صارت النرفزة والتوتر يطغيان على الحوار ومنظومة العلاقة والتفاعل بين الفرقاء السياسيين في بلادنا. ومنذ فترة، باتت الصحف ومواقع الإنترنيت تقدم لنا يوميا تعبيرات بئيسة، بالتلميح وبالتصريح، تنقلها عن هذا الزعيم الحزبي تجاه ذاك، أو عن هذا الفاعل السياسي والنقابي تجاه منافسه، وأحيانا حتى تجاه الحليف أو المنتمي إلى نفس التنظيم، وقد أوصلنا كل هذا إلى بؤس في الخطاب السياسي، وإلى هبوط مروع في أخلاقيات العمل السياسي، وفي إدارة الحوار والصراع والتفاعل بين الأطراف المختلفة. إن خطورة مثل هذا المآل، لا تتمثل فقط في نشر هذه السلوكات المختلة في الحقل السياسي، وداخل المؤسسات التمثيلية، وبالتالي جعل الأجيال الجديدة تطبع معها، وتفهمها كما لو أنها هي السياسة بعينها، ولكن الخطورة الأكبر أنها في وقتنا هذا تضيع الاهتمام عن القضايا الجوهرية التي تهم البلاد والعباد. هذا «التشيار» الذي صرنا نتفرج عليه عبر الصحف والتصريحات والبلاغات على مدار ساعات اليوم، صار أكثر حضورا من مساهمة الأطراف الحزبية المتعاركة والمتوترة في تفعيل الدستور، وفي إنتاج القوانين والتشريعات، وفي بلورة السياسات العمومية والمخططات والبرامج أو نقدها ومراقبة تنفيذها لما فيه مصلحة المواطنات والمواطنين وتحقيقا لانتظاراتهم ومطالبهم الملحة. الغريب في كل هذا الذي يحصل معنا اليوم، أنه يحدث في زمن الدستور الجديد، وبعد أن صارت للمؤسسات كثير صلاحيات واختصاصات، أي أنه عندما بات المغاربة يتطلعون لأحزابهم ونقاباتهم ومقاوليهم كي يستثمروا ما شهدته البلاد من دينامية سياسية ومؤسساتية للدفع بالبلاد نحو جيل جديد من الإصلاحات، خرجت عليهم هذه التنظيمات متوترة وغاضبة، ولا تتكلم فيما بينها إلا من أجل تبادل «التشيار»، وبالتالي تسريع البؤس والهبوط في الخطاب وفي السلوك وفي العلاقات. اليوم، تقع المسؤولية على الجميع للخروج من هذه النرفزة وهذا التوتر، ولمعانقة العقل، ومن ثم فتح الأعين على القضايا الأكثر جدية، والأكثر راهنية بالنسبة لبلادنا وشعبنا، والانكباب عليها لمعالجتها، ولتلبية مطالب الناس وانتظاراتهم، وذلك بدل كل هذا العبث الذي صار يقبض على الأعناق. لقد انتفض برلمانيونا، وهم على حق على كل حال، لاستنكار وصفهم ب «خرفان العيد» من طرف كاتبة افتتاحية «ليكونوميست»، ولكن كم سيكونون رائعين جدا لو انتفضوا بذات الغضب والصرامة من أجل تقوية الأداء التشريعي والسياسي للمؤسسة، ومن أجل جعل جلسات البرلمان واجتماعات لجانه فضاءات حقيقية للحوار السياسي الجاد والمنتج، ومن أجل تمتين الدينامية التشريعية والرقابية، ومن أجل أن يكون البرلمان فاعلا حقيقيا في الارتقاء بالسياسة وبعمل المؤسسات بعيدا عن لغة «التشيار» المتحدث عنها أعلاه، والتي يكون البرلمان نفسه ساحة لها. الجميع، أحزابا ونقابات ومقاولين وبرلمانا، مدعوون اليوم لقليل هدوء، وللتأمل في الذات وفي المحيط، ولوقف العبث المستشري في الخطاب وفي السلوك وفي العلاقات، واستنفار كل الجهد للاهتمام بالقضايا الجوهرية المطروحة على المغرب والمغاربة. هذا البريد الالكتروني محمى من المتطفلين , يجب عليك تفعيل الجافا سكر يبت لرؤيته