في الوقت الذي تنكبّ لجنة الحوار الوطني حول إصلاح منظومة العدالة على صياغة ميثاقها الختامي، قدّمت ثلاث منظمات دولية، صباح أمس في الرباط، مذكرة مُشترَكة إلى الحكومة المغربية، بسطت فيها تصورها لإصلاح السلطة القضائية، على ضوء ما جاء به الدستور الجديد للمملكة والمعايير الدولية المُعتمَدة في مجال إصلاح القضاء. وركزت المذكرة، التي قدّمتها كل من الفيدرالية الدولية لجمعيات حقوق الإنسان، الشبكة الأورو متوسطية لحقوق الإنسان واللجنة الدولية للحقوقيين، بحضور ممثلين عن كل منظمة، على التصور المطلوب لتكوين المجلس الأعلى للسلطة القضائية واختصاصاته، وما يجب أن ينصّ عليه القانون التنظيمي المؤسِّس له، إضافة إلى النظام الأساسي للقضاة، فضلا على ضرورة فصل النيابة العامة عن السلطة التنفيذية ووقف استخدام المحاكم العسكرية لمحاكمة المُتّهمين المدنيين. وركز الشق الأول من المذكرة على المجلس الأعلى للسلطة القضائية، والذي نصّ دستور 2011 على إنشائه، حيث طالبت المنظمات الحقوقية الدولية بتعزيز اختصاصات هذه المؤسسة بصفتها ضامنة لاستقلال السلطة القضائية، وتمكينها من إدارة السلك القضائي، عبر منحها سلطة توظيف وتعيين ونقل وعزل القضاة، إضافة إلى تمكين المجلس من الاستقلال الذاتي على المستوى المالي، ومنحه صلاحية تحديد التوجهات العامة في مجال تكوين القضاة، عبر إلحاق المعهد العالي للقضاء بالمجلس. وفي ما يتعلق بالنظام الأساسي للقضاة، فقد طالبت المذكرة الحقوقية بضمان ظروف تعيين القضاة وترقيتهم بما يكفل استقلاليتهم، دون أن تكون للسلطة التنفيذية أيّ سلطة لعزل القضاة أو التأثير على مشوارهم المهنيّ، وتحديد الأفعال التي تشكل خطأ تأديبيا، مع الحرص على أنْ يكون المجلس الأعلى للسلطة القضائية هو المسؤول عن تلك الإجراءات التأديبية، مع ضمان حق القضاة في حرية التعبير وتكوين الجمعيات، من أجل الدفاع عن حقوقهم واستقلالهم عن السلطات الأخرى. وطالبت المذكرة، أيضا، بضرورة استقلالية النيابة العامة عن سلطة وزير العدل، عبر ضمان بقاء قضاة النيابة العامة في مناصبهم وجعل نظامهم الأساسي مطابقا للنظام الأساسي لقضاة التحكيم، مع ضمان عدم امتلاك وزير العدل أيَّ سلطة في القانون تخول له الحق في التدخل أثناء الإجراءات القضائية أو في القرارات المتعلقة ببدء متابعات قضائية أو وقفها، مع ضمان عدم المساس بهم أو بوظائفهم إلا عبر المجلس الأعلى للسلطة القضائية. وانتقد الحقوقيون الحاضرون في الندوة «استمرارَ السلطات المغربية في محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية»، في ظل خضوع القضاة العسكريين للسلطة التنفيذية، ولاسيما إدارة الدفاع الوطني، وهو ما يتنافى مع المطالبة باستقلالية القضاء، إضافة إلى أنّ الإجراءات المُتّبَعة أمام المحاكم العسكرية كثيرا ما تخالف المعايير الدولية في مجال المحاكمة العادلة، وتنتهك حقوق المتهمين في الدفاع، خاصة تلك المنصوص عليها في المادة ال14 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية.