وهكذا انتقل إلى عفو الله المؤطر والمربي عباس كورة، الأب الروحي لدفاع عين السبع، فبعد صراع مرير مع المرض الذي ألزمه الفراش لمدة تجاوزت عقدا من الزمن، سلم «باعباس» الروح لباريها ظهر يوم الجمعة 31 يونيو الماضي، مرافقا بذلك ثلة من أبناء جيله. في رحيل عباس كورة نودع رجلا استثنائيا آخرا من المهووسين والمسكونين بعشق كرة القدم، من جيل العربي الزاولي، الصويري، باسالم، قاسم بنونة، الشريف العلوي، الحاج عبد القادر جلال وغيرهم. عباس كورة من مواليد 1939 بمنطقة زناتة من جذور تمتد إلى عبدة، تشبع بالحماس والوطنية، فمذ صغره سحره فن كرة القدم رفقة أبناء الحي من أقرانه، حيث اقتحم الممارسة والتحق بفريق «روش نوار» الذي كان يمارس بملعب كوزيمار، وحيث لعب إلى جانب مجموعة من الموهوبين من بينهم ميلازو، مايي، ودفعه حب كرة الكرة إلى إحداث فريق في عين السبع رفقة رفيقه الراحل الحاج إبراهيم أكونين ومجموعة من الوطنيين، في زمن الحماية والنضال والاستبسال من أجل استقلال البلاد، فمن هناك كانت بداية قصة الحب مع فريق دفاع عين السبع، قصة استمرت طوال العمر محملة بالألم ونشوة الحضور ومواجهة الإكراهات بجلد الذات. كغيره من العاشقين الصادقين تورط «باعباس» في حب «الدفاع»، فوجد نفسه مجبرا على ضمان الحضور وتأمين الاستمرار، وبدوره كمن سبقوه من الظواهر في المجتمع الرياضي ومن المبدعين عامة، نسي عباس نفسه فأصبح موزعا بين البيت والشغل وملعب كوزيمار، فجل أوقات حياته قضاها معتكفا في ملعب تحول في الوجدان بما يشبه المعبد، حيث عاش عباس مكرسا حياته لتربية وتنشيط وتكوين أبناء الآخرين على غرار الزهاد والمتصوفة، يتنفس «كرة القدم» أوكسجينا، يجوب الملاعب والمساحات الفارغة، حيث يجتمع الأطفال بحثا عن السيقان المبدعة والمواهب في حارات عين السبع: زرابة، الزيتونة، سيدي مومن، حي الواسطي، لوسيور وغيرها، مثقلا بالأحلام، يسعى إلى تأهيل اللاعبين وتطوير مؤهلاتهم ونقلهم إلى الأرقى في مجال الممارسة. تابعنا ما أنجب فريق دفاع عين السبع من مواهب من بينهم حمو، فاليو، محمد مديح، فتحي جمال، مونا، عينوس، تاجا، اليزيد، التخيش، أحمد العينين، العميم حسن وغيرهم، وكيف سجل دفاع عين السبع حضورا وازنا في القسم الثاني، وأكد الشموخ في منافسات الكأس في مطلع الثمانينات متجاوزا في المسار الإقصائي فرق النادي المكناسي، الفتح والمغرب الفاسي. ففي غياب الدعم الرسمي والموارد القارة ظل فريق الدفاع كالغريب في عين السبع يصارع من أجل البقاء مع محاولات لإخراج الرأس من الماء بدعم مستمر لعائلة كورة، الحاج العربي، أحمد وعباس الأب الروحي، وفترات مع مصطفى الحظ، محمد قاريا، لحساك، مفتاح، الأستاذ جعفر، كما الحضور المستمر للمسير عبد العزيز مجناوي. ظل عباس ملتزما وعلى العهد، في خدمة فريق الدفاع منذ الصغر حتى الرحيل، يطلق العائلة كلما انتقدت إفراطه في الإنفاق المادي والمعنوي على الفريق وكلما عاتبته على إهمال نفسه وجلد الذات لكي يحيا الدفاع، يغضب عباس ويهجر البيت ليستسلم للملعب ويسكن المستودع معانقا أوجاع العشق، ففي المسار، وتحت الضغوط النفسية من شدة التحمل صربه السكري، فارتمى في حضن العائلة، الوالدة والوالد، وبعدهما أخته أمينة، التي تحملت الأعباء اليومية في البيت وشقيقه العربي كورة الذي أمن التطبيب والعلاج. بقي عباس بقامته الفارهة كالنخلة يتراجع صحيا وينهار يوما بعد آخر، وسقط، حيث بترت ساقاه، ونشفت العروق واستحال شحن الجسد بالدواء، حيث فرض المرض والألم الصمت على عباس، فكلما كان يقوى على الكلام يتحدث عن الهذيان عن دفاع عين السبع، وهكذا استمر حتى الرحيل.