يلاحظ في بعض الدول الإسكندنافية التحريضُ على كراهية ونبْذِ المهاجرين من كافة الأجناس والدول. وللحد من هذه الظاهرة غير الإنسانية، تنظم المدارسُ لقاءات ورحلات إلى المناطق التي تشهد إقبالا كبيرا للمهاجرين. ويُسَمُّون هذه العملية التربوية برحلات التسامح ولقاءات التعايش، خصوصا أن الأزمة الاقتصادية العالمية، جعلتِ الكثيرين من الأوروبيين يهاجرون إلى دول الجنوب، إما للعمل، وإما للعيش بعد التقاعد، أو للعيش في مناطق دافئة وهادئة، لم تلوثها معامل ومصانع وورشات ووسائل النقل الكثيفة. ولعل الهدف من هذه الأنشطة المدرسية، هو تحصين الأطفال والفتيان من تسلل العنصرية إلى نفوسهم، وتربيتهم على التفكير السليم، والنقد النزيه، وتقبُّل الآخر، مهما اختلف عنهم، لأن المهاجرين لا يأتون بلادَهم لعَطالتهم وبطالتهم، أو هروبا من حروب ومعارك طاحنة، إنما ليساهموا في تطور بلدانهم، وليؤدوا خدمات وأعمالا، ستعود عليهم بفوائد اقتصادية وعلمية ومعرفية. وبطبيعة الحال، هناك آخرون هاجروا لأسباب اضطرارية. وخلال تلك اللقاءات، أدركوا أن الأرض تدور، وأن لا أحد محصَّنا من المشاكل، وإذا كان المهاجر يطرُق بابَهم، فقد يصبح هو أيضا غدا يطرق بابَ الغير، بصفته مهاجرا، وأن الحل الوحيد هو التعايش. وهذا دفع بالبعض منهم إلى البحث في الشبكة العنكبوتية عن حقيقة أولئك المهاجرين ودولهم وعاداتهم وتقاليدهم، فعرفوا أن العالم يتشكل من أمم وشعوب متنوعة ومختلفة، ويستحيل أن تتشابه، لكنْ يمكنها أن تعيش متعاونة، متضامنة، يُقدِّر كلٌّ منها الآخر. كما أن بعض أفراد أسرهم تزوجوا من بلاد أخرى، رغم اختلافهم في الدين واللغة واللون والطباع والأعراف والسلوك…ومن الأنشطة التي أذابت الجليد بين هؤلاء الأطفال والمهاجرين، هو تبادل الهدايا، فقد عادوا إلى وطنهم، وهم يحملون دمى سودا، أثَّثوا بها غرفهم. وشاركوا معا في أعمال فنية، كأنْ شخصوا مسرحيات، وعزفوا أناشيد.. وبالتالي، فإن مجموعة من الأنشطة الفنية والرياضية والثقافية، كانت من أجدى وسائل وسبل التقارب بين الأطفال الإسكندنافيين والمهاجرين من دول الجنوب وسواها كثير! لكنْ، هذا مجرد نموذج، يُمْكننا تطبيقه على كل الدول والأمم والشعوب، وفي حالات متنوعة. ذلك أن هناك سياحا يأتون بلادنا، فنرى منهم سلوكات مختلفة عنا، مما يثير حنقنا وغضبنا، وهنا نتخذ موقفا من اثنين: إما نصبر على ما يبدُر منهم من أفعال، نعتبرها سيئة في نظرنا، وهي سليمة في نظرهم، وإما نتصدى لهم، وربما يتطور الأمر إلى عراك! وهذا يدل على انغلاقنا، كأننا نعيش في جزيرة، لا علاقة لها بباقي أنحاء العالم، أو أننا نحيا على سطح كوكب آخر، أو نرى قناعاتنا هي الصائبة والصحيحة والسليمة واللائقة بالعالمين جميعا. فعلينا أن ننظر إلى الآخرين بتبصر وعقلانية، لأنهم تربوا عقودا على تلك السلوكات، ومن الخطإ أن نحاول تعديلها قَيْدَ أُنْمُلة بآرائنا وأفكارنا. ولنتركْ كلا منهم يتصرف كما يشاء، وكما تشتهي نفسه، مادام لم يلحق بنا ضررا، ولاسوءا بمعتقداتنا وقناعاتنا وسلوكاتنا الراسخة!