الزمامرة والوداد للانفراد بالمركز الثاني و"الكوديم" أمام الفتح للابتعاد عن المراكز الأخيرة    بووانو: حضور وفد "اسرائيلي" ل"الأممية الاشتراكية" بالمغرب "قلة حياء" واستفزاز غير مقبول    النقابة المستقلة للأطباء تمدد الاحتجاج    اعتقال بزناز قام بدهس أربعة أشخاص        بمناسبة رأس السنة الأمازيغية.. جمهور العاصمة على موعد مع ليلة إيقاعات الأطلس المتوسط    الإيليزيه: الحكومة الفرنسية الجديدة ستُعلن مساء اليوم الإثنين    فيديو "مريضة على نعش" يثير الاستياء في مواقع التواصل الاجتماعي    الكرملين يكشف حقيقة طلب أسماء الأسد الطلاق ومغادرة روسيا    المغرب-الاتحاد الأوروبي.. مرحلة مفصلية لشراكة استراتيجية مرجعية    غضب في الجارة الجنوبية بعد توغل الجيش الجزائري داخل الأراضي الموريتانية    نادي قضاة المغرب…تعزيز استقلال القضاء ودعم النجاعة القضائية        بنما تطالب دونالد ترامب بالاحترام    الجزائريون يبحثون عن متنفس في أنحاء الغرب التونسي        محمد صلاح: لا يوجد أي جديد بشأن مُستقبلي    تعيين مدرب نيجيري لتدريب الدفاع الحسني الجديدي لكرة الطائرة    نيسان تراهن على توحيد الجهود مع هوندا وميتسوبيشي    سوس ماسة… اختيار 35 مشروعًا صغيرًا ومتوسطًا لدعم مشاريع ذكية    توقعات أحوال الطقس اليوم الإثنين    النفط يرتفع مدعوما بآمال تيسير السياسة النقدية الأمريكية    أسعار اللحوم الحمراء تحلق في السماء!    "سونيك ذي هيدجهوغ 3" يتصدر ترتيب شباك التذاكر    تواشجات المدرسة.. الكتابة.. الأسرة/ الأب    أبرز توصيات المشاركين في المناظرة الوطنية للجهوية المتقدمة بطنجة    شكاية ضد منتحل صفة يفرض إتاوات على تجار سوق الجملة بالبيضاء    الحلم الأوروبي يدفع شبابا للمخاطرة بحياتهم..    تولي إيلون ماسك لمنصب سياسي يُثير شُبهة تضارب المصالح بالولايات المتحدة الأمريكية    تنظيم كأس العالم 2030 رافعة قوية نحو المجد المغربي.. بقلم / / عبده حقي    حقي بالقانون.. شنو هي جريمة الاتجار بالبشر؟ أنواعها والعقوبات المترتبة عنها؟ (فيديو)    تصنيف التنافسية المستدامة يضع المغرب على رأس دول المغرب العربي    إعلامية فرنسية تتعرض لتنمر الجزائريين بسبب ارتدائها القفطان المغربي    إدريس الروخ يكتب: الممثل والوضع الاعتباري    السلطات تمنع تنقل جماهير الجيش الملكي إلى تطوان    شركة Apple تضيف المغرب إلى خدمة "Look Around" في تطبيق آبل مابس.. نحو تحسين السياحة والتنقل    من يحمي ادريس الراضي من محاكمته؟    معهد "بروميثيوس" يدعو مندوبية التخطيط إلى تحديث البيانات المتعلقة بتنفيذ أهداف التنمية المستدامة على على منصتها    كيوسك الإثنين | إسبانيا تثمن عاليا جهود الملك محمد السادس من أجل الاستقرار    أنشيلوتي يشيد بأداء مبابي ضد إشبيلية:"أحيانًا أكون على حق وفترة تكيف مبابي مع ريال قد انتهت"    حكيم زياش يثير الجدل قبل الميركاتو.. الوجهة بين الخليج وأوروبا    اختتام أشغال الدورة ال10 العادية للجنة الفنية المعنية بالعدالة والشؤون القانونية واعتماد تقريرها من قبل وزراء العدل في الاتحاد الإفريقي    شركات الطيران ليست مستعدة للاستغناء عن "الكيروسين"        الموساد يعلق على "خداع حزب الله"    مواجهة نوبات الهلع .. استراتيجية الإلهاء ترافق الاستشفاء    إنقاذ مواطن فرنسي علق بحافة مقلع مهجور نواحي أكادير    تشييع جثمان الفنان محمد الخلفي بمقبرة الشهداء بالدار البيضاء    وزارة الثقافة والتواصل والشباب تكشف عن حصيلة المعرض الدولي لكتاب الطفل    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الوضعية الاتصالية في الوسط المهاجر
نشر في بيان اليوم يوم 07 - 02 - 2011

نعني بالوضعية الاتصالية في الوسط المهاجر المظاهر المكونة للعمل الاتصالي والتفاعلات القائمة بين حلقاته الرئيسية، ووضعية كل من المرسل والمتلقي ومحتوى الرسائل المتبادلة وردود الفعل وآثارها في الوسط المهاجر.
فماهي إذن التحولات التي يخضع لها النظام الاتصالي في الوسط المهاجر؟
أولا: تحولات العمل الاتصالي في الوسط المهاجر من أجل تحليل هذا النطاق من العمل الاتصالي بارتباط بالخصائص المميزة للوسط المهاجر لابد من استيعاب مجال التحولات الجارية لذلك يكتسب العمل الاتصالي بالوسط المهاجر أهمية وخصوصية استثنائية ويشمل ذلك ما يلي:
1-تحولات على المستوى الاتصالي الإعلامي:
لم يعد خافيا دور مجال الاتصال في الحياة الاجتماعية والثقافية للمجتمعات وتأثيره على مجمل النشاطات والعلاقات الاجتماعية سواء تعلق الأمر بالمجتمعات التقليدية والمتقدمة مما جعل موضوع الاتصال والهجرة يتحول إلى قضية تخص مشاكل مجموعات اجتماعية كبيرة، وقضايا التواصل مع الآخر والتواصل مع الذات وتطرح الهجرة الاجتماعية والثقافية والقانونية والاقتصادية.
