بالتأكيد مرت عشر سنوات على غزو واحتلال العراق ولكن الأسئلة حولها وفيها لم تمر ولن تنتهي.. أولا: لم تكن السنوات العشر هي المدة وحدها، اذ كان التحضير لها بسنوات أخرى قبلها. وكان التورط والتوريط لها أكثر من ذلك، ولا نريد الدخول في محاكمات لتلك السنوات الآن رغم أهميتها، إذ هي المؤشرات لما حصل وما يأتي، ولكن سنوات الحصار والتخطيط له ولتجويع الشعب وإنهاكه كانت خططا موضوعة وكانت كل الإدارات الغربية تعمل عليها بمساعدات عربية ودعم خليجي واضح، فضلا عن رعونة وديكتاتورية غاشمة تحكمت بالبلاد والعباد واعدت السبيل إلى ما أصبح معروفا ومعلوما. تورط العراق بحروب دموية لا طائل منها ولا فائدة له بها أنهكته ودمرت قدراته وفتحت عليه ما حصل بعدها وما زالت أثارها تتفاعل فيه. كل ذلك، أو بعض منه، مقدمات وضعت للغزو والاحتلال. كانت مخططات حرب مستمرة لم تتوقف عند العراق ومحيطه. أهدافها موضوعة ومنتظمة ولم تزل قائمة رغم كل ما حدث وما حملته السنوات العجاف. ثانيا: كانت سنوات ما قبل الغزو تمهيدا له، اجتماعات وخططا ومشاريع وتحضيرات ميدانية وبشرية وتجهيز المشهد بكامل عدته وعتاده، ولم تكن أموره مخفية إلا لمن يغطي على دوره ويتهرب من المسؤولية التاريخية وحكم الشعوب، الممهل وليس المهمل بكل الأحوال وكل الظروف، مهما طال الزمن وجدبت الضمائر. كانت الاستعدادات الحربية متواصلة وأكثرها علنية والقليل منها سرية لضرورات التضليل والتمويه وخشية من الرأي العام لحين. وكانت ساعات الصفر محددة والتوقعات لقيامها وانطلاقها محسومة. أهدافها ووسائلها خراب وتدمير وتفتيت وإعادة هيكلة وتقسيمات مؤجلة. تكشفت في المذكرات والمراجعات وبعض صحوات ضمير إعلامي لمن ادعى علما بها، أو ساهم بشيء منها، أو توصل إليها عبر طرقه أو خدماته وارتباطاته. وجاءت الذكرى العاشرة لها لتفتح ملفات كثيرة ولكن ما لم يعلم منها بعد ليس قليلا رغم جبل الجليد الظاهر منه. ثالثا: خرجت إدارات الاحتلال والهزيمة بدروس وعبر من كل تجاربها الإجرامية وأبرزها عدم تكرار أساليبها ذاتها ولا سما إرسال وحدات عسكرية كبيرة والتوقف طويلا أمام حساب الخسائر البشرية الغربية بدقة وبميزان مخادع وكاذب والعمل على الاستعانة بغيرها. هذا ما أشارت له وسائلها الإعلامية فيما بعد وسمته الحرب نيابة عنها وتوظيف من لديه الاستعداد لتقديم الخدمة بنفسه ودون مواربة أو خجل من نفسه. وأشارت إلى التجربة في غزو ليبيا مؤخرا نموذجا بعد تجربة العراق الدموية ومثالا لما يأتي من بعده. خسائرهم محسوبة ولا تكرار لها بالقدر ذاته ما دام هناك من يتبرع بدمه وماله جاهزا ومتوفرا حسب الحاجة والطلب. رابعا: الدروس التي تعلمتها إدارات الغزو والحرب والاحتلال كثيرة وهي في مراجعات مستمرة لها كما بينت كتب ممثليها المشاركين في جرائمها، من "المحافظين الجدد" أو من تبعهم ونطق باسمهم بمختلف اللغات، لاسيما باللغة العربية، وما أعدوه لهم