وجد النظام الفرنسي نفسه محاصرا على المستوى الدولي، والإفريقي على الخصوص، في ظل الدور الهام للمغرب على مستوى المنطقة، مما عجل بالرئيس إيمانويل ماكرون إلى طلب ود المغرب، من أجل إعادة بناء العلاقات بين البلدين، في ظل الأزمة السياسية الصامتة بين المغرب وفرنسا. وبدا ذلك واضحا من خلال حديث ماكرون يوم أول أمس الإثنين، عندما قال إنه سيواصل "المضي قدما لتعزيز علاقة فرنسا بالمغرب، بعيدا عن الجدل الراهن"، وهو ما يأتي بعدما شن هذا النظام حملات عدائية داخل البرلمان الأوروبي، وغيره من المنظمات، ضد المملكة، كان آخرها اتهام المغرب باستخدام برنامج "بيغاسوس" للتجسس، بعدما مرر البرلمان الأوروبي بإيعاز من نواب مقربين من ماكرون قرارا يحمل مغالطات كثيرة بشأن ما أسماه "وضعية حقوق الإنسان في المغرب". ماكرون يطلب ود المغرب جاءت تصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ضمن مؤتمر صحفي عقده بقصر الإليزيه يوم الإثنين المنصرم، قبل أن يباشر اليوم الأربعاء جولة تشمل أربع دول في وسط إفريقيا هي الغابون وأنغولا والكونغو وجمهورية الكونغو الديموقراطية، وهو ما يأتي بعدما شعر فعلا بفقدان فرنسا الاستعمارية لمكانتها في هذه القارة إثر طرد مجموعة من الدول القوات الفرنسية من ترابها، بعد سنوات من نهب خيرات الشعوب الإفريقية وإشعال فتيل الحروب والصراعات العسكرية. وبمقابل التراجع الفرنسي داخل مستعمراتها السابقة، فإن ريادة المغرب في النهوض بأوضاع القارة الإفريقية، والتعاون الذي يقدمه المغرب، كان آخره المبادرة الملكية لمنح هبة 2000 طن من الأسمدة إلى الغابون، أصبحت تقلق النظام الفرنسي، مما جعله يطلب ود المغرب لإنقاذ ماء وجهه داخل القارة، خصوصا في ظل المنافسة القوية لروسيا والصين. وعلاقة بذلك، قال ماكرون ضمن ذات المؤتمر الصحفي، الذي خصصه للحديث عن استراتيجيته في إفريقيا: "يجب أن نبني علاقة جديدة متوازنة ومتبادلة ومسؤولة مع دول القارة الإفريقية"، منبها إلى أن هناك أشخاصا يحاولون استغلال الظروف، مثل قضية التنصت داخل البرلمان الأوروبي التي كشفتها الصحافة". ولكن على الرغم من أن ماكرون يحاول إخفاء وجود أزمة سياسية بين فرنسا والمغرب، إلا أن الحملات المعادية لبلادنا داخل مؤسسات أوروبية، إلى جانب غموض موقف فرنسا من قضية الصحراء المغربية، خصوصا وأن كل الأدلة التي تثبت مغربية صحراء موجودة في أرشيفات فرنسا، جعلت السلطات المغربية تلغي زيارة أوليفييه لوكوانت، نائب مدير شمال إفريقيا والشرق الأوسط في الدائرة العامة للتسليح في وزارة الدفاع الفرنسية، يومي 23 و24 يناير الماضي، وانعقاد اللجنة الاستشارية المشتركة حول التعاون القضائي، التي كانت مقررة يومي 30 و31 من الشهر المذكور. وإلى جانب ذلك، فإن زيارة ماكرون للمغرب، المعلن عنها من قبل وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا التي حلت بالمغرب شهر دجنبر الماضي، والتي أكدت أنه سيزور المملكة خلال الربع الأول من السنة الجارية، أصبحت وشيكة في ظل هذا الوضع. وكان