الإعتراف بالخطأ فضيلة يافراعنة الجمهوريات العربية المستبدة! في تاريخ بعض الدول العربية رؤساء انتصروا على شعوبهم وحولوها إلى مجرد قطعان أغنام وأشباه عبيد في ضيعاتهم العائلية، شعوب عاشت تحت نير سلطتهم كل أنواع المهانة، والاختلاسات والقمع والجبروت وفساد القضاء وتردي الخدمات والغلاء الفاحش..حتى إذا تعدى الإستبداد والإهانة حدودا لايقبلها العقل الأدمي، وانعكست الأحوال إلى ضدها، ومالت الكفة لفائدة تلك الشعوب، ترى أولائك الرؤساء الطغاة المستبدين قد أطلقواسيقانهم للريح هاربين كالأرانب ليفلتوا بجلودهم، هاربين بعيداعن مطرقة الإحتجاجات الشعبيةالغاضبة قبل أن تهوى على رؤوسهم العنيدة..هاربين بعيداإلى منافيهم وجحورهم الآمنةخوفا على أنفسهم من المطرقة المرفوعة عليهم وما بكت عليهم السماء والأرض بذلك وما هم بمنظرين. مع بروز أمثال هؤلاء الرؤساء اليوم، هل ينبغي للناس أن يطلبوا من المنتظم الدولي تأسيس مخيم اللاجئين للرؤساء الهاربين فرارا من سخط شعوبهم الثائرة ؟، لماذا لايجيد معظم رؤساء الدول العربية قراءة ما يدور حولهم في عالم اليوم ،هذا العالم الذي يتجاوزالناس ويتجاوزحتى الرؤساء أنفسهم بسرعة كبيرة ليبادروا إلى تغيير أفكارهم وأوضاع الناس قبل أن يبرزوا أنيابهم المتكشرة وترى الشرر يتطاير من أعين الثائرين ضدهم؟، من كان يظن بالأمس أن شعوبا عربية قيل إنها ماتت ودفنت وترحم عليها الناس ستخرج من القبر وتثور وتفور وتصرخ في وجه مستبديها ومخربيهابتلك الطريقة التي نراها في تونس ومصر؟ لاأحد يفهم إلى اليوم لماذا يصر أغلب زعماء العرب على أن يقضوا ما تبقى لهم من عمر في المنافي، وهم يحملون لقب «رئيس مخلوع» أو «رئيس هارب »بدلا من «رئيس سابق» انتهت ولايته أو تخلى عن السلطة لمن هو أجدر منه ويعيش بين أهل وطنه معززا مكرما، مثلما يحدث في مختلف أنحاء العالم المتحضر؟ ،ولا أحد يفهم لماذا يصر بعض أولائك الزعماء على البقاء في الحكم مدى الحياة؟، كيف ولماذالايعترفون بأخطائهم وفشلهم في تحمل المسؤولية تجاه شعوبهم المسحوقة؟، لماذا لايعترفون وهم أصحاب الأديان السماوية التي تعلم للناس أن الأنبياء المعصومين يخطئون؟، فما الذي كان يمنع، مثلا، الرئيس بن علي من الإعلان عن انسحابه من الحياة السياسية قبل انتفاضة الشعب التونسي؟،ولماذا انتظر حتى انتفظ الشعب وأحرق نفسه ليطلع على الناس ليقول لهم«فهمتكم»؟، أين كان طيلة ولاية حكمه؟ وهل لم يكن يفهمهم طوال تلك المدة؟، ولماذا لم يختر مبارك العجوز في مصرأن يتقاعد ويترك مكانه لغيره؟ لماذا كل هذا الجنون بالحكم؟، ترى هل كانوايحلمون بأن يصبحوا ملوكا؟ فإذا كان بن علي قد إختار الهروب حاملا معه مسروقاته مع زوجته الكوافورة ليلى الطرابلوسي إلى معتقله الآمن بالعربية السعودية، فإننالا ندري كيف إختار مبارك لنفسه مثل تلك النهاية الإجراميةالمأساوية و ينتقل من لقب رئيس دولة مصر الى رئيس عصابة في الشارع يروع المواطنين بتحريضه عصابات إجرامية وبوليسية ضذ المحتجين الشباب العزل الذين يطالبون بالتغيير والديموقراطية والحرية والعدالة والمساواة.. إن ما صدر عن مبارك من أفعال إجرامية وبلطجية قد كشف المعدن الحقيقي لهذا الرجل الذي حكم مصر منذ ثلاثين عاما. إن ذلك الفعل الممجوج الذي قام به مبارك بشكل مفضوح إن دل على شيء إنما يدل على أن المنطق الذي حكم به مصر بقبضته الحديدية طوال مدة رئاسته هو منطق العصابة لاغير .إن ما جرى في تونس مع بن علي وبعدهامصرفيما يخص الفوضى وإطلاق عصابات بوليسية ومايسمى بالبلطجة واللعب بأعواد الكبريت التي يحاول البعض إضرام نيران الفتنة بها لخلق الفوضى، يعني أن الرؤساء المخلوعين يتعاملون بمنطق«بما أن العالم ليس لنا فلنذمره».