يعتبر نزاع الصحراء أحد أقدم النزاعات في العالم، وربما أكثرها إهمالا، وبمضي أكثر من 15 سنة على وقف إطلاق النار، الذي عمل على تجميد المواقف والتحركات العسكرية، فإن نهاية هذا النزاع مازالت بعيدة المنال. "" والسبب في ذلك يعود بالدرجة الأولى إلى الحقيقة الكامنة وراء الوضع القائم، الذي يمنح مزايا ويخدم مصالح مجموعة من الفاعلين فيه، بشكل أو بآخر، وهم من الأطراف المعنية مباشرة أو بصفة غير مباشرة، وكذلك من الدول العظمى، إذ ليس من المستبعد أن يتعرضوا إلى ما يعتبرونه مخاطر أو مساسا بمصالحهم جراء تسوية، في هذا الاتجاه أو ذاك، لهذا النزاع. لهذا ولأسباب أخرى، رأى هؤلاء في المأزق الذي قد تصل إليه قضية الصحراء، أنه موضوع قابل للتحمل، وهذا ما ساعد على جعل نزاع الصحراء أحد النزاعات المجمدة ولم يسترع إلا القليل من الاهتمام مقارنة بنزاعات أخرى. بل هناك من يعتقد حاليا أن تكاليف النزاع التقديرية قد تكون أقل كثيرا من تكاليف وانعكاسات حل قد يكون غير مرغوب فيه بالنسبة لهذا الطرف أو ذاك. وبخصوص المغرب، فالقضية ذات نفوذ كبير وحاسم على الوحدة الوطنية، علما أنها كانت في السابق وسيلة من وسائل منع التهديد الموجه للنظام سواء من طرف الجيش أو أحزاب المعارضة آنذاك. وكذلك الأمر بالنسبة لجبهة البوليساريو، قد يكون الحل غير المرغوب فيه بمثابة صك الحكم بالإعدام، وبالنسبة لسكان مخيمات الحمادة ضياع ثلاثة عقود من أجل لا شيء مجرد هباء، ونفس الشيء بالنسبة لجنرالات الجزائر. هذه بعض معالم عقدة قضية الصحراء والتي تزداد تعقيدا مع التداعيات والمستجدات والأفعال وردود الأفعال في تدبير هذا الملف كل من منطلقاته ومصالحه الآنية والمستقبلية. والآن قد يبدو أن القضية تعيش مأزقا واضحا، فهل ستدق طبول الحرب من جديد؟ شيء ما في طور الإعداد بالصحراء حسب الجريدة الإلكترونية الإسبانية "إل امبرسيال"، تفيد مجموعة من التقارير أن القيادة العليا للجيش المغربي عملت مؤخرا على اتخاذ جملة من الإجراءات والاستعدادات العسكرية والمدنية للتخطيط من أجل وضع اليد على المناطق التي تتحرك فيها عناصر جبهة البوليساريو ومراقبتها، وهي مناطق ضمن الشريط العازل المنزوع السلاح، ذات المناطق التي تعتبرها البوليساريو محررة وتحت تسيطرتها. فيما جاء في إحدى قصاصات وكالة "أفرول" للأنباء أن المغرب يخطط لعمليات وتحركات عسكرية واسعة النطاق في الصحراء. وقد استندت الوكالة المذكورة على بعض التقارير الصحفية الصادرة بإسبانيا تضمنت معلومات، تسربت عن طريق مصادر عليمة بالأمر. وتذهب هذه التقارير إلى اعتبار أن ما يهيئه المغرب أو بصدد الإعداد له، هو بمثابة رد على تنامي الأنشطة المدنية والعسكرية للانفصاليين بالشريط العازل. وقد أشارت مصادر صحفية، إسبانية وفرنسية، إلى أنه من الإجراءات التي تدخل في إطار تهييء الأجواء لضمان الخطة العسكرية الجديدة للرد على استفزازات جبهة البوليساريو، تخليص القوات المسلحة من الضباط ذوي الميولات الإسلامية أو الذين من شأنهم إعاقة تنفيذ الخطة بشكل أو بآخر. وحسب أكثر من مصدر خارجي، تم اعتماد مثل هذه الإجراءات، سيما الإحالة على التقاعد قبل الأوان، لضمان تفعيل قاعدة الامتثال للأوامر دون تفكير أو تساؤل، وقد أحدثت هذه الإجراءات تذمرا كبيرا في صفوف الضباط الكبار. وتقول الصحفية الفرنسية "كاترين كراسيي"، إن القيادة العامة للقوات المسلحة المغربية تخلصت من أكثر من 30 ضابطا أحيلوا على التقاعد قبل حلول الأوان اعتبارا لشكوك تعاطفهم مع الإسلاميين، سيما جماعة العدل والإحسان. وحسب المصدر الذي اعتمدت عليه الصحفية