لم يكن الهجوم الأخير الذي شنه سعد الدين العثماني، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، وقياديون آخرون على حزب التقدم والاشتراكية بريئا، على ما يبدو، لأنه سيدفع، لا محالة، رفاق نبيل بنعبد الله، في القريب من الأيام، إلى إعادة النظر وتقييم حساباتهم السياسية وفقا لمنطق الربح والخسارة إزاء تحالفهم مع الإسلاميين، خصوصا بعدما راهنوا على وضع البيض كله في سلة عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة السابق، الذي كان متحمسا للتحالف معهم، وتشبث بحزب التقدم والاشتراكية إلى النهاية، قبل إعفائه من رئاسة الحكومة. أظهرت المستجدات السياسية في ظل حكومة العثماني معطيات أخرى، بدا فيها واضحا أن حزب الكتاب يعيش ضغطا سياسيا بسبب توالي الهزات السياسية التي تعرض لها، وكان من أبرز الخاسرين رغم تحالفه القوي مع البيجيدي، حين حاصره الزلزال السياسي، بعدما تم إعفاء وزرائه من الحكومة بسبب التحقيق الملكي في مشاريع منارة المتوسط بالحسيمة. عند تقييم التحالف بين التقدم والاشتراكية وحزب العدالة والتنمية، والذي جمع بين الحزبين مدة أكثر من خمس سنوات، يسارع قياديو حزب الكتاب إلى تأكيد أن ما يجمعهم بالإسلاميين من المصالح السياسية أكثر مما يفرقهم، وفي مقدمة ذلك «المرجعية السياسية المبنية على منطق الإصلاح في ظل الاستقرار التي ظهرت بعد دستور 2011، لأنها في اعتقادهم السبيل الوحيد لبناء دولة الديمقراطية، لأن الإصلاح في غياب الاستقرار يعد مغامرة غير محسوبة العواقب»، لذلك، فإنهم يصرون على أن تحالف التقدم والاشتراكية والعدالة والتنمية تجربة «فريدة تستمد قوتها من الدستور، ومن الخطاب الملكي الذي كان الهدف منه إعلان الإصلاح من أجل الحفاظ على الاستقرار». إلا أن ما يعيب المتتبعون حزب والتقدم والاشتراكية عليه، وهو يتحدث عن حسابات الربح والخسارة التي جناها من تحالفه مع الإسلاميين، هو «تخليه عن خطه الإيديولوجي الناظم لمشروعه المجتمعي التقدمي والحداثي، وعلى الرغم من ذلك تشبث بتحالفه مع حزب بمرجعية إسلامية، الذي يتهمه خصومه ب«معاداة الحداثة»، وهنا ينفي قادة حزب الكتاب أن يكون حزبهم خسر شيئا من تحالفه مع الإسلاميين رغم كل الضغوطات التي تعرض لها، لأن قراره نابع من اقتناعه بضرورة تغليب مصلحة الوطن والمواطنين، والاتجاه نحو ما يسميه ب«التحالفات الوطنية البراغماتية». وحسب خالد الناصري، عضو الديوان السياسي لحزب التقدم والاشتراكية، فمنطق الربح والخسارة مقاربة يطغى عليها الطابع الميكانيكي، لأن المجال السياسي يدار وفق منطق آخر، هو منطق المبادئ والقيم، الذي يعلو فوق منطق الربح والخسارة. فحزب التقدم والاشتراكية ينطلق في تحالفه مع البيجيدي، حسب الناصري، من طرح تساؤل منهجي هو: هل يمكن أن يقوم تحالف الحزبين على مقومات مبدئية قابلة للدفاع عنها؟ إذا كان الأمر كذلك فهو منخرط في هذا المسار، وإذا كان الأمر مخالفا لذلك، فهو يرفض هذا المسار. وبموقفه هذا يبين حزب التقدم والاشتراكية أنه أبعد ما يكون عن المقاربة الدغمائية، لأنها تفقير للسياسة في نظر الحزب، لكن استبعادها لا يعني السقوط في مستنقعات الانتهازية السياسية، ومن هنا يعتقد الناصري أن حزبه أبعد ما يكون عنها، لأنها خصم للمبادئ والقيم. ويشدد القيادي في حزب الكتاب على أن ما يجمع حزبه بحزب العدالة والتنمية هو برنامج عمل سياسي، وليس برنامج عمل إيديولوجي، لأنه ينبغي في اعتقاده تأكيد أن الحديث عن مصطلح التحالفات الإيديولوجية، هو كلام ينم عن الفقر السياسي، لأنه ليست هناك تحالفات إيديولوجية، إلا من أجل برنامج عمل سياسي، ولن يتعدى التحالف غير ذلك. ما ربحه