ذكرى العدوان الصهيوني على لبنان، الذي وقع في 12 يوليو 2006، مرت هذا العام مثل سابقاتها، رغم كل ما حصل من متغيرات في المنطقة العربية، دون ان يجري استخلاص الدروس منه، ودون تمحص واستقراء موضوعي لأسبابه والتعريف بمخططات العدوان والحرب والاحتلال التي مارستها القوى الاستعمارية للمنطقة خصوصا. فهل ست سنوات غير كافية؟، وماذا يفيد كشف ما خفي من أسباب العدوان على لبنان وقبلها على افغانستان والعراق؟، وهل ما بعدها يزيدها وضوحا وكيف يستفاد منه في ما يجري اليوم؟. لعل مرور الذكرى يعطي انتباها جديدا لما حصل ولأسبابه وعدم التوقف عنده وحسب، وإنما الاعتبار منه وقراءة وقائع ما هو متواصل من العدوان والحرب وان بأساليب أخرى. كما هو مهم وعي ذلك وتفهمه علميا وبإخلاص. ومن أبرز أسباب وأهداف العدوان والحرب هو التدمير الشامل لكل مقومات المقاومة للمشاريع والمخططات الصهيونية في المنطقة، وشمول التدمير والخراب مختلف الصعد السياسية والأمنية والعسكرية والاقتصادية والثقافية والنفسية، الشعبية والرسمية، وغيرها وأخذت هذه الأسباب سبيلها في كثير من المواقع لاسيما في تزييف الوعي وتضليل قطاعات في العالم العربي. كما صار معروفا انه قد وظفت لها جهود كبيرة، منها اغلب وسائل الإعلام التابعة للقوى العدوانية الاستعمارية للقيام بهذه المهمة، واشتركت فيها سلطات وأحزاب وشخصيات سياسية وإعلامية تفتخر بالتحاقها بماكينة الاستعمار وقوات حلف الناتو وأجهزتها المعروفة والمخفية في المنطقة. كما ان هذه المهمات المكشوفة متواصلة في التنفيذ العملي منذ تلك الحرب وطيلة تلك السنوات دون توقف، بل وأشركت فيها قوى أخرى وأضافت لها امكانات جديدة لتعمل كلها في استمرار العدوان وأهدافه في العالمين العربي والإسلامي. معلوم ان كل حرب لها أهداف وخطط متوالية وما حصل في حرب العدوان على لبنان وتلته غزة وما بعدها ما يحصل في بعض البلدان العربية وجيرانها، يعكس تلك الأهداف والمخططات التي لم تعد سرية تماما، بل أصبحت أخطارها المتنامية ثقيلة على مشعليها وعلى الأنظمة والقوى التي دعمتها وتوفر لها مصالحها الإستراتيجية واللوجستية وتخدمها بما يتخادم معها ويناقض كل ادعاءاتها بابتعادها عنها أو التفرج عليها. كما تضع تلك القوى أمام أنفسها وشعوبها في مسيرة ومصير المصالح العربية والإسلامية وتعارضها لمصالح المستعمرين ومخاطرها العملية وتداعياتها. وقد كانت الحرب على لبنان احد الاختبارات الإستراتيجية لما حصل بعدها، ووضع النتائج منها أمام وقائع جديدة، تتوالى تطوراتها سلبا وإيجابا في العالم العربي حسب توجهاتها وإدراكها وتفاعل عوامل النهوض فيها. ما حصل ويحصل ألان من الحرب والعدوان والغزو والاحتلال يوضح بجلاء طبيعتها ويتطلب الانتباه وإدراك مخططاتها. ولعل الأبرز فيها العمل على تشويه معاني ومدلولات المقاومة لمخططات العدوان والحروب الوحشية، والتركيز على نزع روح المقاومة ونموذجها وتداعياتها وإشغال الشعوب بما يخدر مشاعرها ويسقط هذه الروح عنها. وهو ما يجري اليوم على مختلف المستويات أيضا، وتحويل حتى الكلمة الى مفردة ممنوعة حصريا في التداول في وسائل الإعلام المرتهنة بتلك المخططات الانتقامية، لإضعاف الوعي اليومي والعمل على زرع ما يعارضها ويعاديها ويصنع العكس من تطورها وتقدمها ونجاحها. ولم يجر العمل على تشويهها والتمويه عليها وحسب بل وتشويه رموزها ومثالها وقدراتها على التواصل الحقيقي والنجاحات في مثالها المحقق فعليا والمنجز عمليا. وإدخال كلمات ومعاني أخرى في مواجهتها والترويج لها دون خجل أو تردد منها، بل واستثمارها في صناعة حروب أهلية وداخلية والسعي اليها وخدمتها استراتيجيا لما وراء مسمياتها وتأثيراتها. ومراجعة حملات الهجوم على المقاومة ورموزها تفضح تلك المخططات وأهدافها. وأية قراءة موضوعية في هذا المجال تؤكد سرا من أسرار تلك الحرب واستمرار العدوان فيها. وإذا كانت المقاومة اللبنانية الباسلة قد أنجزت ما تحقق على يديها من تقدم فعلي في مستويات المقاومة للعدوان وتلقين العدو دروسا تاريخية فهي التي صارت مستهدفة قبل غيرها وكذلك وضعت في مواجهة تلك المخططات والحملات العدوانية مرة أخرى وكأنه استمرار للعدوان والحرب التي شنت عليها في تلك الأيام. واذ كان من دروس المقاومة وأبرزها إسقاط هيبة العدو «الأسطورية» في المخيلة والإعلام الموجه لخدمته، وهو أمر لم يستطع العدو إنكار ما حصل له والإقرار بهزيمته الفعلية رغم كل الهالة التي كان عليها وكل الصورة التي كان وهو ومريدونه يصورونها لأنفسهم وللعالم، فان ما تحاوله الحملات المضادة هو استصغار هذا الدرس الاستراتيجي للمقاومة والتشويش عليه. وهو جزء من وسائل العدو الصهيوني المعروفة، إضافة الى استخدام كل أجهزته وإمكاناته في إعادة التخطيط للعدوان والحرب وتوظيف ما يستطيع لها. وخلال السنوات الست يمارس ذلك ويسعى له مستثمرا كل ما يمكنه استخدامه في مجرى أهدافه المعلنة. وهذا ما يراد منه الآن وهو الذي لم يستخلص من دروس تلك الحرب العدوانية وما بعدها. بل واستمراره في تزييف الوعي وتشويهه بشتى السبل ووسائل التضليل والتحريف والتخريب النفسي والثقافي، ليكسب مجالات أخرى له في مواقع متعددة، وهو ما يتطلب تحديده والاعتبار منه بل والتصدي له أساسا. ذكرى العدوان تستذكر، من جهة أخرى، مجد المقاومة والوقائع التي وضعتها دروسا واضحة لكل المقاومين، وروح المقاومة وتستدعي، هي الأخرى، إعادة التفكير فيها وبما قدمته لأهلها وللعرب والمسلمين وصولا الى العالم كله بما أنجزته وقدمته فعليا في سجل الكفاح الوطني والقومي. وتعكس المقاومة تاريخيا وواقعيا إرادة الشعوب لاسيما في العالمين العربي والإسلامي لما احتوتا من خيرات وطاقات بشرية ومادية تُستهدف دائما وتخطط لها كل تلك الحروب والمشاريع العدوانية التي لا تتوقف.