في البداية، أتقدم بتشكراتي الحارة للجنة المنظمة التي أتاحت لي إمكانية المشاركة في هذه الندوة العلمية وشرفتني بالجلوس مع ثلة من الأساتذة الباحثين لنتداول بشأن موضوع يعتبر في المرحلة الراهنة كما كان دائما من الموضوعات ذات الأهمية القصوى في حياة المجتمعات والشعوب، يتعلق الأمر بصورة المرأة المغربية المدرسة، الأدوار والإكراهات داخل محيط اجتماعي وسوسيوثقافي معقد يتداخل فيه العامل البيداغوجي باللوجستيكي بالأنتروبولوجي في رسم مهام المرأة العاملة في حقل التربية والتعليم. أما الموضوع الذي رأيت أن أساهم به في هدا اللقاء العلمي المبارك فإنه يتعلق ب"المرأة المغربية المدرسة في المهجر"، وكما تلاحظون فإن إشكاليات الموضوع مركبة ومتداخلة يمكن إثارة مجموعة ملاحظات بشأنها: 1 غياب دراسات علمية دقيقة وحديثة حول المرأة ومجالات عملها بشكل عام، فبالأحرى المرأة المهاجرة أو المرأة المدرسة في بلاد المهجر مما "يعيق وضع مخططات موضوعاتية أو برامج موجهة للنساء أو الأجيال الجديدة أو المتقاعدين أو أي فئة من الجاليات المغربية بالخارج" كما جاء على لسان السيد محمد عامر الوزير المكلف بالجالية المغربية المقيمة بالخارج الذي كان يتحدث في افتتاح الملتقى الدولي الأول حول "الهجرة النسائية المغربية" يوم الخميس 20 نونبر 2008 في كلية الآداب و العلوم الإنسانية بأكدال. 2 لا يمكن تناول قضايا المرأة المدرسة في الخارج إلا ضمن موضوعة الهجرة النسائية، التي تشكل 50 في المائة من العاملين بدار المهجر، وبالتالي ف"تأنيث الهجرة" يرتبط بتحولات اجتماعية وثقافية جعلت المرأة تكسر مجموعة طابوهات وتستفيد من تسرب مفردات منظومة حقوق الإنسان لاسيما ما يتعلق منها بقضية المساواة بينها وبين الرجل، ينضاف إلى دلك انتقال المرأة من مركز اقتصادي خاضع لوصاية المرأة إلى مركز مستقل اقتصاديا عن الرجل بخروجها إلى العمل واستغلال كفاءتها في تحقيق ذاتيتها، وبالتالي لم تعد الهجرة إلى الخارج ظاهرة رجالية محضة تغطي نسبة من هجرة النساء في إطار ما يسمى بالتجمع العائلي، بل غدت هجرة نسائية خالصة لأسباب اقتصادية اجتماعية (البحث عن منصب شغل وتحسين ظروف العيش) أو ثقافية علمية (متابعة الدراسة المنح العلمية التدريب والتكوين....) وأمام صعوبة الإحاطة العلمية بموضوع المرأة المدرسة المهاجرة نتيجة محاذير التصنيف الفئوي حسب طبيعة النشاط المزاول، يبدو من الضروري مناقشة في مبحث أول إشكالية وضعية المرأة العاملة في مجال التعليم ضمن دائرة أعم ولكنها تحتضنها بقوة وهي إشكالية هجرة الأدمغة التي تمثل بحق تحدي حقيقي أمام مشاريع التحديث والتنمية بالبلدان المتخلفة أو السائرة في طريق النمو، ودلك قبل أن نتناول بعض خصوصيات ظاهرة هجرة النساء المدرسات في مبحث ثان. المبحث الأول: هجرة الكفاءات، الأسباب والأثار الهجرة كظاهرة إنسانية واجتماعية تاريخية ساهمت في التلاقح الحضاري وإعمار الأرض وبناء الحضارة الإنسانية الكبرى، وقد حظيت في العقود الأخيرة باهتمام سياسي وحقوقي وأكاديمي كبير جدا بالنظر إلى ما أصبحت تمثله سواء بالنسبة لدول الأصل أو دول الاستقبال من أهمية ترتبط بصيرورة البناء المجتمعي إما سلبيا أو إيجابيا. وإذا كانت هجرة