محطات فنية موسيقية من بلدان متعددة، غنية بالإيقاعات والألوان، معارض تشكيلية، مسابقات في القنص والصيد، تسلق أشجار الأرز «Accro cèdre «، سباق الدراجات، وورشات تربوية حول البيئة وأنشطة أخرى متنوعة، تتراوح بين الثقافة والرياضة والترفيه. لعل هذا وبكثير من الإيجاز هو مضمون برنامج الدورة الرابعة من مهرجان تورتيت إفران الدولي، الذي تنظمه جمعية تورتيت للتنشيط الثقافي والفني والمحافظة على تراث المدن الجبلية، وتمتد فعالياته مابين 19 و 24 يوليوز في مدينة إفران بمشاركة فنانين من الجزائر وفرنسا والولايات المتحدة واليونان ومصر وبوركينا فاسو وإفريقيا الوسطى وكوبا. هذا وقد تميزت ليلة الأربعاء الماضي، بفقرة مغربية تحتفي بالتراث وتعلي من شأن الموروث الثقافي الشعبي، وذلك من خلال المشاركة المتميزة لجوق «جذور» تحت قيادة المايسترو رشيد الركراكي، إضافة إلى المشاركة الجزائرية البديعة والعرض الرائع الذي قدمته مجموعة نجمة للفنون الشعبية الجزائرية»، والتي أعقبها حفل لتبادل الهدايا وتسليم الجوائز للفائزين في مباراة رمي الصحون، المنظمة بتعاون مع نادي الرماية بأزرو، حضرته العديد من الشخصيات الرسمية، وممثلي المجتمع المدني، وتجدر الإشارة إلى أن حفل ليلة الأربعاء كذلك تميز بحضور جمهور من الأطفال اليتامى نزلاء الدار الخيرية بعين اللوح. كما سبقت الإشارة إلى ذلك، يمكن اعتبار ليلة الأربعاء ليلة مغاربية بامتياز، رغم مشاركة فرقة بيريني الفرنسية، بحيث كانت الأضواء مسلطة، هذه الليلة، على المشاركة المغربية والجزائرية دون منازع. في افتتاح الحفل تألقت فرقة نجمة للفنون الشعبية الجزائرية التي قدمت مجموعة عروض ولوحات من التراث الشعبي الغنائي الجزائري والمغربي، وانتزعت بذلك تصفيقات الجمهور الذي تجاوب مع هذه الفرقة، وهذا بطبيعة الحال ليس سوى تعبيرا عن التشابه الكبير بين الثقافات المغاربية، والمشترك الكبير بين شعوبها. المجموعة الجزائرية، وفي لحظات شارك فيها الجمهور المغربي الحاضر، ومن حيث تدري أو لا تدري مررت عبر ما قدمته خطابا جماليا وفنيا يتحدث عن اللقاءات والتقاطعات الثقافية بين الشعبين المغاربيين الشقيقين. وتتميز مجموعة نجمة للفنون الشعبية، وهي إحدى الفرق الجزائرية التي تهتم بصيانة الموروث الثقافي الجزائري في كل تنوعه وتجلياته وتعبيراته، بعروضها الفولكلورية التي تزاوج بين تراث الواحات والتراث القبايلي، والرقصات التي تمثل تراث العاصمة الجزائر ورقصة زندالي ورقصة البرنوص ورقصة الشاوية، ولهذه الفرقة مشاركات عربية ودولية، وتضم بين أعضائها فنانين يتمتعون بشهرة واسعة في الجزائر. وتميزت الفقرة الثانية بتألق الأوركسترا المغربية «جذور» التي تضم بين أعضائها أمهر العازفين المغاربة تحت قيادة المايسترو رشيد الركراكي، تألقوا في عرض باهر أدهش الجميع حيث كان عبارة عن كشكول أعاد الاعتبار للتراث المغربي عبر كتابة موسيقية جديدة أدمجت شتى الفنون التراثية المغربية التي تجلت من خلال هذه التجربة، وأبرزتها كفنون تمتلك قدرة كبيرة على التطور، حيث تم توظيف التراث الأمازيغي في تنوعه واتخاذ بنيته الإيقاعية كمرتكز يستقطب شتى الفنون التراثية الأخرى من شعبي، كناوي وصحراوي، في مغامرة إبداعية فريدة يحتاجها التراث المغربي لينطلق إلى العالمية. كان وراء هذا المجهود عدد من العازفين الممتازين تحت قيادة المايسترو الركراكي الذي كان متألقا بشكل كبير، ومتميزا من حيث الجرأة في تناول التراث ومغامرا من حيث محاولة الدفع به بعيدا من المحلي الى الكوني، وهذا لا يعد مستبعدا أو مستحيلا إذا كنا نعرف الفنان الموسيقي رشيد الركراكي كمبدع له حس منفتح على أنواع موسيقية من كل الاتجاهات، شاهدناه في مهرجانات سابقة وكان حضوره على الدوام مرتبطا بالمفاجآت والاجتهادات الرائعة، مثل عملية المزج التي أطرها في فاس قبل سنتين مع عازف الجاز البريطاني الشهير ديديي لوكوود خلال مهرجان الموسيقى الروحية وغيرها من التجارب. لقد رسخ مهرجان تورتيت إفران الدولي خلال هذه الدورة موقعه كتظاهرة فنية كبيرة في المشهد الثقافي الوطني، احتلت مكانتها اللائقة ضمن حركة المهرجانات الفنية ببلادنا. فمنذ دورته الأولى، وسنة بعد أخرى، ما فتئ المهرجان يمضي بخطو واثق نحو ترسيخ ثقافة موسيقية راقية ومنفتحة على حوار ثقافي متنوع وخصب. أثبتت فقرات مهرجان تورتيت أن الموسيقى، بما هي لغة كونية، تتخطى الاختلافات وتلغي الحدود، ووسيلة لمخاطبة المشترك الإنساني، وتضييق الهوة بين الشعوب، وتدعيم قيم المحبة والسلام.. هذا ما أكدته الدورة الرابعة لمهرجان تورتيت إفران الدولي، التي مازالت تعد بالعطاء خلال أيام يمكن تشبيهها بلوحات زاخرة بالألوان المتنافرة أحيانا، لكن داخل نسق عام منسجم.