يفتتح جلالة الملك يومه الجمعة، طبقا لمقتضيات الفصل 40 من الدستور، دورة أكتوبر من السنة التشريعية الثالثة من الولاية التشريعية الثامنة للبرلمان 2007 2012 حيث يتطلع الرأي العام الوطني وكل المتتبعين للحياة السياسية بالبلاد الى الخطاب الملكي الذي سيفتتح به جلالة الملك الدورة التشريعية الخريفية التي تأتي بعد الاستحقاقات الانتخابية التي عرفتها بلادنا هذه السنة ابتداء من الانتخابات الخاصة بمجالس الجماعات الحضرية والقروية ومجالس العمالات والأقاليم والمجالس الجهوية والغرف المهنية وتجديد ثلث مجلس المستشارين الذي مرت على إحداثه 12 سنة بعد الرجوع الى نظام الثنائية البرلمانية المعقد الذي جاء به دستور 1996 المعدل وما طرحته التجربة الحالية من نقاش وجدل في الأوساط السياسية والدستورية بالنظر لما يتمتع به كل من مجلسي البرلمان بنفس الاختصاصات على مستوى التشريع ومراقبة العمل الحكومي، مما يجعل المؤسسة التشريعية في حقيقة الأمر تشكل برلمانين لهما نفس الصلاحيات الدستورية، كما جاء في الخطاب الملكي السامي بمناسبة افتتاح دورة أكتوبر 1999 عندما أكد جلالة الملك محمد السادس على ضرورة تعديل النظامين الداخليين لكل من مجلس النواب ومجلس المستشارين والتنسيق بينهما عن طريق تشكيل لجان مختلطة باعتبار المجلسين ليسا برلمانين منفصلين، بل غرفتين لبرلمان واحد ينبغي العمل فيه على عقلنة المناقشات ورفع مستواها وتفادي تكرارها وحسن تدبير الزمن المخصص لها سواء على مستوى اللجان أو الجلسات. بالاضافة الى ما يشكله الخطاب الملكي بهذه المناسبة من أهمية بالغة وحدث بارز في الحياة السياسية المغربية بما يتضمنه من توجيهات ومبادرات تعتبر أرضية للعمل البرلماني والحكومي في ظل وضعية تفرض على البلاد مواجهة العديد من التحديات الداخلية والخارجية. ويكتسي الدخول البرلمني للسنة التشريعية 2009 2010 طابعا متميزا بالنظر لطبيعة المهام التي تنتظر البرلمان بمجلسيه: فعلى مستوى الغرفة الأولى، فإن مجلس النواب مطالب بانتخاب اعضاء مكتب المجلس الثلاثة عشر لمدة سنة على أساس التمثيل النسبي لكل فريق نيابي وفق مقتضيات الفصل 37 من الدستور وكذا رؤساء اللجان النيابية الدائمة الستة انطلاقا من المتغيرات الجديدة التي عرفتها تركيبة المجلس ، مع العلم ان دورة ابريل المقبلة ستعرف انتخاب رئيس مجلس النواب كما ينص على ذلك الفصل 37 من الدستور، ذلك أنه إذا كان أعضاء مكتب المجلس ينتخبون كل سنة، فإن انتخاب رئيس المجلس يتم أولا في مستهل الفترة النيابية ثم في دورة أبريل للسنة الثالثة من هذه الفترة انطلاقا من التعديل الذي جاء به دستور 1996 المعدل فيما يخص انتخاب رئيس مجلس النواب لتمكين رئاسة المجلس من الاستمرارية اللازمة والاستقرار الضروري لمدة نصف الولاية التشريعية على الأقل. وعلى مستوى الغرفة الثانية، فإن مجلس المستشارين موكول إليه مهمة انتخاب رئيس لمدة 3 سنوات وكذلك الشأن بالنسبة لأعضاء المكتب ورؤساء اللجان البرلمانية انطلاقا من الخريطة السياسية التي أفرزتها الانتخابات الخاصة بتجديد ثلث مجلس