هذا الكتاب يمثل مساهمة في التعريف بالقضية الوطنية، والدور الذي تقوم به الثوابت الوطنية والدينية في توحيد ولم شمل المغاربة وتعبئتهم من أجل مواجهة المخططات التي تستهدف وحدتهم. ويقترح كاتبه، المهندس عبد الله أيت شعيب، مقاربة أخرى تركز على أهمية الثوابت الإسلامية والوطنية في تحصين هذه الوحدة وتمنيعها ضد أعدائها. ويأتي هذا الكتاب في سياق تعرف فيه القضية الوطنية منعطفا تاريخيا تمثل في جملة من المؤامرات التي حاكها أعداء الوحدة الترابية. وقد حاول الكاتب أن يتناول هذا الموضوع برؤية أخرى، أكثر شمولية، تستحضر مشاريع التجزئة في كل أبعادها دون حصرها فقط في قضية الصحراء. فالمؤلف يرى أن التشظي الهوياتي، وتهديد الوحدة الدينية والمذهبية، واستهداف القيم المجتمعية التي توحد المغاربة يندرج ضمن رهانات استراتيجية تقصد تجزئة المغرب وتزكية نزوعات الانفصال عنه. ضمن هذه الرؤية الشمولية، والتأسيسية، يؤكد الأستاذ عبد الله أيت شعيب على ضرورة الاهتمام بالعلاقة القائمة بين التماسك المجتمعي أو ما يصطلح عليه بالجبهة الداخلية وبين مواجهة المؤامرات والمناورات التي تستهدف الوحدة الترابية، حيث يرى في كتابه أن التماسك الداخلي بين مختلف مكونات المجتمع المغربي هو الدعامة الأولى والشرط الأساسي لضمان استقرار المغرب وتقدمه وازدهاره، ومن ثمة، فرسالة الكتاب، وقصده، حسب الكاتب، متجه إلى غرس هذه القناعة وتأكيدها وتعزيز وعي المغاربة بها لاسيما في هذا الظرف العصيب والمنعطف الحاسم الذي تمر منه القضية الترابية، والتي تستوجب من المغاربة جميعا، بمختلف أطيافهم وألوانهم السياسية والمدنية، أن يكونوا في كامل الجاهزية لصيانة وحدتهم وتعزيز تماسكهم، وتفويت الفرصة على أعداء وحدتهم الترابية . وضمن هذه الرؤية أيضا، يرى الكاتب أن الأخطاء التي يحتمل أن ترتكب من طرف بعض الفاعلين السياسيين أو الاقتصاديين أو الاجتماعيين في البلاد حكومة وأحزابا ومجتمعا مدنيا، والاختلالات التي يمكن أن تحصل، والخلافات الداخلية التي يفترض حصولها في كل مجتمع، لا ينبغي أن تؤثر على التماسك الداخلي، لأن القاعدة المتعارف عليها والمعتمدة لدى الدول التي تحرص على الحفاظ على سيادتها ومصالحها الاستراتيجية، أن مثل هذه الخلافات تجد حلها داخل السقف الوطني، ويكون لدى جميع مكونات الطيف الوطني وعي بضرورة الترفع عنها أو تجميدها أو تأجيلها لحظة التهديد الخارجي الذي يستهدف القضايا الاستراتيجية الحساسة بالنسبة إلى الأمة. أسباب تراجع التماسك الداخلي للمغاربة يرى الكاتب أن المطلوب في هذه اللحظة التاريخية أن نناقش أسباب تراجع التماسك المجتمعي عند المغاربة بكامل الصراحة والشجاعة ، فمع إقراره بأن الثوابت والخصائص التي يتمتع بها المغرب تحصنه من كثير من الاستهدافات التي يواجهها من قبل خصومه، و أن التماسك والتمازج والتعايش بين مكونات المجتمع المغربي يعتبر أكبر ضمانة لتقوية الجبهة الداخلية، لكنه في المقابل يؤكد أن المغرب عرف في السنوات الأخيرة مؤشرات ومظاهر عديدة تنذر بوجود تراجع في التماسك الداخلي للمجتمع، وضعف في روح المواطنة لدى العديد من