ألا يستطيع المغرب أن يصبح جنة حقيقية إن تضافرت وتوحدت مجهودات مغاربة العالم وبتنسيق من مسؤولي هذا الوطن؟ لما يستمر التعامل الازدواجي للمخزن مع المغربي قبل الهجرة ومعه بعد الهجرة، في علاقة براغماتية ولا وطنية؟ ماذا لو فتح المخزن الأبواب وانتهى زمن عرقلة المشاريع كما كان زمن البصري؟ ألن يصبح المغرب ورشة حقيقية للمشاريع الوطنية تنكب عليه من كل حدب وصوب؟ وما هو مدى انخراط مغاربة العالم في الشأن السياسي المغربي؟ وما درجة الانتماء إلى الوطن من طرف مغاربة العالم؟ *مشكلة التواصل؟ مشكلة التواصل مع مغاربة العالم هي من أكبر المشاكل التي تجمعهم مع مسؤولي الداخل، وهي أيضا دليل على سوء التدبير، وعلى أزمة في العقلية واختلاف كلي في المنطق، وغياب شبه كلي لمنطق أو برنامج وطني واضح؟ نعطي مثالا هنا بعلاقة اللاعبين المحترفين ومشاكلهم داخل الوطن وداخل الفريق الوطني، ومشاكل المغاربة المتشبثين بوطنهم ولهم إرادة في تنميته وإنشاء مشاريع استثمارية والمضايقات والعقلية الغبية والجامدة التي يجدونها عند المسؤولين المغاربة؟ سببه الفساد داخل الوطن مقابل عقليات على الطريقة الغربية وتعودت العيش في بيئة وظروف وأجواء مختلفة. لا يمكن لعجلة التنمية في جزء كبير منها أن تتحرك في المغرب دون تبديد الحاجز بين مسؤولي الداخل ومغاربة الخارج من خلال محاولة تواصل أكبر مع مغاربة العالم وشبابهم وكسر الصورة النمطية والأحكام المسبقة السلبية العالقة في أذهان من يعيش داخل المغرب أو من يعيش خارجه على السواء وتبديد الأحكام الجاهرة المتراكمة والمسبقة. إني أتحدث هنا عن الانسجام الجماعي وعن الهوية ووحدة الهدف ووضوح الرؤيا المستقبلية. ازدواجية نسجلها في التعاطي مع مشاكل المهاجرين، فهي من جهة تترك المغاربة تتقاذفهم الظروف والمشاكل والعنصرية وحكومات الدول الأوربية دون ضغط أو اهتمام حقيقي من طرف حكومة أو سفارات بلدهم الأم، لكنها تنتظرهم بصندوق كبير على أبواب الموانئ والمطارات للاستفادة من "عملتهم الصعبة"، وهي صعبة بالفعل لأنها لا تجنى بسهولة، بل بسنوات من العمل المتواصل والكفاح اليومي.... وحتى الحوارات المفتوحة مع المهاجر تخضع لمنطق الانتقائية والزبونية والتمثيلية المحدودة التي تضيع فيها حقوق غالبية المهاجرين. فأينما وجد "كحل الرأس" وجد الفساد حتى ببلاد المهجر... فهل علاقة المخزن مع المهاجرين هي علاقة "ويسترن يونيون"، وعملة صعبة، وموارد مالية؟ فحيثما وجدت استقبالات واهتماما بالمغاربة فالأمر لا يكون لسواد عيون المغاربة، وفي حالة مغاربة العالم لأنهم أصبحوا عملة صعبة تجنيها السواعد المغربية في بلدان الخارج، وإلا لما يكونون محتقرين في بلدانهم قبل الهجرة، أو حتى بعد الهجرة قبل تسوية أوضاعهم القانونية، لما لا يهتم بهم إلا بعد أن يصبحوا بدون مشاكل؟ أليسوا مغاربة قبل تسوية المشاكل؟ لنستنج إذن أن المغرب دولة براغماتية بمسؤولييها ومسيريها وأجهزتها الجابية للأموال ولا تهمها حقوق ومصالح المهاجر. ومشكلة التواصل أيضا تتجلى في تتتعدد الهيئات؛ فمن بين أسباب عدم نضح سياسية مغربية رسمية واضحة اتجاه الجاليات ومشاركتهم في الحياة المغربية، يعود إلى كثرة الهيئات الحكومية وشبه الحكومية المسؤولة عن هذا الملف، مثل الوزارة المكلفة بشؤون الهجرة، المجلس الاستشاري للجاليات، ومؤسسة الحسن الثاني للمغاربة في الخارج... ولا تنسق هذه الأطراف مع بعضها لوضع سياسة واضحة المعالم وموحدة الأهداف. *مغاربة العالم والمواطنة؟ أليس من حق الوطن أن يفكر في المهاجرين كمواطنين لهم حقوق المواطنة الكاملة بدل التفكير في ما يجلبونه من عملة صعبة فقط؟ إذ كيف نفهم عدم إدماجهم في القضايا الوطنية الكبرى كقضية مراجعة الدستور مؤخرا..؟ ثم هل كل مغاربة العالم، ظلوا على انتمائهم وحبهم للوطن، ولا تفارقهم فكرة العودة إلى الوطن؟ أم أن هناك انفلاتات اليوم في هذا المنطق إلى منطق آخر؟ ألا نعترف بوجود مشاكل مغايرة عما كان يعرفه مغاربة الجيل الأول المنتمي تلقائيا وطبيعيا وبقوة للوطن الأم أمام ظهور الجيل الثاني والثالث وربما الآن الرابع في بعض بلدان العالم، لا يعرف عن المغرب سوى أنه أرض الأجداد فقط..؟ ومن جهة أخرى ألا نصادف عينة كبيرة منهم، لما تطأ أرجلهم أرض الوطن، بل وبمجرد نزولهم في أول مطار أو ميناء، إلا ويعتبرون أنفسهم في غابة أو مزرعة كبيرة لا مشكلة فيها بعدم احترام القوانين، أو استعمال "الكلاصونات"، و"حرق" إشارات المرور، أو السياقة بسرعة جنونية، أو رفع أصوات الموسيقى في سياراتهم، ويمكنهم رمي قنينات الخمر والأزبال منها إلى قارعة الطريق... لماذا هذه الازدواجية لدى المغربي المهاجر؟ وهل يتصرف بنفس المنطق في بلاد المهجر؟ ولماذا لا يظل على نفس الانظباط الذي يسير عليه هناك وتستفيد البلاد والوطن من تحضره وانظباطه الذي تعلمه هناك؟ تلك إشكالية تربية ومواطنة وإشكالية حقيقية على انفصام في الشخصية وخلخلة حقيقية في الانتماء والهوية... *مهارات مغاربة العالم؟ تلك الطاقة الهائلة التي جمعوها من مختلف مدارس العالم والتي يمكن إغناء المغرب بها على جميع المستويات، هل يفكر المخزن فيها؟ ألا يمتلك المغتربون فرصة حقيقية للإسهام في تنمية هذا الوطن؛ إذ لديهم فرصة المقارنة، والقدرة على استجلاء مكامن الخلل، ويحملون تجارب من بلدان المهجر وفي مختلف القطاعات..؟ هي نقطة يغفلها مسؤولوا الداخل على الدوام، مسألة إدماج وإدراج مغاربة العالم في مسلسل التغيير والإصلاح الديمقراطي والإقلاع الإقتصادي... فهم معنيون أيضا... بل الأهم من ذلك أن لمغاربة العالم الفرصة لضخ دماء وبصمات جديدة على الواقع المغربي، لأن لديهم تجارب ومهارات اكتسبوها وخبروها لدى بلدان المهجر، والسير بالبلد في أحسن المسارات وأحدثها. إن العودة وإفادة البلدالأم، بعد تنفس هواء الحرية والديمقراطية بالخارج والعيش في "نظام الدولة"، هي فرصة لتهذيب وتطوير" دولة النظام" المسيطر على دواليب الأمة... *على المستوى الاقتصادي؟ ما هو حجم الاستثمارات بالمغرب من طرف مغاربة العالم؟ أليس حريا بمسؤولي هذا البلد القيام بمقاربة واعدة من خلال ربطهم اقتصاديا بالبلد الأم، وأن تكون الأولوية لتسهيل مشاركة المهاجرين الشباب في النشاط الاقتصادي وتحسين مناخ الاستثمار أمامهم..؟ ألن يكون ذلك أفضل من الاستثمارات الأجنبية في هذا البلد؟ فعلى الأقل المهاجر المغربي المستثمر ببلاده له ارتباط بالوطن وستكون له غيرة عليه مقارنة مع الأجنبي... فكم إذن من فرص العمل والتنمية الاقتصادية والرواج التجاري تضيع في ظل غياب إرادة حقيقية واستراتيجية جادة من طرف دولة المخزن في اتجاه جلب والاهتمام بتطوير وفتح أبواب الاقتصاد المغربي في وجه الطاقات والكفاءات والتجارب ورؤوس الأموال المغربية المتفرقة في مختلف بقاع المعمور..؟ وكم من العلاقات يستطيع هؤلاء المهاجرون المغاربة بدول العالم جلبها بسب عيشهم واندماجهم وانخراطهم في بلدان المهجر أن يجلبوها للمغرب ويفتحون بذلك آفاقا وأسواقا وعلاقات إقتصادية جديدة تنمي اقتصاد البلد وتطوره وتقويه..؟ هناك فئات كبيرة من المهاجرين تريد خدمة هذا الوطن في التجارة، أو الصناعة، وخلق مشاريع، وإدخال تجارب وطرق جديدة، وصناعة منتوجات جديدة لم يكن يتوفر عليها المغرب... لكنها تصطدم بدولة المخزن بعقليتها المتخشبة الفاسدة، وبميولها الى منطق الرشاوى والاستفادة وامتصاص دماء البورجوازية الوطنية الشريفة وعرقلة عملها التنموي الحقيقي... *مغاربة العالم والسياسة؟ يعيش ما يقارب عشرة بالمائة من المغاربة خارج بلادهم، لكن النظام الانتخابي المغربي لا يتيح لهم حتى الآن المشاركة المباشرة في الانتخابات..! وفي ما يخص المقترحات "الجهنمية" لإشراك مغاربة الخارج في عملية التحول الديمقراطي والإصلاح السياسي في البلاد؛ فهناك من دعا إلى تثبيت حصة معينة "كوتا"! للمهاجرين في البرلمان المغربي، وهناك من طالب بإتاحة الفرصة في الانتخابات القادمة لمغاربة الخارج للتصويت ب"الوكالة"، أي عبر تخويل مواطنين مقيمين بالتصويت نيابة عنهم! وقليلون ممن دعوا إلى إتاحة الفرصة لهم للاقتراع بشكل مباشر في أماكن إقامتهم... وعلى المدى البعيد هناك من رأى ضرورة أن تبذل الأحزاب السياسية مستقبلا جهوداً فعالة لاستقطاب المهاجرين إلى صفوفها. لكن وفي المقابل؛ فإن السؤال الذي يظل مطروحاً هو مدى اهتمام المهاجرين، خاصة من الجيلين الثاني والثالث، بالقضايا السياسية في بلادهم الأصلية، ومدى حماستهم للمشاركة؟ والتي وعلى مستوى الانطباع العام، فالأمر يشير على أن الاهتمام شبه معدوم لدى الجيلين الثاني والثالث، وهو أيضا ليس كبيراًوفي طريقه إلى التلاشي لدى مهاجري الجيل الأول. الأمر الذي يشكل خطورة قصوى على العلاقة فيما بين هؤلاء ووطنهم الأم. إن الخلل في العلاقة بين مغاربة العالم، وازدياد فقدان الثقة، وتباعد شقة المواطنة والإحساس بالانتماء والهوية، والضعف في التواصل الإيجابي والحقيقي والبناء... سيؤدي لا محالة وقد بدأ ذلك فعلا إلى صراعات وصدامات وتزايد الاختلاف، وفي تراص جماهير كبيرة وواسعة في صفوف المعارضة لما يجري ويدور في بلدهم الأصل، خصوصا كلما وقعت صدامات بن دولة المخزن والجماهير العريضة كما هو الحال اليوم زمن الربيع العربي، وما عليك إلا أن تدخل إلى "الفايسبوك" أو "التويتر" أو "اليوتوب" وترى إنتاجات مغاربة العالم وطبيعتها وأبعادها ونظرتها ومواقفها من الأحداث والأمور، لتتأكد من وجود هوة لا تزيد إلا اتساعا و تباعدا... *حق دستوري... الخلفية القانونية والدستورية لموضوع مشاركة مغاربة الخارج في الانتخابات ظلت حبرا على ورق لحد الآن، فرغم التأكيد على أن المواطنين المغاربة جميعا لديهم الحق في الاقتراع بغض النظر عن مكان إقامتهم، بحكم التعديلات الدستورية الأخيرة، والتي أثبتت حق المشاركة كحق دستوري للمواطنين المغاربة في الخارج. فالواقع يؤكد أن السلطات لم تنجح في ترجمة هذا الحق ليس بسبب "صعوبات إدارية وتقنية" كما تدعي. بل في رأينا إلى عدم استعداد المخزن إدخال مغاربة الخارج في الشأن المغربي الداخلي لأسباب أمنية وواقعية، ولأسباب ترتبط بدرجة الفساد والمفسدين الساهرين على تدبير الشأن المغربي، وتتجاوز بذلك المبررات التقنية أو القانونية... عدم إشراك المغاربة في الخارج في الانتخابات الأخيرة عائد إلى الخشية من هذه الجالية، حيث لا تمتلك الحكومة وسائل للسيطرة عليها والتحكم بخياراتها لأنها استنشقت نسيم الديمقراطية والحقوق بدول المهجر، وليس مثلما تفعل مع الناخبين "المدجنين" في الداخل... *في القضية إن وأخواتها... ما دافع الدولة المغربية في منع طاقات البلاد الشابة في بناء وتنمية هذا البلد؟ وهل يخاف المسؤولون المغاربة بسبب فسادهم من مضايقة فئة مغربية احتكت بالغرب وتعلمت على يديه فن الحرية ولغة الديمقراطية وطريقة العقلانية في التفكير؟ وهو أي المخزن حين يرفض ويقصى مغاربة الخارج اقتصاديا وسياسيا وفنيا وعلميا...ألا يفضح نفسه، ويظهر للعيان هاجسه الأمني وعقليته المخزنية المتآكلة والتي تدل على ما في "كرشه من عجينة"؟ ثم إلى متى يصمد المخزن العتيق في الهروب من هذا "الشر" الذي لا بد منه في الحياة والشأن المغربي؟ أليس من الأسلم له ضم واحتواء وضخ هذه الدماء الجديدة من الجاليات المغربية المتزايدة سنة عن أخرى إلى الجسد المغربي المتهالك، قبل أن تشكل أخطبوطا قاتلا يبدأ في لف حباله على نظام دولة متعنتة في الفساد؟ وإلى متى هذا الهدر في الزمن المغربي الثمين، بسبب مزاج وأنانية شرذمة من اللوبيات والعائلات والمسؤولين الفاسدين..؟ باحث في الفكر الإصلاحي