من المقرر أن تجري الانتخابات الخاصة بتجديد ثلث أعضاء مجلس المستشارين 90 من أصل 270 عضو يوم 2 أكتوبر المقبل. وتتألف الهيئة الناخبة من الأعضاء المنتخبين في مجالس الجماعات الحضرية والقروية ومجالس العمالات والأقاليم والمجالس الجهوية والأعضاء المنتخبين من طرف كل غرفة من الغرفة المهنية الموجودة في الجهة المعنية وأعضاء منتخبين على الصعيد الوطني بواسطة هيئة ناخبة تتكون من ممثلي المأجورين. ويتم انتخاب أعضاء مجلس المستشارين عن طريق الاقتراع باللائحة وبالتمثيل النسبي على أساس قاعدة أكبر بقية ودون استعمال طريقة مزج الأصوات والتصويت التفضيلي، حيث تخصص المقاعد للمرشحين عن كل لائحة حسب الترتيب التمثيلي، ماعدا إذا تعلق الأمر بانتخاب مستشار واحد في إطار هيئة ناخبة معنية، فإن الانتخاب يقع بالاقتراع الفردي وبالأغلبية النسبية في دورة واحدة. بعد مرور 12 عاما على تجربة نظام الثنائية البرلمانية الذي أقره دستور 1996 المعدل والطريقة التي يتم بها انتخاب أعضاء مجلس المستشارين، يتساءل الرأي العام الوطني عن الكيفية التي ستمر فيها الانتخابات الخاصة بتجديد ثلث مجلس المستشارين يوم 2 أكتوبر المقبل؟ فهل ستنضاف إلى التجارب السابقة التي سادها الفساد بالاستعمال المفرط للمال وشراء الذمم لتشكل هذه الانتخابات وصمة عار في جبين الديمقراطية؟ خاصة وأن جميع المؤشرات تنذر بتكرار التجارب السابقة بشكل أكثر ميوعة من خلال تشكيل مكاتب المجالس الجماعية ومكاتب مجالس العمالات والأقاليم ومكاتب المجالس الجهوية ومكاتب الغرف المهنية. لقد أكدت تجارب الانتخابات الخاصة بمجلس المستشارين منذ 1997 أن معضلة فساد العمليات الانتخابية لاتزداد إلا تفاقما في كل تجديد لثلث هذا المجلس، حيث يبقى معيار المال العنصر الرئيسي في الحصول على التزكية لخوض غمار الانتخابات التي تعتبر فيها عملية شراء الذمم المقياس الوحيد للفوز في غياب البرامج الانتخابية لتظل الحملة الانتخابية سوقا لسماسرة الانتخابات الذين تفننوا في كيفية جعل الاستحقاقات الانتخابية فرصة للرواج وانتعاش بورصة الانتخابات وفرصة أمام المرشحين لابتكار الأساليب الناجعة الكفيلة بضمان أصوات الناخبين الكبار الذين استفادوا: «من وزيعة سوق النخاسة»، وبالتالي فإن الحملة الانتخابية تفتقد لشروط النزاهة ومتطلبات الديمقراطية مادام هدفها الحقيقي البحث عن شراء الذمم لربح المقاعد لا غير ولو على حساب المبادئ والقيم الأخلاق والأعراف الديمقراطية. وتتميز هذه الانتخابات الخاصة بتجديد ثلث مجلس المستشارين التي ستعرفها البلاد يوم 2 اكتوبر المقبل بالتسابق على منصب رئاسة مجلس المستشارين وما يتطلب ذلك من البحث الحثيث عن حصة أكثر ما يمكن من المقاعد بالنسبة لمختلف الهيئات الناخبة سالفة الذكر على صعيد كل جهة من جهات المملكة مهما كان الثمن مادامت مقتضيات مدونة الانتخابات معطلة لترك المجال أمام المبادرة الحرة والبيع والشراء بكل شفافية للفوز بمقعد إحدى الهيئات الناخبة وتمثيلها بمجلس المستشارين لمدة 9 سنوات كاملة. ولازال الرأي العام الوطني يتذكر العمليات الانتخابية بخصوص التنصت على مرشحين أريد لهم أن يكونوا «كبش الضحية» في «سوق نخاسة» ساد فيه التسابق على شراء الأصوات من طرف المرشحين للانتخابات الخاصة بتجديد ثلث مجلس المستشارين التي جرت في شتنبر 2006. ويكفي لأحد المرشحين بجهة طنجة تطوان فخرا أنه تمكن من الفوز بمقعد هيئة الأعضاء المنتخبين في مجالس الجماعات الحضرية والقروية بحصة تدعو للدهشة رغم أنه ترشح باسم حزب لا ينتمي إليه أي عضو من هذه الهيئة الناخبة. ونفس الحالة عرفتها نفس الجهة خلال الانتخابات الخاصة بتجديد مجلس المستشارين سنة 2000 عندما تمكن من الفوز مرشح باسم هيئة سياسية لا تتوفر على أي