لم ينجح مجلس المستشارين ورئيس الحكومة في الاتفاق حول تجاوز خلافاتهما بشأن توزيع الحصص الزمنية خلال جلسة المساءلة الشهرية لعبد الإلاه ابن كيران، المستشارون استحضروا التفوق الخطابي لرئيس الحكومة في مجلس النواب ، فحاولوا نصب الفخاخ التقنية لتقليص مساحات صولانه وجولانه، بدوره انتبه ابن كيران للمصيدة التي يجره إليها أعضاء الغرفة الثانية، وما بين فخاخ البرلمانيين وقفزات ابن كيران فوقها، تأجلت الجلسة إلى أجل غير مسمى. بعد سبع ساعات من المفاوضات في مكتب مجلس المستشارين وفي ندوة الرؤساء لم تنعقد جلسة مساءلة رئيس الحكومة بمجلس المستشارين. ساعات طويلة قضتها الحكومة والمستشارون ومعهم حشد هائل من رجال الاعلام والمتتبعين داخل قبة الجلسات العامة في الغرفة الثانية دون أن يتمكن ابن كيران من الحديث ودون أن يتمكن المستشارون من طرح أسئلتهم. وبعد أربع ساعات ونصف من انطلاق الجلسة التي لم تنته أعطيت لعبد الإله ابن كيران فرصة الكلام وتكلم ربع ساعة فقط ليقدم فيها عذر الحكومة في عدم الاستجابة لطلب المستشارين بتقسيم الوقت بالطريقة التي ارتضاها مكتب المجلس الذي يقبع في سدة رئاسته أحد أعتد وأشرس معارضي ابن كيران. من يحق له التكلم أكثر في الجلسة أهم المستشارون أم عبد الإله ابن كيران أم يقسم الوقت مناصفة بين الطرفين؟ ذلك هو الحاجز الذي توقفت عنده كل محاولات رأب الصدع، وقبل أن يعلن عبد الإله ابن كيران أسفه لعدم انعقاد الجلسة الشهرية في مجلس المستشارين وينصرف لعقد جلسة أخرى هذه المرة، كان الصحافيون هم من أصر على عقدها مع رئيس الحكومة، كان مجلس المستشارين يغلي في كل جنباته. فشلت ثلاثة اجتماعات لمكتب المجلس في الحصول على توافق بخصوص تقسيم الوقت بين الحكومة وبين المستشارين كما فشلت أربعة اجتماعات لندوة الرؤساء في نفس المهمة. في الأخير حضر عبد الإله ابن كيران إلى قبة الغرفة الثانية والحكومة غير متفقة مع المستشارين حول التوقيت والحصة الزمنية المخصصة لكل طرف. عبد الإله ابن كيران بحسب مصادر «الأحداث المغربية» كان قد هدد بعدم الحضور إطلاقا إلى الجلسة بعدما فشلت المفاوضات في تحديد المدة الزمنية المخصصة لكل طرف. مع الساعة الثانية والنصف كان رئيس الحكومة برفقة رئيس مجلس المستشارين في قاعة علوية بالغرفة الثانية، بعد ربع ساعة تقريبا التحقا بقاعة الجلسات العامة وخلفهما أعضاء الحكومة، كان المستشارون قد التحقوا بمقاعدهم قبل التحاق ابن كيران. بعضهم انشغل طويلا في باحة المجلس في فض وقفة احتجاجية كان موظفو المجلس قد نظموها مزامنة مع عقد جلسة المساءلة المخصصة لعبد الإله ابن كيران. بمجرد اقتعاد أعضاء الحكومة والمستشارين أماكنهم، طلب الوزير المكلف بالعلاقة مع البرلمان الكلمة من رئيس مجلس المستشارين. الحبيب الشوباني احتج كثيرا على الرفض الذي قوبل به طلب الحكومة في شخص الوزير المكلف بالعلاقة مع البرلمان باقتسام أربع ساعات ونصف مناصفة بين رئيس الحكومة وبين المستشارين، الشوباني اعتبر أن تقسيم المدة الزمنية المخصصة لجلسة المساءلة المخصصة لرئيس الحكومة غير منصفة بحيث خصصت لرئيس الحكومة 60 دقيقة فقط في مقابل تخصيص 128 دقيقة للمستشارين. قوبلت كلمات الشوباني بالكثير من الضجيج والمقاطعة والاحتجاج من قبل فرق المعارضة. وسط كل ذلك اللغط والصراخ لم يكن يدري أحد عما يتحدث الآخر. بعدما تمكن الشوباني من معاودة الكلام قال «إن من غير المعقول والمنطق أن يكون