يواصل الوفد المغربي المشارك في أعمال الدورة 22 لمجلس حقوق الإنسان الأممي بجنيف مباحثاته واتصالاته بشأن ترشيح المملكة لعضوية هذه الهيئة التابعة للأمم المتحدة للفترة من 2014 إلى 2016، وأيضا من أجل التعريف بالمنجز المغربي في مجال الإصلاحات الديمقراطية وحقوق الإنسان، وتطلعاته المستقبلية على هذا الصعيد. في هذا الإطار، كان لافتا الطلب الذي أعلن عنه وزير الشؤون الخارجية والتعاون حول زيارة ثلاثة مقررين أمميين للمملكة للتعرف على جهودها في مجالات الاختفاء القسري والاتجار في البشر والحق في الصحة، وذلك بعد أن كان المغرب قد استقبل مقرر الأممالمتحدة لمناهضة التعذيب والفريق المكلف بقضايا التمييز ضد المرأة في التشريع والممارسة... ويكشف الطلب المغربي عن تغير مهم في التعامل مع الآليات الأممية في مجال حقوق الإنسان، وبداية تعاطي المملكة بشكل مغاير مع هذا الأمر، حيث أنه بدلا من انتظار صدور المواقف والتقارير الدولية ثم الشروع، بعد ذلك، في الترويج لردود الفعل، يؤسس الطلب المذكور لمنهجية أخرى تقوم على الاستباقية، وأيضا على الانخراط في الميكانيزم المعتمد دوليا في مثل هذه المحافل، ومناقشة المواضيع والانتقادات من دون أي مركب نقص، وضمن إطار الالتزام الكامل للمغرب بحقوق الإنسان كما هو متعارف عليها كونيا. إن هذا التغير يجب أن يمتد ليكون بمثابة سلوك دائم، ويشمل باقي المنظمات والهيئات، وخصوصا المنظمات الدولية غير الحكومية لحقوق الإنسان، التي لا يخفى على أحد تأثيرها وقوة حضورها داخل الرأي العام، ولدى هياكل الأممالمتحدة وغيرها. ومن جهة ثانية، فإن الأهم ليس فقط التفاعل مع التقارير الدولية، أو «الانتصار» عليها في ساحة السجال الإعلامي والسياسي، وإنما هو إعمال التزامات المملكة على أرض الواقع، وإقناع الجميع بما يتحقق على الأرض في مجالات الحرية والمساواة والتعددية وإصلاح القضاء وكامل منظومة حقوق الإنسان. وإن قضايا حقوق الإنسان وما يصدر عن هيئات الأممالمتحدة ذات الصلة، وأيضا المنظمات الدولية غير الحكومية، صار اليوم من ضمن عوامل التأسيس لسمعة البلدان وتصنيفها، وكذلك من ضمن الجوانب المؤثرة في توجيه الاستثمارات والسياح نحو هذا البلد أو ذاك، ولهذا فالمجال يعتبر اليوم واجهة أساسية يجب أن تنكب عليها الديبلوماسية المغربية بتنسيق مع كفاءات وطنية ذات خبرة ومصداقية على هذا المستوى، كما يجب تقوية انفتاح البلاد وتفاعلها مع مثل هذه الأوساط في العالم، وبالتالي جعل (النموذج المغربي) حاضرا بقوة ضمن المناقشات العالمية التي يطغى عليها اليوم ما تشهده المنطقة العربية والإفريقية من سخونة وتحول. وفي السياق، يجدر أيضا الإقرار بوجود نواقص وبواعث قلق في الملف الحقوقي ببلادنا، ما يقتضي التعبير عن الالتزام الرسمي بالانكباب على ذلك والسعي إلى تجاوزه، بدل إنكار وجوده، أو التعامل بمنطق منغلق لم يعد له مكان في عالم اليوم.