إن البعد الاتصالي -الإعلامي في نطاق تطوره المستقل وتأثيره المباشر في الروابط بين المجموعات الاجتماعية والاثنية وعلى المستويات الوطنية وفوق الوطنية قد تحول إلى أداة مساعدة وعامل إيجابي مساهم عند كل استعمال إيجابي وعقلاني في توسيع نطاق المشاركة الاجتماعية وتدعيم الذاتيات الثقافية الوطنية وإغناء الحوار وتقليص الفوارق والإبداع بين الثقافات والحضارات.
2-تحولات على مستوى الاتجاهات العامة لتطور الهجرة.
يعرف وضع الهجرة كما أشرنا إلى ذلك في مكان آخر تحولات سريعة تحول الهجرة في كثير من الدول إلى هجرة عائلية مع حضور لاحتمالات الترحيل أو عودة المهاجرين إلى بلدانهم الأصلية بسبب خضوع الظاهرة وتبعيتها للظرفيات الاقتصادية والسياسية الخاصة لبعض البلدان الأوربية التي تغلق أو تفتح حدودها تبعا لمتطلباتها الخاصة وظهور بعض الاضطرابات والظواهر السلبية ذات الطابع القيمي المعبرة عن قلة الاهتمام الذي تحظى به الجوانب الثقافية والإعلامية في الوسط المهاجر خاصة في أوساط الجيلين الثاني والثالث بالنسبة للمهاجرين واتجاه أوساط الرأي العام في بلدان استقبال الهجرة.
3-تحولات على المستوى الثقافي الفني والاتصالي وتتمثل في دوائر للتحولات الهامة التالية:
توسع النقاش حول ضرورة التعايش والتسامح بين الثقافات والحضارات وحصول نمو نوعي من حيث الاعتراف بالتعددية الثقافية واحترام الذاتية الثقافية لآخر رغم بعض الاتجاهات العاكسة مع حصول تطور مماثل في النظرة إلى إشكالية التنمية هذا التطور الذي أصبح يولي للبعد الروحي أهمية خاصة كبعد مكمل للبعد الاقتصادي وفاعل فيه لتنمية للمجموعات البشرية ومنها المجموعات المهاجرة كمجموعة اجتماعية حيوية.
اتساع مجال النشاط الاتصالي الاعلامي المتميز بانفتاحه الواسع على المجال الثقافي الفني (الروحي) الذي أصبح يملآ فضاءات مضاعفة في مختلف القنوات التلفزيونية ويحظى بتأثير قيمي بالغ الأهمية والحساسية على المتلقي في مختلف البلدان وتضاعف حجم القيم الثقافية والاجتماعية المتداولة المرافقة لهذه العملية الغير متكافئة والتي تكاد تقتصر على قيم مركزية أوروبية.
تطور أنظمة الاتصال الدولية وتوجهها المتصاعد نحو استهداف فئات محددة من الجمهور والمجموعات اللغوية والاثنية القومية وتفتح أنظمة الاتصال الدولية في تجارب أخرى خارح أوربا أمريكا وكندا على ترجمة مسلسل التعددية الثقافية إلى واقع معيش في وسائل الاتصال الكبرى مثل التلفزيون وتطوير أنظمة تلفزيونية ناطقة بلغات المهاجرين مثلما هو الأمر في التلفزة الاسبانو أمريكية بالولايات المتحدة الأمريكية ومحطة أورنيوز ومحطات تلفزية جديدة.
تبيان تناقض استراتيجيات العمل الثقافي الموجه للمهاجرين من لدن البلدان الأصلية وكذا بلدان استقبال الهجرة من حيث المرامي والأهداف وهي تصورات أنبنت لوقت طويل على مقاربات متناقضة منها مقاربة تهتم بوظيفة التحضير لاحتمال عودة افتراضية للمهاجرين إلى بلدانهم الأصلية وإعادة الاندماج فيها تجلت في برامج محدودة وموسمية لتعليم لأبناء المهاجرين ومقاربة ثانية ترسي شروط اندماج كامل للمهاجرين في بلدان استقبال الهجرة باستعمال مختلف الوسائط الإعلامية المتاحة وخلق فضاءات إعلامية خاصة بالمهاجرين تخصص مختلف الوسائط الإعلامية المتاحة وخلق فضاءات إعلامية خاصة بالمهاجرين تخصص لإبراز تمايزات هويات المهاجرين وتعزيز اتجاهات الانسلاخ عن الهوية والذاتية الوطنية.
4-تحولات على المستوى التكنولوجي
ثمة تطورات جذرية في وسائل الاتصال التكنولوجية فأنساق بث التلفزة عبر الأقمار الصناعية والأجيال الجديدة لأجهزة الاتصال التلفزيوني والتلفزة الرقمية بما تطرحه من إمكانيات تواصلية تكاملية هائلة وبما تمليه من قطعية من كل أصناف الإرسال والتلقي التقليدية تمثل عناصر إيجابيةى لصالح المجموعات المهاجرة.
ولا يخلو من أهمية في هذا الباب الإشارة لحصول العديد من دول الجنوب على مقدرات لا بأس بها لاستثمار الإمكانيات التكنولوجية للاتصال التلفزي والإذاعي بين مجموعات اجتماعية أو إثنية محددة أو منتشرة في فضاءات جغرافية متفرقة وهنا نشير إلى أن العديد من دول الجنوب وخاصة البلدان الأصلية الرئيسية للمهاجرين تتوفر على أنظمة البث عبر الأقمار الصناعية.