الفرنسية، فإن لائحة هؤلاء الضباط المتخلى عنهم، دون موافقتهم أو طلبهم إنهاء الخدمة بإرادتهم، قد أعدتها لجنة مكونة من المكتب الخامس و"لادجيد" والدرك الملكي وممثلين من مختلف المفتشيات العسكرية العامة (القوات البرية، البحرية، الجوية والقوات المساعدة( ربط الكثيرون بين هذا الإجراء وما تسرب من معلومات نشرتها الصحافة الإسبانية والجزائرية بخصوص احتمال إعداد خطة لوضع اليد على الشريط العازل وتحويل الجدار الأمني إلى الحدود المغربية الجزائرية والمغربية الموريتانية المتعارف عليها دوليا. وزاد من تقوية هذا الربط، تحركات المخابرات العسكرية بالأقاليم الصحراوية وإعادة استعمال بعض الثكنات وتوقيف الاستفادة من الإجازات والإعلان عن حالة الاستنفار القصوى في المواقع العسكرية الأمامية. كما لاحظت أكثر من جهة، مغربية وأجنبية، تحركات عناصر الأجهزة الاستخباراتية العسكرية والمدنية بالأقاليم الجنوبية بشكل ملفت للانتباه، مما دفع الكثيرين إلى التساؤل: هل الجيش بصدد الإعداد لشيء ما بالصحراء التي عاشت وضعية "ستاتيكو" منذ اعتماد برنامج وساطة الأممالمتحدة لوقف إطلاق النار بدءا من عام 1991؟ وتزامن توافد عناصر جديدة من المخابرات العسكرية بنقط كثيرة بالجدار الأمني بضواحي سمارة مع تحركات الانفصاليين بالمنطقة العازلة ونقل معدات عسكرية إليها، والتظاهر بالقيام بتداريب عسكرية يوميا وتجريب بعض الأسلحة تحت غطاء تنقية بعض المناطق من الألغام. وفي هذا الصدد، ذهب أحد الضباط السامين، متقاعد حاليا، إلى القول، إن أحسن وأنجع طريقة لتمكين الجيش المغربي من التحكم، نهائيا وبصفة قطعية، في زمام الأمر الأمني والعسكري، استراتيجيا، بالصحراء، هو وضع أقدامه على الشريط العازل وبناء جدار على الحدود الدولية بينه وبين الجزائر وموريتانيا لجعل الانفصاليين يقتصرون على مخيمات الحمادة بتندوف دون إمكانية التحرك في أي شبر من التراب المغربي. ويضيف، بأن هذا الأمر أضحى حيويا بالنسبة للمغرب، سيما وأن وساطة الأممالمتحدة لن تحل الإشكال، وأن وجود المينورسو بالمنطقة مثل عدمه، لأنه لا يحك جلدك مثل ظفرك. ويختم الضابط السامي قوله مشيرا إلى أن هذا أقل ما يمكن أن يقوم به المغرب في الوقت الراهن، إجابة على استفزازات جبهة البوليساريو التي اختارت التصعيد، وبذلك تكون قد منحت للمغرب فرصة لا يجب أن يفرط فيها. وفي رأي بعض المحللين، قد يؤدي التحكم في الأراضي التي تتحرك فيها عناصر البوليساريو بحرية إلى نشوب مناوشات، وربما مواجهات هنا أو هناك، وهذا احتمال، بل أكثر من هذا، هناك من ذهب إلى القول إن خطة التحكم في تلك المناطق لابد وأن تكون قد أدخلت في اعتبارها إمكانية انحياز الجزائر، عمليا وميدانيا، للبوليساريو، لأنها لم ولن تسمح بأن تميل كفة ميزان القوى في المنطقة لصالح المغرب. كما أن من انعكاسات خطة التحكم في الشريط العازل، انسحاب بعثة الأممالمتحدة، وبالتالي سقوط وقف إطلاق النار، لكنها انعكاسات سينتهي مفعولها بسرعة بمجرد نجاح الخطة إن تمت. وبهذا الخصوص قال أحد الضباط السابقين الذي خبروا حرب الصحراء عن قرب، كان على المغرب التعامل مع الانفصاليين باعتماد لغتين، لغة التفاوض على الطاولة من جهة ومن جهة أخرى لغة الميدان لسد كل الأبواب عليها. وحسب أحد الجنود المرابطين بالصحراء، هناك فكرة رائجة بكثرة وسط الجنود البسطاء وضباط الصف المرابطين على امتداد الجدار الأمني، مفادها أن المغرب أعد مفاجأة كبرى لجبهة البوليساريو، إذا تجرأت وأطلقت رصاصة واحدة، بحيث لن تدع لها قدم أمن حتى فوق التراب الجزائري باعتبار أن زمن