الموقع الاستراتيجي للمغرب يعزز دوره في توريد الأسمدة والأمن الغذائي بإفريقيا    المجلس الأعلى للتربية والتكوين يعقد دورته السابعة    وزارة الاقتصاد الإسبانية: المغرب.. الشريك التجاري الأول لإسبانيا في إفريقيا    دعما للبوليساريو .. الجزائر تراجع امتيازات منحتها لفرنسا قديما    الرئاسة المغربية لمجلس السلم والأمن: المغرب يدعو إلى العمل على استعادة الاستقرار والسلم والازدهار بجنوب السودان    تكليف السيد إسماعيل الفتح بمهمة تطوير التحكيم المغربي    الإبادة مستمرة.. قتلى وجرحى في استهدافات إسرائيلية جديدة بغزة    المغرب يعزز قدراته العسكرية بنشر وحدات للحرب الإلكترونية بالقرب من سبتة ومليلية    تفاصيل قرار ترحيل الجزائري رشيد نكاز من المغرب    تطوان.. تساقطات مطرية تتجاوز 420 ملم تُنعش الفرشة المائية وتبشر بموسم فلاحي جيد    توقيف مشتبه به في ترويج المخدرات الصلبة بمدينة الحسيمة    المغرب.. توقع بلوغ نمو الاقتصاد 3,9 في المائة سنة 2025    بورصة الدار البيضاء تعزز أرباحها عند الإغلاق    الذهب يبلغ ذروة جديدة مع تزايد التوتر بسبب غزة والرسوم الجمركية    بنك المغرب: النمو الاقتصادي سيتسارع ليصل إلى 3,9% في 2025 و4,2% في 2026    الدريوش: فخورة بالانتماء إلى "الأحرار" وراضية عن أداء ونتائج وزرائه    اكتشاف أثري يغير التاريخ.. كتابات أمازيغية في إسبانيا    وزارة التربية الوطنية تطلق مباراة مهنية لتعيين 6 آلاف أستاذ للثانوي في السلم 11    التمني في زمن التفاهة.. بين الحلم والواقع    مهرجان تطوان لسينما البحر الأبيض المتوسط يحتفي بذكراه الثلاثين ويكشف عن أعضاء لجنتي التحكيم    مقتل المتحدث باسم "سرايا القدس"    "حلق لحية السرباية" يثير خلافات أرباب المقاهي والمطاعم المغاربة    "الرشيدي" يترأس اجتماعا يَهٌمٌ النهوض بحقوق الأشخاص في وضعية إعاقة    وداد برطال: أهدي التتويج ببطولة العالم للملاكمة إلى الملك محمد السادس    حماس تعلن أسماء قياديين قتلوا بضربات إسرائيل على قطاع غزة    أيوب كريطع يتوج بجائزة أفضل أداء تمثيلي في مهرجان مونس السينمائي    الناظور.. العثور على بقايا حمار يثير مخاوف من تسويق لحوم غير صالحة للاستهلاك    دعوات في المغرب إلى احتجاجات تضامنية مع الفلسطينيين بعد غارت إسرائيلية أودت ب413 شخصا في غزة    نسبة ملء السدود بالمغرب تتجاوز 35 بالمائة    الكاف: وليد الركراكي حقّق إنجازا تاريخيا رفقة المنتخب المغربي    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأربعاء    اضطرابات النوم في رمضان: البحث عن التوازن بين الصيام والراحة    أولمبيك خريبكة يعلن تعيين التونسي منير شبيل مدربا للفريق    المكتب الوطني للفضاء المغربي للمهنيين يناقش تحديات التجارة والاستثمار ويدعو لإصلاحات عاجلة    مجلس الحكومة يتدارس مدونة السير    الكونغرس البيروفي يحث الحكومة على دعم مغربية الصحراء    أربع ميداليات للمغرب في الألعاب العالمية الشتوية - تورينو 2025    مدرب رينجرز يشيد بإيغامان: "موهبة كبيرة ويمكنه الوصول إلى مستويات عالية في عالم كرة القدم"    الركراكي يصر على قدوم لاعبه الطالبي إلى التدرايب رغم الإصابة والصحراوي يلتحق مصابا    ميلاد رسمي لنشاز سياسي    روبنسون الظهير الأيسر لفولهام الإنجليزي: "حكيمي أفضل ظهير أيمن في العالم"    أكثر من 350 قتيل بعد استئناف اسرائيل عدوانها على قطاع غزة    مختصون يناقشون راهن الشعر الأمازيغي بالريف في طاولة مستديرة بالناظور وهذا موعدها    "التراث الإسلامي في طنجة: بين ندرة المعطيات وضرورة حفظ الذاكرة"    "إفطار رمضاني" في العاصمة الرباط يُنوه بتوازن النموذج الحضاري