5-تحولات على مستوى اهتمام السلطات العمومية والمجتمع المدني:
يشكل تزايد الاهتمام بالقضايا الاتصالية والإعلامية للهجرة بين أوساط المهتمين العاملين في قطاع الإعلام والسلطات العمومية ظاهرة متنامية تبدو ملامحها من خلال:
6-مبادرات على مستوى الممارسة الإذاعية في العديد من دول استقبال الهجرة:
ففي فرنسا وعلى سبيل المثال وحسب تشمل الائحة غير الكاملة لهاته الإذاعات إذاعات معترف بها من لدن الإذاعة والتلفزة المغربية مثل إذاعة الشمس إذاعة سلام إذاعة VIENNEإذاعةDIJON CAMPUS FRANCE إذاعة جنوب BESANCON إذاعة GAZELLE MARSIELLE إذاعة كاليدوسكوبي إذاعة غزالة إذاعية تعمل أساسا بفرنسا وتضم عاملين مغاربة يشرفون على البرامج الموجهة للجالية المغربية ويوجد بفرنسا وتضم عاملين مغاربة يشرفون على البرامج الموجهة للجالية المغربية ويوجد بفرنسا ارسال موجه إلى المهاجرين عبر اذاعات محلية مثل وراديو قوس قزح وهي في الغالب إذاعات تقتصر على إرسال أسبوعي.
وإذا استثنينا المعلومات المتوفرة عن النموذج الفرنسي فإننا نلاحظ أن جل دول استقبال الهجرة تتوفر على أنظمة للبث الإذاعي الموجه للمهاجرين.
ظهور مبادرات على مستوى الاتصال المؤسساتي:
ويخص ذلك الإعلام المكتوب للمؤسسات الحكومية أو الشبه الحكومية مع مبادرات استثنائية في القطاع الخاص من مجالات ومطبوعات وملصقات تصدرها على نحو غير منتظم الوزارة المكلفة بشؤون الجالية المغربية بالخارج ومطبوعات السفارات المغربية والقنصليات والمكاتب السياحية بالخارج والمطبوعات والوثائق الدعائية لمؤسسات مالية أو سياحية وبعض العناوين المعدودة يصدرها خواص.
وباستثناء مطبوعات الخواص فباقي المطبوعات تمول من لدن المؤسسات الحكومية فيما يقتصر نظام الدعم على الصحف الصادرة بالمغرب ودعم إضافي لمصاريف نقل الجرائد المغربية إلى الخارج.
إعلام الهجرة في المناظرة الوطنية الأولى للإعلام والاتصال:
لقد تمخضت عن أشغال المناظرة الوطنية الأولى للإعلام والاتصال لعام 1993 عن إصدار توصية تحت رقم 8 صادرة عن لجنة مؤسسة الاتصال محيطها والجمهور توصي برفع حصة الانتاج الوطني كما وكيفا واستثمار إمكانات البث التلفزي لإنتاج برامج تخدم قضايا الجالية المغربية ومصالحها في دول المهجر وترسخ انتماءها الحضاري الوطني كما أن التوصية رقم 32 ل لجنة الاختيارات الاستراتيجية أوصت بإحداث هيأة لتنظيم العمل الاتصالي والإعلامي بأوساط المهاجرين المغاربة لربط أواصر التواصل بين المغرب وجالياته المقيمة في الخارج حفظا للهوية الثقافية الوطنية لهذه الجالية وإشعاع الأمة المغربية خارج الحدود.
فمن خلال تحليل وكشف عناصر التحولات المشار إليها أعلاه ومستوياتها المتعددة بارتباطها بالإشكالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للهجرة، يبرز البعد الاتصالي الاعلامي كمجال وبعد لم تخصه الدراسات بعناية تتوافق ومكانته بين بقية القضايا المتعلقة بالهجرة.
ثانيا: المرسل والمتلقي: إشكاليات مختلفة
علاقة بما سبق وانطلاقا من خلفية سوسيولوجية لملاحظة وتحليل إشكالات وسائل الاتصال وصلاتها بالوسط المهاجر نتساءل هل تحقق الوضعية الاتصالية في الوسط المهاجر تفاعلا إيجابيا بين أطرافها؟ كيف يتم فعل التواصل في وضعيات مختلفة بين أطراف مرسلين ومتلقين لا يرتبطون بنفس المعايير الثقافية والاجتماعية والقيمة الحضارية؟
تلك إشكالية تتجاوز أهداف ومحتوى الرسائل الاعلامية المختلفة وردود الفعل وآثارها بالوسط المهاجر لكنها تبقى إطارا عاما لتحليل وضعية المتلقي في شروط الهجرة.
تعددية أم أحادية المرسل؟
تكشف ملاحظة هيأة المرسل عناصر مفسرة لمجمل العمليات الجارية في نطاق المسلسل الاتصالي بالوسط المهاجر ففي إطار انتشار المهاجرين بين مختلف دول استقبال الهجرة تعتبر المجموعات المهاجرة هدفا لمرسل غير محدد ولمرسلين متمايزين يتألفون من أفراد ومجموعات وهيئات ودول مختلفة وأحيانا مجموعة من الدول المتعاونة.
وخلف وضع متداخل من هذا الصنف لتواجد المتلقي المهاجر منشطرا بين أنظمة الاتصال لدولية والأنظمة الاتصالية الوطنية تطرح مسألة تحديد المرسل: من هو المرسل في الوسط المهاجر؟ هل هو المرسل الرسمي المنطلق من البلدان الأصلية للمهاجرين؟ هل هو المرسل القائم بدول استقبال الهجرة ؟ هل هو مرسل يخرج عن نطاق هذه الإطارات التقليدية ويتمثل في شركات ومؤسسات متعددة الجنسيات وجمعيات ومنظمات غير حكومية ومبادرات فردية؟
تمثل وضعية تعددية المرسلين ظاهرة جديدة للتوسط الاجتماعي لوسائل الاتصال والمجتمع فالمجوعة الاجتماعية المهاجرة تعيش وضعية توسط مضاعف مغايرة لوضعية النظام التوسطي التقليدي القائم على علاقة ثلاثية (مجتمع -وسائل اتصال- فرد).
لذلك فالاجابة على التساؤلات أعلاه تصطدم ببنية التوسط الاجتماعي لوسائل الاتصال الجماهيري وهو ما يبين خصائص مميزة تكمن في:
أولا: حالة تعددية وتنوع فريد من حيث المرسلين الذين يتوجهون بإشارات وخطابات نحو الوسط المهاجر
ثانيا: اختلاف في المضامين والأهداف والسياسات والمصالح التي يعبر عنها وضع تعدد المرسلين.
ثالثا: غياب مرسل شرعي يتمتع بمصداقية وحضور فاعل بالوسط المهاجر ناطق باسمه ومعبر عنه.
