يعتبر منتخبو الجماعات المحلية و موظفوها, خاصة بالجماعات القروية و الحضرية,أكثر الفئات المستهدفة بالشكايات الكيدية المجهولة المصدر. هاته الظاهرة التي تنامت بشكل ملفت للنظر تعبير عن إشكالية قانونية تتعلق بوجود فراغ قانوني بالنسبة لتنظيم كيفيات التبليغ عن الجرائم التي تمس المال العام و الضمانات الحمائية للمبلغين عن تلك الجرائم الذين يمكن أن يكونوا ضحية انتقام في حالة إظهارهم لهويتهم الحقيقية أثناء التبليغ بالجريمة . هذا الفراغ التشريعي فتح المجال أمام كثرة الشكايات المجهولة المصدر , ذات الطابع الكيدي ,التي يتم إرسالها باسم المجتمع المدني أو باسم غيورين على المصلحة العامة. لكن ما يطغى على هاته الشكايات هو اعتبارها وسيلة للزج بالضابطة القضائية في أتون صراعات سياسوية و مصلحية ظاهرها الغيرة على المال العام و باطنها تصفية الحسابات السياسية و الزج بالخصوم السياسيين في دوامة محاضر الضابطة القضائية و ما يعنيه ذلك من شبهة أمام الرأي العام و انتهاك لمبدأ براءة المتهم حتى تثبت إدانته .حيث أن مجرد شروع الضابطة القضائية في الاستماع إلى بعض المنتخبين أو الموظفين يعني عند البعض إدانة لهم حتى قبل أن تستكمل إجراءات الاستماع و حتى قبل أن توجه لهم النيابة العامة أية تهمة . و بالتالي فان كيفية تعاطي النيابة العامة مع هاته الشكايات تطرح إشكالات قانونية تتعلق بحقوق الإنسان خصوصا إذا تم اللجوء مباشرة إلى مسطرة البحث التمهيدي مع المشتكى بهم دون القيام بتحريات أولية تتعلق بجدية الشكاية أو كيديتها أو تم حفظ الشكاية من طرف النيابة العامة بعد انتهاء البحث التمهيدي لعدم وجود أدلة و ما يطرحه ذلك من إشكال يتعلق بعدم علم العموم بحفظ تلك الشكاية و بقاء المشتكى بهم موضوع شبهة و اتهام من طرف الرأي العام ضدا على مبدأ قرينة البراءة التي تعتبر حقا من حقوق الإنسان. في هذا السياق نتساءل ما هي الحقوق التي يضمنها قانون المسطرة الجنائية للمشتكى بهم بناء على شكايات مجهولة و التي بعدم احترامها تصبح إجراءات الدعوى العمومية باطلة ؟ أول تلك الحقوق ما نصت عليه المادة الأولى من قانون المسطرة الجنائية من أن كل متهم أو مشتبه فيه بارتكاب جريمة يعتبر بريئا إلى أن تثبت إدانته قانونا بمقرر مكتسب لقوة الشيء المقضي به , بناء على محاكمة عادلة تتوفر فيها كل الضمانات القانونية . و هذا المبدأ ينسجم مع ما تضمنه الدستور المغربي من التزام المغرب بحقوق الإنسان كما هي متعارف عليه دوليا حيث تنص المادة 11 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أن كل شخص متهم بجريمة يعتبر بريئا إلى أن تثبت إدانته قانونا بمحاكمة علنية تؤمن له فيها الضمانات الضرورية للدفاع عن نفسه كما نصت على هذا المبدأ المادة 14 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية و السياسية. ثاني تلك الحقوق هو عدم تحريك الدعوى العمومية و مباشرة إجراءات البحث التمهيدي مع المشتكى بهم إلا في حالة وجود أدلة على جدية الشكاية المجهولة المصدر , و هذا ما نصت عليه دورية السيد وزير العدل رقم 7س3 الصادرة بتاريخ 9 فبراير 2005 الموجهة إلى السادة الوكلاء العامين للملك ووكلاء الملك بشان الشكايات و الوشايات الكيدية يطلب منهم انه كلما عرضت عليهم شكاية أو وشاية مجهول باعثها إلا و يتعين عليهم دراستها بكيفية شخصية و القيام بتحريات أولية للتأكد من جديتها و توفر وسائل الإثبات قبل تحريك الدعوى العمومية . لكن للأسف الشديد فان النيابة العامة حركت الدعوى العمومية ضد كثير من المنتخبين و الموظفين الجماعيين بناء على شكايات ووشايات مجهولة دون أن تحترم مقتضيات دورية السيد وزير العدل . ثالث تلك الحقوق هو استدعاء المشبوه فيه , حيث أن ضابط الشرطة القضائية لا يحق له من الناحية القانونية إجبار المشبوه فيه على الحضور أمامه لاستجوابه حول الجريمة التي يقوم بالبحث فيها . و إنما يملك فقط استدعاءه عن طريق احد أعوانه أو احد أعوان السلطة العامة . و إذا لم يستجب المشبوه فيه لهذا الاستدعاء