العمالة شكلت في مرحلة سابقة ظاهرة متحكم فيها بواسطة اتفاقيات ثنائية أو بواسطة برامج ومخططات تبلورها الدول المصنعة لاستقبال المهاجرين من الدول النامية للعمل في مشاريع البنيات التحتية والمشاريع الصناعية الكبرى خاصة بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، فإن هجرة الكفاءات من بلدانها أصبحت تشكل هاجساً مخيفاً للحكومات والمجتمع على حد سواء. وتكتسب هذه الظاهرة أهمية متزايدة في ظل تزايد أعداد المهاجرين خاصة من الأطر العلمية والتقنية المتخصصة، لما لها من آثار سلبية تتمثل في حرمان هذه الدول من الاستفادة من خبرات ومؤهلات هذه الكفاءات لتؤثر سلبا على تطور الاقتصاد الوطني ومشاريع التحديث والبناء التنموي. وتمثل ظاهرة هجرة الأدمغة ظاهرة عربية بامتياز حيث يشير التقرير العربي الأول للجامعة العربية حول العمل والبطالة إلى أن نحو 50% من الأطباء العرب و23% من المهندسين و15% من العلماء، يهاجرون إلى الولاياتالمتحدة وكندا سنويا، وأن 54% من الطلاب العرب الذين يدرسون في الخارج لا يعودون إلى بلادهم. وفي المغرب تثبت الإحصائيات أن المركز الوطني للبحث العلمي بفرنسا يحتضن 1600 من الباحثين المغاربة ناهيك عن العاملين بالتدريس في الجامعات والمعاهد الفرنسية، وأن 600 من الأطباء يعملون خارج المغرب، كما أن 60 بالمائة من المهندسين ومن الدين يحصلون على شواهد علمية يفضلون العمل في الخارج، كما أظهرت دراسة أجريت سنة 1999 أن 88،7% من الطلبة الدارسين في الخارج لا يرغبون في العودة إلى المغرب نهائيا. وإذا اطلعنا على ما يكلفه تكوين إطار مختص من ميزانية الدولة (ما يعادل 160 ألف درهم)، يظهر لنا حجم الخسارة التي يتكبدها المجتمع المغربي نتيجة هدا النزيف المستمر بحيث أصبحت المعاهد والجامعات المغربية خزانا لتخريج أطر مختصة تستفيد منها الولاياتالمتحدةالأمريكية وكندا والبلدان الأوربية. ويعتبر المغرب من أكثر البلدان النامية تأثرا بهجرة اليد العاملة المتخصصة في مجال تكنولوجيا الاتصالات، بحيث يهاجر للخارج ما بين 50 و 70 % من خريجي المدرسة المحمدية للمهندسين أو المعهد الوطني للبريد والاتصالات. وفي نفس الوقت يحتاج المغرب كباقي البلدان النامية التي تعاني من هجرة الأدمغة، إلى تعويض النقص بكفاءات أجنبية تُدفع أجورها بالعملة الصعبة. وحسب دراسة أجراها البنك الدولي في العام الماضي، فإن هجرة العقول المغربية في تزايد مستمر، رغم الجهود التي تقوم بها الدولة والعديد من المؤسسات المغربية لتوفير فرص شغل لخريجي المعاهد العليا في السوق المحلية، بل إن حوالي 140 ألف من حاملي الشهادات العليا الذين كلفوا خزينة الدولة الملايين حملوا شواهدهم والخبرات التي اكتسبوها وغادروا المغرب، فيما عبر 13 بالمئة منهم عن رغبته في مغادرته إلى غير رجعة. أما بالنسبة للبلدان التي تقصدها العقول المغربية، فتحتل فرنسا المرتبة الأولى ب 38 بالمئة، تليها إسبانيا ب 19.8 بالمئة، وهولندا ب 13.5 بالمئة، وإيطاليا ب 9.9 بالمئة، وبلجيكا ب 6.6 بالمئة، وألمانيا ب 3.9 بالمئة، والولاياتالمتحدة ب 2.7 بالمئة، وكندا ب 2 بالمئة ثم بريطانيا ب1 بالمئة. ويشكل مهندسو التقنيات المعلوماتية أكبر معدل من بين