تعتبر النخبة البرلمانية شرايين المؤسسة التشريعية وقلبها النابض وعمودها الفقري كما عبر عن ذلك جلالة الملك بمناسبة افتتاح السنة التشريعية 2004-2005 عندما اعتبر أن افتتاح جلالته دستوريا للسنة التشريعية تشكل فرصة لمخاطبة النخبة النيابية والسياسية، ومن خلالها الشعب المغربي حول قضاياه الكبرى وتبادل المشورة في أحوال الأمة بهدف اشراك البرلمان في بلوغ الهدف الأسمى لبناء مغرب ديمقراطي موحد، منتج وتضامني، متقدم ومنفتح مادام الهدف المنشود ليس هو مجرد التوفر على البرلمان ليعكس التمثيلية الحقيقية لكل الهيئات السياسية، ومادامت الديمقراطية ليست غاية في حد ذاتها وانما هي أداة لتفعيل المشاركة الشعبية في تدبير الشأن العام ومواطنة ملتزمة، ومادام البناء الديمقراطي رهين بوجود ديمقراطيين حقيقيين متشبعين بثقافة المواطنة والممارسة الأمثل لحسن تدبير الشأن العام، مادامت النيابة أمانة جسيمة والتزام بالصالح العام وليست امتيازا أو ريعا مركزا أو حصانة لمصالح شخصية. فإذا كان تأهيل العمل البرلماني يقتضي تجاوز البرلمانية التمثيلية الكلاسيكية الى البرلمانية العصرية من خلال ترسيخ ممارسة برلمانية مواطنة، فإن ذلك لا يمكن أن يتحقق إلا بتوفر نخبة برلمانية مؤهلة للقيام بهذه المسؤولية بكل كفاءة وأمانة والتزام، نخبة برلمانية قادرة على اعطاء الممارسة البرلمانية مدلولها الحقيقي سواء كانت أغلبية مساندة للحكومة أو معارضة بناءة تقوم بدور القوة الافتراضية، نخبة برلمانية قوية بحضورها الدؤوب والفاعل في أعمال اللجان النيابية الدائمة وأشغال الجلسات للقيام بمهمتها الدستورية على مستوى التشريع على الوجه الأكمل والخروج بحصيلة تشريعية من حيث عدد القوانين المصادق عليها ونوعيتها في كل نهاية دورة تشريعية حتى تكون في مستوى تطلع جلالة الملك في أن «تكون الأدوات القانونية قاطرة للعمل الاجتماعي ورافعة اقتصادية عوض أن تتخلف عن ركب التطور الاقتصادي والاجتماعي. ولاشك أن المسؤولية مشتركة بين الحكومة والبرلمان فيما يخص تحيين النصوص وملاءمتها للمستجدات»، في الوقت الذي لازالت فيه بعض النصوص القانونية ترجع الي عهد الحماية رغم مرور 46 سنة على أول تجربة نيابية عرفتها البلاد في 1963 لتظل الترسانة القانونية المغربية في أمس الحاجة الى التحيين والتحسين والتغيير لتحقيق «الاستقلال التشريعي» أولا ومواكبة متطلبات المستجدات التي عرفتها البلاد في مختلف المجالات، نخبة برلمانية مؤهلة لكي تجعل من الآليات الدستورية المتاحة لمراقبة العمل الحكومي أدوات حقيقية وفعالة للقيام بدورها كاملا على مستوى جلسات الأسئلة الشفهية، أو على مستوى اللجان النيابية لتقصي الحقائق أو على مستوى المهام الاستطلاعية للجان النيابية الدائمة بشأن تطبيق نص تشريعي أو بخصوص موضوع يهم قطاعا حكوميا معينا، أو على مستوى اجتماعات اللجان البرلمانية الدائمة فيما يتعلق بقضايا تشغل بال المواطنين وتستأثر باهتمام الرأي العام الوطني، نخبة برلمانية في مستوى الإسهام في الاشعاع الدولي للمغرب والدفاع عن مصالحه العليا وحشد المزيد من الدعم لمبادرة الحكم الذاتي المقدامة وذات المصداقية بغية الحسم الدولي النهائي للنزاع المفتعل حول مغربية صحرائنا من خلال دبلوماسية برلمانية موازية فعالة ومقدامة ومنفتحة تستهدف جعل التطور الديمقراطي لبلادنا في خدمة الدفاع عن قضية وحدتنا الترابية، نخبة برلمانية تمارس بنجاعة وفعالية جميع الاختصاصات الدستورية التشريعية والرقابية والتمثيلية حتى تشكل الحكومة التشريعية قدوة للمؤسسات المنتخبة في قيامها بالاختصاصات المخولة لها كاملة وتظل في قمة الصرح الديمقراطي، نخبة برلمانية قادرة على تطوير العمل النيابي بما يساهم في زيادة تحسين صورة البرلمان وتحقيق مصالحة المواطنين مع العمل السياسي النبيل والمجالس المنتخبة لضمان الانخراط الجماعي في البناء الديمقراطي وتحصين المكتسبات الديمقراطية وترسيخ مواطن القوة في المسار الديمقراطي، نخبة برلمانية تساهم في تعزيز الاعتبار للمؤسسة التشريعية من خلال جعل البرلمان منبرا للتعبير عن الإرادة الشعبية وانشغالات الأمة وقضايا المواطنين وانتظاراتهم وما يتطلعون إليه من إيجاد حلول ملموسة لمشاكلهم اليومية، نخبة برلمانية ستساهم في تأطير المواطنين من خلال اللقاءات التواصلية المنظمة مع الناخبين لضمان مشاركة واسعة للمواطنين في القضايا الوطنية الأساس والأوراش الكبرى. فإلى أي مدى تمكنت النخبة السياسية من إفراز نخبة برلمانية تعطي للتأهيل البرلماني مدلوله الحقيقي طيلة 46 سنة من الممارسة النيابية؟ وإلى أي حد استطاعت النواة الأولى للنخبة البرلمانية خلال أول تجربة نيابية عرفتها البلاد في 1963 من وضع الأسس والأرضية لبناء ممارسة نيابية خلاقة كفيلة بتحمل الانتداب النيابي مفتوح لكل متطلبات التطوير والتجديد والتحديث والتأهيل؟ وإلى أي مدى تطورت النخبة البرلمانية خلال التجارب النيابية التي عرفتها البلاد وتوسعت قاعدتها لمواكبة متطلبات التأهيل البرلماني؟ وكيف تعاملت النخبة البرلمانية مع هذه المتطلبات والإكراهات والعراقيل والتقييدات عندما أريد للمؤسسة التشريعية ألا تعكس التمثيلية الحقيقية للشعب وأن تكون مجرد واجهة للديمقراطية ومنبرا صوريا لتمرير الخطابات والقوانين الجاهزة ؟ وإلى أي مدى انعكس سلبا أو إيجابا التجديد الواسع لأعضاء البرلمان في كل ولاية تشريعية على تأهيل العمل البرلماني؟ وما هي الأسباب الكامنة وراء ذلك؟ هل يرجع ذلك إلى مواقف الأحزاب السياسية واختياراتها؟ أم إلى التقييدات التي تفرضها القوانين الانتخابية؟ إنها أسئلة تشكل أرضية للنقاش بشأن موضوع جوهري يكتسي أهمية بالغة في المسار الديمقراطي للبلاد.