علم من مصادر موثوقة، أن الملك محمد السادس حلّ قبل قليل من يومه الجمعة 1 شتنبر الجاري، بباريس، في زيارة خاصة. وحسب ذات المصادر، فإن هناك مؤشرات بوجود تقارب في وجهات النظر بين الرباطوباريس، بعد فترة طويلة من الجمود في العلاقات بين البلدين، بسبب سياسة الرئيس ماكرون وتعنت من يحركونه. ويأتي هذا التقارب المحتمل وفق مصادر بعد ورود أنباء عن عودة فرنسا لجادة الصواب في تعاملها مع المغرب، والذي وقف ندا للند في وجه كل مناوراتها اليائسة والمحبوكة لإجباره على التراجع عن مساره وسياسته التي نجح من خلالها في كسب مواقف لصالحه في قضية الصحراء، والانفتاح على شركاء جدد سياسيا واقتصاديا وعسكريا على المستوى الدولي، وهو الأمر الذي لم تتقبله باريس لأنها تعتبر نفسها الشريك الأول والتقليدي للمغرب، في جميع المجالات، خاصة الاقتصادية. فرنسا.. مناورات يائسة وتجاهل مغربي وقد ظلت فرنسا منذ افتعال النزاع حول الصحراء المغربية تتبنى موقفا غامضا من قضية الصحراء بالرغم من بعض المواقف الإيجابية على مستوى هيأة الأممالمتحدة. لكن فرنسا سعت في الآونة الأخيرة للإضرار بمصالح المغرب وصورته على المستوى الدولي، من خلال تحريك إعلامها التابع للدولة العميقة وبعض الجمعيات التي تدعي الدفاع عن حقوق الإنسان، لإصدار وترويج تقارير مغلوطة تمس بصورة المغرب حقوقيا وسياسيا على المستوى الدولي، بل وصل بها الأمر لاستنفار نوابها بالبرلمان الأوروبي، تزعمهم "ستيفان سيجورنيه"مستشار ماكرون سابقا، ورئيس حزبه حاليا، لاستصدار قرارات تدين المغرب في ما يتعلق بوضعية حقوق الإنسان وحرية التعبير في البلاد، بغرض ابتزازه ليس إلا، وهو ما لم تنجح فيه باريس بقدر ما أضرت بعلاقاتها مع الرباط. وفي ظل كل الدسائس التي كانت قامت بها باريس، ظلّ المغرب يراقب تحركاتها في صمت، ويخطو بتباث في مساره نحو أهدافه، محققا انتصارات دبلوماسية واقتصادية تلو الأخرى، جعلت دولا كبرى تتهافت من أجل خلق شراكات معه في مجالات متعددة، وهو ما دفع ماكرون لمحاولة التقرب من الرباط عبر إعلانه في حوار دار بينه وبين أحد المهاجرين في الشارع شهر أكتوبر 2022 كموعد لزيارته إلى الرباط، وذلك بعد عودته من زيارة قام بها للجزائر، وقد تم تداول مقطع مصور من هذه التصريحات على وسائل التواصل الاجتماعي، وهي الخطوة التي لم يتفاعل معها المغرب، بل ولم يحرك بخصوصها ساكنا، مما اعتبر ردّا صادما وقاسيا من الرباط على ماكرون، خاصة وأن زيارات الدولة تستلزم عدة بروتوكولات قبل الإعلان عنها. وبعد أزيد من ثلاثة أشهر عن إعلان ماكرون رغبته في زيارة المغرب، حلّت وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا، بالرباط وبالضبط منتصف دجنبر 2022، وهي الزيارة التي أعلنت فيها بعد مباحثات أجرتها مع نظيرها ناصر بوريطة، انتهاء ما عرف آنذاك ب"أزمة التأشيرات"، كما أعلنت أيضا أن الرئيس إيمانويل ماكرون سيجري زيارة للمغرب في الربع الأول من السنة الجارية 2023 وهو الأمر الذي لم