شكل إصلاح النيابة العامة أحد المحاور الأساسية التي ركز عليها المشاركون في الندوة الدولية التي نظمها على مدى يومي الخميس والجمعة الماضيين بالرباط المجلس الوطني لحقوق الإنسان واللجنة الدولية للحقوقيين بالرباط حول «إصلاح السلطة القضائية في إطار الدستور الجديد والمعايير الدولية»، وذلك إلى جانب موضوع استقلال وإصلاح المجلس الأعلى للسلطة القضائية وتعديل القانون الأساسي للقضاة الصادر سنة 1974. وتأتي هذه الأهمية التي أحيط بها موضوع النيابة العامة اعتبارا للتحدي الذي تطرحه هذه المؤسسة على مستوى مبدإ استقلال القضاء كسلطة، فإذا كانت النيابة العامة تضطلع بدور حاسم على مستوى إقامة العدل بوصفها طرفا أساسا فيما يتعلق بإنفاذ القانون خاصة في الجانب المتعلق بنظام العدالة الجنائية، فإن العديد من جوانب الغموض وعدم الحسم مازالت ترخي بظلالها خاصة تلك التي ترتبط بمسألة اعتبار النيابة العامة جهازا قضائيا صرفا أو امتداد للهيئة التنفيذية داخل الجهاز القضائي، هذا فضلا عن إمكانية الطعن في قرارات النيابة العامة. وأكد سعيد بنعربية المستشار القانوني رئيس لدى اللجنة الدولية للحقوقيين، أن إصلاح النيابة العامة يعد تحديا مطروحا ليس في المغرب فقط، بل مطروحا على العديد من الدول بما فيها الديمقراطية منها، قائلا في هذا الصدد «كلجنة دولية للحقوقيين نشتغل على هذا الموضوع ونلاحظ أن هذا التحدي مطروح على العديد من الدول، وهو يرتبط بمسألة الحسم في اعتبار جهاز النيابة العامة جهازا قضائيا أم امتدادا للهيئة التنفيذية داخل الجهاز القضائي». وأبرز بنعربية أن اللجنة الدولية للحقوقيين تسعى بالدرجة الأولى إلى دعم مبدأ سيادة القانون من خلال استقلال السلطة القضائية، وأن هذه الاستقلالية ليست هدفا في حد ذاته بقدر ما هي آلية لتعزيز سيادة دولة الحق والقانون وحماية حقوق الإنسان، مبرزا أن اختيار مقاربة استقلال القضاء تم عبر عرض مجموعة من التجارب المقارنة لدول فرنسا، إسبانيا، تونس، سويسرا، إيطاليا، وبريطانيا، جاء في إطار مواكبة التحديات التي يطرحها الدستور الجديد في ما يتعلق بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية، والنظام الأساسي للقضاة. هذا واستعرضت ورقة وزعها المجلس الوطني لحقوق الإنسان المبادئ التوجيهية بشأن دور أعضاء النيابة العامة التي اعتمدها بداية عقد التسعينات مؤتمر الأممالمتحدة الثامن لمنع الجريمة، إذ أكدت أن أعضاء النيابة العامة يضطلعون بدور حاسم في إقامة العدل، وأن القواعد المتعلقة بأدائهم لمسؤولياتهم الهامة ينبغي أن تعزز احترامهم للمبادئ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي ينص على مبادئ المساواة أمام القانون وافتراض البراءة والحق في محاكمة عادلة وعلنية أمام محكمة مستقلة ونزيهة، وأن تبرز التزامهم بها، بحيث تسهم النيابة العامة في إقامة عدالة جنائية منصفة وفي وقاية المواطنين من الجريمة بصورة فعالة. وهذا الأمر تشير الوثيقة يفرض وبشكل جوهري تأمين حصول أعضاء النيابة العامة على المؤهلات المهنية اللازمة للاضطلاع بوظائفهم، عن طريق تحسين أساليب تعيينهم وتدريبهم القانوني والمهني، ومن خلال تهيئة كافة الوسائل التي تلزمهم لأداء دورهم بطريقة سليمة في مكافحة الإجرام، وبصفة خاصة في أشكاله وأبعاده الجديدة. هذا وحاول المشاركون خلال هذه الندوة التوصل إلى خلاصات من شأنها المساعدة في أن يكون مسار وضع القوانين التنظيمية سواء القانون التنظيمي المتعلق بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية و القانون الأساسي للقضاة متماشيا مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان والمعايير الدولية المتعلقة بالاستقلال ومسؤولية وحيادي السلطة القضائية. هذا ويشار إلى أن المحاور الثلاث التي قابرتها الندوة الدولية، تتعلق باستقلال وإصلاح المجلس الأعلى للسلطة القضائية من حيث تمكينه من الاستقلال المادي والإداري والمؤسساتي وجعله السلطة الكفيلة بضمان الأمن الوظيفي للقضاة، وأيضا بمواكبة المسار المهني للقضاة بما في ذلك المسائل التأديبية. وكذا موضوع تعديل القانون الأساسي للقضاة قانون 1974، وذلك كموضوع جوهري من أجل ضمان تعزيز حصانة استقلال القضاة والقضاء ،وفصل السلطة القضائية عن السلطة التنفيذية ممثلة في وزارة العدل، إلى جانب موضوع إصلاح النيابة العامة.