التقدم والاشتراكية من التحالف، حسب عضو مكتبه السياسي، هو أنه يمكن أن يعتمد عليه طالما أن الأمر يتعلق بإيجاد صيغ العمل المشترك من أجل بناء مغرب جديد، لأن «الجميع متحالفون لخدمة المواطنين والوطن، وهذا ما ربحناه، لأننا نتعامل بمنطق تقديم خدمة لهذا الوطن، وليس شيئا آخر غير ذلك». مقابل ذلك، يوضح الناصري أن ما خسره حزبه يتعلق بالنظرة السطحية للعمل السياسي، بسبب الانتقادات اللاذعة التي وجهت إليه على أساس أنه تخلى عن مواقفه ومبادئه اليسارية والتقدمية، وانخرط في عمل سياسي تحت معطف حزب بمرجعية إسلامية يمينية، وهذا مخالف للواقع تماما، يؤكد الناصري، «لأننا لم نبع له قيمنا الاشتراكية، ولا هو باع لنا قيمه الإسلامية السياسية». لكن القيادي التقدمي لم ينفِ أن حزبه قد خسر فعلا من تحالفه مع البيجيدي، لكنه خسران مؤقت، لأن العديد من المنتقدين، الذين تسرعوا في إطلاق أحكام قيمة ضد حزب التقدم والاشتراكية، سيتضح لهم فيما بعد أن التقدم والاشتراكية يسعى إلى خدمة الوطن، وليس هناك أي اعتبار آخر لتحالفه مع العدالة والتنمية. وفي الوقت الذي لم ينفِ فيه الناصري، وهو يتحدث مع «أخبار اليوم»، وجود ضغط سياسي يمارس على حزب التقدم والاشتراكية، شدد، في المقابل، وهو يستعرض حسابات الربح والخسارة في تحالفه مع العدالة والتنمية، على أن حزبه يريد أن يوصل رسالة إلى الذين يتحفظون على سياسته، فحواها أنه لا يتعامل مع المسألة السياسية بمنطق انتهازي، لأن مصلحة البلاد تقتضي أنه طالما أن هناك تنزيلا ديمقراطيا للدستور ينتظرنا جميعا، وطالما أن هناك حزبا سياسيا يتشبث بقواعد العمل الدستوري والمؤسساتي (في إشارة منه إلى العدالة والتنمية)، فذلك كاف ليستمر التقدم والاشتراكية في خوض غمار تجربة متقدمة يمكن أن يستفيد منها المغرب، وهو المنطق الذي أكد الناصري أن حزبه لم يستطع أن يقنع به الجميع، لكن الأيام ستظهر أن التقدم والاشتراكية هو الحزب الذي يصل إلى الحقائق قبل الآخرين، لأن لديه بعد نظر كبيرا بشأن ما يجب أن يقوم به وما لا يجب القيام به. سعيد فكاك، القيادي في الديوان السياسي للتقدم والاشتراكية، وهو يستعرض أيضا حسابات الخسارة والربح في التحالف مع العدالة والتنمية، يقول إن حزبه، عندما تحالف مع حزب العدالة والتنمية، لم يكن يعير الاهتمام لمنطق الربح والخسارة، على اعتبار أن فلسفة الحزب تروم دائما مصلحة الوطن، ولو تعارض ذلك مع مبادئه الاشتراكية، فلا مانع، في اعتقاده، من أن يخسر الحزب إذا ربح الوطن، مشددا، في حديثه للجريدة، على أن تحالف حزبه مع الإسلاميين كان على أسس سياسية، وفي مقدمتها الدفاع عن المشروع الديمقراطي، والقرار المستقل للأحزاب، والبرنامج الحكومي. وفي نظره، فقد ربح حزبه التقدمي سياسيا، في الوقت الذي خسر فيه عدديا، وهو الأمر الذي لا يهم الحزب وهو مستعد لأن يؤدي الثمن، لأن ما يهم حزب التقدم والاشتراكية هو قناعاته الوطنية بالنهوض بالقضايا الاجتماعية والاقتصادية والديمقراطية، وليس جني المصالح الحزبية، وقال فكاك: «إذا كانت الخسارة هي أن نؤدي الثمن من أجل مواقفنا السياسية المبدئية، فلا مانع لدينا في ذلك، لأنك قد تربح في العمل السياسي وقد تخسر، والخط الأحمر بالنسبة إلينا هو ألا نتنازل عن مبادئنا، أو نخون الثقة التي وضعت فينا، وأن نحرص على النزاهة في تدبير الشأن العام، وهو ما قمنا به دائما منذ حكومة 1998». وشدد فكاك على أن حزبه «سيستمر في تحالفه المبدئي مع البيجيدي، رغم الهزات السياسية الأخيرة، لأنه يعتقد أن التقدم والاشتراكية أسهم في تطوير الخطاب السياسي لحزب العدالة والتنمية بفعل الاحتكاك به، ونحن بدورنا تطورنا».