التساهل والتسماح بهذا الخصوص قد ولى. فمنذ بداية الحديث عن المفاوضات بين المغرب والبوليساريو، وخصوصا مع الشروع فيها، ارتفع الاهتمام بالشريط العازل، ولاحظت القبعات الزرق(بعثة المينورسو) وبعض الأوساط الدبلوماسية حالات التوتر بين المغرب والبوليساريو بخصوصه (الشريط العازل)، علما أن البوليساريو ظلت تعتبر من المناطق "المحررة"، وتجرأت على مرأى ومسمع المينورسو، على التعامل معها كذلك واستعمالها لتنظيم العديد من التظاهرات المنافية لمقتضيات وقف إطلاق النار، وتمادت في فعلها موازاة مع استمرار المفاوضات، في حين تعامل المغرب مع هذه التطورات برزانة كبيرة رغم مؤاخذة الكثير من الفعاليات السياسية المغربية بهذا الخصوص. ومن المعلوم أن مهندسي الجدار الأمني الحالي لم يرغبوا في إيصاله إلى الحدود الجزائرية والموريتانية تلافيا لكل تماس مع القوات الجزائرية، وهذه المنطقة الفاصلة ما بين الجدار والحدود هي التي يعتبرها الانفصاليون مناطق محررة إلى حد الآن، وضمنها تقع تيفاريتي، ولربما هذا ما دفع إلى بروز فكرة إقامة جدار أمني على الحدود أو قريبا منها. وإذا كان الجدار الأمني الحالي قد وضع حدا لحرب العصابات التي كان يشنها مقاتلو البوليساريو، فإن الجدار الأمني الجديد يراد منه أن يضع حدا لأسطورة المناطق المحررة بصفة نهائية. للإشارة منذ سنة 1980 وجد الجيش المغربي نفسه ملزما بحماية أرض شاسعة (270 ألف كيلو متر مربع)، لذلك تم اعتماد خطة الخروج من المدن وإقامة أحزمة أمن خارجها لحمايتها، ولما أعطت هذه الخطة ثمارها كان التفكير في إقامة جدار أمني، استمرت أشغاله من 1980 حتى 1987، وقد ساهم في إقامته ما يناهز 60 ألف رجل شكلوا ثلاثة فيالق: أحد والزلاقة والأرك. وكانت البداية من محور بوجدور السمارة بوكراع، ومع حلول سنة 1987 بلغ طول الجدار 2500 كيلو متر، وبذلك سد الأبواب على مقاتلي جبهة البوليساريو. وحسب أحد ضباط الصف السابقين، المقيمين بالصحراء، إن حالة الاستنفار ظلت سارية المفعول منذ أن لوحت جبهة البويساريو بورقة العودة إلى حمل السلاح، لاسيما بعد المناورات العسكرية بالصحراء، ومنذئذ جرت تحركات مكثفة للقوات وعمليات وإعدادات لوجيستيكية هائلة بإقليم وادي الذهب (خصوصا الداخلة وأوسرد) والحدود الجنوبية الشرقية. كما لوحظت تنقلات الضباط العاملين تحت إمرة المخابرات العسكرية بمختلف مواقع رباط الجنود على امتداد الجدار الأمني. وفي هذا الصدد كشفت بعض التقارير الأمنية الأجنبية أن الجيش المغربي قد أعد أكثر من سيناريو محتمل تحسبا لأي طارئ، وهيأ خططا لمواجهة مختلف الاحتمالات الممكنة، وذلك منذ أن خضع ما يناهز 10 ألف جندي لتدريب خاص على حرب العصابات وحرب الصحراء على يد خبراء أمريكيين. وقد صدرت بعض تلك التقارير عندما كانت جبهة البوليساريو تحتفل بذكرى تأسيس "جمهوريتها" بتيفاريتي، آنذاك كان الجيش المغربي يواصل مناوراته العسكرية في منطقة أوسرد (على بعد أقل من 100 كلم من تيفاريتي)، وكان المغرب قد وجه كتابا إلى مجلس الأمن حذر فيه من تمادي تحرشات البوليساريو مؤكدا على استعداده بالرد على استفزازات الانفصاليين في أي وقت وحين. وقتئذ أجمعت أكبر الصحف الإسبانية على القول إن الجيش المغربي يعيش حالة استنفار قصوى، وذلك استنادا على تقارير استخباراتية غربية رصدت تحركات عسكرية مغربية مهمة ومكثفة، وأشار أحد تلك التقارير إلى أن تلك التحركات قد تكون جارية في إطار تحضير "مغامرة عسكرية للتصدي لإصرار جبهة البوليساريو على اعتبار تيفاريتي منطقة محررة، تنظم بها العديد من التظاهرات الإعلامية والسياسية