يتم طبعا، بل إن ناصر بوريطة صدم في حينه الوزيرة الفرنسية عندما صرّح أمامها أن المغرب امتنع عن التعليق رسميا على مشكل التأشيرات الذي اعتبرته الرباط منذ بدايته شأنا داخليا لفرنسا ولا دخل للمغرب فيه، وعاد ليجدد التأكيد بعد إعلان الوزيرة حل المشكل بأن الأمر عادي جدا وعاد لوضعه الطبيعي، وهو قرار أحادي الجانب يحترمه المغرب ولن يعلق عليه رسميا.. لكنه يسير في الاتجاه الصحيح". علاقات القصر الملكي والإليزيه وحكومتي البلدين ليست بالودية ولا بالجيدة ولعلّ ما أكد مجددا طيلة الفترة الماضية بأن العلاقات بين البلدين ليست على ما يرام، هو إسراع المغرب لنفي ادعاءات أدلى بها ماكرون في مؤتمر صحفي أعقب خطابه حول العلاقات بين فرنسا وأفريقيا يوم 27 فبراير 2022 بقصر الإليزيه، وهي الفترة التي كان يرغب في أن يزور فيها المغرب، حيث اعترف أن هناك مشاكل بين المغرب وفرنسا، لكنه عاد ليقول بأن علاقاته الشخصية مع الملك محمد السادس ودية وأنها ستبقى كذلك، ليأتيه الرد سريعا عبر مجلة "جون أفريك" نقلا عن مصدر حكومي رسمي مغربي، ويؤكد بأن العلاقة المغربية الفرنسية في الفترة الأخيرة "لا هي بالجيدة ولا هي بالودية بين القصر الملكي والإليزيه ولا بين حكومتي البلدين". وأوضح حينها المصدر الرسمي المغربي للمجلة المذكورة، أن "مشاركة وسائل الإعلام وبعض الدوائر الفرنسية في قضية بيغاسوس والترويج لها، لا يمكن أن تتم دون تدخل السلطات الفرنسية. كما أن تصويت البرلمان الأوروبي لإدانة المغرب في هذه القضية لم يكن ليمر لولا التعبئة النشطة لمجموعة برلمانية تهيمن عليها الأغلبية الرئاسية الفرنسية والتي يترأسها ستيفان سيجورنيه داخل البرلمان الأوروبي، مشيرا كذلك إلى أن قضيتي "بيغاسوس والهجوم داخل البرلمان الأوروبي على المغرب"، في نظر السلطات المغربية هما جزء من هجوم هدفه فرض فرنسا نفوذها على المغرب والتدخل في خيارات سياسته الداخلية والخارجية". تودد للمغرب.. ماكرون يعلن عن مبادرة للرقي بالعلاقات مع دول المغرب العربي وقبل يومين أدلى ماكرون أمام سفراء بلاده بخطاب متناقض حول البرود الذي تشهده علاقات فرنسا مع دول عديدة بالقارة الإفريقية وبشمال إفريقيا على الخصوص، في إشارة منه للمغرب والجزائر، بحيث وبالرغم من اعترافه بأن هذه العلاقات ليست على ما يرام ووصفها بالسلبية، إلا أنه نفى مسؤوليته وحكومته في ذلك، معتبرا أن هاته الدول، بما فيها المغرب، تعيش وسط أزمة تنظيم على حد تعبيره، في محاولة منه لتحميلها مسؤولية الوضع الذي وصلت إليه علاقات بلاده معها. وبالرغم من تهربه من مسؤولية الوضع الذي أصبحت عليه علاقات فرنسا بمجموعة من دول القارة السمراء، خاصة المغرب والجزائر، عاد ماكرون ليعلن أمام سفراء بلاده في الخارج، عزمه القيام ب"مبادرات تحت سلطة وزارة الخارجية للرقي بالعلاقات مع دول المغرب العربي"، وهي إشارة منه إلى سعيه للتقرب من المغرب وربما أدرك هو ومن يحركونه من الخلف، أن ما كان يقوم به طيلة الفترة الماضية