كما يميز بين أربعة أصناف من المرسلين:
1- مرسلين في بلدان استقبال المهاجرين (البلدان المستقبلة لهجرة)
2- مرسلين من الدول الأصلية للمهاجرين (البلدان المصدرة للهجرة)
3- مرسلين مستقلون
4- مرسلين محتملون
تحليل الأهداف المتمايزة لمرسلين مختلفين في علاقتها بالوظيفة الاندماجية لوسائل الاتصال الجماهيري تبرز حالة تناقض مثيرة كما تكشف معالم حالة نفسية مضطربة. يعيش تحت وطأتها المتلقي المهاجر نتاج التأثيرات عير المتجانسة لدوائر كاملة من الأنظمة الاجتماعية الاقتصادية والثقافية تسعى إلى التأثير عليه ويتشكل في نطاقها المتلقي الفرد المهاجر كمتلقي استثنائي متميز.
متلقي غير محدد:
تطرح مسألة المتلقي في الوسط المهاجر مسألة التعريف والخصائص والمحددات السوسيو-ديمغرافية له فالتعريفات المتداولة على نطاق واسع في وسائل الاتصال الجماهيري لا تعبر على نحو دقيق على المتلقي المهاجر كمشاهد ومستمع وقارئ ومستهلك لأصناف متنوعة من الرسائل.
تعريف غير واضح:
يفيد تأمل الممارسة الإعلامية بحضور تناقض في تعريفات المتلقي المهاجر كما يكشف ذلك خلفيات ورؤى وتصورات مرتبطة بأهداف العمل الاتصالي الاعلامي للمرسلين من الدول الأصلية للمهاجرين ومن دول استقبال الهجرة فالتعريفات المتداولة تعاني من قصور في التعبير عن المتلقي المهاجر في نطاق الوضعية الاتصالية الخاصة به في جل دول الهجرة.
تعريف عمالنا بالخارج:
بحسب هذا التعريف ظل التصور السائد في المجال الاتصالي مجرد امتداد جغرافي لنفس العمل الاتصالي الاعلامي الموجه لبقية المواطنين كما أنه تحديد فئوي هام ولكنه عكس ذلك ينتظر من المتلقي المهاجر أن يتكيف مع حالة النظام الاتصالي الوطني حتى يتسنى له إشباع بعض حاجياته الاتصالية الإعلامية والثقافية الفنية.
فتعريف عمالنا بالخارج إذن رغم اعتماده على محدد اجتماعي مهني يعتبر فئة المتلقي المهاجر تتكون من العمال فقط ومحدد ثان يشير إلى التحديد الجغرافي لوجوده يفصل بشكل غير متكافئ بين الداخل والخارج فهو كذلك تعريف لا يرقى إلى تقديم تصيف واضح له ضمن شروط سياق الوضعية الاتصالية في الوسط المهاجر كما أنه يكشف عن محدودية في تصور المرسل الذي يكتفي بتلبية أهداف وحاجيات براغماتية سياسية اقتصادية أكثر مما يستهدف تلبية الحاجيات الاتصالية الخصة والمتنوعة للمتلقي المهاجر في وضعه الخاص.
تعريف الجالية المغربية بالخارج:
يتسم المعنى الاصطلاحي لهذا التعريف بعدم الدقة بجعل العمال المغاربة بدول المهجر غرباء هاجروا أوطانهم وتوطنوا البلاد التي نزلوا بها وذلك يختلف جذريا لدى العمال المغاربة المقيمين بالخارج ولم يستوطنوا بشكل كامل ونهائي بلدان المهجر كما أن هجرتهم تعود لدوافع اقتصادية واجتماعية بمحض إرادتهم ورغبتهم وبدافع تحسين وضعيتهم الاقتصادية والاجتماعية.
من جهة ثانية، يضع تعريف الجالية المغربية بالخارج المهاجرين ضمن نطاق جغرافي شامل لوضعيات مختلفة لا يعكس خصائص الجوال المغربية في بلدان المهجر ومدى عناصر التشابه والاختلاف السائدة في البنى العقلية والسياقات والمجالات الثقافية غير المتجانسة والمحيط الذي تتواجد به.
تعريف «الأجانب»:
تنتشر ببلدان استقبال الهجرة تعريفات لا تقل التباسا حيث يستعمل على نطاق واسع تعريف «الأجانب» وهو تعريف إذ يطمئن من جهة السكان الأصليين على هويتهم يحدد من جهة ثانية عناصر تمايزهم عن باقي السكان مما يجعل المواطن الأصلي للبدان استقبال الهجرة يعتبر كل ما عداه هو غيره أي أجنبي وهو تعريف مثير للجدل تجاه وضع الهجرة طويلة الإقامة والحقوق المخولة لمهاجرين يرفضون عملية التجنيس كما يخفي رغبة في نفي وعدم الاعتراف بالحقوق والواجبات التي تخولها ظروف العمل والإقامة طويلة الأمد في بلدان استقبال الهجرة ومن بينها الحقوق الاتصالية ? الإعلامية.
وبخصوص مفهوم الأجنبي فهو بذاته يبقى استعمالا نسبيا وغير ثابت فالمواطن القادم من أوربا الشرقية ظل حتى فترة قريبة أجنبيا من رتبة متدنية تلصق به شتى أصناف الأوصاف غير المشرفة بسبب دوافع اديولوجية وليس إنسانية وفي الوقت الحالي فإنه يقدم ك ا خ من الشرق الأوربي بينما الأجني هو إنسان الجنوب الذي لا توجد معه أواصر قرابة ثقافية ولا سياسية.
تعريف المهاجرين:
فهوية المهاجر تقدمه بأنه القادم من جهة أخرى وهو تعريف يتصف بالعمومية والخلط بين من هاجروا من بلدانهم الأصلية لأسباب اقتصادية اجتماعية وآخرين فعلوا ذلك لأسباب سياسية إنسانية أو ثقافية.