أبناء الوطن. ويرجع الكاتب ذلك إلى عدة أسباب ذكر منها على وجه الخصوص: ضعف فعالية التربية والتعليم، وتراجع دور الأسرة في تربية وتوجيه الناشئة، وضعف دور الأحزاب السياسية ومجمعيات المجتمع المدني في تأطير المجتمع، ولم يغفل الكاتب الأبعاد السياسية والاقتصادية والثقافية والتحولات التي تركت آثارها السلبية على التماسك المجتمعي، ومن ذلك تنامي مظاهر السخط من تغول الفساد في المجتمع، والتي عكست حالة من التمايز بين شرائح المجتمع يصل أحيانا إلى درجة شعور شرائح واسعة بالتمييز والتهميش بسبب استفرد فئة قليلة بالسلطة والثروة، ومن ذلك أيضا تناقضات الوضع الدولي وتزايد حالة السخط والإحباط التي يعرفها العالم العربي والإسلامي سواء من السياسات الظالمة التي تمارس ضد الشعوب العربية الإسلامية، أو من مظاهر التجزئة والتمزق التي بدأت تتنامى في العديد من الدول بسبب النزاعات الطائفية التي تغذيها رهانات الهمينة الغربية، ومن ذلك أيضا الدور الخطير الذي يلعبه الإعلام في خلق تمايزات فكرية وقيمية وثقافية يكون لها تداعياتها الخطيرة على وحدة وتماسك المجتمع المغربي. ونتيجة، لهذه العوامل المركبة، يلاحظ الكاتب ظهور مؤشرات على التراجع في التماسك المجتمعي في العقود الأخيرة لفائدة بروز مظاهر الفردانية. تحديات وعوائق في طريق تماسك الجبهة الداخلية يعتبر الكاتب في مقاربته أن أكبر تحدي يمكن أن يعرفه المغرب هو أن يستهدف في تماسكه الداخلي. وتبعا لذلك يرى أنه لا ينبغي أن نستهين بجملة من الظواهر التي بدأت إرهاصاتها الأولى تبرز إلى السطح، بفضل توسيع مجال حرية التعبير ومناخ الانفتاح السياسي والإعلامي وبفضل الاحتكاك مع الخارج من خلال القنوات الفضائية والانترنت، كما يؤكد ضرورة التنبه للتحديات الهوياتية والثقافية التي تعرفها الجالية المغربية المقيمة في الخارج، ويدعو إلى معالجتها قبل أن يستفحل وضعها وتصير خارج السيطرة. ويلخص الكاتب التحديات التي يقدر أنها تهدد التماسك المجتمعي للمغاربة فيما يسميه الأمازيغية المتطرفة، التي بدأت بعض المؤشرات تبرز رهاناتها الاستراتيجية ñ خلق احتراب في الجبهة الهوياتية بين المكون العربي والأمازيغي، افتعال صراع ضد الهوية الإسلامية من مدخل التأصيل التاريخي لعلمانية الشعب المغربي، استثمار الورقة الأمازيغية لتسريع مسار التطبيع، ثم الخطر الذي يمثله التطبيع الذي بدأ يخترق بضع مكونات المجتمع المدني، بالإضافة إلى التحدي العقدي الذي يمثله التنصير الذي يتوسع نشاطه عبر استثمار وضعية التهميش، والتغطية الدولية (الأمريكية على الخصوص) التي تمارس بتقاريرها ضغوطا سياسية على المغرب باسم «ضمان الحرية الدينية» وذلك لتحقيق بعض الرهانات الإستراتيجية المتعلقة تحديدا بإحداث أقلية مسيحية وحمايتها وضمان شروط توسعها وامتدادها، ثم تحدي التشيع، وما تمثله ظاهرة التطرف والغلو من تهديد حقيقي لتماسك المجتمع، هذا فضلا عن ما يسميه الكاتب بالجماعات العلمانية المتطرفة التي تشتغل على أجندات قيمية بقصد استفزاز المشاعر الدينية للمواطنين، وإثارة الفتنة بدعوى حرية التعبير وحقوق الإنسان، ويقر الكاتب