الخط : إستمع للمقال أصدر رئيس الدبلوماسية الفرنسية تصريحات تتضمن مؤشرات يمكن اعتبارها إيجابية، وإن شابها بعض الغموض الذي عادة ما يلازم تصريحات ومواقف هذا الديبلوماسي الفرنسي. ومن بين المؤشرات الإيجابية، والغامضة في ذات الوقت، التي تضمنها حديثه ما ذكره حول إجراء « عدة اتصالات (مع المغاربة)» منذ تعيينه في 12 يناير، بدون أن يذكر الجهات التي تم الاتصال بها، وما إذا كانت رفيعة المستوى أو على سلَّم منخفض من المسؤولية، وما هي مضامين الاتصالات؟ إلى غير ذلك من الأسئلة التي ظلت عالقة، ولربما قد يضطر المغرب إلى تقديم توضيحات بخصوصها، وهذا ما تعودناه حينما تسير تصريحات فرنسا في اتجاه ضبابي (تصريحات وزيرة الخارجية السابقة، تصريحات ماكرون عن تاريخ زيارته للمغرب بدون تشاور مع الرباط وغير ذلك من المواقف المتسرعة والمتعالية )! أما النقطة الثانية فهي عدم خروجه من المنطقة الضبابية السابقة بالحديث عن «دعم فرنسا الواضح والمستمر لخطة الحكم الذاتي المغربي حقيقة واقعة منذ عام 2007..»، والحالة هذه، أن المغرب طلب من فرنسا توضيح موقفها عبر الخروج من هذه المنطقة الضبابية، وقراءة التحولات الكبرى التي يعيشها المغرب بعين مفتوحة، أخذا بعين الاعتبار التحولات الجيوستراتيجية التي يعرفها العالم ومنطقة المتوسط وشمال إفريقيا. ولعل وزير الخارجية الفرنسي سيجورنيه مطالب اليوم بإعادة قراءة رسالة 94 برلمانيا فرنسيا التي وجهوها إلى الرئيس إيمانويل ماكرون، حين طالبوه ب «إبداء موقف واضح وصريح من مغربية الصحراء»، علاوة على مواقف جزء مهم من الطبقة السياسية الفرنسية وعلى رأسها رئيس حزب "الجمهوريون" إريك سيوتي.. الذي قدم النصيحة ذاتها، مع تحديد «حاجة فرنسا وأوروبا إلى المغرب». ولعل هذه النصيحة هي ما يجب استحضاره في أفق تحسين العلاقات بين المغرب وفرنسا، علما أن فرنسا تعول كثيرا على المغرب لكي تعود إلى إفريقيا عودة ميمونة ومشرفة. وذلك لما يمتلكه المغرب من خبرة وثقة وعلاقات في هذه القارة أهلته بالفعل ليكون الشريك الموثوق به في العواصم الأساسية لهذه القارة. وهنا وجب التأكيد على حقيقة ناصعة، وهي أن فرنسا ما كان لها أن تنتهي في القارة الإفريقية أو تتبخر تدريجيا، ولا سيما في دول الساحل والصحراء من مالي إلى النيجر والتشاد مرورا ببوركينا فاسو... لو اتسمت علاقاتها مع المغرب بالجدية المبنية على الصراحة والاحترام المتبادلين، وخاصة احترام استقلاليته إضافة إلى احترام سيادته.. وأخيرا، وجب التذكير بأن المناسبة سانحة اليوم، كي تعود فرنسا لدراسة المقترح المغربي القديم، أيام الوزير الفاسي الفهري، عبر وضع أسس علاقة ثلاثية، تربط المغرب وفرنسا والقارة الإفريقية، وهو مخرج مشرف لفرنسا، وفرصة يجب أخذها بعين الاعتبار من طرف ساكن الإليزيه. أما الجزائر كما هي عليه اليوم، فهي لا ولن تنفع باريس، والعهدة على السفير الفرنسي السابق في الجزائر كزافييه دريونكو الذي كتب مقالا شهيرا حول هذا الموضوع في صحيفة "الفيغارو" تحت عنوان «الجزائر تنهار.. فهل ستجرّ معها فرنسا؟»... خلاصة القول: إن المغرب في موقف وموقع مريح، وينتظر أن تترجم الديبلوماسية الفرنسية قناعاتها إلى مواقف واضحة عبر الاعتراف بسيادة المغرب على صحرائه، كما أن عليها تدارك الخطأ أو الخطايا التي اقترفتها ضد المغرب، بشأن ترابه عندما اقتطعت من صحرائه ما وسعت به الجزائر الفرنسية، معتقدة بأنها ستظل فيها إلى الأبد. وإذا كان المغرب قد تجاوز عن هذا فهو ينتظر من فرنسا "ديبلوماسية الشجعان" كما حددها شارل ديغول، والتي تعيد الأمور إلى نصابها، كما فعلت إسبانيا بكل جرأة ومسؤولية ونضج!