وغالبا ما يرتبط هذا التعريف بصفات ذات تمثلات قدحية لفي لا وعي السكان الأصلين مثل المغاربة المسلمون الأفارقة العرب الاسبان يجمع بينها قاسما مشتركا في كونها تتضمن صورا منمطة معادية للمهاجرين تخفي وراءها نزعات مركزية تتوق إلى عدم الاعتراف بالقيم الجوهرية للثقافات والحضارات الأصلية للمهاجرين ولا تسعى إلى فهم مرجعياتها وأبعادها ولدلالاتها الرمزية الروحية والاجتماعية.
وتبين الممارسة السائدة بأن تلك الصفات قد تم صقلها بعناية فائقة في وعي الغالبية العظمى من الرأي العام في بلدان استقبال الهجرة مما يجعل الاستعمال الوظيفي لتلك التعريفات وتداولاتها على نطاقا واسع في وسائل الاتصال الجماهيري يؤدي في مختلف مناحي الوقائع الاجتماعية والسياسية إلى ردود فعل سلبية تؤجج وتحفز ممارسة عنصرية معادية للمهاجرين.
نحو تعريف بديل:
إن عدم وضوح تعريف المتلقي المهاجر سواء تعلق الأمر بالممارسات السائدة في بلدان استقبال الهجرة والبلدان الأصلية للمهاجرين يخل بأداء الوظيفة التواصلية للخطابات بالوسط المهاجر فتعريف المتلقي المهاجر كمتلقي بهذه الصفة له خصائص مميزة يعد شرطا أساسيا لعملية اتصالية ناجحة وتواصل اجتماعي كامل في نطاق الوضعية الاتصالية بالوسط المهاجر.
فمثل هذا التعريف على المستوى الاتصالي -الاعلامي يفسح المجال لذكر مختلف الجاليات المغربية بالمهجر وتمثل الحاجيات والمتطلبات المتباينة أو المشتركة لكل مجموعة مهاجرة على حدة لكل المجموعة المهاجرة على مستوى أشمل كما أنه يسمح في نفس الوقت باعتبار مكانة المتلقي المهاجر الذي يتشكل أساسا من مجموعة الذوات المنضوية ضمن دائرة العمال المقيمين ببلدان المهجر وباقي الفئات الجديدة التي ميزت الهجرة خلال السنوات الأخيرة بتقديمهم كمساهمين وفاعلين في مسلسلات عمليات البناء في مختلف بلدان الهجرة الأوربية ذوي حقوق متساوية بحكم القوانين والتشريعات المعمول بها كمساهمين في إنماء تلك البلدان اقتصاديا وثقافيا ويقومون بعمل مشابه للعمل التعاوني لنظرائهم الأوربيين الذين ينتقلون إلى بلدان إرسال الهجرة من أجل العمل وفق شروط تمييزية نوعية مختلفة ويحضون بكل العناية والتقدير من ساكنة البلدان الأصلية للمهاجرين.
من زاوية أخرى فتعريف المتلقي المهاجر وحل الإشكالات المرتبطة به يفتح المجال لمهمة تحديد مؤشراته ومحدداته الأخرى المرتبطة بالانتماء الاجتماعي /المهني والخصائص السوسيو-ديمغرافية التي يعتبر الوقوف عليها وأخذها بعين الاعتبار شرطا إضافيا لازما لكل فعل ثقافي اتصالي ناجح موجه للوسط المهاجر.
ثالثا: مميزات سوسيو-ديمغرافية خاصة
تفيد الملاحظات المتعلقة بتحديد البنية السوسيو-ديمغرافية للمتلقي المهاجر بوجود تمايز بين أصناف مختلفة من المتلقين لأشكال متنوعة من وسائل الاتصال الجماهيري:
متلقي غير منسجم
يعيش المتلقي المهاجر حالة من الانتشار والامتداد الجغرافي بين دول استقبال الهجرة ضمن دائرة الدول الأوربية وكندا والولايات المتخدة الأمريكية والبلدان العربية، كما أنه على صعيد داخلي، ضمن كل دولة على حدة، نرصد حالة تفاوت من حيث قوة التشتت أو ضعفه من حيث طبيعة توزع المهاجرين بها.
من جهة ثانية، وإذا اعتبرنا بأن كل مهاجر هو متلقي محتمل وليس متلقي واقعي بسبب مرجعيته الثقافية ومستويات اندماجه مع البيئة الجديدة، فالاحصائيات المتعلقة بتشتت المهاجرين المغاربة بتلك البلدان تبين طبيعة الانتشار المعبر عنها في هذا الانتشار لا تبقى مجرد معطيات بقدر ما تبين سياقات جغرافية مختلفة وأحجام مختلفة من تجمعات المهاجرين تختلف من حيث مميزاتها أو حاجياتها.
متلقي متشارك:
تواجه المرسل الوطني معضلة مسلسل التلقي فهو يتوجه إلى متلقي يطاله مرسلون آخرون فملاحظة الصلات التواصلية الاجتماعية الثقافية الحضارية فيما بين مجوعات وطنية مختلفة من المهاجرين تكشف عن روابط غنية بين مجموعات ذات صلات الجوار الجغرافي أو الانتماء إلى مرجعيات وأصول دينية لغوية مشتركة تسهم في تبادل المعلومات والآراء وردود الفعل حول محتويات وسائل الاتصال في كل بلد كما تولد رغبات حب التطلع والاستهلاك الفردي أو المشترك لمحتويات قيمية وثقافية تتسم بخصائص القرب الجغرافي والثقافي والحضاري.
فهذه الخاصية تشير إلى إمكانيات القيام بأعمال اتصالية استراتيجية مشتركة بين البلدان الأصلية للمهاجرين وإلى أهمية مراعاة المرسل الفردي والجماعي ومدى الانسجام والتكامل الذي يمكن أن تحققه محتويات مدروسة وموجهة بشكل دقيق لخدمة المتلقي المهاجر.
متلقي يتمتع بتوجهات قيمية مشكلة:
وتتكون هذه المتضمنات القيمية أساسا من متضمنات لدى الجيل الأخير من المهاجرين ويشير مستوى تعليم المهاجرين بين أوساط حديثة العهد بالهجرة (مستوى التعليم للجيل الجديد من المهاجرين بالمناطق الحديثة للهجرة).
