منير الحدادي نجم نادي برشلونة الصاعد، اختار الانضمام إلى المنتخب الإسباني عوض منتخب بلاده المغرب، وبهذا القرار يصبح الحدادي خارج قوائم المندوبية السامية للتخطيط. اختيار وقرار تم التعليق عليه رسميا بجملة قصيرة: "الوطنية لا تباع ولا تشترى". أجل، الوطنية انتماء واعتزاز بالوطن هُويته ومنظومة قيمه وافتخار بتاريخه ومواقفه المُشرفة انتصارا للحرية والعدالة والكرامة. والوطنية بما هي انتماء وقابلية للبذل والتضحية، من أجل استقلال الوطن ورقيه ثمرةُ تربية وتأهيل واهتمام ترسخ في النفوس الولاء والاعتزاز بالانتماء من خلال تنشئة تقوم أساسا على التكريم تترجَم رعاية وخِدْمات وتدريب على ممارسة الحقوق والحريات العامة ترشيحا لمُواطَنةٍ كاملةٍ. وفي حالة منير الحدادي، وبالنظر إلى مساره الأسري، حيث وُلد مغتربا من أب مهاجر سريٍّ هربا من الفقر والحرمان، وفي المهجَر نشأ لا يربطه بوطن والديه إلا ثقافة اجتماعية، بما هي عادات وتقاليد وروابط عائلية تتغير حرارة عاطفتها صعودا ونزولا بحسب ظروف المهاجر المادية؛ ومثلما تنكر الوطنُ مسؤولوه للأب تنكر للولد، فلم يستفد من احتضان ولا رعاية ترسخ في نفس طرية مغتربة حب الوطن، ولولا الموهبة والتألق الكروي لظل منير الحدادي كغيره من أجيال أبناء المهاجرين نكرة، وإلا ما هي الخِدمات وأشكال اهتمام السفارات والقنصليات المغربية بمغاربة المهجر غير تتبع انتماءاتهم وأنشطتهم وتحرير محاضر على ضوء خلاصاتها يُتعامل معهم في نقط العبور؟ منير الحدادي ليس حالة منفردة تخلف فيها الجهات المسؤولة الموعد وتُفرّط في مواهب وكفاءات في مجالات متعددة، في الرياضة كما في العلوم والإدارة وغيرها. حالة منير الحدادي تعيد طرح سؤال الثروة المعنوية التي أريد لها أن تصرف الاهتمام عن الثروة المادية المحتكرة والمنهوبة. منير الحدادي هو اليوم رمز لكفاءة وثروة بشرية تزخر بها البلاد، وفي مجالات مختلفة، في العلوم، وفي الاستثمار، وفي التدبير، وفي الفكر، وفي الفن، ... كفاءات مبثوثة في بلدان شتى من المعمور تُسهم في صناعة الرقي وتوظف مهاراتها وخبراتها مستفيدة من بيئة معافاة من أوبئة الفساد ومشتقات الاستبداد، وأخرى "تقيم" في بلدها محاصرة، إن لم تكن مضطهدة، فلا هي طورت مهاراتها وخبراتها، ولا هي أفادت بلدها من مؤهلاتها اجتثاثا للتخلف واستنباتا لنموذج تنموي محلي. منير الحدادي وغيره في مجالات متعددة لا تعترف العقلية التدبيرية الرسمية بهم، ولا تقيم لهم وزنا لغياب إرادة سياسية حقيقية للإقلاع وتطوير البلاد، ذلك أن الإقلاع التنموي يرتكز على إشاعة المعرفة وتقدير الكفاءات والانفتاح على الاقتراحات وتشجيع المبادرات، وقبل هذا ومعه وبعده القطع مع الفساد والمفسدين وأسه الاستبداد؛ وإلا كيف يفسر الحصار المضروب على الفنان أحمد السنوني "بزيز" رغم تعاقب الحكومات وعهود الحكم؟ وكيف يفسر إقصاء كفاءة علمية عالمية من عيار الراحل المهدي المنجرة، في وقت تهدر الأموال لاقتناء مخططات تنموية يصعب استنباتها خارج بيئتها الأصلية؟ قائمة طويلة من الكفاءات في مجال تخصصها خارج الاعتبار المخزني القائم على قاعدة: "من لا يُسبِّح بحمدي، لا مكان له على أرضي". وإلى إشعار آخر سيظل الإقصاء الممنهج ساريا حرمانا للمغرب من كفاءة ومهارات أبنائه، وبالتالي، لا مصداقية لما يسوق من شعارات التغيير وآخرها الدعوة لإجراء بحث يُدقق في الثروة المعنوية للمغرب، وكأننا حسمنا في الثروة المادة، حجمها، مصادرها، تحصيلها، توزيعها، عائداتها التنموية على العباد والبلاد. لذلك، لا عجب أن تطفو على السطح مواقف ودعوات لرفض الإحصاء تعبيرا عن عدم الرضا عن شكل تدبير الشأن العام للعباد والبلاد، وفقدان الثقة في السياسات العامة المعتمدة.