ما تنشره بعض وسائل الإعلام من حديث عن التصدع الحكومي جدير بأن يقرأ وتحلل أبعاده، خاصة وقد وقع اطراد في التناول، بل ولوحظ أن هناك اشتغالا إعلاميا على تضخيم الخلافات بين مكونات التحالف ورفعها إلى مستوى «تفجير» الحكومة. في البدء وقع التركيز على تصريحات أو وجهات نظر صدرت عن بعض الوزراء ليتم رصد ردود فعل وزراء آخرين من داخل التحالف الحكومي للتأشير على وجود خلافات حقيقية داخل الجسم الحكومي. ثم انتهى الأمر بهذا الاشتغال الإعلامي، بعد كلمة رئيس الحكومة الحاسمة في شأن التماسك الحكومي، إلى افتعال قراءات سياسية لا تستند إلى أي مؤشر ملموس، لإعادة طرح قضية التصدع الحكومي، سواء من خلال الدفع بديناميات الحراك في البيت الاستقلالي قبيل التحضير للمؤتمر، أو من خلال التوجيه السياسي للقاء جمع بين رئيس الحكومة وبين الأمين العام الجديد لحزب الأصالة والمعاصرة. أمام هذه القراءات السياسية التي تجتهد بعض وسائل الإعلام بشكل مطرد في تسويقها عن مكونات الأغلبية الحكومية، يطرح التساؤل عن حقيقة تماسك التحالف الحكومي ومستقبله، وهل يتعلق الأمر فعلا بوجود تصدع حكومي؟ أم بوجود خلافات عادية لا تنفك عنها جميع الأغلبيات الحكومية؟ أم إن هناك إرادة ما تسعى للاشتغال على تضخيم الخلافات داخل مكونات الأغلبية ونقلها من مستواها الطبيعي إلى مستويات غير متحكم فيها وذلك لصرف الرأي العام عن جهود الحكومة في محاربة الفساد والريع؟ عمليا، لا يمكن أن نستبعد وجود خلافات داخل مكونات الأغلبية، فالتحالف الحكومي مكون من أربعة أحزاب سياسية، يحتفظ كل حزب منها باختياراته الفكرية ومقارباته السياسية لتنزيل مقتضيات التصريح الحكومي. ومن ثمة، فوجود خلافات في هذا الاتجاه، يعتبر أمرا طبيعيا، بل قد يكون أداة إغناء للتجربة وإثرائها، كما يمكن أن يعتبر استمرار الحكومة دليلا على قدرتها على تأمين حق الاختلاف، ونجاعتها في تدبيره، مما يعني عدم صدقية الانتقادات التي كانت توجه إلى الإسلاميين خاصة وأنهم أثبتوا من خلال هذه التجربة انفتاحهم على الآخر، وقبولهم للاختلاف وتعايشهم مع مكونات لا يتقاسمون معها بعض الخلفيات الفكرية. أما خيار التصدع الحكومي، فهو وإن كان واردا نظريا، إلا أن تحققه في الواقع يتطلب الاستناد إلى مؤشرات كافية يمكن البناء عليها للانتهاء إلى هذه الخلاصة، وهو ما لم يتوفر لحد الساعة، بل هذا ما يدفع المعالجات الإعلامية التي تشتغل على تضخيم الخلاف بين مكونات الحكومية إلى العدول عن الاستدلال بالمعطيات والوقائع إلى افتعال قراءات سياسية محتملة يصعب ربطها بقضية تهيئ خيارات ما بعد التصدع الحكومي. يبقى أن نخضع هذه المعالجات الإعلامية نفسها إلى عملية التحليل لاسيما وأن المسافة بين الإعلام والسياسة تكاد اليوم تتقارب إلى درجة التماهي، كما أن تزامن التركيز على قضية التصدع الحكومي مع مبادرات حكومية انصبت في خانة محاربة الفساد والريع يطرح أكثر من علامة استفهام حول دواعي الاشتغال الإعلامي حول تضخيم الخلافات بين مكونات الأغلبية. إن رصد بدايات الاشتغال الإعلامي على تضخيم الخلافات بين مكونات الأغلبية، وملاحظة تزامن ذلك مع مبادرات لمحاربة الفساد والريع تم الإعلان عنها حكوميا، وتسجيل ارتفاع وتيرة الاشتغال على تضخيم الخلافات الحكومية كلما زادت جرعة محاربة الفساد، والتحول من الاستناد إلى المعطيات والمؤشرات الصغرى إلى افتعال قراءات سياسية بعيدة الاحتمال، كل ذلك يؤشر على وجود إرادة معينة تتجه نحو إنتاج حكاية اسمها « التصدع الحكومي» لشغل الرأي العام بها، ومنع حصول الالتحام الشعبي المدني حول الجهود الحكومية لمحاربة الفساد والريع.