فمراكز الهجرة التقليدية ظلت لمدة طويلة تصدر مهاجرين من دون أي مستوى من التعليم ذوي ثقافة تقليدية فيما تتجه مراكز الهجرة الجديدة المكونة أساسا من ضواحي المدن الكبرى وتتميز بجذور لا بأس به لمستويات مهمة من التعليم.
متلقي قوي الاهتمام:
أمام مظاهر الخصاص السائدة بخصوص منتوج إعلامي يستجيب لرغبات ومطامح الكائن المهاجر وغياب بنية إعلامية اتصالية ملائمة بالوسط المهاجر تتنامى الحاجة إلى المعلومات والاستهلاك الثقافي والفني الذي يقدم مواد ترتبط بالثقافة والقيم المحلية للبلدان الأصلية للمهاجرين وهذا ما يجعل كل عمل اتصالي في الوسط المهاجر يلاقي بعناية واهتمام بالغين فظاهرة الاستماع المنظم إلى إذاعات وطنية أو قومية ظلت لوقت طويل قاعدة معمول بها لدى العديد من المهاجرين كما أن الاستماع الفردي والجماعي والمشاهدة وإعادة المشاهدة المستمرة لأشرطة التسجيل الغنائية ولأشرطة التسجيل بالفيديو وتسجيل برامج التلفزيون بالفيديو وإعادة تداولها على نطاق واسع سلوكيات اتصالية واضحة.
فضمن شروط الوضعية الاتصالية ببلدان المهجر والحاجة إلى استهلاك المعلومات والانتاجات الابداعية الفنية ترقى بالعوامل السيكولوجية لللمتلقي لتعمل مكانة ذات آثار أكثر أهمية من حيث استعدادات التلقي والمعايشة بحثا عن حماية معنوية روحية وتواصل مع مكونات الذاتية الثقافية وتغيير وإفصاح عن الذات الإنسانية.
من خطاب حول الهجرة نحو خطاب الهجرة:
لم تستطع أصناف الخطابات الموجهة للوسط المهاجر تحقيق آثار تستجيب لحاجيات وانشغالات المتلقي المهاجر الإعلامية والثقافية والفنية.
تفيد هذه الملاحظة الأولية بأن المكونات الهيكلية للنظام الاتصالي السائد من حيث تعددية المرسلين واختلاف أهدافهم ومصالحهم وكذا انعدام تحديد واضح للمتلقي المهاجر وحاجياته تؤدي إلى فقدانه الخطاب الموجه للمهاجر لوظائفه الأساسية.
وبين تلك الخطابات نميز نوعين رئيسين:
الخطاب حول الهجرة:
تتعدد مصادر الخطاب حول الهجرة سواء في دول استقبال الهجرة أو في الدول الأصلية للمهاجرين وتستعمل وسائل مختلفة لتمرير الخطابات حول الهجرة (صحافة مكتوبة -إذاعة- تلفزيون -أشرطة فيديو- تجمعات).
ويتسم الخطاب حول الهجرة بضعف كبير مكتفيا بكشف بعض الأوضاع المتعلقة بالهجرة ومعطياتها وبعض قضاياها المطروحة على الطرفين وينسحب على البرامج الاعلامية المبثوثة في الاذاعة والتلفزيون والصحافة المكتوبة ومن حيث أهدافه فهو خطاب براغماتي يدعو المهاجرين إلى الاندماج في البلدان المستقبلة للهجرة، وإلى المردودية واستثمار العائدات المالية للمهاجرين في البلدان الأصلية ويبشر بأهداف ثقافية وقيمية وسياسية للأنظمة السياسية القائمة سواء في البلدان المستقبلة للهجرة أو في البلدان الأصلية للمهاجرين.
خطاب الهجرة:
يؤسس خطاب الهجرة شرعيته من صميم المبادرات الاتصالية والإعلامية للمهاجرين أنفسهم بالوسط المهاجر ذاته ويشمل مبادرات في الاعلام المكتوب والسمعي البصري وهي مبادرات تبقى وتتسم بمشاركة المهاجرين في صياغته وتلبية حاجيات تفرضها الوضعيات الخاصة كما يتميز بالمشاركة المباشرة في الابداع الثقافي والفني بلغة وأشكال تعبيرية تتجاوب والمتلقي المهاجر كما يعبر عن الوضعيات الاجتماعية والثقافية والمعيشية التي تنبع عن واقع المهاجرين.
ويعبر عن هذا الخطاب من خلال وسائط وقنوات أقل كلفة مثل الإذاعة والسينما والفيديو وأشرطة التسجيل الصوتية وبعض أصناف الصحافة المكتوبة وبطبيعته كمبادرات ذاتية فردية أو منظمة ضمن جمعيات يصنف ضمن نطاق الأنشطة غير المربحة كما يتميز بقلة الإمكانيات المرصودة له ونوع من التطوعية ويتميز باللاستمرارية وهو خطاب يتراجع أمام تقدم التلفزيون المتميز بخاصيات مغايرة من حيث التأثير وجذب الجمهور الواسع وكذا الكلفة.
نستنتج مما سبق أن الخطاب الحالي السائد هو خطاب حول الهجرة يخدم وظائف فاعلين آخرين غير المهاجرين بينما يبقى خطاب الهجرة المؤمل فيه أن يخدم الوسط المهاجر وينبع منه في نطاق معالم الوضع الحالي خطابا مؤجلا.
خامسا: الرأي العام المهاجر
تفيد معرفة مستويات التفاعل القائمة بين المرسل والمتلقي ومستوى الرسالة الإعلامية ومدى تحقيق أهداف العملية الاتصالية أو فشلها والآثار الناجمة عنها في تقييم مدى وجود فعل اتصالي موجه نحو متلقي مستهدف أو الاقتصار على فعل اتصالي مفتوح نحو متلقي غير واضح العالم ومدى تاثير الفعل الاتصالي في تشكيل رأي عام مهاجر أو غيابه؟
بين الصمت والتعبير:
تبين ملاحظة عناصر الصلة المرتدة وردود أفعال المتلقي المهاجر أن إسقاط بعض المفاهيم المطبقة على بنيات المجتمعات الغربية عامة وبنياتها الاتصالية خاصة يفضي إلى أخطاء من حيث ملاحظة سلوك المتلقي المهاجر الاتصالي وردود فعله وذلك بفعل تأثير معطيات الذهنية والتربية والتنشئة فلا يكفي انتماء العمال المهاجرين إلى الطبقات الاجتماعية الدنيا لنستنتج أن سلوكهم مماثلا من حيث أشكال ردود فعله وتعبيراته لنفس الفئة الاجتماعية بالبلدان المستقبلة للهجرة.
فردود فعل وسلوك العمال المهاجرين تختلف من حيث أشكال احتجاجاتها ومواضيع ردود فعلها الاجتماعية والسياسية والثقافية وتناسق آثار ووسائل الاتصال المختلفة وعلاقته ومدى تناسق وتراتب الآثار المعرفية والتربوية.
ففي ظل معطيات حلقات الوضعية الاتصالية وحالة تعدد المرسلين وتضارب الأهداف بينهم واختلاف المرجعيات الثقافية والحضارية تتولد لدى المتلقي نماذج وردود فعل سلبية تتجلى في صور من الارتياب والحذر تجاه جل ما يتلقاه من خطابات تعكس حالة تلقي تعبر عن نفسية قلقة ممزوجة بشعور بالمرارة واليأس.
فردود فعل المهاجر تكشف عن كونه متلقيا صامتا لا يفصح عن رأيه بوضوح بسبب عدم الثقة في المؤسسات والوسائط سواء تلك التابعة لبلدان استقبال الهجرة أو البلدان الأصلية للمهاجرين.
وبمقابل صمته تجاه الوسائط فهذا المتلقي المهاجر يفجر ردود فعله في أشكال مختلفة من أصناف الاتصال بين الأفراد وداخل الجمعيات والعلاقات العائلية وأنواع أخرى من الاتصال الذاتي ورغم أن هذا الصنف من ردود الفعل لا يرقى إلى مستوى تعابير الرأي العام المنظمة سواء تعلق الأمر بقضايا فوق شخصية أو فوق المجموعات الصغيرة، مثل القضايا النقابية والسياسية الكبرى، فهو مجال يستمد منه المهاجر العناصر القوية الأساسية المكونة لوجدانه وقيمه وتصوراته.
هذه الملاحظة تقر باستخلاص أولي بغياب رأي عام مهاجر بمقاييس الرأي العام المعروفة لكن ذلك لا ينفي وجود معالم رأي عام حول الهجرة يتمثل في رأي عام داخل بلدان استقبال الهجرة ورأي عام قيد التشكل في البلدان الأصلية للمهاجرين.
ففيما يتعلق بمميزات الرأي العام ببلدان استقبال الهجرة تشكل العنصرية ومعاداة الأجانب سمات سلبية مميزة رغم التحولات النسبية بحسب الظرفيات ففي فرنسا على سبيل المثال تبين نتائج استطلاع للرأي العام أجري سنة 1986 بأن نسبة 66 من الفرنسيين بين 15-25 سنة يرون بأنه من غير المسموح به تقديم سيجارة للأجنبي في الحين نفسه يتمتع المهاجر الأجنبي من أصول أوربية بقبول متميز داخل نطاق دائرة الأجانب محتلا الرتبة الأولى من حيث القبول بحكم علاقات القرابة الأوربية.
من جهة أخرى، فاستطلاعات الرأي التي جرت في فرنسا خلال مراحل سابقة نادرا ما تستطلع الوسط المهاجر باستثناء بعض الاستطلاعات التي أجريت في فترات مبكرة من سنوات الستينات.
وعلى الصعيد المغربي نسجل اهتماما ببعض معالم الرأي العام الوطني حول الهجرة ففي دراسة تطرقت للمقالات الصحفية الصادرة حول الهجرة في أربع يوميات مغربية لفترة ثلاث سنوات 1989-1991 تشير إلى وجود اهتمام ضعيف من لدن الرأي العام الوطني بقضايا الهجرة فخلال سنة 1989 لم تخصص صحفا مثل الاتحاد الاشتراكي والبيان وهي صحف ناطقة باسم المعارضة في تلك الفترة سوى خمس مقالات ونصف مقال خلال كل أربعة أشهر وبالنسبة لصحيفة شبه حكومية مثل صباح الصحراء الناطقة بالفرنسية فقد اكتفت بأقل من أربعة مقالات ونصف مقال بالنسبة لنفس الفترة الزمنية ولم تتجاوز صحيفة العلم التي نشرت أعلى حصة من المقالات مجموع عشرة مقالات بالنسبة لنفس الفترة.
وحسب معطيات نفس الدراسة يركز اهتمام الصحف اليومية الرئيسية في الغالب على الإجراءات التي تقوم بها بلدان استقبال الهجرة وهي تمثل عينة تضم 39 من المقالات الصادرة بالصحف المذكورة خلال مدة ثلاث سنوات ولم تخص الوضعية الاجتماعية وشروط عيش المهاجر سوى نسبة 8 من المقالات المذكورة في نفس الفترة وهو ما يستنتج منه كما تؤكد على ذلك خلاصة نفس الدراسة بوجود اتجاه لتناول القضايا المطروحة بالنسبة للهجرة من وسائل الاعلام من زاوية نظرة شمولية وعامة ومن خلال مكانتها في إطار العلاقات بين الشمال والجنوب والسوق الأوربية المشتركة وكذا ارتباط ذلك بالبلدان المغاربية.
نخلص هنا إلى أن العمليات الجزئية المرتبطة بالمسلسل الاتصالي الموجه للمتلقي المهاجر هي عمليات تخدم في جوهرها وضعيات اتصالية غير الوضعية الاتصالية الخاصة بالمهاجر نفسه فاهتمام الرأي العام لبلدان استقبال الهجرة كما بالنسبة للبلدان الأصلية هو اهتمام برغماتي محدود من حيث أن الرأي العام المهاجر هو رأي عام في طور التكوين ولم تستطع الاهتمامات الانضالية من لدن الطرفين تكوين رأي عام بالوسط المهاجر.
