في حفل أقامته جمعية بدائل طيلة يوم السبت الماضي، اعتبرته عيدا للديمقراطيين، وبين وصلة غنائية من موسيقى الهيب هوب وكناوة والروك، حسب ما نقلته بعض المصادر الصحفية التي سنحت لها فرصة الحضور، نظمت الجمعية المذكورة ندوة الحالة النسوية. شاركت فيها نزهة جسوس (عضو اللجنة الملكية الاستشارية لإصلاح مدونة الأحوال الشخصية) وفريدة بناني (أستاذة جامعية) وليلى الرحيوي (عضو تنسيق ربيع المساواة). وقد أجمعت مداخلاتهن على كون إصلاح مدونة الأحوال الشخصية يرتبط في حقيقته بقرار سياسي، بموازاة إصلاح شامل يضم التعليم والقضاء، إذ أشارت الأستاذة جسوس إلى كون تعديلات 1993 رفعت القداسة عن موضوع المدونة رغم محدوديتها. وفي السياق نفسه، حملت الرحيوي المدونة المذكورة مسؤولية كل ما تعانيه المرأة من تهميش وفقر وأمية، واعتبرت أن حل الإشكالية رهين بحسم قضية المرجعية، وتحييد النقاش عن أي خلفية سياسية أو إيديولوجية، وباستثمار النص الديني من خلال اجتهاد حداثي. فيما دعت الأستاذة بناني إلى ضرورة فتح نقاش حول ازدواجية المرجعية التي نعيشها أزيد من قرن دون الحسم فيها، معتبرة أنه لم يعد بالإمكان الاستمرار في السير على منوال الاستهلاك والنقل الذي سرنا وفقه أزيد من قرن قمنا خلاله بنقل ما توصل إليه الفقه في القرن الثامن من الهجرة، واعتبرت أن تأرجح المرجعية بين الأصالة للحفاظ على الهوية وبين المعاصرة للانفتاح على الغرب، لم يعد مقبولا بمصادقة المغرب على الاتفاقيات الدولية في موضوع المرأة، وأنه انعكس على طريقة التعاطي مع ملف إصلاح المدونة عبر لجنة، في حين كانت المسطرة العادية برأيها تقتضي إحالة الموضوع على البرلمان. وتعليقا على ما سبق نقول إن التدخلات المذكورة انطوت على أربع مغالطات كبيرة نسردها كالتالي: -الأولى: أن قضية المرجعية محسومة ولاخلاف حولها إلا ما كان من أوهام أو أحلام ما زالت تراود البعض، وقد كان خطاب أمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس واضحا بمناسبة تعيين اللجنة الملكية الاستشارية لإصلاح مدونة الأحوال الشخصية، حيث نص على ضرورة إعمال الاجتهاد على أساس الشريعة الإسلامية ووسطيتها واعتدالها، وبانفتاح على مستجدات العصر ومتغيراته دون المس بالثوابت بناء على المنظور المتنور للمرجعية الدينية، الذي لا يرى أي تعارض بين الاسلام والحداثة، وهو الأمر الذي أكده جلالته مرة أخرى في خطاب العرش أول أمس. -الثانية: أن موضوع المدونة والأسرة وما يتعلق بالنصوص الدينية من اختصاص أمير المؤمنين، وله الكلمة الفصل فيه، ولا يمكن أن يخضع لمنطق الأغلبية والمعارضة، ذلك أن الوظائف الدينية، كما قال جلالة الملك في خطاب العرش أول أمس، هي من اختصاص الإمامة العظمى المنوطة به بمساعدة المجلس الأعلى والمجالس الإقليمية للعلماء، باعتبارها هيآت استشارية. - الثالثة: أن ماسمي بالتيار المحافظ والمقاوم للتغيير لم يستحضر الهاجس السياسي والإيديولوجي في طرح وجهة نظره اتجاه إصلاح المدونة وأوضاع الأسرة، بقدرما حرص على عدم المس بقطعيات وثوابت الشريعة الإسلامية في الموضوع، عكس الذين ينعتون أنفسهم بالحداثيين الذين أرادوا تهريب الموضوع إلى غير حقله وأهله، وسيسوه أكثر من اللازم، وظهر ذلك بوضوح عقب أحدث 16ماي الإرهابية، إذ لم تتردد الكثير من المناضلات التقدميات والفعاليات النسائية بصريح العبارة في استغلالها واعتبارها فرصة لإحياء الخطة، وعلى سبيل المثال فقد قالت نعيمة الصنهاجي، رئيسة قسم التعاون الدولي والمديرة الوطنية لبرنامج محاربة الفقر في الوسط الحضري وشبه الحضري، في حوار مع جريد ة الأحداث المغربية ( 7/6/2003) بدون شك، فقد ساهمت أحداث الدارالبيضاء بشكل كبير في نفض غبار النسيان على مشروع الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية، وذلك في أفق دحر المحافظين وشحن المناخ السياسي والتشويش على أشغال اللجنة الملكية الاستشارية لتعديل مدونة الأحوال الشخصية، رغم أن دورها استشاري فقط ولم تقدم نتائج عملها بعد. بل وصل بهم الأمر إلى حد المطالبة بإعادة النظر في تركيبتها. بدعوى أن بعض أعضائها متحجرون ومتزمتون. -الرابعة: أن الاجتهاد في قضايا الشريعة الإسلامية له شروطه وضوابطه ولا يمكن أن يدعيه أي كان مهما تعددت الأوصاف، تقدمية كانت أو محافظة، فلكل مجال نساؤه ورجاله، إذ لا يمكن للفقيه أن يجتهد في إجراء عملية جراحية بدل الطبيب المختص، ولكنه قد يفيده في بعض القضايا الشرعية ذات العلاقة بالطب، والعكس صحيح إذ لا يستطيع الطبيب أن يفتي، ولكنه قد ينور الفقيه حتى تنبني فتواه على معطيات علمية وواضحة. وفضلا عن هذا، فإن صلاحية التعيين والحسم في من يقوم بالاجتهاد محددة، وكان على الجمعيات النسائية المعنية أن تحترم التخصصات، وألا تشوش على اللجنة الملكية الاستشارية لإصلاح مدونة الأحوال الشخصية وألا تستبق الأحداث. أخيرا، إن منهج الجمعيات النسائية النخبوية (التي حصرت النقاش على أوساط النخبة، بعيدا عن القواعد العريضة للمجتمع) لا يمكن أن يرفع عن المرأة المغربية معاناتها الحقيقية، ويلامس قضاياها اليومية وقضايا الأسرة بشكل عام، لأنها قضايا في غاية الحساسية والتعقيد، باعتبارها تمس عمق المجتمع بكامله، حاضره ومستقبله، وعصية عن أي توظيف سياسي أو إيديولوجي، وتحتاج إلى حوار هادئ وبناء، بعيدا عن أي إفراط أو تفريط، يستحضر أن المغرب بلد إسلامي لا يمكن تبديل هويته تحت أي مبرر كان، خاصة وأن الغرب فشل في إعطاء نموذج أسري محترم. محمد عيادي