بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة (03 ماي)، تجدد النقاش في بلادنا حول هذه المهنة، وحول شروط وواقع ممارستها، وأساسا حول منسوب الحرية المعاش داخلها وحواليها، وطبعا تميز هذا النقاش بالسجال وتباين زوايا النظر والتقييم، وبتمترس كل طرف داخل عرينه، بلا تململ أو قليل من النسبية في الطروحات. في عالم اليوم، ليس جديا القول إن أي تقرير دولي يصدر لرصد حرية الصحافة في بلادنا وفي بقية العالم ينطلق من عقلية متآمرة علينا، وبالتالي لا بد من رفضه في المطلق، ولكن المطلوب الانكباب على فحص ودراسة المعايير والمؤشرات المعتمدة في تصنيفات هذه التقارير، والسعي لتحسين تموقع بلادنا اعتمادا على هذه المؤشرات، أي أن المطلوب هو محاورة هذه التقارير والتفاعل معها من داخل هيكلتها، بدل ممارسة لعبة تقديم الدروس لكل المنظمات الدولية. قبل سنوات قليلة كان بدأ وعي يتنامى بهذا الخصوص، وراج الحديث في أوساط القطاعات ذات الصلة بالتقارير الدولية حول إعداد بنيات وموارد للعمل والتفاعل مع هذه التقارير الدولية وإعداد الأجوبة المغربية، ولكن الإرادة يبدو أنها خفتت، وبين الفينة والأخرى يعود المعجم إلى سابق مفرداته، ويتم الشروع في ترديد أسطوانة التآمر والاتهام بالجهل أو عدم المعرفة، وكل هذا لن يقدمنا ولو لخطوة واحدة، وسيتركنا دائما في حلقة مفرغة. من جهة ثانية، وإن كنا نتفق على أنه في بلادنا لا يتعرض الصحفيون للقتل أو الاغتيال كما يحدث في مناطق عديدة عبر العالم، وبأن هذا العام لم نشهد اعتقالات أو إغلاق صحف، ولكن المناخ العام المحيط بممارسة الصحافة في بلادنا لا زال يشهد كثير اختلالات، ما يفرز عديد مؤشرات ضعف هي التي تساهم أساسا في جعل البلاد في المراتب الدنيا للتصنيفات الدولية. يتعلق الأمر أولا بالقوانين والتشريعات، ثم أيضا بالمؤسسات والآليات ذات الصلة، وكذلك بالوصول إلى المعلومة...، أي أن إشكالية العلاقة بين الصحافة والسلطة السياسية هي التي تحتضن كثير اختلالات القطاع ومشاكله، وهنا لا يعني الأمر هذه الحكومة أو تلك، وهذه الوزارة أو غيرها، وإنما يعني نظرة السياسي للصحافة، وتعدد التداخلات والارتباطات التي يتكلم عنها الجميع اليوم، وكل هذا يجعل الاستقلالية تضعف، والانحياز للوبيات يبرز ويتفاقم، وفي غمرة ذلك تحدث تجاوزات أخلاقيات المهنة، ويقع التحكم، ويستعمل الإشهار لتكريس ذلك... الأجدر اليوم أن يتم الانكباب على هذه الاختلالات الجوهرية، وذلك من خلال تسريع إيقاع إنجاز القوانين والتشريعات والهياكل، وبما يجعلها منسجمة ومتلائمة مع القيم الحقوقية المتعارف عليها كونيا، ثم من خلال تقوية الوضوح والشفافية داخل المهنة، من حيث الارتباطات السياسية والإدارية، ومن حيث توزيع الإشهار والاستفادة من الإعلانات والتمويلات، وأيضا من خلال تطوير التكوين للموارد البشرية، وتأهيل أوضاعها المادية والمهنية والاجتماعية، وتقوية الهيئات المهنية بما يساهم في تمتين التأطير والتدبير الذاتيين لشؤون المهنة والمهنيين، وبالتالي يحقق قفزات مهمة إلى الأمام على صعيد الممارسة المهنية واستقلاليتها ورصانتها وجديتها وأخلاقياتها. مهنة الصحافة هي مجال حساس مرتبط بشكل وثيق بالمجتمع وبالسياسة والاقتصاد والثقافة، وأيضا بالديمقراطية وحقوق الإنسان، ولذلك فهي معرضة للرقابة الدولية، بالإضافة إلى الوطنية، كما أن تصنيف ممارستها يؤثر في صورة البلاد، ومن ثم، لابد من التعامل معها بكثير من الجدية وقوة الإرادة، وعبر إعداد السياسات وتوفير الموارد والاستثمارات، وكذا الكف عن الأساليب العتيقة في التعاطي مع شؤونها. هذا البريد الالكتروني محمى من المتطفلين , يجب عليك تفعيل الجافا سكر يبت لرؤيته