الخط : إستمع للمقال كشفت الممارسة السياسية الأخيرة لحزب الأصالة والمعاصرة من داخل مكونات الائتلاف الحكومي عن تخلف قياداته السابقة واللاحقة عن المبادئ المؤسسة للحزب، كما هي منصوص عليها في أوراقه المذهبية وقوانينه الداخلية، وفاءا لروح حركة لكل الديموقراطيين التي اعتبرها كثيرون حينذاك تعزيزا للصف الحداثي الديموقراطي من أجل مواجهة التطرف (تجارة الدين) سابقا وصولا إلى التغول ( تجارة الرأسمال) لاحقا. 1. معارضة أغلبية ويلمس المتتبع للشأن الحزبي في المغرب، خاصة أحزاب التحالف الثلاثي، أننا أمام ملامح تشكل ممارسة سياسية نشاز مرتبطة بازدواجية سياسية في الرؤى والمواقف بين العضوية في الحكومة وتشكيل الائتلاف داخلها، أي الموقع السياسي في الأغلبية، وبين تبني خطاب معارض من داخل المؤسسة الحزبية. هذه الازدواجية، تجلت بداية من خلال محطات متكررة من مهرجانات خطابية وخرجات كرنفالية وتصريحات لمنابر إعلامية، إلى انتقالها لسلوكات وممارسات سياسية حزبية أقل ما يقال عنها أنها نشاز في أوساط السياسة وأهلها. ومثال ذلك البلاغ الصادر عن أعلى مؤسسة للقرار الحزبي وهو المكتب السياسي لحزب البام الذي ندّد بدوره، كباقي مكونات التحالف الأوليغارشي، باستمرار ارتفاع الأسعار والسعار الذي بلغ مداه في هذا الشهر الفضيل بخصوص الارتفاع المهول لأثمان المنتوجات الغدائية التي يحتاجها المغاربة في موائد إفطارهم اليومية، وكأن البام لا يوجد من داخل الحكومة، حتى يخيل إلينا أنها حكومة مغلوب على أمرها محكومة من طرف لوبيات المضاربة والاحتكار. بل الأدهى من ذلك، دعوة المكتب السياسي ذاته الحكومة إلى إلغاء الإعفاءات الضريبية والجمركية المتخذة لتخفيض أسعار اللحوم، في الوقت الذي كان من الممكن أن يترجم دعوته هذه إلى تبني إجراءات مسطرية وقانونية من داخل البرلمان بغرفتيه ومن داخل التحالف الحكومي نفسه. هنا أمكننا طرح سؤال وجيه، هل هناك انسجام خطابي من داخل الحكومة؟ وهل هو نفس الانسجام من داخل الأحزاب المشكلة لها؟ أي كل حزب في علاقته بنفسه وبموقعه السياسي، وهل هذا فعل سياسي نشاز في التاريخ وفي الفعل الحزبي المغربي برمته؟ قد يقول قائل في إطار التجارب السياسية المقارنة التي من الضروري استحضارها في هذا المقام، على سبيل المثال لا الحصر، أن ما يقوم به حزب البام اليوم هو تقليد سياسي راسخ في نماذج الديموقراطيات العتيدة من قبل النموذج الفرنسي، في إطار التعايش بين الرئيس ورئيس الحكومة أو النموذج الألماني، حيث تحافظ الأحزاب الكبيرة (مثل الحزب الديمقراطي الاجتماعي والاتحاد الديمقراطي المسيحي) على استقلالية الحزب عن الحكومة، بل حتى النموذج الإسباني المتمثل في حزب بوديموس الذي كان مشاركا في الحكومة الائتلافية مع الحزب الاشتراكي السابق، لكنه ظل محافظا على هامش الاستقلالية في المواقف وكان ينتقد الحكومة حتى لا يتم ابتلاعه حكوميا وشعبيا كحزب صغير. غير أن هذا الرأي مردود على قائله، لأن تلك الأحزاب السياسية التي تمارس هاته الممارسات قد وضعت ضوابط صارمة ومواثيق واضحة تؤطّر مسافة الأمان والتباعد الذي يجب أن يكون بين القرار الحزبي والقرار السياسي من داخل الأغلبية الحكومية، وبالتالي تفتح هوامش للنقد الذاتي والاستدراك على الفاعل الحكومي من داخل الأحزاب المشكلة للأغلبية، لكن انطلاقا من فلسفة إيجاد البدائل السياسية أثناء الولاية الحكومية نفسها، وهذا أيضا مظهر من مظاهر الديموقراطية الداخلية التي تتمتع بها هذه الأحزاب في هذه الأنظمة السياسيّة المتقدمة. 