والعسكرية". ومن جهة أخرى، رغم حرب الجيش الجزائري ضد "القاعدة" والإرهاب على ترابه، لازال عدد كبير من الجنود الجزائريين مرابطين غير بعيد عن الحدود المغربية الجزائرية في جهة الشمال الشرقي، وعلى وجه الخصوص بمنطقة بني درار وجبل عصفور، وتعزيز الوحدات بالقاعدة الجوية بتلمسان التي استوعبت عناصر الجيش والمعدات التي كانت متواجدة بقاعدة وهران سابقا. كاناليس يقترح حلا جديدا لفض نزاع الصحراء يعد الصحفي بيدرو كناليس من الذين تابعوا عن قرب مختلف التطورات السياسية بالمغرب، كما اهتم بقضية الصحراء اهتماما خاصا عندما كان يزاول مهنة المتاعب بالمغرب، مراسلا ومستشارا لأكثر من منبر ووكالة إخبارية أجنبية، في لقاء خاطف سألناه عن رأية في المستجدات التي تعرفها المنطقة، لاسيما بخصوص إمكانية نشوب حرب وقدوم المغرب على ضم الشريط العازل (الذي تعتبره جبهة "البوليساريو" منطقة محررة)، فكانت الحصيلة كالتالي: ضم الشريط العازل وإقامة جدار على الحدود... حقيقة أم مجرد إدعاء؟ بخصوص ما تناقلته بعض الجهات حول استعداد القوات المسلحة المغربية لوضع يدها على الشريط العازل (المنطقة الخالية من السلاح، لاسيما تيفاريتي) وإقامة جدار أمني جديد على الحدود المغربية الجزائرية والمغربية الموريتانية المتعارف عليها دوليا لسحب البساط من تحت رجلي جبهة "البوليساريو"، يرى بيدرو كاناليس أن ما عرف في شأن استعداد القوات المسلحة المغربية للتدخل عسكريا بتيفاريتي وبير لحلو، تسرب إبان الاحتفالات التي نظمتها جبهة "البوليساريو" بتيفاريتي في 20 مايو الفارط، إذ تحدث بعض قياديي الجبهة في هذا الموضوع، وصباح اليوم الموالي نشرت جريدة "الخبر" الجزائرية النبأ الذي لقي صدى كبيرا، وتناولته بعدها بعض الصحف الإسبانية. أما وجهة نظر كاناليس في القضية، فهي كالتالي: مبدئيا لن يتخذ المغرب أي إجراء بطريقة انفرادية، من شأنه تكسير أو تجاوز مقتضيات اتفاق وقف إطلاق النار المبرم تحت إمرة الأممالمتحدة منذ سنة 1991، لأنه إجراء ليس ضروريا، كما أنه ليس في صالحه بتاتا، علما أن كل التحركات العسكرية بالمنطقة تخضع لمراقبة المينورسو، وبالتالي لا يمكن للمغرب تخطي الشريط العازل والمنطقة الخالية من السلاح والتي من المفترض أن لا تكون مسرحا لأي تحرك عسكري، أما تيفاريتي وبير لحلو فتقعان في أقصى الشريط العازل على مسافة من الجدار الأمني العازل، حيث لابد من اجتيازها للوصول إليهما. كما أن وجود "البوليساريو" بهذين الموقعين حاليا لا يشكل أي خطر أو تهديد عسكريين بالنسبة للمغرب، علما أنه خرق واضح لمقتضيات اتفاق إطلاق النار. والاستعراض العسكري الذي أقامته قيادة جبهة "البوليساريو" في 20 مايو الفارط بتيفاريتي لا يعتبر تحركا عسكريا وإنما مجرد استعراض رمزي، وكانت الأممالمتحدة على علم مسبق بذلك، وتم تحت مراقبة المينورسو. ويضيف بيدرو كاناليس، إذا كانت القوات العسكرية المغربية عازمة فعلا على تجاوز الجدار الأمني والتوغل في الشريط العازل، فليس أمامها إلا سيناريوهين اثنين لا ثالث لهما: 1. مبادرة فردية يقوم بها الجيش أو بعض الجنرالات المغاربة، وستكون معاكسة تماما لتعليمات الملك (القائد الأعلى للقوات المسلحة الملكية)، وبالتالي سيتعلق الأمر بالخروج عن الطاعة وعدم الامتثال للأوامر أو الانقلاب أو البرهنة على أن الجيش أقوى من أية مؤسسة أخرى، وستظل القضية من قبيل الشأن الداخلي المغربي. 