بوجود مجهودات ضخمة بذلت على مستوى إصلاح الحقل الديني لاسيما في مجال التأطير والإعلام الديني، أو على مستوى الأداء الأمني لمحاصرة نشاط المنصريين والخلايا الإرهابية. إلا أن ذلك كله في نظر الكاتب لم يستطع محاصرة الظواهر السالفة الذكر. ويرى الكاتب أنه لا ينبغي الاستهانة بالفئات القليلة التي تجسد الاستهداف للتماسك المجتمعي، ويدعو إلى الاعتبار بوقائع التاريخ، ويشير في هذا الصدد إلى أن جبهة البوليساريو أنشأتها قلة قليلة من طلبة مغاربة في الجامعة المغربية كانوا يدعون لاسترجاع الصحراء أوائل السبعينيات من القرن الماضي. وبسبب الصراع السياسي بين الحكم والحركة الماركسية، والذي وصل حد الاجتثاث الأمني، فإن الأعداء وخصوم المغرب استثمروا الفرصة، واحتضنوا هذه «الشرذمة» وكونوا منها حركة انفصالية سببت للمغرب من الأذى ما سببته، ولا تزال، لأكثر من 35 سنة... لا معنى لاعتماد الجهوية المتقدمة في الصحراء دون القطع مع المقاربة الريعية ● ما الدواعي التي دفعتكم لتأليف هذا الكتاب؟ ●● ربما يظن القارئ لأول مرة أني قصدت أن أتناول في هذا الكتاب قضية الصحراء والمناورات التي تستهدف الوحدة الترابية من قبل خصومها، وهذا بلا شك، يدخل ضمن أهداف الكتاب، بل إن من بين الدوافع ألأساسية التي دفعتني لكتابة هذا الكتاب هو تواتر المؤامرات والمناورات التي يحوكها أعداء وحدتنا الترابية. لكن السبب الرئيس الذي دعاني إلى تأليف هذا الكتاب، هو حصيلة التأمل للظواهر القيمية والعقدية والثقافية والسياسية التي بدأت تبرز إلى السطح أو على الأقل تتبلور بعض إرهاصاتها الأولى. وهي وإن كانت من حيث الظاهر منفصلة عن موضوع الصحراء، إلا أنها في جوهرها ومآلها مرتبطة به ارتباطا شديدا، بحكم التلازم بين تحصين التماسك المجتمعي وقضية الوحدة الترابية. ومن ثمة، تبلورت لي رؤية شمولية، أعتبر فيها أن تحصين الوحدة الترابية يمر بالضرورة عبر تحصين التماسك المجتمعي، ولذلك، حاولت أن أطرح الموضوع في أفق أشمل، ففضلت أن يكون عنوان الكتاب المغرب في مواجهة مشاريع التجزئة ونزعات الانفصال، وهو عنوان يستحضر تداخل البعد الداخلي بالبعد الخارجي. ● في نظركم ما هي أهم التحديات التي تقدرون أنها تهدد التماسك المجتمعي، وتشكل خطورة على وحدة المغرب واستقراره؟ ●● في تقديري، إن أخطر تحدي يمكن أن يواجه التماسك المجتمعي المغربي في المستقبل المتوسط والبعيد هو الأمازيغية المتطرفة، أنا لا اقصد بذلك الحركات والجمعيات الأمازيغية التي تناضل من أجل رفع الملظومية الثقافية واللغوية عن الأمازيغية، ولا أقصد الجمعيات التي تناضل من أجل رفع التهميش والتمييز ضد المناطق الأمازيغية، ولكني أقصد بالتحديد الأقليات الأمازيغية المتطرفة التي تلعب بأكثر من ورقة لتمزيق وحدة النسيج المجتمعي المغربي، فتلعب بورقة خلق الاحتراب في الجبهة الهوياتية بين المكون العربي والأمازيغي، وتلعب بورقة افتعال صراع ضد الهوية الإسلامية من مدخل التأصيل التاريخي لعلمانية الشعب المغربي، وتلعب بورقة أخرى أكثر خطورة هي نسج علاقات مع الكيان الصهيوني و تسريع مسار التطبيع. طبعا ليس هذا هو