لم يكن النائب الفرنسي بيار هنري ديمون الوحيد الذي طالب بلاده بالإقدام على الخطوة الضرورية والحاسمة للاعتراف بمغربية الصحراء، لكنه، بلا شك، كان السياسي الفرنسي الذي وجد الصيغة المناسبة لطرح السؤال:» ماذا تنتظر فرنسا للاعتراف بسيادة المغرب على صحرائه؟»، وجاءت تغريدته بعد اعتراف إسرائيل بمغربية الصحراء لتؤكد أن مكانة فرنسا هي أن تكون إلى جانب الديموقراطيات في العالم، في إشارة إلى الولاياتالمتحدة وألمانيا وبلجيكا وإسبانيا وهولاندا، « إلا فرنسا، رغم أنها الصديقة التاريخية للمملكة». وعلى نهجه سارت النائبة الأولى لرئيس مجموعة «الجمهوريون» في الجمعية الوطنية، ميشيل تابار، التي دعت إلى «حسم هذه المسألة أيضا لصالح المغرب»، باعتبار أن»فرنسا يجب أن تستلهم هذه الدينامية لتتخذ أيضا قرارا بشأن هذه المسألة الجيوستراتيجية الكبرى لصالح حلفائنا المغاربة»... رئيس مجموعة اتحاد الوسط في مجلس الشيوخ الفرنسي، إيرفيه مارساي، دعا بلاده إلى «استلهام» هذا الموقف، والعمل على «إصلاح العلاقات الفرنسية المغربية»، ولعل الوجه السياسي الأبرز كان هو ايريك سيوتي، زعيم الجمهوريين، القوة اليمينية الثانية في فرنسا، الذي عبر عن ابتهاجه بالقرار ثم رافقه بدعوة باريس، التي تتلكأ في اتخاذه، إلى المساهمة في «تسوية هذه القضية الاستراتيجية…». وكتب زعيم حزب الجمهوريين في تغريدة على تويتر " أرحب باعتراف إسرائيل بمغربية الصحراء. سيادة المغرب لا جدال فيها». ودعا زعيم الجمهوريين (يمين)، بهذه المناسبة، فرنسا إلى «تسوية هذه القضية الاستراتيجية «... وبهذا يجد إيمانويل ماكرون نفسه وجها لوجه مع الحاضنة اليمينية لأغلبيته، ومن طرف المكونات السياسية التي تجاور الإليزيه، ولطالما صنعت الديبلوماسية الفرنسية في العالم ( الجمهوريون وحركة موديم). وعلى ذكر (موديم) أشاد النائب الفرنسي والمتحدث باسم هذه الحركة الديمقراطية، برونو فوكس، بقرار الاعتراف بسيادة المغرب على صحرائه قائلا إن فرنسا «لم يعد بإمكانها دفن رأسها في الرمال». وأوضح النائب في تغريدة على (تويتر): «فرنسا التي تشهد تدهور علاقاتها يوما بعد يوم مع حليفها المغربي، لم يعد بإمكانها دفن رأسها في الرمال». وهذا النائب ينتمي إلى الحزب الذي يرأس لجنة العلاقات الخارجية في الجمعية العامة(البرلمان الفرنسي) في شخص جان لويس بولانجيرJean louis boulangers ، وهي اللجنة التي تحتضن النقاشات في مجالات السياسة الخارجية والأوروبية والاتفاقيات والمهمات الدولية والتعاون والفرانكفونية.. حسب المادة 36 الفقرة 8 من النظام الأساسي للبرلمان الفرنسي … ولعل هذه اللجنة قادرة على أن تتدخل في حل التوتر، كما وقع ذات تجربة حادة أيام إليزابيث غيغو التي كانت رئيستها، وعملت على تفكيك قنبلة الأزمة في 2014 إثر استدعاء عبد اللطيف حموشي، وكانت سببا في توقيع اتفاقية جديدة حول التعاون المغربي الفرنسي بخصوص تأطير القضايا التي