2. قد يتم الأمر باتفاق مع الطرف الآخر (البوليسار أو الجزائر أو هما معا)، وهذا أمر مستبعد جدا اعتبارا للأوضاع الحالية بالمنطقة. أما فيما يتعلق بنقل الجدار الأمني الحالي وإقامته على الحدود الجزائرية/ الموريتانية، فهو أمر مستبعد كذلك مبدئيا، لأنه سيكون بمثابة خرق لمقتضيات وقف إطلاق النار المبرم سنة 1991. علاوة على أن المغرب ليس في حاجة استراتيجية حاليا لتغيير مواقعه الدفاعية في اتجاه الشرق. وفي علمي، إن المناطق الواقعة على الشريط العازل لا تتوفر على ثروات طبيعية (بترول، أورانيوم، كوبالت أو غيرها من المعادن) يمكنها أن تبرر أو تملي القيام بهذا الإجراء. لكن، يضيف كاناليس، من المحتمل أن يكون هناك بعض الجنرالات أو المستشارين العسكريين والسياسيين المغاربة، قد اقترحوا مثل هذه الإجراءات على أنظار الملك محمد السادس، اعتقادا منهم أنها الوسيلة الوحيدة لدفع جبهة البوليساريو إلى الرد بإطلاق النار وبالتالي افتعال تكسير الاتفاق المبرم سنة 1991، لكن كناليس يعتقد أن القصر الملكي سيرفض مثل هذه الاقتراحات ولن يسقط في الفخ. وماذا عن الانعكاسات الجيوسياسية؟ فيما يرتبط بالانعكاسات الجيوسياسية، يرى بيدرو كاناليس - في حالة افتراض أن الأمر قائم تبعا للسيناريوهين المتحدث عنهما سابقا - وقوع أزمة في علاقات المغرب مع المنتظم الدولي، باعتبار أنه لا يمكنه تبرير ممارسته بهذا الخصوص، ما عدا في حالة انسحاب المينورسو، أي إذا نفضت الأممالمتحدة يدها من قضية نزاع الصحراء، سواء انطلاقا من قرار تتخذه أو بطلب من المغرب أو جبهة "البوليساريو"، آنذاك يمكن للقصر الملكي اتخاذ قرار ضم الشريط العازل وتبرير هذه المبادرة على اعتبار أنها لا تمثل خرقا لوقف إطلاق النار، اللهم إذا كان هناك توافق سري، وهذا يبدو من قبيل المستحيل، لتمكين القوات المسلحة المغربية من ضمّ تيفاريتي، وهذا يعني توقيف المفاوضات والتخلي عنها نهائيا، لكن نظرا للمشاكل التي لازال يعاني منها المغرب بالأممالمتحدة لا يمكنه حاليا أن يتحمل مسؤولية وعواقب إجهاض المفاوضات المباشرة أو إقبارها. وماذا عن موقف الدول العظمى؟ يعتقد بيدرو كاناليس، أن ما يشغل بال الدول العظمى حاليا أكثر من أي شيء آخر هو الحفاظ على مصالحها الاستراتيجية (في المجال العسكري والثروات الطبيعية والمجال الجيوسياسي)، وإذا شعرت بقرب حلول اختلال في التوازن بالمنطقة، فإنها لن تتأخر عن التدخل، وبقوة، ومادام التوازن قائما، فلا خطر على مصالحها وستكتفي بالمراقبة من بعيد. وفي هذا الصدد وجبت الإشارة إلى أن الولاياتالمتحدةالأمريكية وفرنسا، وفي مرتبة أقل منهما إسبانيا، تربطها علاقات واتفاقيات مع كل الأطراف المعنية بالمنطقة (المغرب، الجزائر، مورتيانيا والبوليساريو)، ولن تقوم بأي شيء من شأنه إعادة النظر في طبيعة هذه العلاقات والروابط،،. ومهما يكن من أمر، يقول بيدرو كاناليس، لن يقدم المغرب على أي إجراء أو أية مبادرة بخصوص قضية الصحراء دون اعتبار الانعكاسات الدولية، وربما دون استشارة العواصم الصديقة. ويختم بيدرو كاناليس حديثه باقتراح قد يبدو غريبا في عيون الكثيرين، حيث يقول: في انتظار الخروج بحل نهائي موافق عليه ولإعطاء دفعة جديدة غير مسبوقة، للمفاوضات في اتجاه الحل النهائي، يمكن الاتفاق على جعل المناطق الواقعة شرق الجدار الأمني، بما ذلك تيفاريتي وبير لحلو والمحبس ومناطق أخرى تحت إدارة "البوليساريو، الشيء الذي سيمكن من نقل مخيمات تندوف إليها، إلا أن السير على هذا الدرب، الممكن التحقيق، يتطلب المزيد من التفاوض واتفاق جميع الأطراف، المغرب والبوليساريو، وكذلك الدول المعنية بقضية الصحراء. رضا الطاوجني/ جمعية الصحراء المغربية: لن يخسر المغرب شيئا إذا اعتمد التصعيد أفادت بعض الجهات أن الجيش المغربي بصدد الإعداد للتحكم في الشريط العازل بالصحراء، في رأيكم هل من المحتمل أن يقدم المغرب على هذه الخطوة؟ أمام عجز المنتظم الدولي، وعلى رأسه منظمة الأممالمتحدة، عن منع انفصاليي البوليساريو من القيام بحركات وأنشطة مدنية وعسكرية بتيفاريتي والمناطق المحيطة بها، وأمام تعنت الجزائر وإصرارها على استفزاز بلادنا وشعبنا، أعتقد أن المغرب لجأ إلى جميع السبل السلمية والدبلوماسية الممكنة لجعل الانفصاليين يرجعون إلى مخيمات تندوف، والآن يبدو أن الاختيار العسكري أضحى قائما، وفي حالة اعتماده، فإنه سيحظى بإجماع المغاربة وسيتجند الشعب بكامله وراء الملك محمد السادس. في حالة حدوث ذلك، كيف تقرأون الانعكاسات المحتملة؟ لن تكون هناك انعكاسات كما يتصورها البعض، اللهم توقيف المفاوضات، ومهما يكن من أمر، فإن الجزائر لا ترغب حاليا، بأي وجه من الوجوه، في حل نزاع الصحراء حلا نهائيا، والحالة هذه، فإنه لا يمكن انتظار أي مخرج، لذلك لن يخسر المغرب شيئا. وعلى الصعيد العسكري، نحن نثق في جيشنا الذي يحظى بكل الدعم، وسوف يضطلع بمهمته على أحسن وجه وبطريقة نظيفة وباحترافية مع أقل الأضرار والخسائر. تفيد بعض التسربات، حسب جهات أجنبية، أن المغرب يرغب في إقامة جدار على الحدود المغربية الجزائرية والمغربية الموريتانية لضم الأراضي الواقعة ضمن الشريط العازل، كيف تقيمون هذا الإجراء؟ إنه إجراء مشروع في نظري وموقف شجاع، ونعم الاختيار إذا تحقق فعلا. في حالة قدوم المغرب على هذا، كيف ستكون، في نظركم، ردود فعل جبهة البوليساريو وحليفتها الجزائر؟ طبعا، أول ما ستفعله جبهة البوليسار، إنها ستلعب دور الضحية وستجتهد على إثقان هذا الدور، لكن من الناحية العسكرية لا يمكنها أن تقوم بأي شيء ضد قواتنا المسلحة. أما بالنسبة للجزائر، ما دام المغرب لم يمس أي شبر من أراضيها، فإنها غير معنية بالمرة، ولا يمكنها أن تتدخل علانية تحت أي تبرير، وحتى ولو أرادت دعم ومساندة الانفصاليين سيكون الفشل حيفها. كيف ستكون تأثيرات هذا الإجراء، إذا حدث، على مجرى المفاوضات الحالية؟ منذ الإعلان عن مفاوضات مانهاست، أقرت جمعية الصحراء المغربية أنها لن تؤدي إلى أية نتيجة ما دام الطرف المفاوض ليس هو الجزائر. إذن، فإن هذه المفاوضات العقيمة الجارية حاليا ستتوقف وسيتم إقبارها. وإذا كانت هناك رغبة فعلية للبحث عن حل عبر المفاوضات مستقبلا، على المغرب والجزائر أن يجلسا إلى الطاولة دون سواهما. هل يمكن للمغرب أن يقوم بمثل هذه الخطوة دون علم وموافقة الدول العظمى؟ وهل تتصورون مباركتها من طرف هذه الدول؟ من الطبيعي جدا أن يكون المغرب مساندا من طرف دول عظمى، لكن أكبر دعم وأهم مساندة هي التي يوفرها الشعب المغربي، وأنا على يقين تام إذا حدث وقام المغرب بما سبق ذكره سنعاين وحدة قوية للشعب المغربي لم سبق لها مثيل. البوليساريو والتهديد بالحرب يقول أحد صحراويي الشتات: "إن تهديد البوليساريو بالرجوع إلى السلاح بين بجلاء أن الجبهة تعيش اختلالات كبيرة، إذ لم يبق لها إلا اعتماد الهروب إلى الأمام، وإن قدم المغرب فعلا على ضم المنطقة العازلة، سيما تيفارتي، فإن التناقضات ستحتد في صفوف الجبهة، كما ستتوتر العلاقة بين قيادتها وساكنة المخيمات، سيما الشباب. وقد سبق لزوجة محمد عبد العزيز أن صرحت بأن شباب مخيمات تندوف ينقصهم الحماس ولم يعودوا يأبهون بالكفاح ولا بالنضال، وأصبح شغلهم الشاغل هو عالم الأعمال والمصالح ومحاولة البحث بأي ثمن عن مصدر الرزق. وفي هذا الإطار وجب وضع المظاهرات التي ينظمها ساكنة المخيمات للتنديد بقيام قيادة البوليساريو بتجنيد