الحضور المؤثر في سياق التطورات المتلاحقة، وطبيعة التراكمات التي تتراص جدرانها لتأسيس بيت المستقبل، لابد للمرء أن يقف وقفة المتمعن في صيرورة الأشياء، من حيث هي مبادرات، تداخلاتها وتقاطعاتها، ومن حيث هي ردود أفعال في صيغتها تكاملية داعمة نحو خطوات موالية أفضل، أم تصادمية تحفظية يكون من نتائجها خلق حالات من الردة بشكل لا يتمثل التفكير ضمن منظومتها قيمة الغد المشترك. منذ اعتلاء الملك عرش البلاد، وتحمله مسؤولية حماية العباد، والحق يقال أنه لم يتأخر لحظة عن أن يكون في الموعد، مرورا بفحوى الخطاب الملكي في بحر سنة 1999 حول تصوراته للمفهوم الجديد للسلطة، الإعلان عن المبادرة الوطنية للتنمية البشرية من خلال خطاب 18 ماي 2005، التنصيب الخلاق لهيأة الإنصاف والمصالحة والتي لم يكن أحد يوما أن يتمثل إمكانية وقوع حدث مماثل، وما يشكله ذلك من إحراج لوجه المغرب مؤسساتيا وأشخاصا على السواء، لكن ذلك صار على مقاس المرحلة، وذلك في سياق تحقيق المصالحة، وتقريب الفجوة بين الحاكم والمحكوم ومن بينهما، تأسيسا لواقع غد أفضل من حيث هو علاقة سياسية بين السائس والمسوس. وغيرها من المحطات التي لا يمكن أن نستثني منها الخطب التي كانت توجه للشعب وللمؤسسات والتي كانت تحمل معانيها ودلالاتها في كنف كلماتها التي تؤثثها، نظير ذلك خطابه بمناسبة افتتاح الدورة الأخيرة للبرلمان والتي توجه فيها بشكل مباشر وجلي إلى الأحزاب السياسية ومنها البرلمانيين واضعا أصبعه على الخلل الفاحش / الأخلاقي الذي ينطلي به الجسم السياسي الحزبي بالمغرب، وفي ذلك قال الملك « ... يتطلب من الأحزاب والفرق النيابية، الأخذ بحكامة برلمانية جيدة، عمادها التشبع بثقافة سياسية جديدة، وممارسة نيابية ناجعة، .......، ومستوى إسهامهم، في معالجة الانشغالات الحقيقية للشعب. ...، فإن عضوية البرلمان ليست امتيازا شخصيا، بقدر ما هي أمانة; ...»، على أنه لم يكن الخطاب الأول الذي وجه فيه جلالته نقده للمؤسسات الحزبية ومطالبته إياها بالعقلنة التي تتماشى ومقتضيات التطورات المرحلية وما عرفته الشعوب عامة، والشعب المغربي خاصة من تطور لفكرة علاقة السلطة بالمواطن، ولو كان تعبيره – المواطن - في ذلك رفض المشاركة بمختلف تلويناتها، - العزوف عن المشاركة في عمل الأحزاب، العزوف عن العملية الانتخابية (الانتخابات التشريعية 2007 ) على سبيل المثال لا الحصر، وآخرها الخروج للتعبير عن متطلبات الشعب بدون وسائط ومنها الأحزاب. إن كل محطة من المحطات السالفة الذكر، لم تجد بيئة بشرية ومؤسساتية سليمة لكي تتأجرء على أرض الواقع بشكل سليم، باعتبارها قناعات مبدئية من حيث حقائق الأشياء. فخطاب الملك وتصورات جلالته لمجال السلطة كمفهوم جديد – القرب، الإصغاء، الشراكة، العدل والإنصاف – لم تجد من يحتضنها ويقر بولادتها الطبيعية بحكم التاريخ والواقع، بقدر ما استمر المعنيون بالأمر في السير على نهج الماضي، ولكن بصيغة الحاضر من خلال ترديد فحوى التوجهات العامة للدولة من احترام للحقوق، انتهاج سياسة القرب التدبيري والإصغاء للمواطنين وغير ذلك من الحمولات اللفظية حد القول دون الفعل. هو نفس الأمر بالنسبة لنتائج مرحلة المصالحة الوطنية من خلال هيأة الإنصاف والتي تلمست نتائجها من حيث جبر الضرر الفردي وبعض مشاريع جبر الضرر الجماعي على أرض الواقع، ودون أن يطال ذلك البنية الفكرية للسلطة بالمفهوم العام للكلمة للحمولة التاريخية التي يتطلبها فعل المصالحة. وفي إطار