تحولت أوروبا التي كانت حتى بداية القرن العشرين بلدا مصدرا للهجرة، إلى أرض استقبال، بل ومن أهم المناطق المستقبلة للمهاجرين. هذه الحاجة إلى الأشخاص الوافدين من خارج أوروبا ما فتئت تتزايد سنة بعد أخرى خاصة مند العقدين الأخيرين من القرن العشرين حيث تحولت بعض الدول الأوروبية من بلدان مرسلة للهجرة إلى بلدان مستقبلة لها مثل إيطاليا ثم إسبانيا والبرتغال فيما بعد. وقد تم استعمال اليد المهاجرة في عدة مجالات وفي حالات الحرب والسلم, فخلال الحربين العالميتين لم تتردد بريطانياوفرنسا مثلا من اللجوء إلى مستعمراتها من أجل تجنيد عدد كبير من اليد العاملة. وهكذا تم تجنيد ما بين 70 ألفا و90 ألف مغربي خلال الحرب العالمية الثانية من قبل فرنسا, بعد الحرب العالمية الثانية ساهم العمال المهاجرون في عملية إعادة إعمار أوروبا في مجال البناء والأشغال العمومية كما تم استعمالهم كيد عاملة في المناجم وقطاعات الصناعة والفلاحة والخدمات. و تطرح ظاهرة الهجرة إلى الاتحاد الأوروبى العديد من الإشكاليات المتعلقة بالتنمية والأمن والاندماج، فقد كانت القارة العجوز بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية فى حاجة إلى سواعد وعقول المهاجرين للمساعدة على بناء ما دمرته سنوات الحرب الطويلة ومازالت القارة الأوروبية حتى الآن تتأرجح بين الحاجة إلى المهاجرين لتعويض التناقص فى معدلات نمو السكان وكذا تعويض نقص العمالة فى بعض القطاعات الإنتاجية، وبين الإشكاليات التى يطرحها تزايد أعداد المهاجرين، والتى تتمحور حول قضايا الأمن والتنمية والاندماج و هي قضايا تشغل بال المؤسسات الحكومية والعلمية والأهلية في الدول المستقطبة للهجرة أو الحاضنة للمهاجرين و ذلك بهدف قطع الطريق على خلق كيانات معزولة وهامشية أو بؤر للجريمة والتخلف وفي نفس الوقت تقف حائلا دون قيام حركات عنصرية من داخل البلد تستهدف الإساءة إلى المهاجرين. إن إشكاليّة الاندماج أو الاستقلالية لم تصبح همّاً خاصّاً بالمهاجرين، بل أصبحت همّاً سياسيّاً يؤرّق كافة الحكومات الغربيّة التي يوجد على أراضيها عشرات الآلاف من الأجانب, وتواجه عملية اندماج المهاجرين في المجتمعات الغربية مجموعة من المشكلات، من بينها حاجز اللغة واختلاف انظمة التعليم والتوظيف، واختلاف الانظمة السياسية، واختلاف المفاهيم الثقافية. أندلس برس و وعيا منها بأهمية هذا الموضوع, تخصص عدد هذا الشهر لدراسة جوانب من حياة شباب المهجر بإسبانيا, و خاصة فيما يتعلق بقضايا الهوية, الاندماج و الآفاق المستقبلية في ظل الأزمة الخانقة التي تمر بها البلاد. الشباب المهاجر و تحديات الوضع القائم إن إشكالية الهجرة تعتبر من بين أهم انشغالات جل إن لم نقل كل دول الاتحاد الأوروبي سواء تعلق الأمر بالدول ذات التقاليد العريقة في استقبال المهاجرين (ألمانيا، فرنسا، بلجيكا، هولندا) أو الدول الحديثة العهد في هذا الميدان (إيطاليا، إسبانيا والبرتغال) التي تبحث كلها عن الوسائل التي تمكنها من مراقبة وتدبير تدفقات المهاجرين حسب حاجيات الدول المستقبلة وكذا الإجراءات القانونية والعملية التي تمكن من اندماج المهاجرين في مجتمعات