أبنائهم رغما عنهم". ويضيف: "يبدو لي أن البوليساريو اعتمد التلويح بورقة التهديد باللجوء إلى السلاح لأنها لم تعد تتوفر على مشروع قابل للتطبيق لاقتراحه على ساكنة مخيمات تندوف، ولم يبق أمامها إلا المغامرة والمقامرة والانتحار عوض الاعتراف بالفشل الذريع والإقرار بأنها أجرمت في حق الصحراويين، كما سبق وأسر بذلك مصطفى الوالي (مؤسس البوليساريو) لأحد رفاقه القياديين (عمر الحضرمي) قبيل وفاته، حيث قال له بالحرف: "لقد أجرمنا في حق شعبنا". وقد أضحى من المعروف الآن أن جنرالات الجزائر هم الذين شجعوا، بل أمروا، قيادة البوليساريو بالسير في هذا المنحى، فكان الأولى لهم أن يعلنوا الحرب على المغرب، إن كان هذا هو غرضهم عوض تكليف غيرهم بالوكالة". لقد اتفق أغلب المحللين على أن تهديد البوليساريو بالعودة إلى الكفاح المسلح مجرد رد فعل للتغطية على حالة الانهيار التي أضحت تعيشها الجبهة. فكل التقارير الدولية الصادرة بهذا الخصوص أجمعت على عدم قدرة البوليساريو على العودة إلى حمل السلاح، باعتبار أن الكامن وراء هذا التهديد هو إصرار الجزائر على تصفية حساباتها مع المغرب عبر نهج أسلوب الحرب بالوكالة باستخدام البوليساريو منذ أن تمكنت المخابرات الجزائرية من تغليب كفة صحراويي الجزائر وموريتانيا على كفة صحراويي الصحراء لضمان استمرار سيطرتها على قيادة البوليساريو ومختلف أجهزتها، وقد انكشف هذا الأمر بجلاء منذ الجولة الأولى للمفاوضات عندما هجم محمد الأمين البوهالي (المحسوب على صحراويي الجزائر) على الوفد المفاوض واتهامه بتقديم تنازلات للمغرب قبل المطالبة بتعديل تشكيلته. والبوهالي هذا، هو أول من صرح أنه مع نهاية 2008، إذا لم يحصل تقدم في المفاوضات سيتم اللجوء إلى الكفاح المسلح، فكان رد المغرب بتنظيم الدورة الثانية للمجلس الاستشاري للشؤون الصحراوية (الكوركاس) بمدينة سمارة، علما أن تيفاريتي تخضع للإدارة الترابية لإقليم سمارة. وبعد يوم واحد من نهاية أشغال الكوركاس، درست جبهة البوليساريو قضية اللجوء إلى السلاح. فمنذ بداية الحديث عن المفاوضات، لاحظ الجميع اهتمام البوليساريو بالشريط العازل واستخدام بعض مناطقه في دعايتها ك "أراضي محررة"، كانت مهجورة منذ شروع الأممالمتحدة في الوساطة. ومع بداية المفاوضات أصبح البوليساريو ينظم أنشطته الاحتفالية بها، سيما الذكرى السنوية لقيام "الجمهورية" والمؤتمرات، وتزايدت الاحتفالات والتظاهرات بهدف استفزاز المسؤولين المغاربة وبغية إضعاف موقع المغرب في المفاوضات الجارية. وعندما اندلعت حرب الصحراء سنة 1975 لم تكن قوات البوليساريو تضم إلا مجموعة من المقاتلين دفعهم حماسهم الثوري لمقاتلة المغاربة والإسبان والموريتانيين في ذات الوقت من خلال أساليب حرب العصابات الخاطفة، وفي نهاية الثمانينات كانت قواتها تضم ما بين 30 و40 ألف رجل، وتتوفر حاليا على ما يناهز 6000 رجل لا يتوفرون على أسلحة كافية وذات جدوى، وهذا بشهادة بعض أهل الدار. وقد أجمع المحللون على أن جبهة البوليساريو لا تمتلك إمكانية إعادة إشعال فتيل الحرب ضد المغرب، ما عدا إذا زودتها الجزائر بالوسائل والإمكانيات للقيام بذلك. وقد فهم الجميع أن التلويح بالحرب تزامن مع انعقاد المؤتمر وذلك بهدف التعبئة والسعي وراء امتصاص الفراغ الذي تعيشه المخيمات ووضعية اللامبالاة السائدة في صفوف ساكنتها. وظل المغرب ينبه إلى غض طرف بعثة المونيرسو على تحركات البوليساريو بالشريط العازل، علما أن مجموعة من النوازل أفادت بتكريس هذا التصرف، بل منها ما قد ينم على نوع من التعاطف البين ومنها أيضا حادثة الجنرال