المغربي    إسرائيل تشنّ هجوما واسعا على غزة    الشيخ أبو إسحاق الحويني يرحل إلى دار البقاء    الترجمة و''عُقْدة'' الفرنسية    "طنجة تتألق في ليلة روحانية: ملحمة الأذكار والأسرار في مديح المختار"    التوتر الأسري في رمضان: بين الضغوط المادية والإجهاد النفسي…أخصائية تقترح عبر "رسالة 24 "حلولا للتخفيف منه    الرياضة في كورنيش مرقالة خلال رمضان: بين النشاط البدني واللقاءات الاجتماعية    دراسة جديدة تربط بين الطقس الحار وأمراض القلب في أستراليا    شهر رمضان في أجواء البادية المغربية.. على إيقاع شروق الشمس وغروبها    حادثة سير خطيرة قرب طنجة تسفر عن وفاة وإصابات خطيرة    الأدوية الأكثر طلبا خلال رمضان المضادة للحموضة و قرحة المعدة!    لا أيمان لمن لا أمانة له ...    أبرز المعارك الإسلامية.. غزوة "بني قينقاع" حين انتصر النبي لشرف سيدة مسلمة    ظاهرة فلكية نادرة مرتقبة فجر يوم غدٍ الجمعة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التمني في زمن التفاهة.. بين الحلم والواقع
نشر في لكم يوم 18 - 03 - 2025

نعلم ويا ليتنا لم نكن نعلم في عالم اليوم، حيث أصبح التمني يا بني أمي فعلًا يوميًا يمارسه الكثيرون ولقد قيل ومن أعجب ما قيل حتى مخلوقات الخلق نفسها تتمنى، آه صدقتهم يا سيدنا سليمان وفي القلب شيء من حتى، لكنه في كثير من الأحيان أخال أن التمني لا يتجاوز كونه مجرد هروب من واقع غارق في التفاهة" صدق او لا تصدق أيها المتلقي المحتار مثلي". فمع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي وتضخم المحتوى السطحي، تحولت الأماني والأحلام والطموحات إلى مجرد رغبات عابرة لا تتعدى حدود الشاشات وإن كنت صاحب مخيال استثنائي فتلك هبة ربانية استجابت لها الطبيعة فصرتما واحدا في الكل، أو ما يصطلح عليه في الصوفية ب" أفكر خلالها كما تفكر خلالي، أكيد نوع من الحلول" ، هذا ما يجعلني شخصيا ونيابة عن أمثالي أجعله في خانة ما يطرح تساؤلات جوهرية حول دور التمني في هذا العصر: فهل من حقي أن اعتبره مجرد أداة للتحفيز والتغيير أم مجرد وسيلة لتخدير العقول، فكلاهما يخنقني رباه؟
فما دمنا نتمنى ونحن نعيش الحياة بين الواقع والخيال، سأعتبر وبشجاعة عاشق الكتابة أنهما أصلا يصنفان في جوهرهما تعبيران عن رغبة الإنسان في تحسين حياته مع امكانية إدراك هذه الغاية، لكنهم حتما يختلفان بين كونهما خطوة أولى نحو تحقيق الأهداف وبين كونهما أيضا مجرد أوهام تبقي الإنسان حبيس أحلامه ومتمنياته. ففي زمن التفاهة، صرت وصار كثير من الناس يتمنون النجاح دون جهد، والشهرة دون موهبة، وقصف الثمرة دون غرس اشجارها بعيدين عن حكمة" غرسوا فأكلنا ونغرس ليأكلوا"، وكم يتمنون الثراء دون كد وعمل! ولعل ثقافة "الشهرة الفارغة" أصبحت هي الاخرى تشجع هذا النمط، حيث يكفي أن يكون الشخص مثيرًا للجدل أو مقلدًا لآخرين حتى يحقق انتشارًا واسعًا، وتحضرني في هذا المقام بالذات قصة الصرصار والنملة مع احترامي لقدسية النملة في القرآن الكريم: اليست هي من اخبرتم النمل خوفا من سيدنا سليمان" ادخلوا مساكنكم حتى لا يحطمنكم وسليمان وجنوده…»؟ أكيد الجميع سيتفق معي ونحن نتساءل في استغراب: كيف أفسدت التفاهة معنى التمني؟
– هل يحق لنا الكلام عن التمني الاستهلاكي؟ حيث لم يعد التمني مرتبطًا بأحلام كبرى أو طموحات نبيلة، بقدر ما أصبح مجرد رغبة في امتلاك أشياء أسواء كانت مادية أم تحقيق شهرة مؤقتة ومع ذلك نستمر في اضغاث أحلامنا متمنين لكن كمن يغرف من صخر وينتحت من بحر. فكثيرا ما يسيطر على الأذهان مفهوم "أتمنى أن أصبح مشهورًا"، بدلًا من "أتمنى أن أكون مؤثرًا بإيجابية" وبينهما مسافات ضوئية بني أمي.