تدبير الزمن المخصص للجلسة من طرف واحد». ذلك أن مجلس المستشارين حسم في أنه لن يكون هناك اقتسام للوقت مع عبد الإله ابن كيران المستشارون سيتكلمون 128 دقيقة تقسم بين الفرق المعارضة منها والمنتمية للأغلبية و60 دقيقة فقط تخصص لرئيس الحكومة، وحتى الشوباني الذي حضر جلسة من جلسات المفاوضات حول تدبير الوقت، لم ينجح في انتزاع أي تقدم في الموضوع وكان أن حضر الكل إلى الجلسة بدون توافق في المسألة. لماذا كان هذا الإصرار من طرف الحكومة من جهة ومن طرف المستشارين من جهة ثانية على التمسك كل بموقفه؟ الحكومة قالت على لسان رئيسها إن لها الحق في أن تجيب المغاربة بما يكفيها من الوقت. بنكيران نفسه قال في ختام الجلسة التي لم تتم “لا يعقل أن أتكلم في موضوع المحروقات ويأمرني رئيس المجلس بالتوقف لأن الوقت انتهى”. المستشارون في الحقيقة هم من كان في حيرة، وهذا ما عكسته تدخلاتهم في إطار نقاط النظام العديدة التي منحت لهم قبل أن ترفع الجلسة في موعد أول وقبل أن يتم الإعلان النهائي عن تأجيلها. أحدهم خاطب رئيس الحكومة قائلا “التبوريدة لي تبوردتي في مجلس النواب ما غاديش تكون لك هنا”. رئيس فريق الأصالة والمعاصرة قال إن الوقت المخصص فعليا للفرق هو 20 دقيقة ولرئيس الحكومة ساعة كاملة بمعنى أن حجة بنكيران في أن المستشارين اقتسموا معه الوقت لا طائل منها. محمد دعيدعة رئيس الفريق الفيدرالي كان أكثر جرأة عندما خاطب رئيس الحكومة بالقول، إن «الإصرار على اقتسام الوقت بين المستشارين وبين رئيس الحكومة في الحقيقة يجب أن يقرأ في سياق سياسي هو نية الحكومة في الهيمنة على مجلسي النواب والمستشارين». لم يتمكن أحد من الكلام في الأخير. رفعت الجلسة للتشاور في مسألة الوقت. صعد مكتب المجلس لمكتب الرئيس وبقي أعضاء الحكومة في باحة الغرفة الثانية. رئيس الحكومة استغل الفرصة للقاء الصحفيين دردش طويلا مع ممثلي الإعلام مخاطبا كل باسمه. وعندما استفسره الصحفيون عما يجرى قال إنه يعتذر عن تأخر البث المباشر للجلسة ولكنه لن يتنازل عن حقه في اقتسام الوقت مع المستشارين لأنه يريد الحديث ولا يريد من أحد أن يقاطعه بدعوى انتهاء المدة الزمنية المخصصة له. التحق ابن كيران بمن صعد عند رئيس مجلس المستشارين، حتى في تلك الجلسة لم يحصل التوافق. بعد ساعة من رفع الجلسة الأولى عاد المستشارون والحكومة إلى قاعة الجلسات العامة، ظل الكل متمسكا بموقفه الأول ولم يجد لا رئيس الحكومة ولا المستشارون حسن النية في الطرف الآخر فكان أن تم الإعلان كلية عن تأجيل الجلسة بالمحافظة على نفس محاور الجلسة الأولى ودون الدخول في تفاصيل الوقت المخصص لكل طرف. ابن كيران قال في ختام الجلسة للمستشارين “خذوا وقتكم الكافي واعطوني الوقت الكافي للجواب في المرة القادمة، ولتبدأ الجلسة المقبلة حتى مع الساعة العاشرة وتستمر طوال يوم كامل”. غادر المستشارون والحكومة تباعا قاعة الجلسات العامة بالغرفة الثانية، وفي ذهن الكل سؤال لماذا تخوف المستشارون من إعطاء الوقت الكافي لرئيس الحكومة للجواب؟ هل كان الأمر مسطريا فقط أم أن تجربة الجلسة الأولى في مجلس النواب كانت حاضرة في أذهانهم؟ لم ينكر المستشارون حتى أشرسهم في معارضة الحكومة على ابن كيران قدرته الكبيرة على التواصل وتحريك الكلمات في الاتجاه الذي أراد. ابن كيران لم يتورع في مخاطبة أحد المستشارين في باحة المجلس بالقول «أنت الذي تخاطبني عن الفقراء اتعرفهم؟» لم يجب المستشار.