حدد محمد نبيل بنعبد الله، الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، موقفه من الأحزاب السياسية المشكلة للمشهد السياسي المغربي، معلنا استمرار التحالف مع حزب العدالة والتنمية، لأن "PPS" "لا يمكن أن يدور مع الريح". وقال بنعبد الله عن مصير الحكومة، في هذا الجزء الثاني من حواره مع هسبريس، "أنا ماشي شوّافْ، ولا يمكن أن أقول لك ماذا سيقع في المستقبل"، وأبدى أمله في نجاح "الحكومة، وهو ما نشتغل عليه في الحزب، وأن يواصل العُثماني مساره إلى النهاية بنفس سياسي". وحول مصير حزب الأصالة والمعاصرة، خصوصا في ظل صعود حزب التجمع الوطني للأحرار، اعتبر بنعبد الله أن "صدارة التراكتور للمشهد الحزبي التي كانت مسطرة له، تم العدول عنها"، موردا أن "مسار البام الحالي يدل على أنهم وجدوا من أجل غاية معينة، ولم يفلحوا في الوصول إلى الأهداف المسطرة، واليوم يعيش إرهاصات التراجع أو الاضمحلال لفائدة حزب آخر". وإليكم الجزء الثاني من الحوار: نعود إلى مشاركتكم مع الإسلاميين.. الملاحظ أن ثمار هذه المشاركة في الحكومة منذ 2011 جناها حزب العدالة والتنمية في الانتخابات التشريعية الأخيرة، ما قولكم؟ هناك سببان وراء ذلك، أولهما هو أن القواعد الفيزيائية تطبق على الواقع السياسي، فعندما تكون هناك قوة مهيمنة، وهي التي يمكن أن تجسد نوعا من الالتقاء الجماهيري، يمكن أن تحصد الأغلبية، فالمواطنون كانوا يَرَوْن في التقدم والاشتراكية حزبا عتيدا وصامدا خلال الفترة الحكومية، لكن في الوقت نفسه كانوا يقولون إننا لا نملك القوة الكافية لمواجهة التيارات الأخرى، وبالتالي الذي يملك هذه القوة هو حزب العدالة والتنمية. مئات الآلاف لا علاقة لهم بالفكر المتدين والمشارب المتأسلمة صوتوا لصالح العدالة والتنمية؛ وذلك عقابا للآخرين. وعندما تطرح السؤال عليهم رغم انتماء بعضهم للفكر اليساري، يربطون ذلك بعدم القدرة على الصمود؛ لذلك وجبت تقوية من يملك العدد الكافي بهدف قطع الطريق على الآخرين، وهو التصويت المفيد. تلقينا ضربات الانتخابات الأخيرة، وما حصل لا يجسد التمثيلية الحقيقية للحزب، وهناك ما يكفي من مؤشرات في هذا المجال. هل يمكن القول إن هناك تزويرا ضد حزب التقدم والاشتراكية في انتخابات 2016؟ لا أقول بوجود التزوير، ولكن الممارسات التي كانت وكذلك الجو السياسي العام، بالإضافة إلى ما مورس من ضغوط على مستوى الدوائر محليا، أفقدنا على الأقل حوالي عشرين مقعدا، وهذه معطيات بالإحصائيات؛ حيث إن قوتنا الحقيقية تتجاوز الثلاثين مقعدا في البرلمان، هذا الأمر يعرفه جزء من الرأي العام الوطني، ونحن نقول إن هذه ضريبة النضال، وهذا مسار الحزب منذ النشأة إلى الآن. ورغم ذلك لم نفرط قيد أنملة في مرجعية الحزب وتوجهاته الكبرى، وظللنا صامدين وسنظل كذلك. بمنطق الربح والخسارة.. هل التحالف مع الإسلاميين إفادة أم خسارة للحزب؟ في الواقع لا نفكر فقط بمنطق ربح الحزب، رغم أن عدم طرح هذا السؤال سيجعل الحزب طوباويا، لكن ما نقول هل البناء الديمقراطي تقدم أم لا، لأن الرصيد الذي يمكن أن نقدمه ممزوج بين العناصر الإيجابية والسلبية؛ حيث تقدمنا في أشياء ولم نتقدم في أشياء أخرى. كان بودنا بالنظر إلى مواقفنا التي نعتبرها صائبة والتعاطف الشعبي أن نحقق ما نستحق من نتائج لأنه لا قياس بين ما نمثله وبين حضورنا في البرلمان، فالحزب فرض نفسه في الساحة السياسية، وهو ما نلمسه من خلال التواصل المباشر مع المواطنين، ومعروف لدى المغاربة. ورغم التفاوت بين ما هو حاصل وبين التمثيل في البرلمان أقول هذا قدرنا، ونتمنى أن تخلق ظروف سياسية مواتية لنحصد ما نستحقه. في هذا الصدد، هناك ملامح جديدة للتقاطبات في المغرب.. أين يجد حزب الكتاب نفسه في ظل حديث الأمين العام الحالي لحزب العدالة والتنمية عن تحالف مشترك بينكما؟ "يْصْبحْ وْيفتحْ"، ونحن لسنا مثل "الطرومبية" ندور مع الريح، نحن في تحالف بشكل واضح، وأي تحالف من شأنه تقديم المسار الديمقراطي للمغرب، ويجعلنا نبني المشروع التقدمي الذي يتيح ممارسة ديمقراطية، مؤسساتية وحقيقية، والمشاركة الجماهيرية في بلادنا، من خلال بلورة دستور 2011، ويقدم نموذجا تنمويا، ويقدم عدالة اجتماعية حقيقية، ويرتقي بالفئات الضعيفة والعدالة المجالية، سنساهم فيه باستقلالية. هل يمكن أن يتم هذا الأمر مع حزب الأصالة والمعاصرة مثلا؟ مسار حزب الأصالة والمعاصرة يدل على أنهم وجدوا من أجل غاية معينة، لم يفلحوا في الوصول إلى الأهداف المسطرة وهناك اليوم إرهاصات للتراجع أو الاضمحلال لفائدة حزب آخر (يقصد التجمع الوطني للأحرار). تتوقعون نهاية الأصالة والمعاصرة؟ ليس نهاية، بل صدارته للمشهد الحزبي التي كانت مسطرة له من دون شك أنه تم العدول عنها؛ وذلك حسب المعطيات التي تتضح اليوم. أما بناء المسار مع باقي الأحزاب السياسية الأخرى، فهو ممكن. إذن تستثني حزب "البام" هذا الحزب لم تربطنا معه علاقة طيبة أو أي علاقة للصداقة، رغم أنه تجمعني شخصيا علاقات إنسانية مع العديد من المنتمين له، واشتغلت معهم في الوزارة، وكذلك مع المنتخبين. أسباب نشأة المشروع والتصورات التي كان (البام) قائما عليها كان لنا معها اختلاف حقيقي، وبالتالي فطالما هذا الواقع موجود لا يمكن مسايرته، وإذا تغيرت الأوضاع على هذا المستوى وأصبحنا أمام مقاربة أخرى يمكن تغيير الموقف منه، ولكن لا أرى ذلك ممكنا في ما سيأتي من تطورات؛ لذلك علينا أن نتكلم على اليوم لأنه لا يمكن أن أحدد ماذا سيقع غدا. نحن اليوم في حكومة مع الدكتور سعد الدين العُثماني، وتحالفنا قائم مع الأحزاب وليس الأشخاص، وبغض النظر عن العلاقات الطيبة التي تربطنا مع الأشخاص، لكن اليوم نحن مع العدالة والتنمية الذي يقود هذه التجربة، ونريد نجاح حكومة العُثماني، والاشتغال في علاقات طيبة مع باقي مكونات الأغلبية في الحكومة، والهدف إنجاح التجربة بالنفس الديمقراطي والنكهة الإصلاحية الضرورية، لأنه إذا لم نقم بهذا الأمر، فإن المواطنين يتساءلون عن الأحزاب وأي قيمة لها وحضور الطبقة السياسية، واتخاذ القرارات الإصلاحية، تكريس الديمقراطية. على ذكر قيادة "البيجيدي"، سجلت عليها مجموعة من الملاحظات في علاقتها بحزب التقدم والاشتراكية.. هل تغيير بنكيران يمكن أن يؤثر على تحالفكما؟ بنكيران كانت لنا معه علاقة طيبة، من قبل والآن وستظل، والعلاقة اليوم مع العدالة والتنمية هي تحالف سياسي، رغم الأقوال التي سجلت هنا وهناك، لكن أفضّل الأقوال الرسمية الصادرة بشكل نهائي عن الهيئات التقريرية للحزب، وهذه الهيئات تنص في بياناتها على العلاقة المتميزة بيننا. طيب، العُثماني كشف عن وجود عرض مشترك بينكما.. ما هي مقوماته؟ يتضمن ثلاثة محاور هي المشروع الديمقراطي الحقيقي، الذي جاء به الدستور من خلال الدور الرائد للمؤسسة الملكية والدور التوجيهي للملك. والمسألة الثانية هي تقوية الاقتصاد الوطني. أما المسألة الثالثة، فهي تقوم على تقوية النفس الاجتماعي، وهذا ما يفسر التحالف بيننا؛ حيث كنّا نبحث عن المشترك بيننا وهو ما حدث؛ وذلك بعيدا عن التقاطبات بين التيار الحداثي والتيار والمحافظ، وهذا يُبين نضجا كبيرا. البعض اعتبر أن ما عبرتم عنه تجاه الإسلاميين جعلكم كبش فداء في الساحة السياسية المغربية؟ هذه ضريبة النضال، وهذا يؤكد تشبث الحزب بمواقفه رغم كل ما حدث، والوثيقة السياسية للمؤتمر تعيد التأكيد على هذا الأمر، بمعنى أننا ثابتون، وهذه ليس المرة الأولى التي نؤدي الضريبة، والمغرب ليس في حاجة إلى التقدم والاشتراكية إذا لم يحافظ على نكهته ولونه، وهذا ما يتطلب الصمود. تتحدثون عن الصمود لكن لم نر لكم رد فعل مغاير غير التشبث بالمشاركة في الحكومة.. لماذا لم تختاروا المعارضة؟ اخترنا الاستمرار لأنه وجه لنا نداء واضح من أجل ذلك لتدبير الوزارات التي كانت للحزب، وهذا جاء بعد نقاش واسع داخل الحزب، واعتبرنا أن الظروف ليست مواتية للمغادرة؛ لذلك غلّبنا المصلحة الوطنية واخترنا الاستمرار في الحكومة، رغم وجود بعض الأصوات التي اعتبرت الأمر ضربة موجهة للحزب، وهذا يقتضي غضبة ومغادرة الحكومة لكن هذا الأمر نوقش بنوع من التعقل وكان لنا موقف بالإجماع بعد نقاش لأسبوعين، وقلنا إنه من الأفيد لإمكانية إعطاء النفس الديمقراطي أن نشارك من داخل القرار السياسي؛ لذلك سنواصل، لكن المستقبل كشّاف وسنرى هل هناك إمكانية للاستمرار في هذا النهج أم العدول عنه. لنعد إلى "البلوكاج" السياسي الذي حدث في المغرب لمدة ستة أشهر.. من يتحمل المسؤولية في تعطل مؤسسات البلاد؟ ليس هروبا من الجواب، ولكن هذه المسألة يجب أن تترك للمعلقين، لأن الجواب عن هذا السؤال سيرضي طرفا وسيغضب آخر؛ لذلك أقول إن الذي وقع وقع، وقلنا وقتها بضرورة تشكيل الحكومة وحاولنا أقصى تقدير، رغم المعارضة التي واجهتنا من قبل بعض الأصوات النشاز التي عابت على الحزب القيام بهذا الدور. الذي كان يهمنا في تلك الفترة وعبرنا عنه بوضوح هو أن يتمكن بنكيران من تشكيل الحكومة، وعندما أصبح ذلك غير ممكنا طالبنا بعدم شخصنة الأمور، وخصوصا بعدما طلب من الحزب الأول قيادة الحكومة من جديد، لأن الأساس هو استمرار الإصلاح ومواصلة الحكومة للمشاريع. هل تتوقعون أن تكمل الحكومة ولايتها؟ أنا ماشي شوّافْ، ولا يمكن أن أقول لك ماذا سيقع، لكن آمل أن تنجح هذه الحكومة، وهو ما نشتغل عليه في الحزب، وأن يواصل العُثماني مساره إلى النهاية بنفس سياسي، وإنهاء المسار بانتخابات في وقتها تفرز من سيواصل الإصلاح، وإذا ظهرت إمكانيات أخرى سنقول رأينا فيها. لكن هذا الأمر يمكن أن يصطدم بالخلافات التي تطفو على سطح الأغلبية.. هل تجاوزتم كل هذا بالمصادقة على ميثاق التحالف؟ الميثاق له رمزيته، والإرادة السياسية هي التي ستجعل التجربة تنجح، وبالتالي هذه التجربة لا يمكن أن تكون قوسا في قاعة انتظار، لأن المغرب في حاجة إلى مواصلة الإصلاحات وأن تقوم الأحزاب بدورها، والبرلمان يلعب دوره، والاقتصاد المغربي يأخذ معالمه، بالإضافة إلى حوار وطني لإخراج ملامح النموذج التنموي الذي طالب به الملك والذي يحتاج إلى من يحمله على المستوى السياسي، لأنه لا يمكن تصور نموذج تنموي بدون قوى سياسية حقيقية متجذرة في المجتمع لتقوده، أمام حالة الانتظار فسيؤثر لأن سر النجاح يتجسد في دخول هذه المعركة التنموية التي تعطي هذا النفس الديمقراطي، وهذا ما نحاول أن نقوم به في هذه الحكومة.