كما أننا كثيرا ما تغتالنا الحقيقة دون أن ندري أو لا ندري حين نسقط في تكن فلكوري الهوى:لنقع أسرى في التمني العاجز والمستحيل، ومع ذلك نمني النفس وكأننا خرجنا على التو من مارستان لا يوصف: وهذا لا يأتينا بضربة لازب بل بفضل الانغماس في ثقافة "كل شيء سهل"، حيث بات البعض يعتقدون أن مجرد التمني يبقى كافٍ لتحقيق الأحلام دون عمل أو جهد وهي أمثلة أصبحنا نعيشها مع الاسف الشديد في العالم العربي، مما نتجت عنه مسرحيات مضحكة مبكية في آن واحد وهذا ما تطرق إليه الفنان الجزائري في أدب السخرية "فلاك" وسمى هذا النمط من المنتظرين " les hitestes- العاطلون ظهورهم أو المستندون ظهورهم للحائط.. وهكذا، أصبح الكثيرون يرددون عبارات مثل: "أتمنى أن أكون ثريًا"، علما أن الأمر لا يتعلق هنا بالبلاغة والحال أنهم لا يتخذون أي خطوات فعلية لتحقيق ذواتهم.
ومن منا كان ينتظر مفهوما حداثيا أو ما بعد حداثي لمصطلح التمني هذا؟ أبدا لم يكن يخطر على بال أحد، كل كان يتمنى على سجيته، التيه في هذا العالم الذي مهما كان يظهر كما قال أنطونيو ما شادو: "El Mundo es ancho y ajeno / العالم واسع وغريب "، سيبقى نصا مفتوحا كما حدده بذكاء اومبيرتو ايكو، ومع التكنولوجيا الحديثة التي جعلت فعلا العالم عبارة عن قرية صغيرة، وأكاد أعترف أنها غدت مجهرية لآح لنا مصطلح التمني وهو يعتلي صهوة عالم افتراضي حول معه التمني على شاكلته.
3 – التمني الافتراضي : وفي ظل سيطرة وسائل التواصل وبشكل سريع وأزعم أنه باغتنا كلمح البشر، أصبح التمني مجرد منشورات وشعارات فارغة مثل "أتمنى أن أعيش حياة جميلة" و " أتمنى أن لو كان لي جناحان لعبرت إليك أيتها الحبيبة السندبادية "، بعيدين من أي محاولة نستطيع من خلالها جعل هذه الحياة واقعًا لا ضربا من الخيال الذي لا يعدو أن يكون مجرد أضغاث أحلام هاربة منا. وهكذا رضينا بأحلامنا وأضغاث أحلامنا هذه إلى أن صار التمني وسيلة للبحث عن التعاطف والتفاعل أكثر من كونه دافعًا للتغيير الحقيقي، أكيد يبقى الحلم جزء من حياة الإنسان لكن شريطة ألا يتعدى الممكن من غير الممكن قد يجعلنا مرضى ونحن في حقيقة الأمر لسنا كذلك. ومع ذلك يزداد خوفنا ونحن نعيش أحلامنا المبررة والقابلة للتحقق، ونحاول ما استطعنا اليه سبيلا إنقاذ متمنياتنا من التفاهة، وفي عصر يسير مصيره إلى الهاوية ومصدرا للضياع المقنن، ترى هل يمكن إنقاذ التمني من التفاهة؟
لسنا في هذا الصدد من دعاة من يريدون ويطمحون إلى كنس حقيقة تعتبر من مكونات شخصية الانسان والتي جبل عليها منذ العنعنة؛ وإلا لولا التمني لضاع منا كل شيء بما فيه إنسانية الانسان، فجميل بل حري بالإنسان أن يجعل للتمني دورا ذات أهمية قصوى، ولعلنا لو حاولنا توظيفه بشكل منطقي سليم وصحيح لأصبحنا مع تمنينا خير أمة أخلاقيا ودينيا وفلسفيا بل واقتصاديا شريطة تدبر هذا المصطلح تدبرا عقلانيا لا يعلى عليه في خضم القيل والقال وما يقولون. فمع للتمني يمكن أن ننشد الحكمة القائلة المسافة تبدأ بالخطوة الأولى؛ بها سنطل على المنجزات المقترن بالعمل الجاد الواقعي، ولعمري هذا ما يميز الشخص الناجح من الفاشل وغيرهم كثر في عالم غريب في تطوره وفي تجمده وسكونه السينيكي البئيس. وهكذا نصل تدريجيا الى الحقيقة المطلقة حيث التمني وحده لا يحقق شيئًا، لكنه قد يكون الشرارة الأولى التي تدفع الإنسان للعمل على تحقيق حلمه.
خاتمة
في زمن التفاهة، وفي نظام التفاهة كما جاء في كتاب د. آلان دونو أصبح التمني سلاحًا أفتك من القنبلة النووية التي فعلن ما فعلته في الحروب الشرسة وهو كما نعلم ذو حدين؛ إما أن يجعلن نلهث إلى تحقيق الأحلام، أو يبقى مجرد وسيلة للهروب من الواقع. فوحده الإنسان الحاذق والقادر على تحويل أمانيه إلى أفعال وهم قلقة قليلة يمكنهم تجاوز هذا الزمن، ووحدهم القادرون على صنع واقعهم الذين طالما كانوا ينشدونه، وكان الامر يتعلق أصلا برسالة خالدة بها يستطيعون ترويض الأميين هذه ".. الطبقة الأدنى من الناس..»؛ باستعباد خيالهم وعنادهم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.