أكد العلمي المشيشي وزير العدل السابق أن استقلالا حقيقا للسلطة القضائية لن يتم إلا عبر فك ارتباطها تقنيا عن وزارتي العدل والداخلية، قائلا «إن الدستور الجديد خطا خطوة جريئة حينما ارتقى بالهيئة القضائية إلى سلطة دستورية ولاءم تكريس السلطة القضائية باعتماد مجلس أعلى يتمتع بصلاحية مهمة لتفعيل استقلالها، لكن من الأمانة العلمية والمسؤولية الوطنية، فإن العديد من العوائق القانونية مازالت تحول دون تحقيق استقلال حقيقي للقضاء بفك ارتباطه تقنيا عن وزارتي العدل والداخلية وتنظيم الاستقلال داخل جهاز القضاء بمراجعة مناسبة للعلاقة بين أعضائه. وأوضح العلمي المشيشي في تدخل ألقاه صباح أمس الخميس، في افتتاح ندوة ينظمها المجلس الوطني لحقوق الإنسان واللجنة الدولية للحقوقيين بالرباط حول «إصلاح السلطة القضائية في إطار الدستور الجديد والمعايير الدولية»، أن المقتضيات الجديدة للدستور حافظت على رقابة وزير العدل على النيابة العامة وذلك في تنافر واضح مع تركيبة المجلس الأعلى للسلطة القضائية ومع مبدأ استقلال السلطة القضائية ومع انسجام الالتزام بالقانون والضمير وهو ما من شأنه أن يؤثر على حسن سير العدالة وحيادها. وشدد المشيشي الذي حمل قبل سنوات حقيبة وزارة العدل واطلع عن قرب وعن كثب عن خبايا هذا القطاع «بأن تأمين الاستقلال الفعلي للسلطة القضائية والقضاة في ممارستهم لمهامهم يتطلب بشكل أساسي أن تكون القوانين التنظيمية الجديدة والنظام الأساسي للقضاة متطابقة مع المعايير الدولية لاستقلال السلطة القضائية وحيادها، بما فيها المعايير المتعلقة بقضاة النيابة العامة». وقال «إن الدستور الجديد كرس في مقتضياته نظام «ملكية دستورية ديمقراطية برلمانية واجتماعية» قائمة على أساس «فصل السلط وتعاونها»، وهذا الأمر يستوجب وجود وتوطيد سلطة قضائية مستقلة خاصة إزاء السلطة التنفيذية وضامنة حقيقة لدولة الحق، كما يقتضي اعتماد المنظور المؤسساتي المناسب لهذه السلطة، مبرزا بشكل ضمني «أن منظور الدستور الجديد انطلق مما كانت تتخبط فيه السلطة القضائية طيلة سنوات عديدة جراء ارتباك النص الدستوري وتدخلات السلطة التنفيذية في تدبير الملفات القضائية وغياب ضمانات استقلال المجلس الأعلى للقضاء». وأكد على ضرورة مرافقة هذا التعديل الدستوري بمراجعة عميقة للتشريعات القائمة لضمان استقلالية المجلس الأعلى للسلطة القضائية والنيابة العامة وتقوية النظام الأساسي للقضاة. واقترح في هذا الصدد وضع تصور مغاير لنص القانون 1-74-467 الذي يحدد بخصوص النظام الأساسي للقضاة وتنظيم المجلس الأعلى للقضاء وتسييره، والذي في صيغته الحالية يؤثر تأثيرا سلبيا كبيرا على استقلال العدالة وفعاليتها، إذ تطبعه هيمنة واضحة لوزارة العدل على مسلسل اختيار القضاة وتوظيفهم وتعيينهم وترقيتهم وتأديبهم ، بل وتمتد هذه الهيمنة إلى المجلس الأعلى للقضاء وتشكيله وتسييره واستقلاليته سواء على المستوى المؤسساتي أو المستوى الإداري والمالي. وبالرغم من إقرار المتحدث بالتعقيدات التي تحيط باختيار الصيغة التي سيتم تبنيها على مستوى تعديل القانون الأساسي للقضاة لكونه يكتسي طبيعة سياسية ويتطلب إعمال التوافق بين المواقف والآراء المتباينة وإعمال مبادئ الديمقراطية، ألح المتحدث على ضرورة أن يفك هذا النص القانوني الجديد الذي سيخضع للمراجعة الارتباط مع وزارة العدل ويوضح ويدقق شروط ولوج سلك القضاء، كما يحدد بشكل دقيق اختصاصات القضاة ومسؤوليتهم وضمان استقلالهم ومصداقية عملهم. كما اقترح المشيشي على مستوى تفعيل مقتضيات الفصل 116 من الدستور، بحصر اختصاص المجلس الأعلى للسلطة القضائية في مسائل التأديب على الأعضاء القضاة الذين يمكن تنظيمهم على شكل لجنة تأديبية يرأسها الرئيس الأول للمجلس الأعلى، وفي ذات الاتجاه يقترح تفصيل وتوضيح اختصاصات المجلس وطريقة عمله وموارده ووسائله، والعمل على تحسين مسطرة التعيين والانتخاب للعضوية في توازن يكفل الاستقرار والموضوعية والاستقلال. وبالنسبة لنظام القضاة أشار إلى أن من المرجو أن يحسن التفعيل جوانب متعددة، تبدأ من شروط ولوج سلك القضاء، إذ يتعين اشتراط تكوين علمي قانوني أساسي مناسب وغير قانوني مكمل كما هو معمول به حاليا، وقضاء فترة تدريب بمختلف المهن والقطاعات المرتبطة بالقضاء والمتمثلة في المحاكم ومكاتب المحاماة والتوثيق والخبرة والمحاسبية والأمن الوطني والدرك الملكي وإدارة السجون، وذلك حسب توجه المرشح نحو القضاء الجالس أو الواقف. هذا فضلا عن إعادة النظر في شروط الترقية بتقليص المدة الزمنية بين الدرجات للوصول سريعا إلى قمة السلم حتى يزول كل شعور بالغبن يؤثر على جودة الاجتهاد، كما يستحسن خلق إطار القاضي الشرفي لمن أكمل ست سنوات من العمل بعد سن التقاعد وخلق مجلس للحكماء يكونه قضاة من قمة الهرم بلغوا سن الستين من عمرهم، وبرزوا باجتهادات ساهمت في تحسين العمل القضائي والتشريعي والفقهي. من جانبه، أكد ادريس اليازمي رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان أن فتح هذا النقاش يأتي في إطار الاختصاصات الواسعة للمجلس التي منحها إياه الظهير المحدث له والتي تهم مجالات واسعة تخص حماية حقوق الإنسان والنهوض بها وإثراء الحوار حول حقوق الإنسان والديمقراطية من خلال الحوار المجتمعي التعديد. وأبرز أن تأمين استقلال السلطة القضائية التي نص عليها دستور يوليوز 2011 يستوجب مرافقة هذا التعديل الدستوري بمراجعة عميقة للتشريعات القائمة لضمان استقلالية المجلس الأعلى للسلطة القضائية والنيابة العامة وتقوية النظام الأساسي للقضاة وضمان حماية قضائية حقيقية للحقوق والحريات الأساسية، بما في ذلك على مستوى المحكمة الدستورية واسترجاع ثقة المواطنين في النظام القضائي. كما أن ضمان الاستقلال الفعلي للسلطة القضائية وللقضاة في ممارستهم لمهامهم يقتضي أن تكون القوانين التنظيمية الجديدة والنظام الأساسي للقضاة متطابقة مع المعايير الدولية لاستقلال السلطة القضائية وحيادها، بما فيها المعايير المتعلقة بقضاة النيابة العامة، مذكرا في هذا الصدد بالتوصيات التي حملها تقرير هيئة الإنصاف والمصالحة خاصة ما يتعلق منها بمجال العدالة وإصلاح القضاء. يشار إلى أن هذه الندوة تواصل أشغالها يومه الجمعة وتعرف تنظيم جلسات عامة تتمحور حول «دور المجلس الأعلى للسلطة القضائية في ترسيخ استقلال القضاء»، «إصلاح النظام الأساسي للقضاة»، «النيابة العامة، أي استقلال؟» و»استقلال القضاء بين القانون والممارسة».