شكلت مناسبة افتتاح السنة التشريعية للبرلمان منذ دورة أكتوبر 1999 فرصة لجلالة الملك محمد السادس لمخاطبة النخبة السياسية، ومن خلالها الشعب المغربي حول قضاياه الكبرى وتبادل المشورة مع أعضاء البرلمان حول أحوال الأمة وإشراك البرلمان في بلوغ الهدف الأسمى لبناء مغرب ديمقراطي موحد، منتج وتضامني متقدم ومنفتح كما جاء في خطاب افتتاح السنة التشريعية 2005-2004، حيث تبقى هذه المناسبة الدستورية السنوية أيضا فرصة لإعطاء توجيهات جلالة الملك الهادفة إلى تأهيل المؤسسة التشريعية وإعادة الاعتبار لها وتحسين أدائها وتطوير العمل البرلماني على مستوى التشريع ومراقبة العمل الحكومي والدبلوماسية البرلمانية حتى يصبح البرلمان واجهة حقيقية للديمقراطية ويساهم في دعم الانتقال الديمقراطي وتعزيز الثقة في المجالس المنتخبة وتحظى بالمصداقية اللازمة لتقوية مكانة المغرب بين الأمم في ظل العلاقات الدولية المعاصرة التي أصبح فيها البناء الديمقراطي الحقيقي يشكل دعامة أساسية ومحركا مركزيا وعنصرا فاعلا، وعاملا استراتيجيا بعدما أصبح العالم قرية صغيرة بفضل تطور تقنيات الاتصال والتواصل الحديثة. في هذا الإطار، وفي أول جلسة افتتاحية في ظل العهد الجديد للسنة التشريعية 2000-1999 ، عبر جلالة الملك عن مدى العناية البالغة التي يوليها للمسؤولية التي يتحمل أعباءها أعضاء البرلمان بصفتهم ممثلين للمواطنين يرعون مصالحهم ويعبرون عن مطامحهم، مؤكدا ما يريده جلالته لهذه المؤسسة لتقوم بدورها كاملا سواء في الميدان التشريعي أو في مراقبة العمل الحكومي وفق الأدوات المتاحة لها، ذلك أن التطورات التي عرفتها البلاد في جميع المجالات ستدفع أعضاء البرلمان الى تقييم طريقة عملهم وإلى ملاءمة الأدوات والنصوص القانونية لتستجيب للتطورات الاجتماعية والاقتصادية حتى تكون الأدوات القانونية قاطرة للعمل الاجتماعي ورافعة اقتصادية، وهي مسؤولية مشتركة بين الحكومة والبرلمان فيما يخص تحيين النصوص وملاءمتها للمستجدات. ولهذه الغاية، أكد جلالة الملك: «إننا ننتظر من الغرفتين تنقيح نظامهما الداخليين مع التنسيق أكثر بينهما عن طريق تشكيل لجان مختلطة اعتبارا منا أنهما ليسا برلمانيين منفصلين ولكن غرفتين لبرلمان واحد ينبغي العمل فيه على عقلنة المناقشات ورفع مستواها وتفادي تكرارها وحسن تدبير الزمن المخصص لها سواء في أعمال اللجان أو الجلسات العامة تطلعا لممارسات أرقى ومنجزات أكثر». وبمناسبة افتتاح السنة التشريعية 2008-2007، جدد جلالة الملك التأكيد على دعوته «للتنسيق والتعاون بين المجلسين في اتجاه عقلنة وترشيد عملهما باعتبارهما برلمانا واحدا تتكامل فيه الأدوار وليس برلمانيين مختلفين». وبمناسبة افتتاح السنة التشريعية 2002-2003 اعتبر جلالة الملك أن الهدف من إعادة الاعتبار للمؤسسة البرلمانية يتطلب من أعضاء البرلمان عملا دؤوبا، ليس داخل القبة البرلمانية، من أجل أداء مهامكم الدستورية فحسب، بل الالتزام أيضا بالقرب من مغرب الأعماق، والإصغاء لمواطنيكم، من أجل التعبير عن انشغالات الأمة، وجعلهم في الصورة الواقعية لما يمكن الاستجابة له. كما اعتبر جلالة الملك، بمناسبة افتتاح السنة التشريعية 2004-2005 أن تأهيل العمل