أكدت الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان، والشبكة الأورومتوسطية لحقوق الإنسان، واللجنة الدولية للحقوقيين، في مذكرة حول إصلاح السلطة القضائية بالمغرب، على ضرورة خضوع هذا الإصلاح للمضامين التي تضمنتها مقتضيات الدستور الجديد والمعايير الدولية في المجال، وذلك بتقوية ضمانات استقلال السلطة القضائية عبر إخراجها من تحت وصاية سلطة وزير العدل والحد من تدخل السلطة التنفيذية. الهيئات الحقوقية التي ما فتئت تؤكد أن استقلال القضاء يعد حجر الزاوية في بناء دولة الحق، اقترحت في مذكرة بشأن منظورها وتصورها لإصلاح السلطة القضائية بالمغرب، والتي كشفت عن مضامينها خلال ندوة صحفية مشتركة صباح الخميس بالرباط، على استلهام روح هذا الإصلاح مما توفره مختلف الآليات الدولية الخاصة باستقلال السلطة القضائية، وبالأخص المبادئ الأساسية للأمم المتحدة في المجال، إذ شددت في هذا الصدد على أهمية القيام بإصلاح عميق لمنظومة العدالة بحيث يتم ضمان الاستقلال الكامل للمجلس الأعلى للسلطة القضائية وتخويلها صلاحيات لتدبير المسار المهني للقضاة، فضلا عن إصلاح القانون الأساسي للقضاة بشكل يضمن أن تكون شروط ومعايير تعيينهم وترقيتهم تحمي لاستقلاليتهم، بل ويضمن لهم حرية التعبير وتأسيس الجمعيات، وإصلاح القضاء العسكري. وشددت الهيئات الحقوقية التي سبق وقدمت هذه المذكرة للحكومة والبرلمان، والتي تأتي كمساهمة منها في تذكير المغرب بالالتزامات التي تعهد بها دوليا خاصة ما يرتبط بضمان حقوق الإنسان والمحاكمة العادلة ومن تم بناء دولة الحق، (شددت)على ضرورة الحد من استمرار التدخل التعسفي للسلطة التنفيذية في المسائل القضائية واستخدام المحاكم العسكرية لمحاكمة المدنيين، وهي الممارسات التي كان من نتائجها تراجع ثقة الشعب في نزاهة الجهاز القضائي وعرقلة السير الحسن لإقامة العدالة. كما أهابت بضرورة العمل على تجاوز مختلف العراقيل التي تقف حجر عثرة أمام بناء نظام قضائي مستقل، والتي من تجلياتها أن المجلس الأعلى للسلطة القضائية حاليا يخضع لسلطات وزير العدل حيث أن هذا الأخير بصفته نائبا لرئيس المجلس فإنه يضطلع بدور رئيسي في المسار المهني للقضاة، حيث يتحكم في تعيينهم وترقيتهم بل وتأديبهم، كما أن المجلس يخضع ماليا لسلطة الوزير، بل يعد كمصلحة تابعة له، حيث إن كتابة المجلس نفسها توجد بمقر الوزارة. هذا،علما أن من بين العراقيل التي يعتبر الحقوقيون أنها تمس باستقلالية منظومة القضاء، تلك التي تتعلق بالنيابة العامة، والتي لازال قضاتها يخضعون بدورهم لسلطة وزير العدل، سواء تعلق الأمر بمسارهم المهني أو تدبيرهم للقضايا والملفات التي تعرض عليهم. وأوصت الهيئات الحقوقية على ترجمة ما تضمنه الوثيقة الدستورية في باب السلطة القضائية بتقوية اختصاصات المجلس الأعلى للسلطة القضائية بتمتيعه بصلاحيات جديدة، وضمان استقلاليته وجعله الجهة المخولة بتدبير المسار المهني للقضاة، وذلك في انسجام مع المقتضيات الجديدة لدستور2011، والذي يروم الحد من تمثيلية الجهاز التنفيذي داخل مؤسسة المجلس الأعلى للسلطة القضائية، بل ويضمن استقلالية القضاة دون أدنى تفرقة بين قضاة الحكم وقضاة النيابة العامة. كما دعت إلى ضمان استقلال النيابة العامة عن السلطة التنفيذية ووضع حد لسلطة وزير العدل على قضاة النيابة العامة،هذا مع ضمان أن لا يمتلك وزير العدل لأية سلطة سواء في القانون أو على المستوى العملي تخوله أو تمكنه من التدخل أثناء الإجراءات القضائية أو لاتخاذ القرارات الخاصة ببدء متابعات قضائية أو وقفها. وفيما يتعلق بالمحاكم العسكرية، أوصت الهيئات بإصلاح مدونة العدل العسكري والنظام الأساسي لقضاة النيابة العامة العسكريين بشكل يتلاءم مع المعايير الدولية، ووضع حد لمحاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية، وجعل اختصاصات هذه الأخيرة تختص بالنظر فقط في الحوادث التي لها طابع عسكري والعناصر العسكرية.