خيط ناظم، وضمن نفس الإطار التصوري، بالرغم من الإرث الثقيل على مستوى الدولة – النخبة – والمجتمع بكل تجليات الأمور، أبان الملك يوم 9 مارس 2011 من خلال خطابه على الروح العالية، والتشبث الإرادي، والتأكيد على القيمة القناعاتية المبدئية لما يجب أن تكون عليه الدولة والمجتمع، من حيث الديمقراطية، والعدالة الاقتصادية والاجتماعية باعتبارهما وليدتا الركن الرئيسي الأول بالضرورة. في هذا الخطاب الذي فاق كل الانتظارات، وأد الملك مفهوم الخصوصية التي كان يحفل بها الخطاب الرسمي في كثير من المناسبات الحقوقية، حينما تحدث عن دسترة الجهوية عوض التدرج في تبني الجهوية الموسعة من خلال القانون أولا على النحو الذي عليه الأمور اليوم، والذي كان رأيا استشاريا للجنة التي كلفت بإعداد التصور، وفي ذلك قال « لقد اقترحت اللجنة، في نطاق التدرج، إمكانية إقامة الجهوية المتقدمة بقانون، في الإطار المؤسسي الحالي، وذلك في أفق إنضاج ظروف دسترتها. بيد أننا نعتبر أن المغرب، بما حققه من تطور ديمقراطي، مؤهل للشروع في تكريسها دستوريا. وقد ارتأينا الأخذ بهذا الخيار المقدام، حرصا على انبثاق الجهوية الموسعة، من الإرادة الشعبية المباشرة، المعبر عنها باستفتاء دستوري». ولتنطلق بعدها البشرى عبر مجموع الإصلاحات الدستورية والسياسية التي كانت موضوع الخطاب. فمن إعادة النظر في تركيبة وصلاحيات مجلس المستشارين قياسا على ما سيقع من تطور على الجهوية، إلى دسترة حقوق الإنسان وحماية الحريات كما أتت في توصيات هيأة الإنصاف والمصالحة والتي لم يسعفها قبوع من خلف المرحوم بنزكري في المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان سابقا في أن ترى النور على مستوى تعميق النقاش حولها ولا سبل لتحقيق فحوى التوصيات على أرض الواقع والمؤسسات. ثم تقوية مكانة الوزير الأول كسلطة تنفيذية فعلية وما يستتبع ذلك من تقوية صلاحياته ومنها دسترة مجلس الحكومة وتحديد اختصاصاته، وكذا التأكيد الدستوري للطابع التعددي للمغرب التي تندرج في صلبها وحدته، وذلك من خلال الاعتراف بهذه التعددية ومنها المكون الأمازيغي كرصيد لجميع المغاربة، وكذا التأكيد على أهمية القضاء باعتباره أساس الملك، وأداة ضمان حماية الحقوق والحريات، خاصة ما يتعلق منه بجانب الاستقلالية وعدم التدخل في سير العدالة. هذا بالإضافة إلى ضمان كما قال الملك « برلمان نابع من انتخابات حرة ونزيهة، يتبوأ فيه مجلس النواب مكانة الصدارة، مع توسيع مجال القانون، وتخويله اختصاصات جديدة، كفيلة بنهوضه بمهامه التمثيلية والتشريعية والرقابية «، دون أن ينسى الخطاب أهمية المراقبة والمحاسبة من خلال ممارسة السلطة لتحقيق الغاية المثلى لوجود المؤسسات ألا وهو تخليق الحياة العامة، بالإضافة إلى دسترة هيآت الحكامة الجيدة، وحقوق الإنسان، وحماية الحريات وهو ما سيعجل بارتقاء مؤسسات إلى دستورية، تجسيدا للاحترام والحماية اللازمين لهذه الحقوق والحريات وإعطائها ضمانات في القانون الأسمى للدولة. كل ما سلف نجده يندرج في سياق تفاعل العاهل المغربي-الملك مع متطلبات الشعب السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وهو ما يزكي الانطباع الذي كان سائدا والذي لا يرقى إليه الشك أننا أمام ملك مسؤول، يتمتع بكثير من الاحترام للذات وللغير، وذو سريرة عفيفة سليسل الدوحة النبوية الشريفة، حتى ولو انفجرت عبقرية ملائكية في عقول الرافضين لمرتكزات نظامنا السياسي ومنها إمارة المؤمنين. لقد