المهاجرين، حيث حددتهم بعض الدراسات في 60 في المئة من خريجي معاهد ومدارس المهندسين ذوي التكوين المعلوماتي العالي، وهذا ما تؤكده نسبة العاملين بالشركة الفرنسية للهندسة المعلوماتية التي تشغل حوالي 50 مهندسا، يشكل المغاربة المقيمون بالخارج 80 بالمئة منهم. وتتداخل أسباب كثيرة ومتنوعة لمفاقمة الظاهرة: أسباب اقتصادية مرتبطة باتساع مجالات العولمة، وانفتاح الاقتصاد العالمي على الكفاءات بدون النظر إلى جنسيتها، خاصة وأن القطاع الخاص العالمي انتقل لينافس ويستأثر في مجالات عدة بالبحث العلمي، ينضاف إلى ذلك ما تقدمه الدول والشركات من إغراءات لجلب المتفوقين من الدول النامية في شتى التخصصات خصوصا منها العلوم الدقيق. نهج الدول الأروبية المتقدمة التي تعيش حالة انكماش ديموغرافي لسياسة انتقائية في مجال الهجرة تقوم على تشجيع الكفاءات واستقطاب الأطر المتخصصة في مجال تكنولوجيا الاتصالات واتباع النموذج الأمريكي في مجال هجرة الخبراء والمتخصصين الذي ساهم في تحقيق تقدم علمي واقتصادي ملفت خلال العقدين الأخيرين في الولاياتالمتحدة. إضافة إلى الأسباب الموضوعية، تتحمل الحكومات الوطنية مسؤولية كبرى فيما تعانيه دولها من هروب يراه البروفيسور المهدي المنجرة اضطراريا وليس اختياريا فنقص الشفافية في النظام الاجتماعي والاقتصادي، وعدم توفر فرص عمل ملائمة للمستوى المعرفي وهشاشة نظام الأجور والتعويضات ونظام التغطية الاجتماعية، لا يساعد الأطر الوطنية من الرجال والنساء على الصمود أمام الإغراءات المقدمة من القطاع الخاص أو القطاع العام بدول الاستقبال، إضافة إلى ضيق آفاق ممارسة البحث العلمي الذي لا تتعدى نسبة الاستثمار فيه 0.2 في المائة من الدخل الإجمالي للبلاد، مع ما ينتج عن دلك من إحساس بالغربة والتهميش للكفاءات العلمية والفكرية داخل أنظمة إدارية عتيقة. وفى مجال الآثار السلبية الناتجة عن الهجرة تشير الأبحاث إلى أن هجرة الكفاءات سواء أكانت دائمة أو مؤقتة تكبد الميزانية العامة للدولة خسارة في الاستثمارات المنفقة على التعليم الحكومي دون النظر إلى ما تخصصه الأسر من موارد تنفق على أبنائها سواء في التعليم العمومي أو الخاص. وعلى العموم يمكن أن نشير إلى أهم الانعكاسات السلبية لهذه الظاهرة الخطيرة كما يلي: - تضييع الموارد البشرية والمالية المغربية التي أنفقت في تعليم وتدريب الكفاءات التي تستفيد منها البلدان الغربية دون أن تنفق عليها من ميزانيتها دولار واحد . - عدم استثمار القدرات الإنتاجية والعلمية لهذه العقول التي توظف في المشروعات الاقتصادية في دول الاستقبال في حين تحتاج التنمية المحلية لمثل هذه العقول في مجالات الاقتصاد والتعليم والصحة والتخطيط والبحث العلمي والتقني. - ضعف وتدهور الإنتاج العلمي والبحثي في المغرب بالمقارنة مع الإنتاج العلمي للمغاربة المقيمين في البلدان الغربية . ويمتد خطر هذا النزيف المهول في تأثيره على مستقبل المجتمع المغربي ليرهن مستقبل الأجيال الحالية والمقبلة على السواء ويعقد من أزمات النقص في الرأسمال البشري المؤهل لقيادة مسلسل التنمية، الشيء الذي يقتضي من دوائر متخذي القرار بلورة خطط وإجراءات استعجالية. إن معالجة هذه المشكلة تحتاج إلى بلورة استراتيجيات متكاملة تنبني على تشخيص دقيق للوضع، وإحاطة شاملة بتمفصلات وتعقيدات ومعطيات الواقع المغربي في مختلف مستوياته القانونية والاجتماعية والثقافية...