النيابي يقتضي تجاوز البرلمانية التمثيلية الكلاسيكية الى البرلمانية العصرية من خلال ترسيخ ممارسة برلمانية مواطنة ترفض المزايدات السياسوية العقيمة، برلمانية ناجعة تشجع الشراكة مع الفاعلين العموميين والخواص، برلمانية كفيلة بتحقيق مصالحة المغاربة مع العمل السياسي النبيل. في إطار هذا المنظور، أكد جلالة الملك أن المؤسسة البرلمانية مطالبة بالنهوض بدور مهم لتأهيل سياسي أكثر شمولية وأضمن لترسيخ ثقة المواطن وتحفيزه على المشاركة في مؤسساته النيابية والحزبية والجمعوية، وذلك باعطاء شحنة قوية لتنشيط العمل النيابي على جميع مستوياته: تشريعيا اصلاحيا، ومراقبة مسؤولة، وتأطيرا ميدانيا ودبلوماسية موازية مقدامة كما جاء في الخطاب الافتتاحي للسنة التشريعية 2005-2006. وبمناسبة افتتاح السنة التشريعية 2007 2008، دعا جلالة الملك المؤسسة البرلمانية الى مواصلة تغيير مناهج وبرامج العمل البرلماني والحكومي بهدف تعزيز مصالحة المواطن مع المجالس المنتخبة بجعلها رافعة قوية للتنمية والديمقراطية مادامت النيابة عن الأمة ليست امتيازا أو ريعا مركزاً أو حصانة لمصالح شخصية، بل هي أمانة جسيمة والتزام بالصالح العام باعتباره السبيل للانخراط الجماعي في البناء الديمقراطي التنموي. وفي نفس السياق، وحرصا من جلالة الملك على النهوض بأمانة جلالته في السهر على حسن سير المؤسسات الدستورية، أكد «على أنه بقدر حرصنا على تكوين حكومة متراصة ومنسجمة، مدعومة من قبل أغلبية برلمانية، وتحاسبها معارضة بناءة، فإننا نريد برلمانا أكثر فعالية، برلمانا يمارس بنجاعة، كافة اختصاصاته التشريعية والرقابية والتمثيلية، يشكل قدوة للمؤسسات الدستورية، في نهوضها بصلاحياتها كاملة، فلا شيء يحول دون ذلك، إلا في نطاق الدستور، وفصل السلط وتوازنها وتعاونها، الذي نحن على تكريسه ساهرون. برلمانا يساهم في زيادة الإشعاع الدولي للمغرب، مستحضرا كل الاستحاقات المقبلة، ومنها دخول اتفاقيات التبادل الحر حيز التنفيذ، ورفع تحديات العولمة في انتهاج لدبلوماسية برلمانية محترفة. إنه البرلمان الذي يستكمل مصالحة كل المواطنين مع المجالس المنتخبة، وهو ما يتطلب إجراء قطيعة مع بعض المظاهر والسلوكات المشينة، التي تسيء لصورة المؤسسة التشريعية، وتمس بمصداقية العمل النيابي والسياسي.كما ينبغي العمل على تفادي أي خلط في الأدوار، بين ما هو وطني من صميم اختصاص البرلمان، وماهو محلي من صلاحيات الجماعات الترابية. فالبرلمان ليس جماعة محلية. لذلك أحرص على أن يظل في قمة الصرح الديمقراطي، في انكبابه على السياسات والقضايا الوطنية الكبرى، الداخلية والخارجية». فإلى أي مدى تحقق التأهيل البرلماني المنشود الكفيل بتحسين الأداء البرلماني وتطويره والرفع من مستواه سواء على مستوى التشريع أو مراقبة العمل الحكومي لما فيه ضمان ترسيخ دولة المؤسسات وتقوية البناء الديمقراطي انطلاقا من التوجيهات الملكية بمناسبة افتتاح السنوات التشريعية العشر في ظل العهد الجديد؟ ولماذا لم يتمكن مجلسا البرلمان لحد الآن من تنقيح نظامهما الداخليين مع التنسيق بينهما عن طريق تشكيل لجان مختلطة لتفادي مساوئ نظام الثنائية البرلمانية المعقد كما أقره الدستور المعدل لسنة 1996؟