المستشارين التي جرت يوم 2 أكتوبر الجاري. ومن المنتظر أن تكون الدورة التشريعية ساخنة سواء على مستوى مراقبة العمل الحكومي بالنظر للقضايا المطروحة التي تشغل بال المواطنين وتستأثر باهتمام الرأي العام الوطني أو على مستوى التشريع باعتبار طبيعة النصوص التشريعية المعروضة على اللجان البرلمانية الدائمة للدراسة والبت فيها والمتبقية من الدورة التشريعية السابقة التي كانت حصيلتها ضعيفة من حيث الأداء التشريعي بسبب تزامن أشغال الدورة مع الاستحقاقات الانتخابية التي عرفتها البلاد هذه السنة منذ الانتخابات الخاصة بمجالس الجماعات الحضرية والقروية التي جرت يوم 12 يونيو الماضي، مما يجعل اللجان البرلمانية مطالبة بتسريع وتيرة عملها التشريعي لتدارك هذا الضعف التشريعي بالدراسة والبت في النصوص التشريعية المتبقية، خاصة فيما يتعلق بمشاريع القوانين المحالة على البرلمان بمجلسيه والتي وصل عددها 34 مشروع قانون، 22 منها لدى مجلس النواب و 13 لدى مجلس المستشارين بالاضافة الى 14 مقترح قانون: 75 منها لدى مجلس النواب و 71 لدى مجلس المستشارين، مع العلم ان مشاريع القوانين التي أحالتها الحكومة على البرلمان يكتسي بعضها طابعا استعجاليا لارتباط مضامينها بتنظيم قطاعات مهنية او إنتاجية أو تهم معالجة بعض القضايا المطروحة داخل المجتمع بالاضافة الى مشروع قانون المالية لسنة 2010 المطلوب ان يودع بمكتب أحد مجلسي البرلمان قبل نهاية السنة الجارية 70 يوما على أبعد تقدير والمصادقة عليه قبل 31 دجنبر المقبل من طرف مجلسي البرلمان. ويبقى التأهيل البرلماني على مستوى المسألة الانتخابية وتطوير العمل النيابي تشريعا إصلاحيا ومراقبة مسؤولة وتأطيرا ميدانيا ودبلوماسية موازية مقدامة الهدف المنشود بما يقتضيه تجاوز البرلمان التمثيلية التقليدية الى برلمانية حديثة تصبح معها المؤسسة اكثر فعالية تمارس كافة الاختصاصات التمثيلية والتشريعية والرقابية الموكولة اليها بنجاعة ومسؤولية وتساهم في زيادة الاشعاع الدولي للمغرب لما فيه ضمان ترسيخ دولة المؤسسات وتقوية البناء الديمقراطي وتحصين المؤسسات الدستورية من كل الشوائب والاختلالات مادامت النيابة عن الأمة ليست امتيازا أو ريعا مركزا أوحصانة لمصالح ذاتية، بل هي أمانة جسيمة والتزام بالصالح العام كما اكد ذلك جلالة الملك بمناسبة افتتاح السنة التشريعية في ظل العلاقات الدولية المعاصرة التي أصبح فيها البناء الديمقراطي الحقيقي يشكل دعامة اساسية ومحركا مركزيا وعنصرا فاعلا وكاملا استراتيجيا لاحتلال الدول المكانة اللائقة بها بين الأمم، ذلك أنه مهما كانت المكاسب التي تحققت في البناء الديمقراطي، فإنها تظل مجرد واجهة صورية وهياكل بدون روح إذا لم يتم تحصينها في شموليتها وبأبعادها التنموية والاجتماعية والسياسية والحقوقية في اطار دولة الحق والقانون. مادامت معركة الجهاد الأكبر التي نادى بها جلالة الملك محمد الخامس طيب الله تراه عند عودة جلالته من منفاه سنة 1955 مستمرة على مختلف الواجهات وفي شتى المجالات لربح رهان الديمقراطية الحق والتنمية الشاملة.