تلك الدول. إن التحول الذي عرفته ظاهرة الهجرة إلى أوروبا من مؤقتة إلى دائمة كان له عدة مؤثرات نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر, ارتفاع نسبة النساء المهاجرات, ارتفاع نسبة الزواج المختلط, ارتفاع نسبة التجنس, ارتفاع عدد الأطفال الأجانب و الشباب في المؤسسات التعليمية بمختلف مستوياتها داخل دول الاستقبال, وهكذا لم يعد ينحصر مجال المهاجر في إطار العمل الذي يزاوله بل أصبح كائن يرغب في الاندماج أكثر هو وباقي أفراد أسرته داخل مجتمع الاستقبال ويريد أن يتمتع بمواطنة كاملة (خاصة بالنسبة للجيل الثاني والثالث) والتي من خلالها يؤدي ما عليه من واجبات ويحصل على ما له من حقوق خاصة على مستوي السكن والتعليم والعمل. إن المسؤولين الأوربيين واعون بأنه لا مناص لأوروبا من المهاجرين. لكن هناك من لا زال يجد صعوبة في الموائمة بين الحفاظ على الصفاء العرقي والثقافي والحضاري لأوروبا, وحاجة هذه القارة العجوز إلى الأجانب لتغطية النقص الدمغرافي والاستجابة لحاجات مختلف القطاعات الإنتاجية بكل أنواعها ومستوياتها, كما أن هناك من يرغب في أن يكون المهاجر مجرد وسيلة وأداة لإنتاج السلع والخدمات وليس ككائن بشري له خصوصياته اللغوية والدينية والثقافية والتي يجب الاعتراف بها والتعايش معها. جدير بالذكر أن عملية الاندماج تتم عندما يتم الإحتفاظ بالهوية الثقافية للبلد الأصلي. وفي نفس الوقت يتم تبني المعايير الثقافية لبلد الإقامة وهذا الدمج ما بين مكونات الهويتين لا يعني أن المغترب قد اندمج بشكل كامل, فالإندماج يمكن أن يحمل دلالات عدة؛ فهناك الإندماج الثقافي،الإندماج مع المحيط التشريعي أي الإستفادة من سوق العمل ومن فضاءات العلاقات الإجتماعية والتعليمية والصحة والسكن. و في هذا الصدد يقر الكل بأن هذه المسألة لا تخص المهاجرين والأقليات فحسب بل وتشمل أيضا مجتمعات و حكومات دول الاستقبال بأكملها, و التي عليها أن تلعب دورا رئيسيا وفعالا في مجال مسلسل اندماج المهاجرين وكذا ربط وتوطيد العلاقات ما بين مختلف المجموعات البشرية المتواجدة في دولة ما. و نلاحظ أنه على المستوى الرسمي, يصرح المسؤولون الاوربيون باستمرار بأن السلطات العامة تعمل على أن يتمتع المهاجرون بنفس الحقوق المخولة لمواطني البلدان المستقبلة وكذا تكافؤ الفرص خاصة فيما يتعلق بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية في ميادين التعليم والصحة والسكن والعمل, و على الرغم من كل ما يقوم به المهاجرون في تنمية دول الاستقبال فإنهم يعانون من عدة أشكال من التمييز والإقصاء في كل المجالات: السكن, التعليم والعمل والحقوق الاجتماعية والثقافية. لكن حدة هذا الإقصاء والتمييز تختلف حسب الأصول الإثنية للمهاجرين وكذا لغتهم ودينهم كما تختلف حسب وضعيتهم القانونية في البلدان المضيفة, كما أن مشكلة عدم اندماج المهاجرين يتجلى أكثر في الميدان الاجتماعي إذ غالبا ما يكون هناك خلط بين الهجرة والإجرام. وتتفاقم الوضعية بالنسبة لذوي الأصول العربية والمسلمة، فهناك أحكام وتصنيفات مسبقة حيث تلصق بهم تهم الإجرام والتطرف والإرهاب بطريقة اعتباطية. إن عملية