ما يقترفه الاحتلال الإسرائيلي في غزة يفوق البشاعة والهمجية، ولا تعبر كلمة «الجنون» عن كل هذه الدموية التي تكشف عنها يوميا القوات الصهيونية ضد الفلسطينيين. قتل المدنيين، القصف بالصواريخ، هدم وقصف منازل على رؤوس ساكنيها، تدمير البيوت والمنشآت والممتلكات الخاصة، إزهاق أرواح أطفال وشيوخ ونساء، ضرب جامعات ومدارس ومستشفيات....، كل هذا لم يحرك المجتمع الدولي لوقف حمام الدم المتواصل طيلة أسابيع، بل وهناك من لازال يصرح بأن إسرائيل من حقها... «الدفاع عن نفسها». اليوم الشعب الفلسطيني يقتل على مرأى ومسمع العالم كله، وقوات الاحتلال الإسرائيلي تقتل غزة وتذبح أهلها، وتمارس حرب إبادة بشعة في تحد صارخ للعالم ولكل قوانين وقيم البشرية. لا يتعلق الأمر هنا باصطفاف إيديولوجي مع أو ضد حماس، فعلى كل حال لا يمكن لكل من يمتلك ذرة قناعة بالحرية والديمقراطية أن يصطف إلى جانب نتنياهو، مادام هو من يقود الطرف القاتل، ثم إن في الساحة اليوم صوتا فلسطينيا واحدا هو صوت الإدانة والرفض ومقاومة الاحتلال، كما أن هذه الحرب الإسرائيلية الجديدة ضد غزة هي التي أعاقت تطبيق المصالحة الفلسطينية الداخلية، وهي التي قادت الوضع برمته إلى... الحائط، وأشعلت المنطقة ودفعتها نحو المجهول. من حق الشعب الفلسطيني أن يقاوم الاحتلال ويدافع عن نفسه بكل ما يملك، ويناضل من أجل حريته واستقلاله وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس، ولا أحد في التاريخ وجه للشعوب المستعمرة والخاضعة للاحتلال انتقادا على مقاومتها ونضالها الوطني من أجل حريتها، سواء لما كانت الشعوب العربية والإفريقية والأسيوية تحت نير الاحتلال، أو لما كانت شعوب أوروبا نفسها تحت الاحتلال النازي مثلا، فهل نسي العالم هذه البدهيات؟ أم أنه منطق الكيل بمكيالين؟. الشعب الفلسطيني له مؤسساته وقيادته ومقاومته، وهو فقط من يحق له إجراء الاختيارات السياسية والميدانية المناسبة له، والقيام بالاصطفافات التي تهمه، ولا أحد يحق له إملاء المواقف والاختيارات والدروس عن شعب يرزح تحت الاحتلال ويعاني من القتل والدمار. لنعد للأشياء منطقها. قوات الاحتلال الإسرائيلي ترتكب الجرائم على مدار الساعة في حق الشعب الفلسطيني، والدول العظمى ترتكب هي أيضا جرائم من خلال صمتها عن كل هذه الدموية البشعة في غزة، وكل هذه الدماء المراقة والأشلاء المتناثرة وجثث الأطفال والنساء والشيوخ هي اليوم في أعناق المنتظم الدولي الذي يتفرج بسادية غريبة على رعونة وهمجية قوات الاحتلال الإسرائيلي. وبالنسبة للشعب الفلسطيني، فأمام هول الهمجية الصهيونية وصمت العالم بأسره على ما يقترف في غزة، فإنه يستحق التقدير والإعجاب لمقاومته البطولية، ولصموده الأسطوري، وإصراره على حريته وكرامته وعلى... الاستقلال. وعلى الصعيد العربي، فإن الوضع اليوم يقتضي تجديد مركزة القضية الفلسطينية في سلم أولويات الديبلوماسية العربية، وتغيير المقاربة بالابتعاد عن منطق المحاور والأقطاب الذي أساء كثيرا للنضال الوطني الفلسطيني ولمسار قضيته، والعمل من أجل التجاوب مع التضامن الشعبي الطبيعي والواسع بداخل كل المجتمعات العربية، وذلك باحترام الوحدة الفلسطينية واستقلالية القرار الفلسطيني وشرعية مؤسسات الدولة الفلسطينية، ثم تمتين الدعم المادي والديبلوماسي والتنموي للدولة الفلسطينية، وتكثيف الضغط الإقليمي والدولي من أجل إيجاد حل عادل ونهائي للقضية المحورية في مآسي الشرق الأوسط المشتعل. إن المدنية والحضارة الغربية اليوم بصدد خسارة ذاتها وضميرها جراء صمتها وتواطئها أمام ما يرتكب من جرائم بشعة في غزة. هذا البريد الالكتروني محمى من المتطفلين , يجب عليك تفعيل الجافا سكر يبت لرؤيته