أمكن أن يتابع بالمخالفة المنصوص عليها في المادة 29(ف 3) من الظهير المنظم لمحاكم الجماعات و المقاطعات التي تعاقب بغرامة من عشرة إلى عشرين و مائة درهم " من امتنع دون عذر مقبول عن الحضور بعد استدعاء قانوني وجهته إليه السلطة العامة ". و أثناء الاستماع إلى المشبوه فيه من طرف الضابطة القضائية فانه حر في عدم الإدلاء بأي تصريح و عدم الإجابة على الأسئلة التي يوجهها إليه ضابط الشرطة القضائية بناء على تلك الشكاية المجهولة و ذلك قياسا على تمتع المتهم في مرحلة التحقيق القضائي بهذا الحق . حيث انه عند استنطاق المتهم و مواجهته مع الغير تنص الفقرة الأخيرة من المادة 134 من قانون المسطرة الجنائية على أن قاضي التحقيق يبين للمتهم الأفعال المنسوبة إليه و يشعره بأنه حر في عدم الإدلاء بأي تصريح و يشار إلى ذلك في المحضر .نفس الحق تنص عليه المادة 149 التي توجب التنصيص في المحضر على إشعار المتهم بحريته في عدم الإدلاء بأي تصريح . و انسجاما مع قرينة براءة المتهم يصدر قاضي التحقيق , بناء على المادة 216 من قانون المسطرة الجنائية , أمرا بعدم المتابعة إذا تبين له أن الأفعال لا تخضع للقانون الجنائي أو لم تعد خاضعة له , أو انه ليست هناك أدلة كافية ضد المتهم , أو أن الفاعل ظل مجهولا . و ليكون في علم العموم أن المتهم بريء و صدر في حقه أمر بعدم المتابعة يمكن لقاضي التحقيق أن يأمر بنشر قرار عدم المتابعة كليا أو جزئيا بناء على طلب الشخص المعني بالأمر أو بطلب من النيابة العامة بصحيفة أو عدة صحف . و ما دامت المادة 216 أعطت الحق للمتهم, الذي صدر في حقه قرار بعدم المتابعة ,في إشهار براءته عبر الصحف ليعلم الرأي العام أنه بريء من التهمة التي توبع من أجلها ,فان قانون المسطرة الجنائية سكت عن هذا الحق بالنسبة لمن حركت ضده الدعوى العمومية و في الأخير تم حفظ الشكايات التي على أساسها تم تحريك تلك الدعاوي . فكم من دعوى عمومية تم تحريكها ضد المنتخبين و الموظفين الجماعيين و في الأخير يتم حفظ الشكاية من طرف النيابة العامة دون أن يكون لهم الحق في إعلام العموم بان تلك الشكايات التي تتهمهم بالتلاعب في المال العام و التي على أساسها تم الاستماع إليهم من طرف الضابطة القضائية شكايات كيدية لا أساس لها من الصحة و لا تتوفر على وسائل الاثباث . فلماذا لا يتم تطبيق مقتضيات المادة السابقة على الشكايات التي يتم حفظها من طرف النيابة العامة و إعطاء الحق لمن حركت الدعوى العمومية ضدهم في نشر مقررات حفظ تلك الشكايات بالصحف ؟ إن عدم تقيد النيابة العامة بالتعليمات الواردة بالمنشور السابق الذكر, بخصوص مسطرة التعامل مع الشكايات المجهولة المصدر, و عدم ترتيب أي جزاء على عدم تنفيذ السلطة الدنيا للتعليمات المكتوبة لسلطة عليا, يمس بحقوق و كرامة المشتكى بهم الشيء الذي يستدعي تدخل المشرع لحماية حقوق المشتكى بهم بناء على شكايات كيدية و ذلك بالتنصيص في قانون المسطرة الجنائية على مقتضيات قانونية تضمن تلك الحقوق عبر إجراء بحث أولي شخصي مع المشتكى بهم من طرف وكلاء الملك أو الوكلاء العامين للملك و إجراء تحريات من طرف الضابطة القضائية قبل تحريك الدعوى العمومية . و في حالة تحريكها يجب إشعار المشتكى بهم من طرف الضابطة القضائية بان لهم الحرية في عدم الإدلاء بأي تصريح و الإشارة إلى ذلك في المحضر و في حالة حفظ الشكاية من طرف النيابة العامة لانعدام العنصر الجرمي يجب أن يتمتع المشتكى بهم بحق نشر مقررات الحفظ في الصحافة الوطنية . و في الأخير نشير إلى انه لو تم احترام منشور السيد وزير العدل و تم القيام بتحريات أولية للنظر في مدى جدية الشكايات المجهولة المصدر لما تم تحريك الدعوى العمومية ضد كثير من المنتخبين و الموظفين الجماعيين الذين تنتهك حقوقهم الأساسية , دون أن تتضمنها تقارير المنظمات الحقوقية , و اكبر انتهاك هو أن يتم الاستماع إلى المنتخبين أو الموظفين الجماعيين داخل مقرات عملهم و ما يشكله ذلك من انتهاك لحرمة مؤسسة دستورية و لحقوق من يمثلون المواطنين .