يصعب أن نقرأ ما حدث يوم الثلاثاء 5 يونيو 2012 بمجلس المستشارين على أنه مجرد خلاف قانوني أو مسطري بخصوص تدبير الزمن بين الحكومة والمستشارين، لاسيما وأن الحكومة، في شخص رئيسها ووزير العلاقة مع البرلمان لم يبديا أي اعتراض على مبدإ توسيع الحصة الزمنية للجلسة الدستورية، وضم محاور أخرى للمناقشة لم تكن مقررة، بل إن الحكومة أبدت تساهلا في التعاطي مع الأسئلة التي وجهت إليها، قبل أسبوع فقط، مع أن الدستور ينص على أن توجه إلى رئيس الحكومة شهرا قبل الجلسة. إجرائيا، كان يفترض ألا تنعقد هذه الجلسة الدستورية حتى يتم الحسم داخل ندوة الرؤساء بتوافق مع الحكومة حول كل الترتيبات المسطرية التي تتعلق بالجلسة، وألا يضيع مجلس المستشارين على الرأي العام فرصة الاستماع إلى وجهة نظر الحكومة في العديد من القضايا لاسيما الأسباب التي جعلت الحكومة تقدم على الزيادة في أسعار المحروقات وإستراتيجية الحكومة في مجال محاربة الرشوة وتخليق الحياة العامة، والأزمة الاقتصادية العالمية وانعكاساتها على الاقتصاد الوطني، والاستحقاقات الانتخابية. أمامنا ثلاث مؤشرات لقراءة ما حدث، مؤشر ترك ندوة الرؤساء الحسم في الإجراءات المسطرية وخلفيات ذلك مع أن الأمر يتعلق بجلسة دستورية شهرية يفترض أن يتم التخطيط لها على الأقل شهرا قبل موعد الانعقاد، ومؤشر نموذج التعاطي مع سابقة الجلسة الدستورية في البرلمان، ومؤشر خطاب المعارضة داخل هذه الجلسة. وبغض النظر عن الخلفيات التي يمكن أن تكون وراء الإقدام على عقد الجلسة مع عدم الحسم في الإجراءات المسطرية، فإن النتيجة الطبيعية لذلك هو إفشال الجلسة وعدم إتاحة الفرصة لرئيس الحكومة ليضع الرأي العام على حقيقة مواقف الحكومة تجاه القضايا التي تمس المواطن، ووضعية البلاد المالية في ظل الأزمة الاقتصادية العالمية. ما يهم في هذه المؤشرات هو خطاب المعارضة والقراءة التي قدمتها لسابقة الجلسة لدستورية في مجلس النواب، فعوض أن يتم استلهام هذه التجربة، التي انطلقت من مبدأ توازن السلط لإقرار مبدأ المناصفة بين الحكومة والمعارضة، فقد اختارت المعارضة، من غير الاستناد إلى أي أصل دستوري أو قانوني أو مجرد فهم أو تأويل لهما، أن تحتج بمبدأ الأغلبية العددية لتحرم رئيس الحكومة من حصته الزمنية. المثير في هذه المؤشرات هو بعض الحيثيات التي وردت في خطاب المعارضة والتي كشفت عن الخلفيات الحقيقية وراء افتعال الجدل المسطري داخل مجلس المستشارين أثناء انعقاد الجلسة الدستورية، فقد صرح بعض المستشارين بوضوح العبارة بأنه إذا كان رئيس الحكومة قد نجح في الجلسة الدستورية التي انعقدت في البرلمان، فإننا لن نسمح له أن يفعل ذلك بمجلس المستشارين، بل بعض مستشاري المعارضة ربط توسيع الزمن بالكفاءة والقدرة على التواصل، وأن رئيس الحكومة «يستطيع أن يعبر عن رأيه في دقيقتين»، و»يستطيع أن يقنع دولة بأكملها» أما المعارضة ف»تحتاج إلى وقت أكبر»، بل لقد ذهب الأمر بالبعض أن يكشف خلفيات النقاش المسطري، ويعتبر أن المعارضة جاءت لهذه الجلسة لكي تتصدى وتواجه رئيس الحكومة! بضم هذه المؤشرات الثلاثة، وباستحضار حكمة المشرع من عقد هذه الجلسة الدستورية، وبالنظر إلى الظرفية الزمنية التي تنعقد فيها، والمطبوعة من حيث الجملة برغبة الٍرأي العام في سماع وجهة نظر الحكومة خاصة في ملف الزيادة في المحروقات، بضم كل هذه الاعتبارات بعضها إلى بعض، لا يبقى هناك أدنى شك في أن السلوك السياسي الذي تصرفت به المعارضة في الجلسة الدستورية إنما كان يؤطره الخوف من رد رئيس الحكومة والرغبة في عدم تكرار النجاح الذي حققه في جلسة البرلمان، ومحاولة إفشال الجلسة برمتها. الحاصل من هذا كله، أن ما حدث أول أمس فوت على المغاربة لحظة دستورية كبيرة، وكشف بؤس المعارضة وبؤس خطابها وعدم مواكبتها للاستحقاقات الدستورية، ومن ذلك دورها وما يتطلبه من المسؤولية والجدية في تطوير التجربة الديمقراطية المغربية. إن أخطر عطب يمكن أن يمس التجربة الديمقراطية في المغرب، هي أن تتحول المعارضة إلى أداة لإعاقة الديمقراطية، وذلك باستثمار بعض الفراغات القانونية لإعمال تأويلات تمس بحكمة المشرع، وبروح وعمق العملية الديمقراطية.