لقد حاولت الدول الديمقراطية منذ نشأتها توفير الشروط المناسبة والظروف الملائمة لتمكين أعضاء برلماناتها من القيام بمهامهم التمثيلية والتشريعية والرقابية على الوجه المطلوب الكفيل بتحسين الأداء البرلماني. ولكن الممارسة البرلمانية أبانت، عن وجود ظاهرة غياب أعضاء المجالس التمثيلية عن اشغال هذه المجالس وما يترتب عن ذلك من عرقلة للعمل النيابي سواء على مستوى ، أو مراقبة العمل الحكومي، بما فيها جلسات الاسئلة الشفهية التي يتتبعها الرأي العام مباشرة عبر القنوات البرلمانية والفضائيات الأخرى. وهذا ما دفع هذه الدول الى البحث عن السبل الكفيلة بمعالجة هذه الظاهرة وضمان حضور فاعل لأعضاء البرلمان وممارستهم لمهامهم الدستورية بشكل يضمن للمؤسسات التشريعية مصداقيتها وتحظى بثقة شعوبها، بما في ذلك تمكينهم من التفرغ للعمل البرلماني من خلال نظام الالحاق بالنسبة للموظفين، والتعويضات والمعاشات وتوفير التنقل وغيرها من الاجراءات القانونية والتنظيمية الكفيلة بضمان حضور مستمر ودائم لأعضاء البرلمان وقيامهم بالدور الدستوري الموكول إليهم. في هذا الاطار ومن أجل مسايرة هذا التوجه ومواكبة هذه الممارسة على صعيد برلمانات العالم، وضع المشرع الدستوري والقانوني المغربي تدابير من أجل تمكين أعضاء مجلسي النواب والمستشارين في أول تجربة نيابية عرفتها البلاد في 1963 من ممارسة مهامهم التشريعية والرقابية رغم الصعوبات التي عرفها ممثلو الأمة خلال هذه التجربة البرلمانية، خاصة فيما يتعلق بظروف العمل . فجتى يتمكن اعضاء البرلمان المغربي من إبدائهم لآرائهم بكل حرية وقيامهم بمسؤوليتهم بمناسبة التصويت خلال مزاولتهم لمهامهم، فقد منحهم المشرع الدستوري الحصانة البرلمانية وفقا لمقتضيات الفصل 39 من الدستور، وفي نفس السياق، وبهدف تمكينهم من التفرغ للقيام بالمهام الدستوريةالموكولة إليهم. فإن كل شخص تم انتخابه في مجلس النواب، وهو يزاول مهمة عمومية غير انتخابية... باستثناء المهام الحكومية، في مصالح الدولة أو الجماعات المحلية أو المؤسسات العامة يُجعله لزاما في وضعية الالحاق بناء على طلب منه في ظرف الثمانية أيام لمستهل مدة النيابة أو في حالة انتخابات جزئية خلال الثمانية أيام الموالية لاعلان نتائج الاقتراع كما تنص على ذلك مقتضيات المادة 12 من القانون التنظيمي المتعلق بمجلس النواب ولتسهيل مامورية أعضاءالبرلمان في الحضور والمواظبة، فقد نصت المواد 11 13 14 أيضا على تنافي العضوية في مجلس النواب مع صفة عضو في المجلس الدستوري أو في المجلس الاقتصادي والاجتماعي، مع أكثر من رئاسة واحدة لجماعة محلية أو مجموعة حضرية (مجلس المدينة حاليا) أو غرفة مهنية، مع مهام رئيس مجلس الإدارة أو متصرف منتدب أو مدير عام أو مدير وعند الاقتضاء مهام عضو في مجلس الادارة الجماعية أو عضو في مجلس الرقابة المزاولة في شركات المساهمة التي تملك الدولة بصفة مباشرة أوغير مباشرة أكثر من نسبة 30% من رأسمالها مع مزاولة مهام تؤدي عنها الاجرة دولة أجنبية أو منظمة دولية. وبمقتضى المادة 15 من القانون التنظيمي السالف الذكر، فإن النائب الذي يوجد، عند انتخابه، في إحدى حالات التنافي المشار إليها أعلاه. يتعين عليه أن يثبت خلال الثمانية أيام التي تلي إعلان النتائج النهائية للانتخاب أو صدور قرار المجلس الدستوري في حالة نزاع أنه استقال من مهام المتنافية مع انتدابه أو أنه طلب وضعه في حالة الالحاق، وإلا أعلنت إقالته من عضويته وكرد بحكم القانون من صفة نائب بمقتضى قرار يتخذه المجلس الدستوري من يطلب من مكتب مجلس النواب ووزير العدل. إن هذه الأحكام تنطبق أيضا على أعضاء مجلس المستشارين وفقا لمقتضيات المواد : 14 15 16 17 18 19 20 من القانون التنظيمي المتعلق بمجلس المستشارين. أن هذه التدابير الدستورية والقانونية التي جاء بها المشرع المغربي لتمكين أعضاء البرلمان من ممارسة مهامهم على الوجه الأكمل وضمان حضور منتج لممثلي الأمة في أشغال المؤسسة التشريعية ، رغم أهميتها، فإنها تبقى ناقصة في تحقيق الاهداف المتوخاة منها من حيث كون حالات التنافي مع عضوية مجلس النواب او مجلس المستشارين تظل جزئية وليست مطلقة على غرار العديد من برلمانات العالم عندما منحت المادة 11 من فقرتها الثانية من القانون التنظيمي لمجلس النواب لعضو مجلس النواب أن يكون رئيسا لمجلس جماعي حضري أو أقروي أو رئيس لمجلس عمالة أو إقليم أو رئيس لمجلس جهوي أو رئيس لغرفة مهنية، وكذلك الشأن بالنسب لعضو مجلس المستشارين وفقا لمقتضيات الفقرة الثانية من المادة 15من القانون التنظيمي المتعلق بمجلس المستشارين. كما سمحت مقتضيات الفقرة الأولى من المادة 12 من القانون التنظيمي المتعلق بمجلس النواب لعضو بمجلس أن يمارس في نفس الوقت مهمة حكومية ، وكذلك الوضع بالنسبة لعضو بمجلس المستشارين بمقتضى المادة 16 من القانون التنظيمي المتعلق بمجلس المستشارين، مع العلم أن الجمع بين المهمتين النيابية والحكومية غير دستوري لكونه يتعارض مع مبدأ دستوري متعارف عليه دوليا والمتمثل في مبدأ فصل السلط التشريعية، التنفيذية والقضائية، بالاضافة الى تعارضه مع مبدأ التمثيلية المنصوص عليها في الفصلين 3 و 36 من الدستور عندما يتخلى عضو البرلمان عن مهامه التمثيلية والتشريعية والرقابية ويتفرع للعمل الحكومي على حساب صفته النيابية التي يستمدها من الأمة بعد التصويت عليه من طرف الناخبين لتمثيلهم داخل المؤسسة التشريعية والدفاع عن مصالحهم وقضاياهم وانشغالاتهم. وهذا ما جعل بعض الدول كفرنسا تقر بتنافي عضوية مجلسي البرلمان مع مهمة حكومية من خلال نظام الخلف Suppléant ، مع العلم أننا لانحتاج الى مثل هذا النظام في حالة تطبيق التنافي بين المهتمين النيابية والحكومية بحكم طريقة الانتخاب ، حيث يخلف الثاني في اللائحة العضو البرلماني الذي تقلد مهمة حكومية.