مستشار جماعي، بل ربما لم تشارك حتى في الانتخابات الجماعية لسنة 2003. إن الطريقة التي يتم بها انتخاب أعضاء مجلس المستشارين من مختلف الهيئات الناخبة، باستثناء هيئة المأجورين، تساعد على تزوير العملية الانتخابية والتلاعب بإرادة الناخبين عن طريق الضغوط المادية والمعنوية والإكراهات المتعددة الأوجه، بما في ذلك بالأساس الاستعمال المفرط للمال الذي أصبح اللجوء إليه في كل تجديد لثلث مجلس المستشارين من أجل الفوز بالمقاعد يشكل خطرا حقيقيا على تجربة نظام الثنائية البرلمانية ويعرقل المسار الديمقراطي بالبلاد، ذلك أنه في الوقت الذي طالبت فيه أحزاب الكتلة الديمقراطية بإلغاء ثلث مجلس النواب كما أقره دستور 1972 بواسطة مذكرة الإصلاحات الدستورية التي رفعتها إلى جلالة الملك المغفور له الحسن الثاني سنة 1991 باعتباره شكل على الدوام مجالا لإفساد الانتخابات التشريعية وتزوير الخريطة السياسية وصنع أغلبية نيابية مصطنعة داخل مجلس النواب، لكونه ينتخب بطريقة غير مباشرة كما هو الشأن حاليا بالنسبة لمجلس المستشارين، فإن إحداث غرفة ثانية بالطريقة التي أقرها دستور 1996 المعدل والفصول التنظيمي المتعلق بمجلس المستشارين، بما في ذلك بالأساس كيفية انتخاب أعضاء المجلس لم يحقق الأهداف النبيلة المتوخاة من الإصلاحات الدستورية المتمثلة في وضع حد لتزوير الانتخابات والتلاعب بإرادة الناخبين وما يترتب عن ذلك من إفراط أغلبية برلمانية مصطنعة ومؤسسات منتخبة لا مصداقية لها ولا تحظى بثقة الشعب. إن تعزيز التجربة البرلمانية المغربية ودعم العمل البرلماني بما يضمن ترسيخ المسار الديمقراطي وتمكين البلاد من مؤسسات منتخبة قوية ذات مصداقية تقوم بالمهام الدستورية المنوطة بها على الوجه المطلوب على مستوى التمثيل والتشريع والمراقبة انطلاقا من تجربة نظام الثنائية البرلمانية وما عرفته الانتخابات الخاصة بمجلس المستشارين من فساد منذ 1997، يقتضي إعادة النظر كليا في طريقة انتخاب أعضاء الغرفة الثانية بشكل يضع حدا للتلاعب بأصوات الناخبين ويضمن تمثيلا حقيقيا للهيئات السياسية بمجلس المستشارين انطلاقا من الخريطة السياسية التي أفرزتها صناديق الاقتراع ويعكس بحق إرادة الناخبين في اختيار ممثليهم بعيدا عن أية وساطة أو إكراه أو تدخل أو ضغط كيفما كان نوعه ويعطي للديمقراطية المحلية والوطنية مدلولها الحقيقي بما في ذلك اللجوء إلى أسلوب ديمقراطي يقوم على أساس توزيع المقاعد الشاغرة بمختلف الهيئات الناخبة على الأحزاب السياسية حسب عدد الأعضاء المنتخبين في كل هيئة من الهيئات الناخبة التي يتألف منها مجلس المستشارين والمتمثلة وفقا لمقتضيات الفصل 38 من الدستور، في ثلاثة أخماس يمثلون الجماعات المحلية والخمسان الباقيان يمثلون الغرف المهنية والمأجورين. لقد أبانت الممارسات السابقة التي عرفتها العمليات الانتخابية الخاصة بتجديد ثلث مجلس المستشارين عن فشل طريقة الاقتراع في تحقيق نزاهة الانتخابات وانعكاس ذلك سلبا على صورة الغرفة الثانية وسمعة المؤسسة التشريعية ومصداقية المؤسسات المنتخبة ككل وتطور مسيرة البناء الديمقراطي في شموليته، مما يجعل مراجعة هذه الطريقة ضرورة ملحة حتى لا يظل المجلس الثاني للبرلمان موضع سؤال مادامت الانتخابات الخاصة بأعضائه مطعون فيها في الوقت الذي تعتبر فيه نزاهة الانتخابات المدخل الأساسي لمصداقية المؤسسات التشريعية وتحصينها من كل الشوائب والاختلالات وتعزيز مكانتها ومصالحة المواطنين معها وإعادة الاعتبار لها مادام البرلمان يشكل القلب النابض للديمقراطية وأرفع تعبير عن الإرادة الشعبية والأداة المثلى لتفعيل المشاركة الشعبية في تدبير الشأن العام والفضاء الأمثل لتوطيد الصرح الديمقراطي والمساهمة في زيادة الإشعاع الدولي للبلاد.