ارتباك في صفوف البوليساريو وشعور بالذنب وتأنيب الضمير لدى الجزائر لم تهدأ الآلة الدعائية للجزائر والبوليساريو، منذ السبت الماضي، في الهجوم المتواصل على المغرب، غداة الخطاب الملكي السامي بمناسبة الذكرى الحادية عشر لعيد العرش، الذي ذكر بمسؤولية الجزائر في معاكسة استكمال الوحدة الترابية للملكة، وموقفها الداعم للانفصال. وما أثار غضب الجزائر بالخصوص أن جلالة الملك عبر عن أمله في «أن تتخلى الجزائر عن معاكسة منطق التاريخ والجغرافيا والمشروعية بشأن قضية الصحراء المغربية»، والتمادي في نسف الدينامية التي أطلقتها مبادرة الحكم الذاتي في الأقاليم الجنوبية للمملكة. مشددا على حرص جلالته على مواصلة التشاور والتنسيق لتعميق العلاقات الثنائية مع الدول المغاربية الشقيقة لتحقيق الاندماج المغاربي، باعتباره تطلعا شعبيا عميقا، وضرورة استراتيجية وأمنية ملحة، وحتمية اقتصادية، يفرضها عصر التكتلات. وبينما لم يصدر أي موقف رسمي من قصر المرادية، إلا أن جبهة التحرير الوطني الجزائرية أصدرت بيانا عبر عن غضبها من مضامين الخطاب الملكي. واعترفت جبهة عبد العزيز بلخادم، أن الجزائر ساندت البوليساريو منذ تأسيسها بما ينسجم مع سياستها الدولية والخارجية. وتجندت وسائل الإعلام الجزائرية غداة الخطاب الملكي السامي، للدعاية للمواقف الانفصالية التي عبرت عنها قيادة البوليساريو، في بيان لها بالمناسبة. واستمرت على نهج السياسة المعادية للمغرب. ولم تكتف بهذا فحسب، بل فتحت أثير إذاعتها الوطنية لزعيم الانفصاليين، بعد أن فشلت آلتها الدعائية في تحريك الرأي العام، لترديد أسطوانته المشروخة. معتبرة أن خطاب العرش «بعيد كل البعد عن أي رغبة صادقة أو إرادة حسنة في التعاون لبلوغ السلام العادل والمنسجم مع الشرعية الدولية». وحمل بيان ما يسمى بوزارة الإعلام في الجمهورية الوهمية المغرب مسؤولية ما قد يترتب عن التوجه المغربي القائم على ما وصفه ب «التعنت والتصعيد». وقالت وكالة الأنباء الرسمية الجزائرية أن الخطاب الملكي «يذكي نار الحرب والتوتر في المنطقة». نفس الموقف عبر عنه بيان جبهة التحرير الوطني، الذي ذهب إلى الاعتقاد بأن موقف المغرب بمثابة إنهاء لمسلسل التفاوض بشأن الصحراء. في الوقت الذي شككت فيه الآلة الدعائية الجزائرية فيما تسميه في «النية الحقيقية للمغرب» في التعاون مع المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة كريستوفر روس للتوصل إلى تسوية نهائية للنزاع حول الصحراء. مشيرة إلى أن المغرب «أغلق كل المنافذ الممكنة لاستئناف المفاوضات». وثارت ثائرة البوليساريو مجددا من الموقف الثابت للمغرب، الذي أكده جلالة الملك في خطاب العرش بأنه «سيظل مدافعا عن سيادته، ووحدته الوطنية والترابية، ولن يفرط في شبر من صحرائه». وذهبت هلوسة زعيمهم إلى حد المطالبة ب «ممارسة كل الضغوط والعقوبات اللازمة على الحكومة المغربية حتى تمتثل لقرارات الشرعية الدولية وتتوقف عن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في الصحراء». متناسيا أن من يستحق العقوبة هو الذي يحتجز مواطنين أبرياء في ظروف غير إنسانية، للمتاجرة بمآسيهم والاغتناء على حسابهم من عائدات المساعدات الإنسانية الدولية التي لا تعرف طريقها إليهم. وشنت العديد من الصحف الجزائرية الصادرة منذ يوم السبت هجوما على الخطاب الملكي، معتبرة أنه «استفزاز للجزائر» من خلال إقحامها كطرف في الصراع، متناسية أنها الطرف الأساسي الذي يقف حجر عثرة في طريق الاندماج المغاربي. ومتغاضية الطرف على أن الجزائر هي المسؤولة أخلاقيا وسياسيا عن محنة المحتجزين فوق أراضيها، ومعاناتهم في ظروف غير إنسانية. وتأتي الحملة الإعلامية الجزائرية الهوجاء، غداة برقية التهنئة التي بعث بها الرئيس الجزائري، عبد العزيز بوتفليقة، إلى جلالة الملك بمناسبة عيد العرش، والتي أكد فيها حرصه الشديد على الرقي بالعلاقات الثنائية إلى ما يطمح إليه الشعبان الشقيقان. وجاء في برقية الرئيس الجزائري إلى جلالة الملك «يطيب لي، والشعب المغربي يحتفل بالذكرى الحادية عشر لاعتلائكم عرش أسلافكم المنعمين، أن أتقدم إلى جلالتكم باسم الجزائر، حكومة وشعبا، وباسمي الشخصي عن تهانئي الخالصة، راجيا من العلي القدير أن يديم عليكم موفور الصحة والعافية لمواصلة مسيرتكم المظفرة في بناء مغرب التقدم والازدهار». ويظهر الموقف الرسمي الجزائري «حالة من الشعور بالذنب ووخز الضمير» من معاكسة تطلعات شعوب المنطقة في الأمن والسلام والاستقرار، وتمتين أواصر الأخوة التي تجمعها في سبيل بناء مغرب عربي قوي. مثلما يظهر موقف البوليساريو حالة الارتباك وقتامة الأفق أمام قيادتها، بعد الإجماع الدولي الذي حظيت به المبادرة المغربية لمنح الأقاليم الجنوبية حكما ذاتيا تحت السيادة المغربية، كأرضية مثالية للتفاوض من أجل التوصل إلى تسوية سياسية للنزاع المفتعل.