، والشروع في تنفيد مخططات استعجالية من خلال إجراءات عملية من بينها : 1 وضع البرامج الوطنية لمواجهة هجرة العقول وإنشاء مراكز للبحوث التنموية والعلمية والتعاون مع الهيئات الدولية والإقليمية المعنية للقيام بالدراسات وإعداد القوانين التي تنظم أوضاع المهاجرين من الكوادر أصحاب الكفاءات . 2 حث الحكومة المغربية على تكوين الجمعيات والروابط لاستيعاب واستعادة أصحاب الكفاءات المهاجرة من بلدانهم وإزالة جميع العوائق التي تعيق ربطهم بأوطانهم، ومنحهم الحوافز المادية وتسهيل إجراءات عودتهم إلى أوطانهم للمشاركة في عملية التنمية والتحديث . 3 جمع أبناء الجالية من الكفاءات في مؤتمرات ثقافية وعلمية، وطلب مساعداتهم والاستفادة من خبراتهم سواء في ميادين نقل التكنولوجيا أو المشاركة في تنفيذ المشروعات المختلفة. 4 التعاون مع المنظمات الدولية مثل اليونسكو والأيسيسكو والأليسكو وغيرها لإقامة مشروعات ومراكز علمية في المغرب لاجتذاب العقول المهاجرة للإشراف على هذه المراكز والإسهام المباشر في أعمالها وأنشطتها. 5 تصليب الاقتصاد الوطني وتمكينه من آليات الإغراء لاستبقاء الخبرات المؤهلة واجتذاب العقول المغتربة للمساهمة في إنماء البلاد. ومرحليا يجب على الحكومة المغربية أن تعمل على اتخاذ تدابير مهمة، من شأنها أن تساهم بشكل فعال في الاستفادة من الأدمغة المغربية في بلاد المهجر: 1 تعبئة اكبر عدد ممكن من الكفاءات العلمية والصناعية المغربية ضمن شبكات للتبادل ونقل التكنولوجيا تعمل على أساس برامج محددة للبحث العلمي والتقني وعلى أساس مهام معينة في مجال المعرفة. 2 تشجيع إدخال تكنولوجيا البحث العلمي إلى المغرب سواء على مستوى التكوين والبحث أو على مستوى الاستعمال والإنتاج الصناعي. 3 تحفيز التواصل بين الباحثين المغاربة وذلك عن طريق إشراك الباحثين المغتربين ونشر الأبحاث العلمية والتقنية (مؤلفات علمية، مقالات، مجلات....) 4 تأمين الانفتاح على التقنيات المتطورة في المؤسسات الوطنية عن طريق برامج لتكوين المكونين والتكوين المستمر. 5 إقامة وتوطيد علاقات التعاون بين المقاولات الوطنية والأجنبية . 6 تقوية مساهمة الباحثين المغاربة في البرامج العلمية التي تضعها هيئات التعاون الجهوية والدولية، ودلك من خلال: - انجاز دليل الباحثين المغاربة في الخارج . - الزيادة في ميزانيات التسيير المخصصة لبرامج التعاون العلمي والثقافي، - إعطاء الأسبقية فيما يتعلق بأعمال الخبرة للكفاءات الوطنية والمغتربة. - إحداث إطار "أستاذ مشارك" لتشجيع مساهمة الباحثين المغاربة المغتربين في أنشطة التدريس والبحث العلمي بالمغرب. - تشجيع الحضور المغربي في الهيئات العلمية الدولية. المبحث الثاني: المرأة المدرسة والمشاكل المعقدة بالمهجر كما سبقت الإشارة يصادف البحث في أوضاع المرأة المدرسة في بلاد المهجر صعوبات جمة غير أنه يمكن القول أن مشاكل المرأة المدرسة المغتربة لا تختلف كثيرا عن مشاكل المرأة العاملة في قطاعات أخرى، ولكنها تراكم، إضافة إلى دلك، مشاكل