أتت مبادرة الملك على بعد عشرين يوما تقريبا من حركة 20 فبراير، فالرد لم يستغرق وقتا طويلا في إطار تجاوب تلقائي، وعفوية تنم عن حدس سياسي كبير، واستيعاب عميق لطبيعة التطورات الإقليمية والدولية ومنها حتى الوطنية. ولعل هذا ما أجمع عليه المراقبين والمتتبعين الدوليين والإقليميين بالثني على المبادرة المغربية الملكية الشجاعة، وما تلمسه الشعب المغربي حتى أن الفاعلين السياسيين أنفسهم لم يجدوا بدا من التأكيد على أن ما أتى به عاهل البلاد لم يكن منتظرا كما وكيفا. خلاصة القول إننا أمام مشروع مجتمعي حقيقي يتسم بالاستمرارية البناءة التي أعطى انطلاقتها الملك منذ توليه العرش لبناء دولة ديمقراطية، دولة المؤسسات والعدل والإنصاف. فهل ستكون النخبة المعهود لها مستقبلا بتحقيق هذا الحلم حاضرة حضور الملك، أم ستتخلف عن الموعد. الحضور المخجل يعتبر النظام وفق التعريف الطبيعي للقانون، بما أن القانون سواء عرفا أو مكتوبا هو من يركز وجوده على أرض الواقع علائقيا-مؤسساتيا، وطبعا وفق مقاربة المتغير الزماني، يعتبر النظام هو استمرار فعل على منوال ثابت ومستقر. وكلما كانت الظروف الموضوعية قائمة لتحقيق التغيير، كانت الأطراف بالضرورة كالنواة، وذلك تحقيقا للانسجام وتجسيدا لمفهوم النظام في تكامليته. غير أنه حينما تخرج الأجزاء عن النواة فإنها تلزمه على جهد أكبر لتحقيق التوازن، وتكون بذلك كمن تخلى عن الولاء المعلن عنه لغة، الذي كان من المفروض أن يشكل موضوعيا عنصرا تعاضديا قويا لتحقيق الغاية من النظام – الدولة التي هي إسعاد الجميع ( على قدر المواقع ) بحسب مجموعة من الباحثين والمفكرين. والحمد لله أن كل المتتبعين وطنيا ودوليا لم يسمعوا عبر احتجاجات 20 فبراير أي خلاف مع النواة، بل رددوا شعار عاش الملك، وإلى جانبه محاكمة المفسدين. إن أجزاء النظام التي هي النخبة، هذا الفاعل الغائب نسائله عبر الخيط الناظم للمجهودات التي بدلها ملك البلاد والتي أدرجنا جزء منها في ما سبق قوله في هذا المقال، نسائلها – النخبة – عن المجهودات التي من خلالها برهنت على واقعها التكاملي أو الصدامي الذي يؤكد بالملموس ردتها – من الردة - عما توحي بها الحمولات الخطابية الرسمية باعتبارهم معنيون بها. قد لا يتسع المقال لجرد كل الملاحظات الممكنة، وقد لا تسعفنا الذاكرة على إخراج كل المخزون، لكن سنحاول قدر المستطاع الإشارة إلى أهم العثرات التي رسمت حقيقة هذه النخبة. في الوقت الذي كان النقاش ولازال جاريا عن بلقنة المشهد السياسي الحزبي وكثرة الأحزاب بما أصبح يستدعي ويستوجب إعادة النظر في طبيعة التنظيمات وضرورة التداول على التسيير الحزبي في إطار ديمقراطية داخلية، ولما لا تحقيق اندماجات حزبية فيما بينها، من خلال التقاربات الإيديولوجية، إن بقيت إيديولوجيا فعلا، طفت إلى السطح سلوكات تزيد الجرح تعفنا، وذلك بالمرور على جسر جمعية للتفكير والنقاش الوطني السياسي بما يخدم توطيد المسار الإصلاحي (حركة لكل الديمقراطيين)، إلى حزب جديد رقم إضافي بنفس أساليب الأحزاب القديمة. ما استتبع ذلك شكل دائرة من الأحداث لم تعمل إلا على جر الحياة السياسية عشرة سنوات إلى الوراء ليبتدئ من حيث انطلقت فكرة المفهوم الجديد للسلطة. عاش الواقع السياسي ضمن ما سلف في إطار غوغائية التي تعنى أسلوب حياة بلا أسلوب، أيدولوجية بلا أيدولوجية ، أوهى التصرفات التى لا تحكمها قواعد أو أصول ولا ترجع لقيم أو مبادىء الواقع المشترك، بل تحدد اتجاهات