انكبت جلسات نقاشية أقيمت مؤخرا بالرباط على تدارس»منهجية إعداد التقارير في مجال حقوق الإنسان: التجارب والممارسات الفضلى»، وذلك بمساهمة خبراء حقوقيين وديبلوماسيين مغاربة وأجانب، بالإضافة إلى مسؤولين من المصالح ذات الصلة، وقدمت المداخلات والخلاصات الكثير من الأفكار والمقترحات والتجارب. إن أهمية تدارس الموضوع المشار إليه تكمن، بالخصوص، في الجدل الذي تخلفه تقارير دولية تصدر بين الفينة والأخرى عن المغرب، خصوصا تلك التي تعنى بتقديم واقع البلد في مجالات معينة «حرية الصحافة، حقوق المرأة وحقوق الإنسان وغيرها»، أو تلك التي تستعرض مدى وفاء البلاد بالتزاماتها الحقوقية في الميادين المشار إليها أو في غيرها، ومن ثم ضرورة تنمية قدرات البلد في موضوع إعداد هذه التقارير وطرق التفاعل معها والفعل في مسلسلات إعدادها وتصريفها والرد عليها. بالنظر إلى كل ما يشهده العالم اليوم من تحولات، واعتبارا لانخراط المملكة في كثير محافل إقليمية ودولية وارتباطها بالتزامات ومواثيق ومعاهدات على هذا الصعيد، وأيضا في ضل إصرار البلاد على خياراتها الديمقراطية والحداثية، فان بلادنا مطالبة باستحضار أهمية ما ينشر عنها من تقارير حكومية وغير حكومية، ليس فقط من الجهات الأجنبية ولكن أيضا من الهيئات الوطنية التي باتت اليوم تمتلك كثير خبرات وتجارب في منهجية إعداد التقارير والترافع عنها، وبالتالي حاجة البلاد إلى التفاعل الإيجابي معها. لم يعد ممكنا اليوم الاكتفاء بإبداء رفض ميكانيكي فوري لكل ما تتضمنه هذه التقارير، والدولية منها خاصة، كما لم يعد مستساغا وصفها دائما بالمتحاملة سياسيا عن المملكة، فكل هذه الردود الماضوية باتت اليوم مستهجنة ولا تخلف للبلاد إلا الإساءات، في حين المطلوب اليوم هو»الولوج» إلى عمق التقارير ومضامينها، وتفكيك منهجيات إعدادها، ومحاورتها من داخلها بغاية إبراز المنجزات والبدائل والدفاع عن صورة البلاد باللغة نفسها المتداولة داخل الأوساط المعدة للتقارير. وان إنجاح هذه المنهجية يقتضي مراكمة الخبرات والمعارف، وامتلاك الموارد البشرية المؤهلة وتمكينها من الإمكانات ومن حرية العمل، ثم أيضا التوفر على قوة الإرادة وطول النفس الديبلوماسي والسياسي للعمل دوليا على هذه الأصعدة. من جهة أخرى، النجاح لا يعني فقط امتلاك تقارير ومعطيات مضادة وتقوية الترافع من أجلها والدعاية لها، ولكن لابد أيضا من تحقيق المنجز على أرض الواقع، أي أن تقدم البلاد الدليل على وفائها بالتزاماتها بشكل عملي»قوانين وآليات وبرامج وممارسات...»، وتدرك أن المصداقية تحتم اليوم إنجاز خطوات ملموسة تكون منسجمة مع مناشدات المنظومة الحقوقية الكونية ذات الصلة بالحريات والمساواة والحقوق، أي الانخراط في كونية هذه القيم كما هو متعارف عليها في العالم كله، وبالتالي تكريس ريادة المملكة في المنطقة، وحينها ستصير التقارير الدولية أو المحلية آلية دورية عادية في منظومة التعامل ووسيلة لمضاعفة المكاسب وتطوير المسارات.