التحدي الوحيد، فهناك تحدي الخطر الذي يمثله التطبيع الذي بدأ يخترق بعض مكونات المجتمع المدني، بالإضافة إلى التحدي العقدي الذي يمثله التنصير الذي صار يتوسع نشاطه عبر استثمار وضعية التهميش، واستثمار الضغوط الأجنبية المسنودة بتقارير حقوق الإنسان وتقارير الحرية الدينية وذلك لتحقيق بعض الرهانات الإستراتيجية المتعلقة تحديدا بإحداث أقلية مسيحية وحمايتها وضمان شروط توسعها وامتدادها، ثم تحدي التشيع، وما تمثله ظاهرة التطرف والغلو من تهديد حقيقي لتماسك المجتمع، هذا فضلا عن الجماعات العلمانية المتطرفة التي تشتغل على أجندات قيمية بقصد استفزاز المشاعر الدينية للمواطنين، وإثارة الفتنة بدعوى حرية التعبير وحقوق الإنسان. أنا أعتقد أن هذه الظواهر، إن لم يتم معالجتها بحكمة، فإنها لا قدر الله، لو انتشرت، فستشكل تحديا حقيقيا، وستكون آثارها وانعكاساتها جد خطيرة على الوحدة الوطنية. ● بخصوص قضية الصحراء، ما المقاربة التي اقترحتموها في كتابكم لمواجهة مخططات استهداف الوحدة الترابية؟ ●● كان المفروض أن تتخذ أحداث مخيم العيون الأخيرة محطة أساسية للتأمل والنظر في مسار طويل من مقاربة ريعية لم تقدم شيئا للقضية الوطنية سوى أنها أضافت إليها عبئا جديدا من خلال اختلاق ما يسمى ببوليساريو الداخل. أنا أعتقد أن هذه المقاربة التي كانت تتأسس على التمييز وتقريب البعض واستثناء البعض الآخر، والتركيز على أعيان الصحراء المغربية قصد استقطابهم وتهميش الآخرين، واستعمال أسلوب الامتيازات، هذه المقاربة لم تثمر في نهاية المطاف سوى إلى خلق احتقان اجتماعي تم استثماره من قبل بوليساريو الخارج والداخل، وكان السبب في بروز فئات مختلفة الولاءات داخل الأقاليم الصحراوية، فئة وطنية مخلصة ولكنها متضررة وغير مستفيدة، وفئة وطنية مخلصة ومستفيدة بوسيلة أو بأخرى وتعمل صادقة على جمع شمل قبائل الصحراء، وفئة مستفيدة بوسيلة أو بأخرى وتعمل على أن يبقى الوضع على ما هو عليه ولا يهمها إنهاء النزاع ما دامت مستفيدة، وفئة غير مستفيدة تحمل الحقد للمغرب وتشكل ما اصطلح عليه ببوليساريو الداخل، وفئة تشكل بوليساريو الخارج مدعومة من قبل الجزائر، وفئة محتجزة قسرا في تندوف غير معروف لحد الآن نواياها. أنا أعتقد أنه آن الأوان لمراجعة هذه المقاربة، وبناء مقاربة جديدة تقوم على الديمقراطية والتنمية. إنه لا معنى أن نعتمد الجهوية المتقدمة دون القطع مع المقاربة الريعية، والانخراط في مقاربة جديدة مدخلها الديمقراطية والتنمية. الحركة الأمازيغية المتطرفة أكبر خطر يهدد التماسك الداخلي للمغاربة وضمن نفس الرؤية التي تقف عند التحديات التي تستهدف التماسك المجتمعي للمغاربة يعتبر الكاتب أن التيار الأمازيغي المتطرف المضاد للتوجه الأمازيغي المعتدل يمثل أكبر تهديد للجبهة الداخلية، بل إنه يذهب إلى أبعد من ذلك ويعتبر أن هذا التيار هو أخطر بكثير من البوليساريو، ويبرر الكاتب رأيه بكون انتشار هذا التيار ستكون له تداعيات خطيرة على كل التراب الوطني بخلاف البوليساريو، فإن تهديدها في نظره ينحصر في استهداف الوحدة الترابية في الأقاليم الجنوبية للمغرب. ويمضي