الملك محمد السادس قد أكد ضمن خطابه بمناسبة تخليد الذكرى ال69 لثورة الملك والشعب، أن "ملف الصحراء هو النظارة التي ينظر بها المغرب إلى العالم، وهو المعيار الواضح والبسيط، الذي يقيس به صدق الصداقات، ونجاعة الشراكات"، مضيفا: "لذا، ننتظر من بعض الدول، من شركاء المغرب التقليديين والجدد، التي تتبنى مواقف غير واضحة، بخصوص مغربية الصحراء، أن توضح مواقفها، وتراجع مضمونها بشكل لا يقبل التأويل". فرنسا والحملات العدائية للمغرب في الوقت الذي يطلب فيه ماكرون ود المغرب لإعادة بناء العلاقات والشراكة التقليدية بين البلدين، فإن النظام الفرنسي يواصل زعامة الحملات الممنهجة التي تحاول النيل من المملكة المغربية داخل البرلمان الأوروبي والصحف الفرنسية، بينها اتهام المغرب باستخدام "بيغاسوس" للتجسس، في محاولة بائسة لتشويه صورة المؤسسة الأمنية المغربية، الرائدة في مجال محاربة الإرهاب والتطرف باعتراف قوى عالمية. وحاول ماكرون خلال حديثه نفي تورط فرنسا في اتهام المغرب بالتجسس، على الرغم من انعدام الأدلة على ذلك بعد مرور 19 شهرا من إثارة هذا الملف، حيث قال: "هل كان ذلك صنيعة فرنسا؟ كلا، يجب أن نمضي قدما رغم هذه الحملات". واتهمت القوى السياسية المغربية النظام الفرنسي بالوقوف وراء الحملات العدائية للمغرب داخل البرلمان الأوروبي، فيما أشار البرلمان المغربي خلال استنكاره لقرار نظيره الأوروبي بشأن "وضعية حقوق الإنسان وحرية التعبير في المغرب" إلى تورط فرنسا في هذا الأمر، طمعا في الحصول على الغاز الجزائري لخدمة أجندات معادية لبلادنا، في ظل أزمة الطاقة التي تعصف بالدول الأوروبية، بينها فرنسا، بسبب استمرار الحرب بين روسيا وأوكرانيا. التراجع الفرنسي في إفريقيا جاءت تصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي يزور أربع دول إفريقية بدءا من اليوم، في ظل التراجع الفرنسي داخل القارة السمراء، مقابل تطور العلاقات بين المغرب ومجموعة من الدول الإفريقية، وهو ما تعكسه عدد الزيارات الملكية التي ما فتئ يقوم بها من حين لآخر لتنويع الشركات وتعمقيها بشكل يخدم مصالح الطرفين في إطار التعاون "جنوب -جنوب" وسياسية "رابح رابح". وفي الوقت الذي ينهج فيه المغرب هذه السياسية المبنية على التعاون المشترك من أجل الشعوب الإفريقية -رابح -رابح، بينها الهبة التي سلمها الملك محمد السادس قبل أسابيع إلى الرئيس الغابوني علي بونغو أونديمبا، وكانت عبارة عن 2000 طن من الأسمدة المخصصة لفائدة الفلاحين الغابونيين، فإن التواجد الفرنسي في إفريقيا، على عكس ذلك، يبتغي بالدرجة الأولى نهب خيرات الشعوب، وهو ما أصبحت ترفضه المستعمرات الفرنسية السابقة. وكانت المعارضة الغابونية قد شنت حملة إعلامية ضد زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى العاصمة ليبرفيل، فيما كان الرئيس المالي آسيمي غويتا قد ألغى في وقت سابق مجموعة من الاتفاقيات التي كانت موقعة مع الاستعمار الفرنسي، وكان يستعملها هذا الأخير لقبض إدارته على مستعمراته السابقة.