السلوك لدى الفرد/الفاعل من منطلقات ضيقة، يطلق (الغوغاء) على هؤلاء الذين لا عبرة بهم. هذا التوجه الذي أراد له أن يكون كذلك، عرى على نخبة غامرت في كل شئ حتى في قضية الوحدة الوطنية التي لا رجعت في إلتفاف كل المغاربة حول مشروعية مطالب المغرب في سيادته على أراضيه، ولعل ما حدث في أحداث العيون بمخيم إكديم إيزيك، وما تبادلته أطراف السياسية من اتهامات في توريط بعضها البعض، وما استتبع ذلك من إيفاد لجنة برلمانية، كلها أمور توحي بشئ واحد إسمه العبث ضمن نخبة مغرب اليوم. ضدا عن عقارب الساعة لم نجد في من يقدمون أنفسهم منقذين وحاملين لواء التغيير، سوى تكرار نفس الأسلوب الذي كانوا يرفضونه بالأمس والذي ليس سوى إقصاء الآخر، أسلوب كان سببا في الزج بكثير منهم في السجون. هو نفس الأسلوب الذي يمارسونه اليوم بدعوى القناعات الفكرية كما ورد على لسان المطالبين بطي الصفحة بين حزبي العدالة والتنمية والأصالة والمعاصرة، علما بأن هؤلاء توصلوا بمستحقاتهم عن ذلك عبر هيأة الإنصاف والمصالحة، وهو ما يعني بالمباشر أنهم قبضوا ثمنهم مقابل بيعهم للمبادئ التي كانوا يدافعون عنها. هذا التصور كان كافيا للزج بأطياف سياسية أخرى في متابعات قضائية كما لو كانوا يضربون في الصميم فلسفة المصالحة والإنصاف وغايات العدالة الإنتقالية. وجعلوا الدولة وأجهزتها المعنية تتأخر في إصلاح الأخطاء بالرغم من أن الرئيس السابق للمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان أفاد في حوار مباشر في التلفزيون، ما يشكل براءة أحدا من السجناء المعنيين، حتى أصبحت المطالب بعد خطاب 9 مارس ضرورة إطلاق سراح المعتقلين كقنطرة ضمن أخريات لتحقيق الثورة السائرة اليوم. أليست الديمقراطية هي قبول الاختلاف والاحتكام في الأفضلية إلى صناديق الاقتراع الحر والنزيه؟. لم تستطع السياسة أن تطلق من قفصها الاقتصاد، وسارت الكائنات الحزبية قادرة على بيع مواقعها البرلمانية لتزكية تمرير قوانين مقابل صفقات خارج القانون، وتحقيق علاقات نفعية تزيد من ثرائها الفاحش ضدا عن القوانين المنظمة للاقتصاد والسوق، من شفافية ومنافسة. كائنات سياسية لا تستطيع إقامة العلاقة الفارقة بين إهدار المال العام وبين إمكانية تحمل مصاريف إضافية جزئية تحقق إسعاد شريحة كبيرة من المواطنين، يزكي ذلك حركات احتجاجات في مؤسسات إدارية وعمومية تابعة للدولة وما كلفه استهتار واستصغار المسؤولين بها لمطالب فئاتها من خسائر كبيرة، وتنبري في هذا السياق حالة توقف قطاع النقل جراء مدونة السير وما كلفه من خسائر وحالة كتاب الضبط بمحاكم المملكة، هذا في الوقت الذي لا يجد فيه هؤلاء القيمين حرجا في الزيادة في أجور كبار الموظفين. كما لا تجد هذه النخبة حرجا في أن تقدم المساعدات في إطار برنامج التنمية البشرية إلى مستثمرين لاستغلالها في مشاريع تتنافى وخدمة الغاية المثلى التي كانت وراء المبادرة الملكية، وتتحول من مساعدات اجتماعية للقضاء على التهميش وتحقيق التشغيل الذاتي إلى مشاريع في مضاربات عقارية، ألا يستحق ذلك إجراء تدقيق لحسابات البرنامج، وتقديم المتطفلين والانتهازيين إلى المحاسبة؟. إن النخبة الاقتصادية ضمن النخبة السياسية في إطار تغطيات منفعية متبادلة، هي نخبة انتهازية بامتياز، ففي الوقت الذي تطالب فيه بامتيازات وإعفاءات، وفورية في كثير من الأحيان لمساندتها، فإنها في المقابل لا تقدم على أي سلوك يثبت ما يحسب لها من وطنية وغيرة على البلاد، ولعل التهرب الضريبي أحد معالمه. أليست هذه النخبة التي يقدمونها للملك؟