الكاتب في استعراض جملة من الوقائع التاريخية التي تعزز رأيه، ويدعو إلى الاعتبار من دروس التاريخ والمسارعة لمعالجة هذا التحدي معالجة شمولية قبل أن يصير خارج السيطرة. وضمن قراءة واقعية لتاريخ المظلومية الأمازيغية، يرى الكاتب أن الإقرار بوجود محاولات لطمس الهوية الأمازيغية للمغرب قبل الاستقلال وحتى بعده، بل الإقرار حتى بوجود محاولات لإقبار الأمازيغية بكل أبعادها الثقافية والحضارية، لا يبرر الدعوات العنصرية التي تتستر وراء هذه المظلومية لخلق الاحتراب بين مكونات المجتمع ومقومات هويته الوطنية. ويعتبر الكاتب أن محاولات التهميش التي طالت سواء اللغة ألأمازيغية، أو الأمازيغ، أو المناطق الأمازيغية، أصبحت اليوم جزءا من التاريخ، أو أصبحت جزءا من الذاكرة السيئة التي يلزم القطع معها بإجراءات وسياسات تعيد الاعتبار للثقافة الأمازيغية وتزيل التهميش والتمييز ضدها على حد تعبير الكاتب. وحتى لا يلتبس الفهم على القارئ، يميز الكاتب في حديثه عن التيار الأمازيغي بين المجموعات الأمازيغية المتطرفة وبين الحركات والجمعيات الأمازيغية الوطنية التي تدعو إلى إعادة الاعتبار للأمازيغ والثقافة واللغة الأمازيغيتين، ويؤكد أنه يقصد التيارات الأمازيغاوية المتطرفة المتصهينة المعادية للإسلام وللمكون العروبي للشعب المغربي والتي بدأت تزرع بذور الفتنة في البلاد وتدعو إلى التفرقة بين الأمازيغ أنفسهم، وبين الأمازيغ وباقي مكونات الشعب المغربي.. استهداف المغرب في صحرائه: البؤرة المستمرة يعتبر الكاتب أن استهداف المغرب في صحرائه يمثل نموذجا واضحا على حرص الأعداء على جعل مشكلة النزاع حولها بؤرة للتوتر تقف في وجه تقدم المغرب والجزائر على حد سواء. ويقدم الكاتب لمحة تاريخية عن الصحراء والمقتضيات الدينية والروحية والقانونية التي تؤكد مغربيتها ، ويرصد تاريخ تشكل ظاهرة جبهة البولساريو والدور الذي قامت به الجزائر لإضعاف المغرب وتمزيق وحدته، وينتهي إلى أن هذه الجيهة هي أداة لإضعاف المغرب والجزائر على حد سواء، ويعزز حكمه بمؤشرات على المستوى الاقتصادي. وضمن تحليله للمقاربات التي انتهجت في التعاطي مع ملف وحدتنا الترابية، يرى الباحث أن المقاربة الريعية التي اعتمدت في التعامل مع أعيان وأبناء الصحراء المغربية قصد استقطابهم كانت من بين الأسباب لتفاقم الأزمة، حيث اعتبر الكاتب أحداث العيون ليوم 08 نونبر 2010 مؤشرا كافيا للحكم على أن المقاربة الريعية التي اعتمدت في التعامل مع أعيان وأبناء الصحراء المغربية قصد استقطابهم كانت من بين الأسباب لتفاقم الأزمة بل وكانت السبب الرئيس في إنشاء ما يسمى «بوليساريو الداخل» وعدد الكاتب النتائج الكارثية لهذه المقاربة والتي أفضت في نظره إلى تشكل ست فئات: الفئة الوطنية المخلصة المتضررة وغير المستفيدة، داخل وخارج الوطن، ولكن تبقى دائما معتزة بمغربيتها. الفئة الوطنية المخلصة المستفيدة بوسيلة أو بأخرى وتعمل صادقة على جمع شمل قبائل الصحراء وتعتز بمغربيتها. الفئة المستفيدة بوسيلة أو بأخرى وتعمل على أن يبقى الوضع على ما هو عليه أطول مدة لتصطاد في الماء العكر الفئة