تكون من اختصاص القضاء. في الأزمة المغربية الفرنسية الحالية، تحدثت أصوات عاقلة أخرى من خارج الدائرة السياسية، بعد الحسم الأمريكي مع دونالد ترامب في ما يخص الصحراء، وحاولت أن تتفهم رفض فرنسا مسايرة القرار ، «بعد أن فقدت وضعها الاعتباري كأكبر مساند للمغرب في قضيته الوطنية «(انظر مقالة دومينيك بوكي، الذي كان يرأس القسم الاقتصادي في سفارة فرنسا بالرباط، وهو اليوم أستاذ للعلوم السياسية، ( وقد عاد دومينيك الفرنسي إلى أصل العلاقة ما بعد الحماية المبنية على « الاستقلال داخل الترابط المتبادل» ). «indépendance dans l'interdépendance» وهي علاقة أكبر من تحالف، ولعل روح هذه العبارة التي زرعتها فرنسا في وثيقة الاستقلال هي «أن يظل المغرب قريبا من فرنسا على أساس أنه يمكن للمغرب أن يعول دوما عليها»… والحال أن رغبات فرنسا تم إرضاؤها بشكل واسع، كما قال بوكي نفسه، ولعل فرنسا تعودت أن ترى في المغرب حاجةً لقوتها الناعمة التي تثير أصحاب القرار في العالم، ولكنها لم تشغل نفسها بالسؤال المهم: ماذا كان المغرب ينتظر من هذا الترابط المتبادل؟ والجواب عنه من خلال النظر في الهوية السياسية لبلاد متفردة، ومن تفردها أن الصحراء هي مبرر وجود شرعيتها وأولوية الأولويات ونظارات العالم، وعليه فإن فرنسا ماكرون عليها أن تعود لثوابت العلاقة باعتبار أن جدل التعاون والاستقرار هو جدل دينامي حيث التعاون مع دولة غير مستقرة يعني الخسارة في أي لحظة… السياسة الفرنسية في الشرق الأوسط مبنية على نفس البراديغم المغربي . وقد ذكرت به وزيرة الخارجية الفرنسية كولونا مع زيارة ايلي كوهن منذ أيام بالقول إن بلادها مع «استعادة أفق سياسي مبني على الحل الدائم الوحيد ألا وهو حل دولتين تعيشان جنبًا إلى جنب بسلام «. وهو ما يجعلها الأقرب إلى المغرب من أي دولة أخرى.. إن الموقف يستدعي الحسم في الأولويات الاستراتيجية الفرنسية في شمال القارة وغرب المتوسط بين الجزائر والمغرب، وفي هذا ارتفع صوت عاقل آخر، مثلته سارة دانييل التي كتبت منذ أسبوعين مقالة جريئة ضد النظام الجزائري وعلاقة ماكرون به، وقالت «إن فرنسا، وكي لا تزعج نظام الجزائر اتخذت مسافات كبيرة مع المغرب، ومن علامات هذا الطلاق الديبلوماسي أن المغرب ليس له سفارة في فرنسا منذ يناير 2023، كما أن فرنسا لم تعترف بدورها بسيادة المغرب على صحرائه، كما فعلت إسبانيا، في حين أن ملك المغرب جعل من الاعتراف بهذه السيادة محور سياسته الخارجية.. والحال أن الوزن الاقتصادي للمملكة الشريفة بالنسبة لفرنسا مهم، حيث نجد أن 80 ألف فرنسي يعيشون فيه و38 مقاولة من المقاولات الكبرى كاك 40 CACمتواجدة فيه. ولربما حان الوقت لفرنسا أن تدرك ذلك، وأن تتخلى عن التضحية بعلاقاتها مع المغرب، وذبحها على عتبة مصالحة تبدو غير واردة بدون تغيير ديموقراطي للنظام الجزائري».. لا يمكن لماكرون أن يظل بدون «رؤية» لبلاده في العالم الجديد...