اندماج المهاجرين أو الذين هم من أصول مهاجرة عملية معقدة تستدعي تضافر جهود كل الفاعلين في الحقل السياسي والثقافي والإعلامي, والتعليمي وكذا مختلف مكونات المجتمع المدني من أجل نشر وتعميق وتطبيق مبادئ التسامح والاعتراف بحق اختلاف المهاجرين والأقليات المتواجدة في بلد واحد وقبول هذا الاختلاف والتعايش معه. على عكس الكثير من البلدان الغربية الأخرى التي يواجه فيها المهاجرون مضايقات كثيرة، يقول مهاجرو إسبانيا إنهم يتأقلمون مع أسلوب الحياة في الغرب بشكل كبير، مؤكدين في الوقت نفسه أن الدين لا يمثل بالنسبة لهم عائقا لكي يكونوا مواطنين إسبان, وأظهر استطلاع للرأي أجري مؤخرا في إسبانيا، أن نسبة 70% من المهاجرين يشعرون أنهم في وطنهم في إسبانيا، كما أظهر أيضا أن نسبة 80% يشعرون أنهم متأقلمون مع طريقة الحياة الإسبانية، وهاتان النسبتان المرتفعتان تعكسان أن مهاجري إسبانيا هم الأفضل اندماجا في غرب أوروبا. وفي هذا الشأن يقول "برباب لوبيز" أحد الخبراء البارزين في شؤون الأقليات المهاجرة و خاصة ذوي الأصول المسلمة: "المسلمون الذين يأتون إلى إسبانيا يتأقلمون مع الأوضاع بسرعة، لكن من الممكن أيضا أن تجد البعض منهم متمسكا ببعض مظاهر ثقافته الأصلية، وكان هذا واضحا بشكل أكبر في الأجيال السابقة". ويقول لوبيز: "المهاجرون المسلمون لا يعيشون في جيتوهات (أماكن خاصة بهم) ولكنهم ينتشرون في أنحاء البلاد، فهم يحترمون المواطن الإسباني الذي يرى لوبيز أنه منفتح بدوره بالنسبة لمسألة قبول المهاجرين في المجتمع الإسباني". ويضيف لوبيز: "أعتقد أن سكان إسبانيا -حتى الفئة التي نعتقد أنها أكثر عنصرية منهم- قد استوعبوا المهاجرين جيدا، فقد أصبح المهاجرون يمثلون حوالي 12% من نسبة السكان في خلال ال15 عاما الأخيرة، وهذا الأمر لم يحدث بهذه السرعة الهائلة في أي من البلدان الأوربية الأخرى". إشكالات الهوية و الاندماج, إسبانيا نموذجا لفهم إشكالية الاندماج والتي ركزت بالأساس على العلاقة بين التمثلات الاجتماعية السلبية حول الآخر والاندماج. فهذه التمثلات السلبية تبرر الإقصاء والتهميش وتختزل صورة الآخر في بعض الأحكام السلبية حول أصله وإمكانياته وميولاته. لذلك لا يمكن لسياسة الاندماج أن تنجح في ظل إستمرار هيمنة هذه المعتقدات الخاطئة التي تؤثر بشكل مباشر وغير مباشر على القرارات السياسية والقانونية. والهوية هي دينامية معقدة تتفاعل في تكوينها مجموعة من العوامل لاتستجيب لمعايير فرضت على الجماعات والأشخاص؛ وفي نفس الوقت لا يمكن للانغلاق الثقافي أن يواكب التطورات الاجتماعية والثقافية ويخلق تعايشا إيجابيا بين الأفراد. و فيما يخص حالة الجالية المغربية بإسبانيا بالتحديد و على غرار باقي مغاربة العالم, فقد عرفت بارتباطها الدائم بهويتها الوطنية، ارتباط ما فتيء يحافظ على قوته مع مر السنين وأجيال المهاجرين، ويمتد عبر كل أو جل مقومات هذه الهوية من لغة ودين وانتماء, فالمهاجرون المغاربة يعرفون بكونهم من أكثر الجاليات التي تسجل عودتها المستمرة والمنتظمة إلى أرض الوطن، كما أن هناك دراسات تؤكد أن أفراد الجالية المغربية – خلافا لجاليات أخرى- يفضلون