2. توأم الحزبي والحكومي ولنعد إلى التجربة السياسية المغربية اليوم، أولا، لنطرح سؤالا جديدا من قبيل: هل هناك من رؤية سياسية واضحة للفصل بين القرار الحزبي والتدبير السياسي من داخل الحكومة؟ أكاد أجزم بعدم وجودها. ثانيا، لنعتمد منطقا براغماتيا مغرقا في النفعية لنتساءل: هل سيترتب عن هذا الخطاب المعترض الذي تبناه بلاغ المكتب السياسي لحزب الأصالة والمعاصرة قرار داخل الحكومة؟ أكاد أجزم بالنفي مرة أخرى. وإذا كان جواب على السؤالين أعلاه بالنفي، فما الجدوى من هذا الخطاب؟ إذا لم يكن لبلاغ سياسي بهذا الأسلوب إسقاط على مستوى القرار الحكومي، فإلى من يتوجه ومن هو المخاطب؟ هل إلى الرأي العام مثلا؟ إن كان كذلك، ألَن يكون استبلادا للمواطنين والمواطنات عموما ولقواعد الحزب على وجه التحديد؟ إذا كانت هذه الممارسة الجديدة والناشئة والمتخلقة من أمشاج ازدواجية الخطاب بين الحكومي والحزبي هي الحجر الأساس لبنيان هذا البلاغ، فإن الفقرة المخصصة للوضع الحقوقي والديموقراطي في المغرب، هي بمثابة اللغم الذي وضع تحت أقدام أعضاء المكتب السياسي. إذ المؤكد أنه حديث عن واقعة أو عن وقائع حقوقية اتسمت بالانزياح عن القواعد الديموقراطية والحقوقية الوطنية والأممية من حيث معالجتها ويتفادى الحزب الإشارة لها على سبيل الإفصاح. لكن درجة البياضات التي تركها البلاغ نفسه، قد توحي بوجود ردة حقوقية عامة وهو ما يترك الباب مشرعا في وجه التأويلات التي يمكن أن تجنح إلى الشط. ويزداد هذا الغموض حدة في البلاغ نفسه، إذا تم استحضار إسقاطاته على مستوى الآليات الدولية لحقوق الإنسان والتي لا يمكن إلا أن تعمد إلى تضمين مثل هذه الخلاصات في تقاريرها، خاصة أنها خلاصات صادرة عن حزب احتل المرتبة الثانية ويقود دفة القرار السياسي بمعية حزبين آخرين. وإن كان هناك من اتفاق، يمكن لنا أن يكون مع منطوق ما جاء به البلاغ نفسه، فهو الذي يمكن حصره في ثلاث نقاط رئيسة كالتالي: تهنئة جلالة الملك بمقدم الشهر الأبرك، والإشادة بقراره الحكيم بصفته أمير المؤمنين برفع الحرج عن أبناء وبنات شعبه في إقامة شعير ذبح الأضحية، ثم التعبير عن الارتياح باستمرار اتفاق وقف إطلاق للنار في غزة، والذي نعبّر بدورنا عن عميق السعادة به رغم هشاشته، لأنه لم يلبث أن انهار ونحن نكتب هذه السطور. 3. التنافس أولا، الثقة لاحقا في الختام، الأمر هنا يتعلق بتسابق سياسي سابق لأوانه، وهو مطبوع بأنانية تجاوزت كل حدود المعقول، كما أنه في الآن نفسه يزيد من تعميق الهوة السحيقة لفقدان الثقة بين المواطنات والمواطنين وبين العمل السياسي بوصفه مدخلا للارتقاء الجماعي الشامل وليس الحزبي أو الفئوي الضيق. أعلم جيدا، ومنذ سنوات دراستي الجامعية، بوجود تنين بثلاثة رؤوس كما هو مخلد في الأساطير السلافية، ينفث النار هنا وهناك في وجه الخصوم والأعداء، لكن لم يبلغ إلى علمي أن هذا التنين الثلاثي الرؤوس ينهش نفسه بنفسه تماما كما يفعل التغول الأوليغارشي اليوم، في مشهد جديد لولادة غير طبيعية من الخاصرة لممارسات سياسية نشاز تقوض الثقة لا أقل ولا أكثر. الوسوم الأصالة والمعاصرة الجزائر المغرب حكومة أخنوش حكومة بنكيران فرنسا