الغير المستفيدة والتي تحمل الحقد للمغرب وتشكل ما اصطلح عليه ببوليساريو الداخل المدعم من الفئة التي تصطاد في الماء العكر وتدعو للانفصال. الفئة التي تشكل بوليساريو الخارج المدعمة من أعداء المغرب وتدعو للانفصال. الفئة المحتجزة قسرا في تندوف.. ويمضي الكاتب في تحليل تداعيات هذا التقسيم من خلال طرح سؤال المقارنة بين حجم الفئات الوفية لوطنها المغرب والمعتزة بمغربيتها و حجم الانفصاليين الذين أعلنوا موقفهم المعادي وحجم المنافقين والخونة المندسين الذين يبتزون المغرب ويدعمون الانفصاليين سرا أو علنا وينتظرون الفرصة السانحة لإشعال نار الفتنة. وشدد الكاتب على ضرورة الاعتبار مما وقع من أحداث في العيون يوم 08 نونبر 2010 وأن يتخذه محطة لإعادة النظر في تعامله مع ملف الصحراء، ودعا إلى الدراسة العميقة للقرار الإستراتيجي القاضي بسن نظام جهوي موسع، مطالبا بضرورة أن تقوم سياسة تنزيله على مبدئي العدل والتنمية، معتبرا أن مدخل معالجة الاختلال الذي أحدثته المقاربة الريعية هو الديمقراطية والتنمية ويرى الكاتب ضمن مقاربته النقدية للمقاربة التي اعتمدتها الدولة أن الضعف الدبلوماسي وضعف التأطير السياسي لأبناء الصحراء شكل بدوره سببا آخر لتفاقم الأزمة. مغرب التسامح: الصيغة المغربية للتنوع في إطار الوحدة يرى الكاتب أنه لا ينبغي التساهل مع المخططات التي تراهن على خلق ما يسمى ب»الأقليات» الدينية وتقويتها، أو المخططات الخارجية التي تستهدف خلق «أقلية» شيعية في المغرب، لأن أي تساهل في الوحدة المذهبية والهوية الدينية للمغرب، سيدفع بتلك «الأقليات» -إن تم التمكين لها قانونيا وسياسيا- على المدى البعيد للمطالبة بحقوقها المدنية والسياسية، وذلك سيكون له كلفة سياسية ضخمة وتأثير كبير على مستقبل المغرب يمكن أن يدفع إلى المطالبة بإعادة صياغة ثوابت المغرب وفق منظور آخر تفرضه أجندات غير وطنية، لاسيما وأن هناك جهات غربية لا تخفي دعمها للتنصير وتسعى لتوظيف منظومة حقوق الإنسان والحريات الدينية لتسويغ حق هؤلاء في التبشير. وضمن هذه الرؤية يعتبر الكاتب أن أولى الأولويات في هذه الظرفية الحرص على المحافظة على مغرب بدون «أقليات» وقطع الطريق على الجهات المعادية التي تبذل كل ما في وسعها لأجل خلق «الأقليات» والتمكين لها وحمايتها ومدها بأسباب الدعم والاستمرار والانتشار. ويشدد الكاتب على أن التفريط في الوحدة الدينية والمذهبية، وترك الفرصة سانحة لتنامي «الأقليات» والتمكين لها، سيساهم في تفكيك تماسكنا الداخلي، وفي ظهور صراعات بين مختلف الأقليات؛ ويرى أن المواثيق الدولية التي وقع عليها المغرب سيتم تأويلها لجهة تمتيع الأقليات المفترضة بحقوقها المدنية والسياسية بالشكل الذي يمس بمؤسسات وبمقدسات المملكة المغربية المسلمة السنية المذهب وعلى رأسها الملكية وإمارة المؤمنين. خيارات لتدعم وتعزيز التمسك المجتمعي وقد فضل الكاتب أن يختم كتابه بما أسماه خلاصات وتوصيات ضمنها الخيارات التي يقدر أنها تدعم وتعزز التمسك المجتمعي، والتي لخصها في العديد من النقاط نذكر منها: إصلاح منظومة التربية والتعليم والبحث العلمي. التحصين