العودة إلى البلد الأم لدى إنهاء مسارهم المهني ببلاد المهجر (التقاعد) أو حتى في حال الأزمات الاقتصادية التي قد تعصف بتلك الدول و هو ما نشهده في الآونة الأخيرة. كما تشكل التحويلات المالية المنتظمة واختيارات الاستثمار في البلد الأصل، لدى أفراد الجالية، دليلا واضحا وعمليا على هذا الانشغال الدائم بهاجس العودة، عودة وجدانية وفكرية مستديمة أكثر منها عودة جسدية وموسمية. وهو أمر يلاحظ حتى في المعيش اليومي للأجيال المتلاحقة للمهاجرين، في بلد الإقامة، وفي عادات وسلوكات أبناء الجالية، سواء في الارتباط الثقافي بالبلد الأصل من خلال ضرورة الحفاظ على اللغة – اللهجة الدارجة أو اللغتين العربية والأمازيغية - أو التمسك بالشعائر الدينية من صلاة وصيام وزكاة وغيرها، وكذا بعدد من العادات والتقاليد (حفلات الزفاف- إحياء المناسبات)، أو حتى من خلال الحب الذي يبديه أفراد الجالية من مختلف الأجيال للفن والموسيقى، خاصة الشعبية منها، القادمة من البلد الأم ويبرز الاهتمام في مستوى آخر من خلال متابعة الجالية المغربية للشأن العام الوطني ولوسائل الإعلام الوطنية، في مختلف المناسبات، وهو الأمر الذي ساعد في ترسيخه انتشار وسائل الاتصال والتكنولوجيا الحديثة. ولا ننسى أن فئة النخبة في أوساط الجالية ترفع مستوى هذا الاهتمام إلى متابعة الشأن السياسي بالوطن الأم وتبدي استعدادها الدائم للانخراط في مختلف محطات البناء الديمقراطي والتغيير التنموي، من خلال مشاركتها في الاستحقاقات السياسية الوطنية، وكذا تجاوبها مع أي دعوة أو مبادرة للمساهمة في عمل المؤسسات أو الهيئات الوطنية التي تعبر عن رغبتها في الاستفادة من خدمات وكفاءات هذه النخبة. وتشكل مسألة الارتباط باللغة والدين أبرز سمات هذا التعلق بالهوية لدى الجالية في حياتها ببلاد المهجر، بحيث ما فتئت الجالية تعمل على ترسيخ الانتماء إلى هذين المقومين من خلال تسجيل أبنائها في دروس تعليم اللغة العربية ومعاهد التربية الإسلامية وأقسامها التابعة للمساجد التي يعتبر المغاربة من أكثر المبادرين إلى بنائها وتهيئتها في الدول الأوربية على وجه الخصوص. بل إنه يلاحظ في بعض الحالات أن إحساس بعض المغاربة بالانتماء الهوياتي يرتفع بعد مغادرتهم المغرب أكثر من ذي قبل، بحيث يصبح انشغالهم أكبر بالالتزام الديني، مثلا، لديهم ولدى أبنائهم. و من خلال استطلاع الرأي الذي نظمته جريدة أندلس برس بين فئات الشباب المهاجر القاطن بإسبانيا و الذي يدور حول إشكالية الهوية و معوقات الاندماج و كذا الآفاق المستقبلية, يبرز الاعتزاز الكبير بالهوية العربية, الأمازيغية و الإسلامية, حيث يفتخر الكثير منهم بانتماءه الديني و العرقي في إطار احترام متبادل لهوية و تقاليد بلد الاستقبال, و في هذا الاتجاه تقول سكينة (20 سنة) من صالت, خيرونا:" أنا مسلمة, أدرس بجامعة خيرونا حيث أشعر بالراحة لتواجد عدد كبير من الطلبة المغاربة و المسلمين و هو ما يسهل الاندماج و التواصل بيننا و بين باقي الطلبة." و حول سؤال معوقات الاندماج, تقول سكينة "لم أشعر قط بالرفض بسبب هويتي, هناك قبول من طرف الإسبان بصفة عامة", بينما يقول محمد ج (20 سنة) من صالت, خيرونا:" هنال قبول لهويتي العربية و الإسلامية من طرف المجتمع الكاتلاني في إطار احترام متبادل" و يضيف:"جئت لإسبانيا و أنا في سن السادسة و منذ ذلك الحين اندمجت في المجتمع الإسباني بشكل جيد و لم أشعر قط بوجود رفض لهويتي و ثقافتي, بل على العكس هناك قبول و احترام" و عن الآفاق المستقبلية يقول محمد" حاليا تمر إسبانيا بأزمة اقتصادية خانقة تجعل التفكير في المستقبل صعبا." أما نور الدين (20 سنة) من فويلابرادا, مدريد فيقول:" هويتي كشاب هي مزيج بين ثقافتين, ثقافتي الأصلية التس نشأت عليها و ثقافة البلد المضيف المكتسبة, في الحقيقة أشعر بالانتماء إلى الثقافتين معا" أما فيما يخص معوقات الاندماج يقر نور الدين" أن الهوية قد تكون في بعض الحالات عائقا أمام الاندماج, لهذا يجب على المغاربة السعي إلى كسب رهان هذه المعركة بتحسين ظروف العيش على جميع المستويات" أما عن المستقبل فيقول نور الدين" في خضم ما نرى و نشاهد من مظاهر الأزمة هنا بإسبانيا, ليست هناك آمال كبيرة, لكنني أثق أن الأحوال سوف تتحسن في المستقبل", فيما تقول فاطمة الزهراء (24 سنة) من ألميريا:"أنا مندمجة جيدا, لكن الأمر لم يكن سهلا في البداية و خاصة في محيط المدرسة, هناك جهل كبير من طرف العديد من الإسبان للهوية العربية الإسلامية و هو ما يجعل التعايش و التواصل المخرج الحقيقي لقبول الآخر كما هو" و تضيف فاطمة الزهراء "لم أشعر قط بأن هويتي تشكل عائقا أمام الاندماج, لدي الكثير من الأصدقاء الإسبان, أظن أنها مسألة شخصية و ثقة في النفس" أما عن الآفاق المستقبلية فتقول "أتمنى أن تتحسن الأحوال, أريد العيش هنا بإسبانيا لأنني أتقن اللغة الإسبانية و قريبة من بلدي الأصلي المغرب, كما أن الهجرة إلى دول أوربية أخرى ليس ضمانا للنجاح". هكذا نرى أنه في حين وجد الجيل الأول للمهاجرين لنفسه مخرجا من صراع الهوية و الاندماج من خلال الانكفاء ضمن نوع من ال»الغيتو» الديني والإثني الذي كان يتم فرضه أيضا على الجيل الثاني، فإن المسألة ازدادت صعوبة عندما كبر الأبناء الذين أضحوا يعيشون في ظل موافقة بين رغبتهم في الاحتفاظ بمقومات الهوية كما لقنها لهم آباؤهم، وبين القيم الحداثية والعلمانية ومتطلبات الحياة المدنية التي تميز المجتمع الذي خرجوا إليه من غيتو الانغلاق الهوياتي. و ختاما, يمكن القول أن شباب المهجر اليوم، بدأوا يتلمسون طريقهم شيئا فشيئا، بعيدا عن خطاب «أزمة» الهوية والاندماج، نحو نموذج هوياتي معاصر، يتأسس على مبادئ هوية أصيلة ومواطنة، تنهل من معين حضارة المنشإ وتنفتح، إيجابيا وفعليا، على محيطها التاريخي والجغرافي و الاجتماعي، مما يضمن لأبناء الجالية الاستقرار الفكري والنفسي الذي يمكنهم من الاندماج السلس في مجتمع الهجرة دون الانسلاخ عن قيمهم الأصيلة ومواطنتهم المغربية. وهو ما بدأنا نلمسه فعلا في نماذج لشباب يعتزون بانتمائهم لوطنهم وحضارتهم المغربية، وهم يشقون في نفس الوقت طريقهم بنجاح وتألق في مختلف المجالات العلمية والثقافية والاقتصادية والسياسية في بلاد المهجر التي يعتبرونها بدورها وطنا وهوية لا تتناقض مع انتمائهم لبلدهم الأصلي.