هيمنة موضوعة الوحدة والملل والرتابة على جل أشرطة المسابقة الرسمية بعد مرور خمسة أيام حافلة بالفرجة السينمائية وبالمنافسة على جوائز المسابقة الرسمية في ما بين خمس وخمسين شريطا منتميا لعشرين دولة مطلة على حوض البحر الأبيض المتوسط، يقام مساء اليوم حفل اختتام الدورة التاسعة لمهرجان الفيلم القصير المتوسطي بطنجة،الذي يتولى تنظيمه المركز السينمائي المغربي. ومنذ اليوم الثالث من عمر المهرجان، بدأ يجري الحديث عن الأشرطة التي لها الحظ الأوفر للفوز بإحدى الجوائز، مع الإشارة في هذا السياق إلى أنه تقرر ابتداء من هذه الدورة إضافة جائزة الإخراج، وكأن هذا يعد اعترافا بأن الفيلم السينمائي القصير قد نضج بما يكفي ليستحق هذا النوع من الجوائز. أعضاء لجنة التحكيم الذين ينوؤون تحت عبء كبير، متمثل في منح كل شريط ما يستحقه من نقط،والخروج بقرار التتويج، الذي ينتظره المشاركون في المسابقة الرسمية بفارغ الصبر، هؤلاء الأعضاء كانوا قليلي الظهور طيلة فترة المهرجان،ولم يكونوا يحضرون لحلقات مناقشة الأفلام المتبارية، وذلك حتى لا يتم التأثير على أحكامهم. وعلى ذكر حلقات مناقشة الأفلام؛ فيمكن اعتبار هذه الحصة التي تقام كل صبيحة، أكثر هزالة خلال هذه الدورة، ولا شك أن هذا راجع لغياب مجموعة كبيرة من النقاد السينمائيين المتمرسين،وبالتالي كان من الطبيعي جدا أن يكون هناك طغيان للأسئلة الساذجة والملاحظات السطحية، والغريب أن أحد المخرجين، وهو بالضبط مخرج شريط السندرة، رد على أحد المتدخلين بأنه لم يفهم سؤاله، وتم الانتقال إلى موضوع آخر، كما أن سؤالا آخر كان منصبا على شريط أجنبي، وحاولت مخرجة شريط مغربي أن تجيب عن السؤال معتقدة أنه يهم شريطها، في حين أن المؤطر الذي كان من المفروض أن يتدخل ويعيد الأمور إلى نصابها، لم يفطن إلى هذا الخلط، الناتج عن سوء فهم، وهذا غيض من فيض. كل يوم من أيام المهرجان، كان يجري عرض ما لا يقل عن ثلاث عشرة شريطا ضمن المسابقة الرسمية، الحصة الأولى تنطلق في الساعة الثانية والنصف بعد الظهيرة،فيما يتم برمجة الحصة الثانية في الساعة السادسة مساء، والملاحظ أن هذه الحصة بالذات تعرف حضورا كثيفا،وهذا أمر طبيعي، على اعتبار أنها تقترن بتفرغ الموظفين والطلبة من شغلهم. دون إغفال أن هناك حصة ثالثة، يتم برمجتها كل يوم ابتداء من الساعة التاسعة والنصف ليلا، وهي خاصة بأفلام خارج المسابقة الرسمية، أو ما يصطلح على تسميته ببانوراما الفيلم المغربي القصير، ومن يحرص على متابعة هذه البرمجة، يكون عليه أن يشاهد ما لا يقل عن أربعين شريطا سينمائيا كل يوم، وهو رقم لا بأس به، ومن شأنه أن يجعل المشاهد العادي، فنانا سينمائيا بالقوة. وباستحضار مجمل الأشرطة التي عرضت ضمن المسابقة الرسمية،تتم ملاحظة جزئية هامة، وهي تتعلق بهيمنة موضوع بعينه على جل هذه الأشرطة، رغم انتمائها إلى بلدان عديدة، ومختلفة سواء من حيث الثقافة أو اللغة أو الدين أو ما إلى ذلك،ولا شك أن عامل الصدفة له دور في ذلك، على اعتبار أن شروط المشاركة في هذا المهرجان، لا يدخل ضمنها نوعية المواضيع التي ينبغي أن يعالجها الشريط، ويتمثل الموضوع المهيمن في شعور الأبطال بالوحدة والملل والرتابة. فالشريط الألباني ماء متحجر، تناول هذه التيمة، حيث أن الطفل سيفقد والدته، وسيعاني من عطف الأمومة، وحتى عندما سيتزوج الأب؛ فإن الطفل لن يجد في هذه المرأة البديل، ومما سيضاعف وحدته، أن والده بدوره سيرحل عنه، وسيصبح الطفل أكثر انطواء،رغم جهود زوجة الأب في إخراجه من هذه الأزمة. وفي الشريط المغربي قرقوبي، يجد الشخوص ملاذهم في الإدمان على المخدرات، وهذا ناتج عن الشعور بالخواء والإحباط. وفي الشريط الجزائري غدا الجزائر، تعاني الأم من فراق ابنها، وسيتفوق المخرج في إبراز مظاهر الحزن الذي تترتب عن ذلك. وفي الشريطين تحت العقاب من البرتغال والمختار من المغرب، نجد نفس الموضوع وبنفس المعالجة تقريبا تم التطرق إليه، ألا وهو العقاب الذي يتعرض له الابن من طرف والده، ويكون هذا العقاب في صيغة السجن في غرفة معزولة. وفي الشريط التونسي العيش، تعاني البطلة من رتابة قاتلة بعد ترملها، كما أن الشريط التونسي الآخر الموسوم بالبيضاء، ينقل لنا المخرج مشاعر فتاة سبق لها أن تعرضت للإغتصاب، وهي تسترجع هذه الذكرى المسكوت عنها، وحيدة في محاولة لتجاوزها.. وطبعا، خلت بعض الأشرطة من هذه المواضيع السوداوية، غير أن الملاحظة الأساسية التي يمكن تسجيلها والتأكيد عليها بخصوص مجمل ما تم عرضه من أشرطة في هذه الدورة، أن هناك تفوقا ملحوظا على المستوى التقني، ولعل ما ساهم في ذلك، تطور أدوات العمل، حيث نجد هناك اشتغالا جيدا بصفة خاصة على مستوى الصورة، بالإضافة إلى أن أداء الممثلين كان في الغالب موفقا، ويستحقون عليه جوائز، لو أن أنه كان كل شريط يتم تتويجه، لكن قانون المسابقة يفرض غير ذلك. بالإضافة إلى حفل الاختتام الذي سيقام مساء يومه السبت، تمت برمجة محاضرة حول السينما، صباح اليوم نفسه، وقد كلف المخرج المغربي حكيم بلعباس بإلقائها، علما بأن شريطه الأخير الموسوم بأشلاء كان قد خلف أصداء طيبة في مختلف المحافل الدولية التي شارك فيها.