الدانماركي، كورت موسكارد، الذي قاد البعثة الأممية بالصحراء لمدة سنتين. وحسب "إينكريد بيديرسن"، سبق للجنرال الدانماركي أن قبل دعوة بعض مسؤولي البوليساريو للمشاركة في حفلات وجلسات خاصة بمخيمات لحمادة وأخذت له صور بلباس تقليدي صحراوي يحمل شارة "الجمهورية الصحراوية" أو "علمها"، في حين كَذَّبَ الجنرال كل ما أدلى به "بيديرسون"، مشيرا إلى أن الصور التي روجتها بعض الجهات، كلها مفبركة ولا أساس لها من الصحة، معترفا أنه فعلا تلقى لباسا تقليديا صحراويا كهدية بمناسبة نهاية مهمته بالصحراء، لكن لا علاقة لجبهة البوليساريو بهذه الهدية. وهذه النازلة تحيل إلى إشكالية سحب العلم المغربي من مقر القيادة العامة لبعثة المينورسو بمدينة العيون، إذ أكد الجنرال الدانماركي، أنه أمر بإزالته لتأكيد حياد البعثة ما دام الموقع وبناياته يعتبر بحوزة الأممالمتحدة، ومن حقها أن تحرص على إظهار عدم انحيازها لأي طرف من الأطراف، وكذلك الأمر بالنسبة للوحات أرقام السيارات المستعملة من طرف البعثة، وهي إشكالية أسالت الكثير من المداد. كما أن الجنرال الدانماركي، اتهم أحد مكاتب الإشهار والاستشارة الأمريكية، بوقوفه وراء الترويج لهذه النازلة لتضخيم انحيازه للبوليساريو خلال مدة قيادته للبعثة الأممية بالصحراء. شهادة جزائري في حديث مع مواطن جزائري مقيم بالديار الكندية، فضل عدم نشر اسمه، أكد أن الجزائر تزعم أنها تساند جميع الشعوب التواقة إلى الاستقلال، لكنها لم تفسر لنا لماذا لم تعترف باستقلال كوسوفو، رغم أنها تشير إليها من حين إلى آخر في مساندتها للبوليساريو، علما أن الكثير من البلدان اعترفت باستقلال كوسوفو لكن الجزائر لم تقو على فعل ذلك، لأنها بكل بساطة لم تستطع إحراج حليفها الروسي، وكذلك الأمر بخصوص "التيبيت"، فأين هي مصداقية الجزائر بهذا الخصوص، أم أن المصداقية والدفاع عن المبادئ ليست صالحة إلا إذا تعلق الأمر بالمغرب؟ ويضيف المواطن الجزائري: إن فالسوم أصاب في موقفه بخصوص الصحراء، وهو موقف صادق لأنه فهم جيداً دواعي مساندة الجزائر العمياء للبوليساريو، وقد امتلك الشجاعة الأدبية للجهر بذلك. ويختم حديثه قائلا: "إني أشعر أن حكومتنا(الجزائرية) تسعى بجميع الوسائل لمحاولة إضعاف المغرب، هذا مؤسف، لكنها الحقيقة، وأنا على يقين تام بأن الشعب الجزائري يرغب بقوة في التقرب من الشعب المغربي ويُفَضِّلُ هذا الخيار عوض إجباره على تمويل البويساريو، فكل الأطروحات المرتبطة باستقلال الصحراويين، لا نسمعها في الجزائر إلا على لسان الرسميين والموالين لهم". وللإشارة، فإن "لويزا حانون"، الكاتبة العامة للحزب العمالي الجزائري صرحت في نهاية أبريل الماضي بأن قضية الصحراء ليست قضية تصفية استعمار ولا علاقة لها بحق الشعوب في تقرير مصيرها بنفسها، لذلك دعت إلى فتح مفاوضات مباشرة بين المغرب والجزائر سعيا وراء حلحلة المشكل نهائيا. ومن المعلوم أنه منذ اغتيال الرئيس بوضياف ظهر بجلاء أن جنرالات الجزائر لن يسمحوا بِحَلِّ نزاع الصحراء في أي اتجاه كان، وموقف الرئيس المغتال بخصوص هذه القضية والعلاقة بالمغرب كان يخطط لها، وقد كانت من الأسباب الرئيسة لتصفيته، لأنه موقف لا يخدم مصالح الجنرالات من عيار بلخير ومديان ولعماري وسماعين وغيرهم، والذين جعلوا من توتر العلاقات بين الجارين ضمان استمرار وجودهم بالسلطة. ولهذا ظلوا يعرقلون، بأية، بكل الوسائل المتاحة لهم، حلحلة النزاع بواسطة ورقتهم الرابحة إلى حد الآن، البوليساريو، وبالتالي سيكون من الوهم اعتقاد التوصل إلى حل ما داموا يتحكمون في دواليب الأمور بالجزائر.