ترتبط بالمهمة التعليمية، وابتداء يمكن أن نرصد بعض الصعوبات المرتبطة بعمل المرأة المدرسة في الخارج من خلال إثارة الملاحظات التالية: 1 غياب الإطار القانوني المنظم لعمل المرأة المغربية المدرسة في الخارج، فالاتفاقيات المبرمة بين المغرب والدول الأوربية في الستينات والسبعينات سواء المتعلقة بالهجرة أو بالتعاون العلمي أو الثقافي، تقتصر على تنظيم أوضاع المهاجرين في الحالة الأولى أو منح متابعة الدراسة أو التداريب لتنمية المهارات في الحالة الثانية، ولا وجود لاتفاقيات تنظم أوضاع المدرسين لسبب بسيط هو أن الأجيال الأولى من المهاجرين كانوا من العمال غير المؤهلين ودوي الكفاءة المهنية المتوسطة، بينما كانت ولازالت أروبا لا تعاني من الخصاص في فئات المدرسين، وفيما يتعلق ببعض الكفاءات المغربية المشتغلة في التدريس الجامعي والبحث العلمي فهي نادرة وغالبا ما تنتقى من بين الكوادر المتفوقة التي يتم تمكينها من جنسية دولة الاستقبال، وتستفيد بالتالي من جميع الحقوق والتعويضات على غرار مواطني الدولة، وبدلك ينتقل الحاصلون على الجنسية من وضع المهاجرين إلى مركز المواطنين. ومن جانب آخر تزاول بعض الكفاءات لاسيما خريجو الجامعات الأوروبية بعض مهام التدريس في إطار التطوع ببعض الجمعيات والمساجد لفائدة أبناء الجالية في ظل ما يسمى بالقطاع غير المنظم حيث تنعدم التغطية الاجتماعية والصحية الضرورية. وفي السنوات الأخيرة لجأت الدولة في إطار سياستها تجاه الجالية المغربية بالخارج إلى إيفاد مدرسين ومدرسات إلى الديار الأوروبية بهدف ضمان إبقاء التواصل قائما بين الوطن وأبنائه من خلال تنظيم دروس في اللغة العربية لأبناء الجيل الثاني والثالث من المهاجرين، وتصطدم المرأة المدرسة كما هو الشأن بالنسبة للمدرس بمعيقات بيداغوجية ونفسية في التجاوب مع يافعين ينحدرون في أغلبهم من أسر فقيرة ولا ينظرون إلى مادة اللغة العربية أو التربية الإسلامية إلا كعبئ إضافي يثقل كاهلهم خاصة عندما لا تتعاون الأسرة في إنجاح هده العملية، وفي هدا الإطار يمكن أن نسجل عودة العديد من أطر التدريس قبل نفاد مدة اعتمادهم، الشيء الذي يمكن تفسيره بعدم دقة المخططات التي تعتمدها الدولة في مجال التواصل مع أبناء الجالية. علاوة على دلك تعيش المدرسة المغتربة بالدول الأوروبية مشاكل ذات طبيعة سوسيوثقافية تتمثل على الخصوص في صعوبة الاندماج في المجتمع الأروبي، وفي هدا السياق يثير فقط حمل الحجاب مشاكل حقيقية للمرأة داخل حقل تعليمي علماني (قانون شيراك المتعلق بمنع حمل الرموز الدينية في المدارس الفرنسية)، وداخل مجتمع علماني تتنامى فيه التيارات والأحزاب العنصرية لا سيما بعد أحداث 11 شتنبر 2001 وما ترتب عنها من تكوين صورة نمطية عن العرب والمسلمين الدين يعانون أصلا من التهميش الذي يعتبر سببا في الإشكاليات الاجتماعية التي يعاني منها المهاجرون في أوروبا منذ السبعينيات، حيث يحتل الأشخاص ذوي الانتماء الإسلامي أو العربي مكانة متقدمة في التقارير التي تتناول المشاكل الاجتماعية والجريمة والاضطرابات والعنف والفقر في كثير من الدول الأوروبية. وصعوبة الاندماج تجد لها في المجتمع الأوروبي عدة خلفيات أهمها ما يرتبط بوضع ثقافي هوياتي لا يقبل التعايش مع أشخاص دوي حمولات دينية ولغوية وثقافية مغايرة، فنظرة الأوروبي للمهاجر العربي أو المسلم غالبا ما يتم اختزالها في اعتباره مجرد وسيلة وأداة للإنتاج وليس كائنا بشريا يجب الاعتراف له بخصوصية متمايزة يمكن أن تغني التنوع الحضاري الإنساني. 