من أساليب جديدة، لاسيما على صعيد الإعلام، حيث عدت وسائله أسلحة متقدمة لعمليات الغزو والحرب والاحتلال، وتوفرت لها فيها إمكانات متنوعة وخدمات مفتوحة، حتى باتت هذه الوسائل العربية لسان حالها أكثر من أجهزتها المباشرة وتمويلاتها المحسوبة. وباتت تؤكد أنها قادرة على الدخول إلى الأوطان والشعوب من خلال شراء ذمم مؤسسات وشخصيات مستعدة معها في تشويه الوعي تحت مسمى كسب العقول وإرضاء النفوس. وصارت صدمتها وترويعها مباشرة وعبر هذه الوسائل أكثر مما كانت مخططة له أو مفكرة به، أو إضافة إليه في كل الأحوال. خامسا: بعد الانتهاء من احتلال العراق تمكنت إدارات الغزو والحرب من كسر عمود البيت العربي والتهديد بغيره، فرغم كل ما كان عليه العراق لم تتوقف الحرب عنده ولم تكن بوادر الاكتفاء به، مع كل مخططاتها وحساباتها له ولمستقبله ودوره في المنطقة وأهدافها منه ومنها. وكان احتلال العراق بتلك الصورة طريقا للامبريالية الجديدة إلى التمدد وإعلان مشاريعها فيه وغيره والتهديد بها والتلويح العلني بما يحصل لغيره بعده. وتحول العراق درسا بليغا له ولغيره، وللأسف لم يحسب هذا عربيا وإسلاميا بالخطورة الكامنة والمشاريع المبيتة، خصوصا لمن دعم أو ساهم أو صمت متفرجا ومنتظرا. سادسا: اتخذت جريمة الاحتلال والحرب محطات متنقلة لمخططات كاملة لم تنته بعد. إذ إن مشاريعها مستمرة لمراحل متعاقبة وبأشكال أخرى، لا تعيد فيها التجربة ذاتها ولكنها تستفيد منها في إنجاز أهدافها. اختلفت التسميات لها ولكنها في الواقع سلسلة متواصلة، من مشاريع الامبريالية المدمرة للشعوب وثرواتها وخيراتها وطاقاتها. فلم تكتف الامبريالية بقواعدها العسكرية ولا أزلامها من المتحكمين في بلدان النفط والغاز والثروات الأخرى، بل تريد نهب كل ما تكنزه هذه الأرض والهيمنة عليها والتحكم فيها وما بعدها. لم تقتنع بما تحقق منها ولن تتوقف عندها، ولديها الاستعداد لتغيير أساليبها وعناوينها، وهو ما قامت به وتقوم به الآن في أكثر من مكان. سابعا: مرحلة السنوات العشر الماضية ودروسها الكثيرة أعطت إدارات الغزو والاحتلال فرصا كثيرة لتثبيت خططها وأهدافها والتمكن من استخدام كل أدواتها المعلنة والمخفية لتكريس مشاريعها بالأسماء والمسميات التي تصنعها أو تتبناها، وتوظف لها احتياطاتها وركائزها لتديم كل ما ينفعها ويمهد لها السبل بأشكال متنوعة، وبأساليب مختلفة. اذ لم تعد تعتمد على ما قامت به سابقا، وتجرب خططا أخرى، بما فيها التعاون الكامل مع القوى التي كانت تعتبرها إلى حين في صفوف مختلفة معها. هذا الخطر أضاف صعوبات جديدة على قوى التحرر والتغيير ومناهضة المشاريع الامبريالية، في ابتعاد قوى كانت معها عنها وارتهانها بمشاريع الامبريالية الجديدة. المرحلة الجديدة بعد السنوات العشر مرحلة صعبة أيضا وتتطلب جهودا جديدة مقابلة لها وتحالفات أوسع من قوى التحرر الوطني والعالمي للوقوف بوجه تحديات ما تحمله لها.