الروحي والفكري لأبنائنا، ضد الاختراقات العقدية تشجيع كل المبادرات التي تساهم في تعميق التماسك الداخلي للمجتمع، وإمداد الأحزاب السياسية، والمجالس المنتخبة، وجمعيات المجتمع المدني بالوسائل المادية اللازمة لتقوم بدورها في التأطير والتوجيه. اعتماد نظام جهوي موسع غير مبني على تقسيم عرقي، يرتكز على التشبث بمقدسات الأمة وثوابتها، في وحدة الدولة والوطن والتراب. عدم التساهل مع المخططات التي تراهن على خلق ما يسمى بالأقليات الدينية والمذهبية بالمغرب. إعادة النظر في المقاربة الريعية التي تم بها تدبير ملف الصحراء واعتماد مقاربة تقوم على مبدأي الديمقراطية والتنمية. «جمهورية الريف» المزعومة وضمن نفس الرؤية التي يقف فيها الكاتب على الاستهدافات التي تهدد التماسك المجتمعي للمغاربة، يعرض الكاتب لتهديد آخر بدأ يبلور مقولاته اعتمادا على شعار إحياء «جمهورية الريف». ويناقش الكاتب السياق التاريخي لهذه الفكرة، وكيف عدل عنها المجاهد محمد بن عبد الكريم الخطابي رحمة الله عليه ووقف حياته للدفاع عن استقلال المغرب ووحدته خصوصا، واستقلال دول المغرب العربي عموما، معتبرا في تحليله أن هذه الدعوة كانت ظرفية، أو كان بالأحرى خطأ سياسيا تم تداركه، ودعا الكاتب العقلاء من أهل الريف أن يعملوا على توجيه القلة القليلة من شباب المنطقة المشحونة بتك الفكرة الشاذة، حتى لا ينزلقوا وراء من يعمل على زرع بذور الفتنة والتفرقة بين مختلف مناطق المغرب الموحد وبين مكونات الشعب المغربي... لا معنى لاعتماد الجهوية المتقدمة في الصحراء دون القطع مع المقاربة الريعية ● ما الدواعي التي دفعتكم لتأليف هذا الكتاب؟ ●● ربما يظن القارئ لأول مرة أني قصدت أن أتناول في هذا الكتاب قضية الصحراء والمناورات التي تستهدف الوحدة الترابية من قبل خصومها، وهذا بلا شك، يدخل ضمن أهداف الكتاب، بل إن من بين الدوافع ألأساسية التي دفعتني لكتابة هذا الكتاب هو تواتر المؤامرات والمناورات التي يحوكها أعداء وحدتنا الترابية. لكن السبب الرئيس الذي دعاني إلى تأليف هذا الكتاب، هو حصيلة التأمل للظواهر القيمية والعقدية والثقافية والسياسية التي بدأت تبرز إلى السطح أو على الأقل تتبلور بعض إرهاصاتها الأولى. وهي وإن كانت من حيث الظاهر منفصلة عن موضوع الصحراء، إلا أنها في جوهرها ومآلها مرتبطة به ارتباطا شديدا، بحكم التلازم بين تحصين التماسك المجتمعي وقضية الوحدة الترابية. ومن ثمة، تبلورت لي رؤية شمولية، أعتبر فيها أن تحصين الوحدة الترابية يمر بالضرورة عبر تحصين التماسك المجتمعي، ولذلك، حاولت أن أطرح الموضوع في أفق أشمل، ففضلت أن يكون عنوان الكتاب المغرب في مواجهة مشاريع التجزئة ونزعات الانفصال، وهو عنوان يستحضر تداخل البعد الداخلي بالبعد الخارجي. ● في نظركم ما هي أهم التحديات التي تقدرون أنها تهدد التماسك المجتمعي، وتشكل خطورة على وحدة المغرب واستقراره؟ ●● في تقديري، إن أخطر تحدي يمكن أن يواجه التماسك المجتمعي المغربي في المستقبل المتوسط والبعيد هو الأمازيغية المتطرفة، أنا لا اقصد بذلك الحركات والجمعيات الأمازيغية التي تناضل من أجل رفع الملظومية الثقافية واللغوية عن الأمازيغية، ولا أقصد الجمعيات التي تناضل من أجل رفع التهميش والتمييز ضد المناطق الأمازيغية، ولكني أقصد بالتحديد الأقليات الأمازيغية المتطرفة التي تلعب بأكثر من ورقة لتمزيق وحدة النسيج المجتمعي المغربي، فتلعب بورقة خلق الاحتراب في الجبهة الهوياتية بين المكون العربي والأمازيغي، وتلعب بورقة افتعال صراع ضد الهوية الإسلامية من مدخل التأصيل التاريخي لعلمانية الشعب المغربي، وتلعب بورقة أخرى أكثر خطورة هي نسج علاقات مع الكيان الصهيوني و تسريع مسار التطبيع. طبعا ليس هذا هو التحدي الوحيد، فهناك تحدي الخطر الذي يمثله التطبيع الذي بدأ يخترق بعض مكونات المجتمع المدني، بالإضافة إلى التحدي العقدي الذي يمثله التنصير الذي صار يتوسع نشاطه عبر استثمار وضعية التهميش، واستثمار الضغوط الأجنبية المسنودة بتقارير حقوق الإنسان وتقارير الحرية الدينية وذلك لتحقيق بعض الرهانات الإستراتيجية المتعلقة تحديدا بإحداث أقلية مسيحية وحمايتها وضمان شروط توسعها وامتدادها، ثم تحدي التشيع، وما تمثله ظاهرة التطرف والغلو من تهديد حقيقي لتماسك المجتمع، هذا فضلا عن الجماعات العلمانية المتطرفة التي تشتغل على أجندات قيمية بقصد استفزاز المشاعر الدينية للمواطنين، وإثارة الفتنة بدعوى حرية التعبير وحقوق الإنسان. أنا أعتقد أن هذه الظواهر، إن لم يتم معالجتها بحكمة، فإنها لا قدر الله، لو انتشرت، فستشكل تحديا حقيقيا، وستكون آثارها وانعكاساتها جد خطيرة على الوحدة الوطنية. ● بخصوص قضية الصحراء، ما المقاربة التي اقترحتموها في كتابكم لمواجهة مخططات استهداف الوحدة الترابية؟ ●● كان المفروض أن تتخذ أحداث مخيم العيون الأخيرة محطة أساسية للتأمل والنظر في مسار طويل من مقاربة ريعية لم تقدم شيئا للقضية الوطنية سوى أنها أضافت إليها عبئا جديدا من خلال اختلاق ما يسمى ببوليساريو الداخل. أنا أعتقد أن هذه المقاربة التي كانت تتأسس على التمييز وتقريب البعض واستثناء البعض الآخر، والتركيز على أعيان الصحراء المغربية قصد استقطابهم وتهميش الآخرين، واستعمال أسلوب الامتيازات، هذه المقاربة لم تثمر في نهاية المطاف سوى إلى خلق احتقان اجتماعي تم استثماره من قبل بوليساريو الخارج والداخل، وكان السبب في بروز فئات مختلفة الولاءات داخل الأقاليم الصحراوية، فئة وطنية مخلصة ولكنها متضررة وغير مستفيدة، وفئة وطنية مخلصة ومستفيدة بوسيلة أو بأخرى وتعمل صادقة على جمع شمل قبائل الصحراء، وفئة مستفيدة بوسيلة أو بأخرى وتعمل على أن يبقى الوضع على ما هو عليه ولا يهمها إنهاء النزاع ما دامت مستفيدة، وفئة غير مستفيدة تحمل الحقد للمغرب وتشكل ما اصطلح عليه ببوليساريو الداخل، وفئة تشكل بوليساريو الخارج مدعومة من قبل الجزائر، وفئة محتجزة قسرا في تندوف غير معروف لحد الآن نواياها. أنا أعتقد أنه آن الأوان لمراجعة هذه المقاربة، وبناء مقاربة جديدة تقوم على الديمقراطية والتنمية. إنه لا معنى أن نعتمد الجهوية المتقدمة دون القطع مع المقاربة الريعية، والانخراط في مقاربة جديدة مدخلها الديمقراطية والتنمية.