ولهذا الأمر أيضا أهداف أخرى لاتخفى على أحد، وهي توجيه تحذير إلى كل الناس بأن الثورة على الحاكمين المستبدين ليست بالسهلة بل هي مسألة في غاية الخطورة، وأنه من الأفضل العيش في «حكْرة» الحكّام الفاسدين المستبدين على العيش تحت هيمنة الفوضى وقطاع الطرق والبلطجية الذين هم طبعامن عصابة سيادةالرئيس، يقومون بذلك مستندين إلى نظرية متآكلة ولى زمانها والتي مفادها،«الحاكم المستبد أفضل من الفتنة». فأن يستيقظ شعب في الصباح ويتوضأ ويصلي صلاة الثورة ويقررإسقاط النظام مع ضحى نفس اليوم لينعم بالهدوء والطمأنينة في المساء قبل الغروب فهذا في نظر «السادة» خرافة ولاينبغي أن يكون ،بل على الشعب أن يؤدي الثمن.وهناسنفهم أيضا مغزى الجملة الأخيرة التي قالها القذافي "بوسروال" ﴿كما يسميه أحد أعمدة الصحافة بالمغرب﴾ في خطابه وهو ينصح التونسيين بالقبول بالدكتاتورية حرصا على حياةأطفالهم.والحقيقة التي لايدركها بعض أولائك الحكام المستبدين، هي أن بعضهم قد أوصل شعبه إلى حالة صارت فيه الفتنة أفضل من الحاكم المستبد، خاصة في ظل تردي أوضاع الناس على كافة الواجهات وفي ظل تنامي الوعي لدى الجماهير الشعبية العربية في الآونة الآخيرة لم يعد يثير الفتنة سوى عصابات الحكام الذين يرغبون في البقاء على كرسي الرئاسة مدى الحياة. وما رأيناه في مصر من مظاهرات سلمية نظمها الشباب المصري الثائرالذي أذهل العالم بنظامه وحسن إنضباطه في ساحة التحرير والميادين الأخرى وهجوم عصابات الرئيس مبارك عليهم لدليل قاطع على قولنا هذا. فهل يتعظ الطغاة في الأرض بمصير بن علي الهارب ومصير مبارك البلطجي المنحرف؟، فكلا أخذناه بذنبه، فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا ومنهم من أخذته الصيحة ومنهم من خسفنا به الأرض ومنهم من أغرقناه. وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون.. مشكلة الأنظمة الرئاسيةالعربية الفاسدة أنها لا تمتلك روحا رياضية على الإطلاق. إنها أنظمة تنتصر على شعوبها باستمرار، لكنها لا تعرف كيف تتقبل الخسارة ولو لمرة واحدة. وبمجرد أن تميل الكفة لفائدة الشعب المقهور، حتى ترى الرئيس المستبد الفاسد قد أطلق عصاباته البوليسيةوكلابه السائبة تنهش المواطنين العزل في الشوارع وكأنه يريد أن يقول للناس، إن الكرة بيدي، وبدوني كرئيس في الملعب ما "لاعبينش".واضح جدا أن الأنظمة العربية الديكتاتورية الفاسدة ستواصل التعلق بالسلطة بأظافرها وأسنانها، تماما مثلما فعلت أنظمة دول الكتلة الاشتراكية قبل انهيار سور برلين، ولكنها ستسقط في نهاية المطاف مثلما سقطت نظيراتها الاشتراكية مالم تحتكم إلى منطق آخر جديد يساير العصريستند إلى التغيير وتحقيق الديموقراطية الشفافةوالعدالة الإجتماعية وحقوق الإنسان والإنصات الى نبض شعوبهم التي بدأت تبعث من القبور، وسبحان الذي يبعث العظام وهي رميم. ليس بن علي أول زعيم يسقط، ولن يكون الأخير: كثير من الحكام غادروا كراسيهم مكرهين، تحت ضغط مطرقةالشارع، أو عن طريق انقلاب عسكري، أو ثورات دامية جاءت بدون سابق إنذار من القاع، تتفنن وسائل الإعلام في كل مرة في تلوينها، وربطها بأشهى الفواكه وطيب الزهوروالياسمين والورد والبرتقال، كي تصير أجمل، رغم الدماء والخراب والرماد والجثث، التي قد تحولها إلى ثورة البصل أو الحنظل والخل.. في حياتناالمعاصرة، لم يسبق للناس في العالم العربي أن سمعوايوما بأي وزير أو رئيس دولة أن وقف وتكلم بصفته البشرية وبصفته زعيما أوعضوا في الحكومة ويخاطب الناس قائلا:أيها الشعب العظيم الذي يستحق كل خيروتقدير، إني قد وليت هذا المنصب لكي أخدم الوطن والمصلحة العليا للبلاد وليس مصالحي الشخصية أو العائلية أو الحزبية، واليوم وبعدما أن تبث عجزي وفشلي في القيام بالواجب وتحقيق طموحاتكم في العيش الكريم، وحرصا على الأمانة ومصلحة البلاد العليا، ألتمس منكم قبول استقالتي من منصبي هذا، وسامحوني واعذروني فإني قد «أخطأت» في حقكم.أنذاك سيقدم له الشعب بهذا الإعتراف أعظم وسام في التاريخ، وسام الإعتراف ب«الخطأ».ويوم يسمع فيه الناس حكومة أورئيس دولة أو وزيراأو حتى رئيس جماعة قروية عادية يقول بأنه «أخطأ» وقدم استقالته بسبب ذلك ليفسح المجال لمن هو أجدر منه، سيكون أول يوم يلتحق فيه العرب والمسلمون بالحضارة وبالقرن الواحد والعشرين. محمد حدوي [email protected]