من دون احساس، كانت العاطفة تدغدغنا وتأخذ بنا الى نسج احتمالات نتوقعها حقيقة للوصول الى نتائج نتمناها. وبما ان الحلم شيء والواقع امر اخر تماما في مثل هذه المتمنيات، التي لا تستند الى قواعد علمية مضبوطة، ولا الى مرتكزات مادية واضحة قادرة على بلورة المأمول ليتجسد في مشهد واقعي ملموس، فمن الطبيعي الادراك ان فاقد الشيء لا يعطيه، وأن الاحلام الوردية لا محالة في هذه الحالات تولد كوابيس مرعبة تنهار معها أحلام اليقظة ويستفيق الشعورلملامسة الواقع الذي كثيرا ما نخشى مواجهته. بالأمس القريب جدا، كان الاحتفال بصعود وعودة سندباد الشرق للعب ضمن فرق الصفوة في البطولة الاحترافية اتصالات المغرب، وبالحفل المنظم آنذاك على شرف مكونات الفريق، بحضور وازن لشخصيات رياضية ومنتخبين وإعلاميين ومهتمين، كانت السعادة بادية على الجميع، والكل في قرارات أنفسهم كان الإحساس بالمساهمة بنصيب في التتويج وإعادة الفريق إلى مكانته الطبيعية مع فرق النخبة، وكثير هم من استغلوا الحدث و شهدوا على حسنات انجاز الصعود الذي عاشوه بدقائق أموره وجزئيات تفاصيله، تم تناوبوا على اخذ الكلمات، والإفصاح بعد سرد دواعي الابتهاج عن نتائج تحركات وتدخلات لدى جهات معدودة، منعشين وفاعلين اقتصاديين ،وجرى تسليم شيكات من مستشهرين مستقبليين، وتم الوعد بمفاجآت شراكات وازنة ، في الوقت الذي اقتصرت مساهمات آخرين ومداخلاتهم باستحضار تاريخ الفريق الحافل بالانجازات وبأسماء كروية أبدعت في الميدان وأخرى شهد لها القاصي والداني في التسيير. كان طبيعيا أن يحلم عشاق سندباد الشرق بنيل البطولة، بلعب الأدوار الطلائعية وتبوء المراتب المتقدمة، كان الجمهور يرى في فريقه الصاعد العائد لسان تعبيره أن نجاحات المدينة ونهضتها، التي رسخ قواعدها ملك البلاد في مختلف القطاعات، لا يمكن للرياضة عموما وكرة القدم على الخصوص أن تسقط عن الإجماع، بل قادرة أن تساهم في التعريف بالمدينة وتاريخها وإبراز أوجه تميزها وتنوع خصوصياتها. لكن، للأسف مع مرور الدورات انكشفت الحقائق، ، تدبدب في النتائج، صعوبة في فهم استراتيجية واضحة من القائمين على شؤون تدبير الفريق، ضعف واضح في الإمكانات البشرية والمالية، عدم القدرة على مجارات أطوار البطولة ...كلها أمور جعلت مجرد الحلم ضربا من الخيال وتعلقا بقشة كثيرا ما تطايرتها رياح السياسة وتدخلات اللحظة الأخيرة التي نسجت الأمل فتولد الوهم، وكشفت أن المشاكل التي يعاني منها الفريق في أساسها بنيوية نجم عنها فقدان الثقة بين الثلاثي الذهبي: إدارة مسيرة، لاعبين واطر تقنية والجمهور. إذن،سقط الفريق إلى القسم الموالي وعاد من حيث أتى بالأمس. واقع كثيرا ما تحاشينا مجابهته. دقت ساعة الحقيقة، فبعد هذا الإخفاق المدوي، أصبح من المفروض تنظيم "حفل" كما كان الشأن عليه يوم الصعود لقسم الصفوة. وتجتمع الوجوه كما حضرت أول مرة، تلقى فيه أيضا الكلمات ، وتوجه الانتقادات والمكاشفة بتشريح جثة فريق قتلته الارتجالية، بتحليل مآلات مالية الفريق، بوضع الأصبع على مكامن الخلل التي جعلت من نادي عريق يتخول إلى نادي غريق، ومن حلم جماهيري مشروع إلى كابوس يحبس الأنفاس. لا بد ادن من ربط المسؤوليات بالمحاسبة، فكما للنجاحات نياشين تعلق على صدور متبنيها، فان للإخفاقات مسؤولين عنها وجب عليهم امتلاك الشجاعة للاعتراف بها وتحمل تبعاتها. سندباد الشرق داسته صراعات الإرادات، إرادات ترى من موقعها أنها تمثل الشرعية، وإرادات ترى في نفسها المدافع الأوحد والضامن للاستمرارية، وإرادات أخرى تحاول تجسيد البديل القادر على تحقيق الحلم الموعود. وإرادات الجماهير التي أصبحت تندب حظها العاثر التعيس وهي تمني النفس بالحنين لاسترجاع أمجاد الماضي المشرق للفريق. فكما صعدت المولودية بالأمس وأفرحتنا، اليوم أبكت مدينة بسقوطها، وبدا الإحباط واضحا على عشاق سندباد الشرق المدفوع إلى خوض مغامرة أخرى في الدرجة الثانية نتمناها هذه المرة رحلة الخلاص والعودة السريعة لقسم الأضواء والمكوث فيه وحصد الألقاب وإسعاد الجماهير التي لم تتخلى يوما عن مساندة الفريق وتشجيعه.