2 لقد أبرم المغرب العديد من الاتفاقيات الثنائية مع بعض دول الخليج، بشأن هجرة اليد العاملة من المدرسين التابعين لقطاع التعليم حيث يتم إيفاد العديد من المدرسين والمدرسات إلى الدولة المتعاقدة لمدة محددة، ويلاحظ أن اغلب الاتفاقيات المذكورة أصبحت غير مفعلة باستثناء الاتفاقية المبرمة بين المغرب وسلطنة عمان. ورغم أن هدا الوضع القانوني يوفر بعض الامتيازات لفائدة المستفيدين من المدرسين، غير أن مشاكل كثيرة تنتصب وفي وجههم ترتبط أساسا بوضع الاغتراب وفراق العائلة وصعوبة تمكين الأسرة من الالتحاق بالمدرس. وهناك حالات معزولة تتعلق باشتغال بعض المدرسين والمدرسين بسلك التعليم الجامعي لا سيما بالمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، لكنها تبقي في إطار تعاقدي فردي لا تؤطره أي اتفاقيات مما يؤدي إلى ضياع مجموعة من الحقوق على المستفيد الذي غالبا ما يلجأ إلى مسطرة وضعية الاستيداع الإداري لتنفيذ بنود العقد المبرم مع الجامعة. ولعل من أهم المشاكل التي يعاني منها الإطار المدرس من الرجال والنساء بالمجتمع الخليجي هو تقلص مجال الحريات العامة نتيجة هشاشة المجتمع المدني الذي يخضع لتوجيه شديد من لدن دوائر الحكم، وهكذا تتحول حياة المدرس المهاجر إلى اغتراب مقترن بانسداد إمكانيات الفعل الثقافي أو الجمعوي، وتقتطع مدة من حياته لغايات مادية صرفة لا تختلف عن وضع غيره من العمال في بلاد المهجر، وإذا أضفنا إلى دلك الصعوبات البيداغوجية التي يصادفها في العملية التربوية والتعليمية يمكن القول أن مرحلة الاغتراب لا تشكل إثراء للتجربة المهنية والثقافية للمدرس. وتفيد الدراسات أن المجتمعات الخليجية تنظر إلى المهاجر كان عاملا أو مدرسا نظرة غير إيجابية تكونت على امتداد تاريخ الهجرة إلى بلاد النفط والرفاه، فالمهاجر لا يعدو في نظر الكثيرين أن يكون شخصا غادر بلاده لأجل الارتزاق ليس إلا، دون الالتفات إلى الدور الذي يمكن أن يلعبه على مستوى التنمية الاجتماعية والتكوينية في بلاد الإقامة، وقد تنامت هده النظرة مع تراجع حاجة المؤسسة التعليمية إلى الأطر من الدول العربية الأخرى بفعل تطور مؤشر الاكتفاء الذاتي من اليد العاملة في المجال التربوي. وعموما يمكن القول على سبيل الختم أن إشكالية المرأة المغربية المدرسة في بلاد المهجر تحتاج إلى دراسات ميدانية أكثر دقة تتضافر فيها جهود الدولة والمؤسسات الرسمية والأكاديميين المهتمين بقضايا الهجرة والمرأة والتعليم، فالدراسات التعميمية والتبسيطية أصبحت غير ذات فائدة فهي تعيق اعتماد مخططات وبرامج دقيقة لمواجهة المشاكل المترتبة عن أوضاع تراكمت بفعل الإهمال والارتجال، كما أن كثرة المؤسسات والفاعلين بدون استراتيجيات واضحة وبدون آليات جلية للتنسيق يفقد الملفات أهميتها ويضيعها بين المكاتب والإدارات لاسيما عندما تغيب أدوات الحكامة الجيدة في تدبير ملفات بهدا الحجم والخطورة.