشراك الأحزاب والنخب الصحراوية في بلورة وإثراء مفهوم حكم ذاتي في الصحراء. خيار الحكم الذاتي في الصحراء من وجهة نظر المغرب ليس حكما ذاتيا للصحراء وإنما حكما ذاتيا في الصحراء. فالمغرب يبحث عن حل سلمي ولا يخفي هدفه من تأكيد سيادته على أقاليمه، كانت في الشمال أو الجنوب في الشرق أو الغرب. وبعناوين واضحة ردت الأحزاب والتنظيمات من داخل الصحراء وخارجها على أن الوحدة الترابية خط أحمر لا يمكن القفز عليه. يتضمن خيار الحكم الذاتي مخرجا ليس للوضع الحالي في الصحراء. فالمغرب حاضر أمنيا وإداريا واقتصاديا وسياسيا في جزء من أجزائه. ولكن مسألة المخرج مطروحة بالنسبة للطرف الآخر أي لجبهة البوليساريو. من المعلوم أن حركات الاحتجاج التي قادتها الاستخبارات الجزائرية في العيون وخروج شباب صحراوي يرفع أعلام البوليساريو، كانت تغذيها مشاعر نقمة على الوضع الاقتصادي المتمثل في البطالة والفراغ وأشياء من هذا القبيل.وكان المراد بها استدارة الرأي العام لملف الصحراء في وقت بدأت الجزائر تحركاتها على جبهات خارجية لإخراج صيت البوليساريو إلى الوجود من جديد. الرد على مثل هذه التحركات قد يتخذ من قبل المغرب عدة أشكال مثل المواجهات الأمنية على الأرض، أو الهجوم الدبلوماسي المضاد أو استدامة حالة الترقب والانتظار لسنوات أخرى في انتظار حدوث تغييرات جوهرية تمس البوليساريو والجزائر، وقد تشمل أطراف أخرى في الساحتين الإقليمية والدولية. لكن المغرب فضل أن يحتوي تحركات الجزائر التي يعتبرها منذ بداية الأزمة طرفا مباشرا في الصراع، فلولا تورط الجزائر ما كانت أصلا مشكلة الصحراء. وذلك أيضا من أجل ااحتواء بعيد المدى لهذا المشكل،ووقوفا عند ادعاءات الجزائر بأنها ليست طرفا في المشكلة. ويأتي خيار الحكم الذاتي في الصحراء بهدف وضع نقطة في آخر السطر، وفتح باب لكافة الصحراويين بمن فيهم "المغرر بهم" للمشاركة في إدارة فعلية وحكامة جيدة لشؤون الإقليم. مبادرة لا غالب ولا مغلوب صدر، يوم 10 أبريل 2007، قرار عن مجلس الأمن يحمل رقم 1754، يقضي بتبني المبادرة المغربية الرامية إلى منح سكان الصحراء حكما ذاتيا في ظل السيادة المغربية. ويدعو هذا القرار المغرب وجبهة البوليساريو للدخول في مفاوضات مباشرة تحت إشراف الأمين العام للأمم المتحدة. إذ انطلقت الجولة الأولى من المفاوضات بمنهاست في يوليوز وغشت 2007 تحت إشراف با كي مون وينتظر أن تستأنف مع نهاية العام الجاري. وتفضي المبادرة المغربية عند تطبيقها إلى تفويت شبه كلي لاختصاصات الدولة المركزية لسكان الصحراء، ما عدا مقومات السيادة والاختصاصات الدستورية والدينية وشؤون الدفاع والخارجية. وهي صيغة متقدمة على نموذج فرنسا في تطبيق اللامركزية. وهي مبادرة تقترب من نموذج إسبانيا في ما يخص حكومات الأقاليم المستقلة، التي تتفاوت في مدى استقلاليتها عن الدولة، مع بقاء لحمة الوطن قوية. الطرح المغربي له مصداقيته الوطنية، على اعتبار المقاربة التشاركية والمشاورات الواسعة النطاق التي انطلقت منذ أواخر 2005 وأفرزت المبادرة، انطلاقا من الخطاب الملكي بالعيون وتأسيس المجلس الملكي الاستشاري لشؤون الصحراء، إلى استشارة شيوخ وأعيان المناطق الجنوبية حول خطة للحكم الذاتي، إضافة إلى طلب جلالة الملك من الأحزاب السياسية كلها تقديم مذكرة له توضح فيها تصورها للموضوع. كما أن صيغة الحكم الذاتي، التي قدمها المغرب للأمم المتحدة حصلت على شرعية دولية، إذ تتوافق والمعايير الديمقراطية للتعددية واحترام حقوق الإنسان وتطبيق هذا النظام من الحكم، وهي تشكل الحل الأمثل لهذا النزاع، على اعتبار أنه لن يكون هناك خاسر بين أطراف القضية، فهو حل يحفظ للمغرب سيادته ويمنح السكان إمكانية تسيير شؤونهم بأنفسهم، بشكل يراعي الخصوصيات السوسيو ثقافية للصحراء وسكانها، وهي المبادرة التي اعتبرها الجميع حلا لإقبار كافة المقترحات والقرارات التي آلت إلى الفشل.