مع المغرب، هو من أوصل بلاده لما تعيشه اليوم، حتى أنها أصبحت منبوذة من شعوب وحكام العديد من الدول الفرنسية، وأصبح شعار "فرنسا إرحل" هو شعار المرحلة في القارة الإفريقية. ومن يدري، فقد يكون تصريح ماكرون أمام سفراء بلاده وإعلان عزمه القيام بمبادرة للرقي بالعلاقات مع دول المغرب العربي، والتي يبقى المغرب أبرزها، بداية لإعادة مراجعة سياسته وإصلاح أخطائه، خصوصا بعد الدعوات المتوالية من سياسيين فرنسيين ورؤساء سابقين لفرنسا، يحذرونه من التقرب للجزائر على حساب المغرب، وكان آخرهم الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي، والذي دعا ماكرون قبل أسابيع في مقابلة مع صحيفة "لوفيغارو" إلى عدم محاولة بناء "صداقة مصطنعة" مع القادة الجزائريين، وحذره من أن هذه المحاولة ستؤدي إلى تدهور العلاقات بين باريسوالرباط، مشيرا إلى أن توجه ماكرون يبعد فرنسا عن المغرب، ويجازف بخسارة كل شيء، وفقدان ثقة المغرب. فرنسا.. استيعاب لرسائل خطابات الملك وتيقن بأن المغرب لن يتراجع عن مساره يبدو إذن أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ومن معه ممن يتحكمون في دواليب مؤسسات البلاد قد بدؤوا يستوعبون جيدا ما ورد في خطابات عديدة للملك محمد السادس، من ضمنها خطاب الذكرى 69 لثورة الملك والشعب، عندما وجه كلامه بشكل مباشر لكل الدول التي تتبنى مواقف غامضة من قضية الصحراء المغربية قائلا: "أوجه رسالة واضحة للجميع، إن ملف الصحراء هو النظارة التي ينظر بها المغرب إلى العالم، وهو المعيار الواضح والبسيط، الذي يقيس به صدق الصداقات، ونجاعة الشراكات"، مؤكدا في ذات الخطاب أن المغرب ينتظر من بعض الدول، من شركاء المغرب التقليديين والجدد، التي تتبنى مواقف غير واضحة، بخصوص مغربية الصحراء، أن توضح مواقفها، وتراجع مضمونها بشكل لا يقبل التأويل". هذا الخطاب الذي اعتبر آنذاك بمثابة رسالة ملكية مباشرة لفرنسا التي تلعب على الحبلين، وتتبنى موقفا غامضا، بل وظلت تسعى من خلف الستار للمس بمصالح المغرب والإضرار بعلاقاته الخارجية، ناهيك عن أنها رسالة جاءت مباشرة بعد الموقف الإسباني الجديد وخروج مدريد من دائرة الغموض، لتعبر وبشكل واضح عن دعمها لمغربية الصحراء ولمبادرة الحكم الذاتي، ما جعلها الآن تتقدم في مرتبة الشركاء الاقتصاديين الأوائل للمغرب، وبالتالي هو تجسيد حرفي لما ورد في خطاب الذكرى 46 للمسيرة الخضراء، عندما توجه جلالة الملك لشركاء المغرب بالقول: "ومن حقنا اليوم، أن ننتظر من شركائنا مواقف أكثر جرأة ووضوحا، بخصوص قضية الوحدة الترابية للمملكة"، قبل أن يعود ويقول بصريح العبارة: "كما نقول لأصحاب المواقف الغامضة أو المزدوجة، بأن المغرب لن يقوم معهم، بأي خطوة اقتصادية أو تجارية، لا تشمل الصحراء المغربية"، وهي الرسائل التي قد تكون الدولة العميقة الفرنسية قد فهمتها جيدا وجعلتها تعود صاغرة طالبة ود المغرب بعد كل شطحاتها السابقة التي انقلبت عليها وجعلتها اليوم أضحوكة للعالم.