، أليس بينهم من بنى ثروته من خلال علاقاته بالدوائر العليا وعلى اقتصاد الريع والهبات والعطايا؟، ليخرجوا إلى جانب شباب وشابات حركة 20 فبراير لينددوا بالزواج القصري بين ممارسة السلطة السياسية وإدارة الاقتصاد. أي انتهازية يقدمون أنفسهم بها وهم في الأمس القريب كانوا يمتصون دماء المستضعفين من خلال مؤسسات القروض. دعوني أقول لكم أيها الديمقراطيون اللحظيون، إنكم النخبة المانعة لمرور الأنوار إلى ما سواكم، مقتنصي الفرص على أنقاض أهات الشعب أفرادا وجماعات، إنها النخبة التي خلدتها صفحات تقارير المجلس الأعلى للحسابات في تفانيها البطولي في خدمة الشعب دون أن تطالها يد العدالة. إنها النخبة التي يقدمونها للملك، وتستوزر وتعين في مناصب المسؤولية، وبالرغم من ذلك يطالبون بصلاحيات أوسع في إطار الإصلاحات الدستورية، ومنها رفضهم للجنة المعينة في مقاربتها التشاركية، فهل فعلا بقي لديها عند الشعب ما يكفي من الثقة لكي تحظى بصفة التمثيلية؟، ولي في هذا السياق مجرد ملاحظة لمن يعتبرون أنفسهم معنيين، أليست فرنسا دولة ديمقراطية بالرغم من أنها جمهورية رئاسية؟ أليست دولة مؤسسات تحقق العقاب في حق أي كان حتى ولو علا شأنه؟ لكم أن تفكروا إن بقي لكم عقل لذلك. لقد كانت حركة 20 فبراير واضحة في خروجها للشارع وفي مطالبها المعقولة التي وقفت عند عتبة الفساد إلى جانب تحقيق الديمقراطية ومنها رفضها للأحزاب السياسية التي انتهت صلاحيتها، فما عليها الآن إلا أن تحتفظ برصيدها البناء، وأن تتلافى بيعه في مزاد العدمية والديماغوجية المتناثرة هنا وهناك، لأن الديمقراطية بالإضافة إلى كونها عنصر خطاب للإقناع فهي في الأخير معادلة رقمية / حسابية، ولسنا في حاجة إلى تكريس نفس المقاربة القديمة التي لا تقدر فيها المعادلة الحسابية كعنصر لتحقيق التمثيلية الحقيقية. وحتى لا تسقط الحركة والحركات التي أسست فيما بعد في نفس الغياب التي سقطت فيه النخبة، فإن أفضل الطرق لبقاء جذوتها مشتعلة أن تفكر في التنظيم والتنوير في إطار بعد وطني حقيقي، دون أن تنزلق إلى الانتماءات الضيقة، وأن تعمل على تعبئة الشباب في الأحزاب لتحقيق ثورة ديمقراطية في تنظيماتها وهياكلها من داخلها، وعلى متابعة ملفات الجرائم في حق المال العام والاستعمال السيئ للسلطة تحقيقا لدولة المؤسسات. إنه أمر في غاية الأهمية حتى لا نسقط في كنه الفرضية القائمة واقعا والتي تحكي «أنه تمت التضحية بالأم من أجل الجنين وبالجنين من أجل الأب وبالأب من أجل الطبيب». كلنا أطباء وكلنا نستحق الحياة.إن الشعب في قلب كل ما يحدث، والدولة ملزمة إلى جانب الفعاليات المؤمنة بضرورة تقويم المسار أن تؤهل هذا الشعب لأن ذلك من صميم مسؤولياتها، وتحسسه بأهمية وجوده وصوته حتى لا يغتال لحظة التفويض بمقابل نستحيي على الإتيان بذكره. لهذا لابد من التعبئة لما سيأتي من القادم في انتخابات 2012 التي ستعين وفق قواعد تعاقدية دستورية جديدة مرتقبة، أما الحكومة الحالية فلا مبرر للمطالبة بإسقاطها لأنها في حكم ذلك واقعا، ومآلا بحكم ما هو منتظر. لقد أنهى الملك خطابه بالآية التي تقول «إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلت وإليه أنيب». صدق الله العظيم، فهل تستطيع قوى اليوم ونخبة الغد مساعدته لتحقيق كنه الثورة المغربية المتفردة. وتفادي ما أورده بعض المتتبعين من أن كل شئ يوحي بخيار ديمقراطي لكن بدون ديمقراطيين.