نستنتج من تحليل نسق الوضعية الاتصالية بالوسط المهاجر بعض الخلاصات الجوهرية على النحو التالي:
1- إن العملية الاتصالية بالنسبة للوسط المهاجر هي عملية غير منظمة ولا تخضع لأي نظام ثابت شمولي أو تكاملي يوجهها ويقودها.
2- إن العملية الاتصالية بالوسط المهاجر تخضع لتعدد وتنوع من حيث الفاعلين المرسلين المستهدفين للوسط المهاجر كما أن طابع العلاقات المتبادلة بين الطوات الاتصالية التي تجري بينها العمليات الاتصالية يتميز بعلاقات أفقية تنظم العمل الاتصالي في الجهتين من أعلى إلى أسفل.
3- وجود اختلاف وتناقض كبير في محتوى الرسائل الاعلامية والثقافية الموجهة للمتلقي المهاجر.
4- اكتفاء الاعلام الوطني بمكان هامشي وثانوي في العمليات الاتصالية واقتصاره على وسائل وأشكال اتصالية لا توازي التحولات القائمة.
5- مشاركة ثانوية للمهاجرين كذوات فاعلة ومشاركة في العمليات الاتصالية.
6- اتساع دائرة الجهات والأطراف المعنية بالعمل الاتصالي الموجه للوسط المهاجر وتشابك وتداخل الأطر المعنية المرتبة.
7- وجود حالة شبه فراغ قانوني فيما يتعلق بالتشريعات ونظم التعاون سواء في دول استقبال الهجرة أو البلدان الأصلية للمهاجرين واعتماد كل نظام العمل الاتصالي على ما تسمح به التشريعات الخاصة بكل بلد.
8- هذه الخلاصات على أهميتها تطرح تساؤلات حول البدائل المطروحة وآفاق العمل.
سادسا: بدائل وآفاق وضعية اتصالية ملائمة بالوسط المهاجر
يرتهن الوصول إلى وضعية اتصالية ملائمة تستجيب للحاجيات الاتصالية للمتلقي المهاجر وخصوصياته كحاجيات نفسية معنوية ثقافية اجتماعية ملموسة تبني مجموعة من البدائل منها:
بدائل سياسية:
وهي بدائل ترتبط بطابع العلاقات الدولية ضمن دائرة كبرى للعلاقات بين الشمال والجنوب ودوائر فرعية للعلاقات بين دول حوض البحر الأبيض المتوسط ثم بدوائر ثنائية للعلاقات بين دول المجموعة الأوربية والمجموعة المغاربية نحو دوائر أصغر للعلاقات الثنائية بين بلدان استقبال الهجرة والبلدان الأصلية للمهاجرين.
بدائل تكنولوجية:
ترتبط البدائل تكنولوجية بمستويات التطور التكنولوجي وما تفرضه من آفاق جديدة تسمح بتجاوز الحدود التقليدية وعامل المسافة كما تسمح باستعمالات فائقة الأهمية لمختلف أصناف وسائل الاتصال وخاصة وسائل الاتصال الجماهيري المبثوثة عبر الأقمار الصناعية.
بدائل بنيوية:
وهي بدائل ترتبط بمستوى تطور الأنظمة الاتصالية الوطنية كجزء من مستويات التطور الاقتصادي الاجتماعية الشمولية ومدى بلوغها حالة من التطور تستطيع معها الاندماح والتفاعل مع أنظمة اتصالية متقدمة فوق وطنية في بلدان استقبال الهجرة لتحقيق مشاريع وأعمال في خدمة المتلقي المهاجر.
ومع الاشارة إلى الاتجاه العام للبدائل المتاحة وآفاق العمل الاتصالي الموجه للوسط المهاجر ودون إبداء آراء مسبقة في هذا الباب فإننا نشدد الإشارة على أن بدائل العمل الاتصالي في الوسط المهاجر في الوقت الذي يجب أن تتجاوز التصور التقليدي لكونها مسألة حصة برامج إضافية زائدة وكفي يجب أن تقوم على مرتكزات أساسية منها:
إن مبدأ دمقرطة الاتصال والحق فيه يفترض في الأنظمة الاتصالية داخل البلدان استقبال الهجرة وفي البلدان الأصلية للمهاجرين تفتحها وتوسيع مجال اهتمامها نحو مراكز اهتمام ووضعيات وحاجيات ومتطلبات المهاجرين الاتصالية في مختلف أصناف وأنواع الإعلام لمكتوب والمسموع والمرئي كما يتطلب في نفس الوقت السماح للمهاجرين أنفسهم بالاستثمار والنشاط في مختلف المجالات المتعلقة بالاتصال.
أمام المصاعب التي يصطدم بها الأفراد للقيام بمبادرات اتصالية واسعة النطاق تخدم هذه الفئة الاجتماعية وتلبي حاجياتها الاتصالية لتشييد نظام إعلام الهجرة فإن السلطات العمومية والقطاع الخاص والمستثمرين من بين أوساط المهاجرين مدعوون لتكثيف الجهود من أجل القيام بمبادرات في المجال السمعي البصري.
من جهة أخرى نستخلص من تشابه المشاكل المطروحة بين المهاجرين من أصل مغاربي ضرورة تنسيق سياسات مشتركة في مجال الاتصال والهجرة وانفتاحا أوسع على دول المجموعة الأوربية للتعاون في المجال التقني والفني وكذا في تمويل مشاريع من شأنها انجاز أنظمة اتصالية ملائمة بالوسط المهاجر تنطلق منه واليه وتدعم وتعزز حرية تدفق المعلومات وتداولها في مختلف الاتجاهات لفائدة تلبية حاجيات التواصل الواسع في نطاق وسائل الاتصال الجماهيري بين المجموعة المهاجرة المقيمة بالمهجر وتحقيق صنف الاتصال ما بين المجموعات المهاجر ذاتها وتلبية الحاجيات الموازية المتولدة من صميم الوضعية الاتصالية فوق الوطنية أي صنف التفاعلات والعلاقات خارج المجموعة بين بقية بلدان استقبال الهجرة والبلدان الاصلية للمهاجرين.
(مقال منشور في كتاب للمؤلف تحت عنوان «الثقافة والإتصال والمجتمع» منشورات خمائل- 2007 )


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.